إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فكّــوا العاني .. واجبنا نحو أسرانا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فكّــوا العاني .. واجبنا نحو أسرانا

    للشيخ محمد عبد الكريم .
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي بيده ملكوت كل شيء, يجير ولا يُجار عليه, وصلى الله على محمد خير خلق الله, وأكرم العباد لديه, وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين, الذين أطاعوه وما قدموا بين يديه.
    أما بعد..
    قال الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال الأنفس والثمرات وبشر الصابرين)البقرة (آية:155), بمثل هذه الآية يتجلَّد المسلمون من الأسرى والمحبوسين في سجون الكافرين وأشياعهم, كما ويتصبّر بها أهلوهم وذووهم, وكلٌ منهم مبكي، فالمأسورون أسوتهم النبي الكريم يوسف سجين البغي والعدوان, والأهلون قدوتهم صاحب الصبر الجميل يعقوب عليهما السلام.
    إنّ فاجعة الأسر شيء لا بدَّ منه في كثير من ملاحم المسلمين مع الكافرين, وهو من جملة ما يمحِّص الله تعالى به عباده المجاهدين, قال تعالى: (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله وهو خير الماكرين)الانفال (آية:30). والإثبات هو الحبس والأسر, وهو أشد المصائب على النفوس الأبيَّة, التي لا تقبل ضيماً ولا ذلة, بخلاف طرفي الأمر في جهاد الأعداء: النصر أو الشهادة فهما حُسنيان, كما قال الله تعالى: (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين)التوبة (آية:52). وذلك كله من قدر الله بعباده الدعاة والمجاهدين, كما كان علي رضي الله عنه ينشد وهو يخوض المعارك:
    أيَّ يوميَّ من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قَدَر
    يوم لا يقدر لا أحذره ومن المقدور لا ينجي الحَذر
    إنّ الأسر إذا حاق بمسلم وجب على المسلمين السعي إلى تخليصه بكل سبيل شرعي, وشأنٌ كهذا أوضح من أن يحتاج إلى فتوى شرعية, أو يتوقف على دراسة فقهيَّة, ولكن لا بأس من التأكيد على هذه المسؤولية العظيمة, حتى ينهض جميع المسلمين بأعبائها, ويقدروها حق قدرها.
    أولاً: الأدلة القرآنية والحديثية العامة التي ترمي إلى نصرة المسلم لإخوانه كقوله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)الانفال (آية:72), وما هذه النصرة إلا واجب من واجبات آصرة الديانة كما قال سبحانه: (وإنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)الانبياء (آية:92), فالمسلمون أمة واحدة دون الناس يسعى بذمتهم أدناهم, وتلك النصرة أيضاً من واجبات الإخوة الإيمانية قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)الحجرات (آية:10). ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخْذُلُه ولا يحقره))، قال أهل العلم: الخذل: ترك الإعانة والنصر, ومعناه إذا استنصر به في دفع السوء ونحوه لزمه إعانته إذا أمكن ولم يكن له عذر شرعي.
    ثم الويل لمن تقاعس عن مدِّ يد النصرة إلى مسلم وهو قادر, قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من امرئ مسلم يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه؛ إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته, وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه, وتنتهك فيه حرمته؛ إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته)) رواه أبو داود من حديث جابر وأبي طلحة. وهل فينا من يملك الضمان ـ على الدهر المتقلب المملوء بالفواجع ـ من أن تخطفه يدٌ غيلةً؟ أو تنزل بساحته قارعة؟ إنّ المسلم إذا تخاذل عن نجدة إخوانه في الواقعة الواحدة, والحادثة الفذة فإنّ ربه له بالمرصاد ويخذله في أحلك ما سيلقى, ويدعه إلى نفسه الضعيفة تستغيث ولات حين مغيث. أخرج الإمام أحمد عن أبي أمامة عن سهيل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أذل عنده مؤمن فلم ينصره, وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة)).
    ثانياً: ثمة أدلة تتعلق بهذا الحكم خصوصاً ـ وهو وجوب فك أسرى المسلمين ـ ومن ذلك أنّ الله تعالى أمر بالقتال لتخليص ضعفة المسلمين, وأسارى المسلمين لهم في الحكم تبع، قال تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً), ".
    وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فكوا العاني ـ يعني الأسير ـ وأطعموا الجائع وعودوا المريض)), وفي الصحيح أيضاً عن أبي حجيفة قال: قلت لعلي رضي الله عنه: "يا أمير المؤمنين, هل عنكم من الوحي شيء؟" قال: "لا والذي فلق الحية وبرأ النسمة, إلا فهماً يعطيه الله عز وجل رجلاً وما في هذه الصحيفة"، قلت: "وما في هذه الصحيفة؟" قال: "العقل، وفكاك الأسير, ولا يقتل مسلم بكافر".
    وإنّ في السيرة العملية لعبراً تؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في فك الأسارى ومن ذلك القيام بالفداء، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم فدى رجلاً برجلين، وكان من ديدنه عليه الصلاة والسلام نصرة الأسرى بسهام الدعاء التي لا تخطئ أبداً, كما في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة يقول: ((اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة, اللهم أنج سلمة بن هشام, اللهم أنج الوليد بن الوليد, اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين, اللهم اشدد وطأتك على مضر, اللهم اجعلها سنين كسني يوسف)).
    قال ابن العربي المالكي: "إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين: فإنّ الولاية معهم قائمة, والنصرة لهم واجبة بالبدن بألاّ يبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم. إن كان عدواناًَ يحتمل ذلك, أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم, حتى لا يبقى لأحد درهم, كذلك قال مالك وجميع العلماء, فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حلَّ بالخلق في تركهم إخوانهم في أمر العدو, وبأيديهم خزائن الأموال, وفضول الأحوال, والعدة والعدد, والقوة والجلد" [أحكام القرآن:440/2].
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فكاك الأسارى من أعظم الواجبات, وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات" [الفتاوى 635/28].
    إنّ قضية أسارى المسلمين اليوم لدى الدولة الصليبية الأولى, وما في سجون اليهود في فلسطين, ومن في غيابات الجب من الدعاة في سجون الطغاة الجاثمين على صدور المسلمين أمر يؤرق كل مسلم أبيٍّ غيور, ويقضُّ مضجعه, ولكن الحزن وحده لا يجدي، وإظهار الأسى لحالهم فحسب لا يكفي. بل لا بدّ من تحرك عملي لنجدتهم, وتخليصهم من أسر عدوهم, فعلى التجار والميسورين أن يبذلوا أموالهم, ولا يجوز لهم أن يضنوا بها عليهم, وعلى ذوي الجاه والمناصب أن يسعوا بسلطانهم. وعلى أهل العلم والدعوة القيام تحريضاً وتبصيراً بحقوق الأسرى بلسانهم، وعلى أهل الإعلام والصحافة أن يناضلوا بمدادهم وأقلامهم, وأقترح عليهم إنشاء موقع يخصُّ هؤلاء الأسرى على شبكة المعلومات الإلكترونية, يتناول أحوالهم وما آلت إليه أمورهم في كل مكان, على أن يكون هذا الموقع "ربطاً دائماً" يلتحق بكل موضوع إسلامي.
    فاللهم فك أسر إخواننا من المجاهدين والدعاة في كل أرضك, وردهم إلينا سالمين, غير خزايا ولا ندامى ولا مكلومين, وابطش اللهم بأعدائنا, وخالف بين كلمتهم، واكسر غرورهم, واجعل ما يمكرون به في الليل والنهار مرتداً إلى نحورهم. آمين.

  • #2
    رد: فكّــوا العاني .. واجبنا نحو أسرانا

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جزاكم الله خيرا
    ان طال الغياب فبسبب انقطاع النت

    تعليق

    يعمل...
    X