السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل:20].
من هنا تأتي أهمية الاحتساب، فماذا نقصد بالاحتساب؟
إن للاحتساب أنواعًا أو معاني، منها:
احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطاعات التي يُبتغى بها وجهه الكريم سبحانه.
وإذا استحضر العبد هذا المعنى العظيم في نفسه عند قيامه بالطاعات فإنه سيدفع عن نفسه خواطر السوء من السمعة والرياء وطلبة المدح والثناء من الناس إلى غير ذلك من الآفات التي تحبط العمل أو تنقص الأجر؛ لأنه حصر همه في رضا الله وطلب الأجر منه. وعندئذ يفوز بالأجر العظيم والثواب الجزيل،
كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا و احتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
بل إن العبد المسلم يؤجر على نفقته على أهله وهي واجبة عليه كأجر الصدقة إن هو احتسبها كما ورد في الحديث: "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة".
فانظر كيف عظم الأجر بسبب الاحتساب في الطاعات؟!
ومن معاني الاحتساب: طلب الأجر من الله عند الصبر على البلايا والمكاره:
وقد مدح الله هذا الصنف من المؤمنين ووعدهم بالرحمة والهداية والأجر الكبير: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:156، 157].
فالمسلم يمرض وكذا الكافر، ويموت أحباؤه وأقرباؤه، وكذا الكافر؛ لكن ثمة فرقًا مهمًا بينهما؛ ألا وهو ما يرجوه المؤمن من الأجر إن هو صبر واحتسب ورضي، قال الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) [النساء:104].
استمع إلى أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وهي تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلُف لي خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله له خيرًا منها". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم..." الحديث.
وقد كان السلف يراجعون أنفسهم ويستحضرون النوايا الصالحة ويتواصون بالاحتساب طلبًا للأجر والثواب.
هذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "أيها الناس! احتسبوا أعمالكم؛ فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته".
كما استهان خبيبٌ بن عدي رضي الله عنه بالموت عندما أراد بنو الحارث بن عامر أن يقتلوه، فقال:
ولستُ أبُالي حين أُقتلُ مسلمًا.. ... ..على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ.. ... ..يبارك على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع
فاحتسب أيها الحبيب في طاعاتك وعباداتك، واحتسب في البلايا والشدائد، يثبت الله قلبك ويعلي ذكرك ويضاعف أجرك.
تعليق