بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أما بعد.
حديثنا اليوم عن الحب.. أسمى وأجمل وأعظم حب.
فيا من تبحثين عن حبيب، انضمي إلينا لتعرفي حبيبكِ، فتزدادي له حبًا وتزدادي منه قربًا
حديثنا اليوم عن حب الله
منزلة المحبة تلك المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، هي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة.
إذا غرست شجرة المحبة في القلب وسقيت بماء الإخلاص والمتابعة ،
أثمرت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بإذن ربها أصلها ثابت في قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى.
(( عرفته..فأحببته ))
فهيا معًا لنعيش دقائق نملأ فيها قلوبنا حبًا وتعظيما لله عز وجل.
لكي نحب إنسانًا لابد أن نعرفه حق المعرفة لابد أن نعرف صفاته ونفكر في أفعاله وما يميزه وما يدعوك لمحبته، هكذا محبة المخلوق، فكيف تكون محبة الخالق؟؟
محبة الله فطرة في قلوبنا لكنها لكي تزداد وتقوى لابد أن تبنى على معرفة الله، ويكون ذلك بمعرفة أسمائه وصفاته وأن نتعبد بها لله عز وجل.
وإن سألتُكِ:كم هي أنعم الله عليكِ بالليل والنهار؟
من عافاكِ، من سَتركِ، من أمَنكِ، من أعطاكِ، من حماكِ، من رزقكِ، من وهبكِ؟
فستقولين بصدق أن الذي أنعم عليكِ بكل ذلك هو الله.
قال صلى الله عليه وسلم: "أحبوا الله لما يغذوكم به" [حديث صحيح]
ومن أجَّل هذه النعم، نعمة الإسلام.
فلو لم يكن يحبكِ ما كان سماكِ باسم الإسلام ولا وسمكِ بِسِمَة الإيمان.
لذا فمعرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته لها آثار إيجابية عظيمة تعود على الفرد و المجتمع الإسلامي بأكمله،
ومن ثمرات معرفة الله عز وجل بأسمائه وصفاته:
(1) إذا علم العبد ربه وامتلأ قلبه بمعرفته أثمر ذلك ثمرات جليلة في سلوكه وسيره إلى الله
وتأدب معه ولزم أمره واتبع شرعه، وتعلق قلبه به وفاضت محبته على جوارحه فلهج لسانه بذكره،
وجوارحه بطاعته، وسارع في مرضاته وبذل غاية جهده.
ولا يكاد يمل القربة لله محب , فلم يبق في قلبه غير الله كما قيل:
قد صيغ قلبي على مقدار حبهم *** فما لحب سواهم فيه متسع
(2) من أحب الله عز وجل لم يكن عنده شيء آثر من الله
فالمحب لا يجد مع الله للدنيا لذة, فلم يثنه عن ذلك حب أهل أو مال أو ولد،
لأن هذه وإن عظمت محبتها في قلبه إلا أنه يدرك أنها بعض فضل الله عليه فكيف يشتغل بالنعم وينسى من أنعم عليه بها.
(3) العلم بمعاني أسمائه عز وجل وصفاته يحقق العلم الصحيح بفاطر الأرض والسماوات
يقول ابن القيم رحمه الله: "لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا الإيمان حتى يؤمن بصفات الرب جل جلاله ويعرفها معرفة تخرجه عن حد الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان."
(4) منزلة العبد عنده سبحانه على قدر معرفته به
فتأملي معي كيف اختصت آية الكرسي بكونها أعظم آية في كلامه عز وجل، وكيف عدلت سورة الإخلاص ثلث القرآن،
مع أن المفضل عليه بعض كلام الرب تبارك وتعالى، فإذا تفاضل كلامه ببركة أسمائه كان تفاضل عبيده بسبب ذلك أدل وأحرى.
(5) لا سعادة للقلب ولا سرور له إلا بمعرفة مولاه ومربيه وإلهه
وبقدر علمه به واتباعه لهداه تعظم سعادته،
يقول الحق تبارك وتعالى: "فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" [البقرة: 38]
(6) من أجَّل هذه الثمرات أن من أحصى بعضاً منها حفظاً، وفهماً، وعملاً، استحق الجنة
كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة" [رواه البخاري ومسلم].
(7) معرفة الله بأسمائه وصفاته وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والتوكل وسائر العبادات القلبية
- قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: "فَهم معاني أسماء الله تعالى وسيلة إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة والمحبة والتوكل وغير ذلك من ثمرات معرفة تلك الصفات."
- ويقول أيضاً: "ذكر الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة وبأوصاف الكمال موجب للمهابة، وبالتوحد بالأفعال موجب للتوكل، وبسعة الرحمة موجب للرجاء، وبشدة النعمة موجب للخوف، والتفرد بالإنعام موجب للشكر، ولذلك قال سبحانه:
"اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً" [الأحزاب: من الآية41].
(8) ومن الثمرات أيضًا، العمل بها
نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري عن ابن بطال قوله:
"طريق العمل بها: أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم فإن الله يحب أن يرى حالها على عبده، فليعرف العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص بالله كالجبار والعظيم فيجب على العبد الإقرار بها والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد: نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد: نقف منه عند الخشية والرهبة."
(9) تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك
فهناك تلازم وثيق بين إثبات الأسماء والصفات لله وتوحيد الله، فكلما حقق العبد أسماء الله وصفاته علماً وعملاً كان أعظم وأكمل توحيداً، وفي المقابل فإن هناك تلازماً وطيداً بين إنكار الأسماء أو الصفات وبين الشرك.
- يقول ابن القيم رحمه الله في تقرير هذا التلازم: "كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيل كلامه -سبحانه- أو بعضه وظن السوء به ما أشرك به، كما قال إمام الحنفاء لقومه:
" أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ*فما ظنكم برب العالمين" [الصافات:86-87]
أي فما ظنكم به أن يجازيكم، وقد عبدتم معه غيره؟ وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟
أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان؟
أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بهم كالملوك؟
أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على الاستقلال بتدبيرهم وقضاء حوائجهم؟
أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟
والمقصود أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه، فلا تجد معطلاً إلا وشركه على حسب تعطيله فمستقل ومستكثر."
(10) الصبر على المكروهات والمصائب النازلة بالعبد
فهو سبحانه حكيم عليم، حكم عدل، ولا يظلم أحداً فمن عرف ربه كذلك صبر على قضائه وقدره
يقول ابن القيم رحمه الله: "من صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته، علم يقينًا أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته، بل مصلحة العبد في ما كره أعظم منها في ما يحب."
(11) حسن الظن بالله والثقة به تعالى
فمعرفة أنه قادر حكيم، فعال لما يريد، يوجب ذلك
يقول ابن القيم رحمه الله: :وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفي ما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، وعرف موجب حكمته وحمده، ولو فتشت لرأيت عنده تعتبًا على القَدَر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك؟."
(12) حسن الخلق وسلامة السلوك والسلامة من الآفات كالعجب والكبر والحسد
فالمبتدعة الذي يزعمون أن العبد يخلق فعل نفسه، فالخير هو الذي أوجده وفعله،
والجنة ثمن عمله يورثهم ذلك غروراً وعجباً، ولو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال وأنه المنعم المتفضل وما بالعباد من نعمة فمنه وحده لا شريك له، ومن تلك النعم التوفيق للعمل الصالح، فينشغل بالشكر والتواضع ولم يعجب بعمله.
(13) كذلك لو عرف ربه بأسمائه وصفاته لم يتكبر ولم يحسد أحداً على ما آتاه الله
لأن الحسد في الحقيقة مضادة لله في حكمته، فإنعام الله على عبده تابع لحكمته.
والحاسد يكره هذا الإنعام وقد اقتضته حكمة الله، فهو مضاد لله تعالى في حكمته وقضائه وقدره.
(14) لهج العبد بدعاء ربه عز وجل
فالدعاء من آكد العبادات وأعظمها.
فعن النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدعاء هو العبادة"،
ثم قرأ: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ " [غافر: 60]
[حديث حسن صحيح ]
والدعاء لا ينفك عن إثبات وفِـقْـه أسماء الله تعالى وصفاته.
جعلنا الله وإياكن ممن عرفه فخافه، وأحبه فأطاعه، وعلق به رجاءه ولم يلتفت لسواه .
الفـــــــــــــهـــــــــــــــــرس
تعليق