بسم الله الرحمن الرحيم
انقل لكم هذا الموضوع بعنوان
أنا.. وأمِّي.. والتزامي.. وهو لفتاة تواجه مشكلة بعد الالتزام مع الرد على المشكلة وكيفية حلها.
وهى تقول:
وأودُّ أن أطرح مشكلتي وأرجو أن أجد الحلَّ لديكم.
أنا فتاةٌ جامعيَّةٌ قد هداني الله منذ عدَّة أشهرٍ فالتزمت.
ولكنَّ هذا لم يَرُقْ لوالدتي مع أنَّها من عائلةٍ مشهورةٍ بالدين، فكلُّ عائلتها صالحون ولله الحمد، وكذلك عائلة والدي.
والمشكلة هنا أنني التزمتُ وأمِّي عارَضَت هذا الشيء، بل قامت بالاستهزاء بي على الدوام، تخيَّل بعد أن كانت تحثُّني على صلاة الليل والضحى، وتطلب منِّي بشدَّةٍ التوقُّف عن الأغاني، أصبحت إذا أردتُّ أن أصلِّي القيام تصرخ عليَّ وتستهزئ بي، بدعوى أنَّني أغلو في الدين.
وعندما أخفض صوت الأغاني تطلب منِّي أن أرفع الصوت حيث إنِّني أفرض رأيي على حدِّ قولها.
مع أنَّ جميع إخوتي يحترمون فيَّ التزامي، وكذلك عائلتي.
ومع أنَّني أصبحت لا أنصحها أبداً حتى في أيِّ شيءٍ حتى لا تغضب منِّي، وفي نفس الوقت أصبحت أطيعها ولا أرفع صوتي أبداً بعد أن كنتُ أقلُّ أدبي عليها!
هي الآن تمنعني من حضور أيِّ محاضرةٍ دينيَّة، وتفرح إذا ذهبت لحفلة عرس.
وكذلك أصبحت تكره صديقتي الحميمة بعد أن كانت تحبُّها كثيرا، وذلك لأنَّها التزمت معي.
والطامَّة الكبرى أنَّها ترفض أن أتزوَّج بمتديِّنٍ لأنَّه معقَّدٌ على حدِّ زعمها، فهي حتى لا تقول لأحدٍ أنَّني التزمت، وإذا تحدَّث معها أحدٌ وامتدح ديني تنكر ذلك وتقول إنَّني لست كذلك خوفاً من هروب العريس على ما تظنّ.
أريد أن أنجو بديني ولا أستطيع أن أقول شيئاً عن والدتي حتى مع أبي لأنَّها ذات شخصيَّةٍ مسيطرة، وأخاف من المشاكل بينهما.
ماذا أفعل معها، فكلَّما نصحتها تقول: إنَّها ستدخل الجنَّة لأنها تصوم وتصلِّي، وعندما أذكر لها الذنوب الأخرى تقول: إنَّ الله غفورٌ رحيم؟
آسفةٌ جدًّا على الإطالة، ولكنَّني لم أجد أحداً أستطيع أن أخبره عن مشكلتي، مع الشكر الجزيل.
وكان هذا رد ا على رسالتها:
أختنا الفاضلة سارة، بارك الله فيك،
كثيراً ما يحدث لأيٍّ منَّا عندما تواجهه مشكلة، أن يبحث في الأشخاص والأسباب والظواهر المحيطة به، دون أن يتطرَّق إلى ذهنه أن يبحث عن الأسباب النابعة من نفسه، والتي من الممكن أن تكون المسبِّب الرئيسيَّ لما يواجهه من مشكلات.
أقول لك ذلك؛ لأنَّك في أوَّل رسالتك أثنيت على عائلة والدتك، وأنَّ كلَّهم صالحون، وأنَّها كانت تحثك على صلاة الليل والضحى، وتنهاك عن سماع الأغاني، وأخبرتِ أنَّها تصوم وتصلِّي، إذن فوالدتك –والحمد لله– تأخذ من الالتزام بنصيب جيِّد، ثم ذكرت بعد ذلك مضايقات والدتك لك غير المبرَّرة –من وجهة نظرك – بعد التزامك!!.
إذن، ما الذي حدث؟ وما أسباب هذا التغيير؟
لذا أدعوك -أوَّلا- إلى أن تجلسي مع نفسك، وتراجعي أحوالك خلال الأشهر الماضية بعد أن التزمت، واسألي نفسك هذه الأسئلة:
- ما مفهومك للالتزام؟ وهل كان (التزامك) عن فهمٍ وعلمٍ واقتناع، أم جاء عاطفةً وتقليدا؟ فإن كان عاطفةً وتقليدا، فابدئي في اتِّخاذ وسائل لبناء شخصيَّتك المسلمة، والتعرُّف على أحكام دينك من مصادرها الصحيحة السليمة.
- هل (التزامك) جعلك تنعزلين عن أفراد أسرتك وتنغلقين على نفسك، ولا تشاركينهم حياتهم، وجعلهم يشعرون أنَّ (التزامك) قد نأى بك عنهم، وجعلك غريبةً عنهم؟
- هل غاليتِ في (التزامك) وخرجت عن الحدود الشرعيَّة في العبادة والتعامل، ممَّا جعل والدتك تخاف عليك نفسيًّا وصحيّا، فتطلب منك التوقُّف عن الصيام والقيام مثلا؟
فإن كنت كذلك فعلاً، فصحِّحي مفهومك عن الالتزام، فالإسلام لا يعرف الرهبانية والعزلة والتقوقع، وإنَّما حامله والملتزم به يجب أن يكون مشعل هدايةٍ يتحرَّك بين الناس، وبائع مسكٍ إن لم يشترِ منه الناس حذاهم من عطره، أو وجدوا منه الريح الطيبة.
ولا يعرف الإسلام –كذلك- الغلوّ، ويحذِّر منه أشدَّ التحذير، ونظرةً يسيرةً في سنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسيرته تنبئ بهذا.
وقد تؤدِّي تلك الانعزالية والمغالاة إلى نتائج عكسيَّةٍ فيما بعد، فيتحوَّل التشدُّد والتزمُّت إلى ترخُّصٍ وتحلُّل.
- هل تعاملت مع والدتك وأسرتك من منطلق الوصاية ومحاولة تغيير واقعهم الذي لا يروق لك، وأعملت فيهم "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، فأشعرهم ذلك بأنَّك تتكبَّرين عليهم، وتفرضين عليهم رأيك (وقد ألمحتِ إلى هذا من خلال كلام والدتك) فولَّد ذلك عندهم ردَّ فعلٍ مضادّ؟ ربَّما، فإنَّ فرض الرأي –أختي الفاضلة– يولِّد العناد، فقد يكون سامعك مقتنعاً تماماً بصحَّة ما تقولين وتعتقدين، ولكنَّ طريقتك في عرض الموضوع، وإشعاره بأنَّ ما تقولينه واجب التنفيذ، يجعله يظهر رفضه وعدم اقتناعه.
الطريق الأمثل لتوصيل ما تريدين هو الإقناع، وليس الفرض، هكذا كان أسلوب الأنبياء، وأسلوب القرآن، في مواقف كثيرةٍ لا يتَّسع المقام لذكرها.
- واضحٌ من رسالتك -أختي الفاضلة- أنَّ دافع والدتك الأكبر للوقوف ضدَّ التزامك هو خوفها عليك من العنوسة، وعزوف الرجال عن الزواج منك، وهذا هاجسٌ شائعٌ يسيطر على أذهان الكثير من الأمَّهات اللاتي التزمت بناتهنّ، ولكي تُمحَى هذه الفكرة من خاطرها حاولي إقناعها بأنَّ الزواج رزقٌ من الله عزَّ وجلّ، وأنَّه مقدَّرٌ من عنده سبحانه وتعالى، وأنَّه سيأتيك سيأتيك، مهما كان مكانك، ومهما كان حالك، وأنَّ الشباب الجادَّ الطاهر العفيف، يبحث وينقِّب عن الطاهرات العفيفات أمثالك، أمَّا غيرهم فإنَّهم ينشدون ضالَّتهم في الحفلات والملاهي والأعراس غير المنضبطة، وما شاكل ذلك، وأنت لا تريدين أن ترتبطي بأمثال هؤلاء، فلا حاجة لك في ارتياد مثل هذه الأماكن.
- شعرت من خلال رسالتك أنَّه من الممكن أن تكون هناك رواسب قديمةٌ في العلاقة بينك وبين والدتك، فقد قلت: "كنت أقلُّ أدبي عليها"، وربَّما لم يصفُ قلبها لك بعدُ من تلك المواقف السابقة، فيحسن بك أن تحاولي إزالة هذه الرواسب بالاعتذار وطلب السماح، والمبالغة في برِّها والإحسان إليها، وأشعريها وثبِّتي في أعماقها أن التغيُّر الذي حدث في طريقة معاملتك لها، وحسن الأدب معها، وبرَّها، كلُّ ذلك كان نتيجة التزامك بأحكام الدين، فيكون هذا سبباً في أن تقرَّك على ما أنت عليه، وتذكَّري قول الله عزَّ وجلَّ في حقِّ الوالدين: "وإن جَاهَدَاكَ على أن تُشْرِك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تُطعْهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفا"، فحفظ حقِّ البِرِّ والمصاحبة بالمعروف محفوظٌ للوالدين، ولو كانا كافرين، فهل طلبت منك والدتك أن تشركي بالله؟!!.
وبعدما تنتهين من أسبابك الداخليَّة، ابدئي في علاج الأسباب الخارجيَّة:
- اقتربي من والدتك أكثر، ابتسمي في وجهها دائما، لا تتركي تقبيل يدها.
- حاولي أن تجلسي مع والدتك جلسة حبٍّ ووُدّ، جلسة الابنة من أمِّها، احتضنيها، قبِّلي يديها ورأسها، قولي لها: إنَّ هدفك الأكبر في هذه الحياة أن ترضيها وتسعديها، وأنَّك لا تستطيعين تحمُّل غضبك منها، وبعد أن تلوح ابتسامة الرضى على وجهها، ناقشيها بموضوعيَّةٍ في موقفك وموقفها:
امدحي أوَّلاً صلاتها وصومها، لا تتحدَّثي عن الذنوب والأخطاء والهفوات، وتذكَّري أنَّك لستِ وصيَّةً عليها، لا تفكِّري الآن في دعوتها، اتركي كلَّ ذلك الآن، وثقي أنَّ والدتك ستقبل منكِ كلَّ شيءٍ حين تحسُّ بحبِّك لها، فافعلي ذلك أوَّلا: أحبِّيها كما لم يحبَّها أحد، مع أنَّ إحساسي الشخصيَّ يقول أنَّ أخطاء والدتك وذنوبها –على ما ذكرتِ من خُلُقها وطباعها- لا تتعدَّى اللمم، وربَّما التزامك الشديد صوَّرها لك في صورة الكبائر، إنَّنا لسنا ملائكة، فكلُّنا نخطئ، وخير الخطَّائين التوابون.
- ما المانع من أن تعرضي على والدتك أن تصحبك إلى تلك المحاضرات الدينيَّة التي تمنعك من حضورها، حتى تطمئنَّ وتهدأ نفسها، وتعلم ما الذي تستمعين إليه، ومن يدري فربَّما أثَّرت فيها تلك المحاضرات تأثيراً إيجابيّا، وفي كلِّ الأحوال لا تجعلي حضور المحاضرات سبباً في تصادمكما، فاستغني عن الحضور بالسماع، والحمد لله فالأشرطة أكثر من أن تُحصَى.
- ابحثي في وسط أقربائك وقريباتك عمَّن يؤيِّدك ويقف بجوارك، ويحاول إقناع والدتك بوجهة نظرك، كعاملٍ مساعدٍ دون أن تقطعي الطريق بينك وبينها، مع الانتباه إلى ضرورة أن يكون ذلك بطريقةٍ غير مباشرة، حتى لا تظنَّ والدتك أنَّك تكوِّنين الجبهات ضدَّها.
- أما عمَّا تتعرَّضين له من سخريةٍ واستهزاءٍ أحيانا، فإنَّ ذلك من ضريبة الدعوة التي لم يُعفَ من دفعها نبيٌّ ولا داعيةٌ على مرِّ الزمان، فما من نبيٍّ أو داعيةٍ إلا وسخر منه قومه واستهزءوا به، ورمَوه بالجنون وغيرها من التهم، فما كان منهم إلا الاستعلاء على تلك الممارسات، وعدم الاهتمام بها، والركون إلى جناب الله عزَّ وجلَّ لمحو آثارها في النفس، واحتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى، فعلى دربهم هذا سِيري، وبه تمسَّكي.
ولا شكَّ أنَّ كلَّ هذا يحتاج منك إلى صبر ومجاهدة، وهما عُدَّتا كلِّ مسلمٍ ملتزم.
وتذكَّري أنَّ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن تعرَّض لابتلاءاتٍ من قِبَل والديه، فهذا مصعب بن عميرٍ رضي الله عنه عندما أسلم، حبسته أمُّه، وخلعت عنه ملابس العزِّ والترف، وألبسته لباس الذلِّ والهوان، وضربته وعذَّبته، كي يحيد عن إسلامه، ولكنَّه لم يقابل هذا كلَّه إلا بالصبر، ولم يدفعه ذلك إلى إساءة القول أو الفعل مع والدته، حتى جعل الله عزَّ وجلَّ من ضيقه فرجاً ومخرجا، كذلك كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وغيرهما الكثير من صحابة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مع أنَّ الوالدة في حالاتهم كانت كافرة، وليست مسلمة!! فما بالك بآبائنا وأمَّهاتنا المسلمين؟ بل والمصلِّين؟ بل والصائمين؟.
وأوَّلاً وأخيرا –أختي سارة– عليك بأقوى الأسباب وأشدِّها: اللجوء إلى الله عزَّ وجلّ، ودعاء السَحَر أن يصلح الرحمن ما بينك وبين والدتك، وأن يربط على قلبها، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يساعدك في النجاة بدينك كما تقولين.
وتذكَّري دائما: طريقك إلى أمِّك: الحبُّ ثمَّ الحبُّ ثمَّ الحبّ، ثمَّ الصبر والمجاهدة.
ارجو تعليقاتكم على الموضوع
وجزاكم الله خيرا
انقل لكم هذا الموضوع بعنوان
أنا.. وأمِّي.. والتزامي.. وهو لفتاة تواجه مشكلة بعد الالتزام مع الرد على المشكلة وكيفية حلها.
وهى تقول:
وأودُّ أن أطرح مشكلتي وأرجو أن أجد الحلَّ لديكم.
أنا فتاةٌ جامعيَّةٌ قد هداني الله منذ عدَّة أشهرٍ فالتزمت.
ولكنَّ هذا لم يَرُقْ لوالدتي مع أنَّها من عائلةٍ مشهورةٍ بالدين، فكلُّ عائلتها صالحون ولله الحمد، وكذلك عائلة والدي.
والمشكلة هنا أنني التزمتُ وأمِّي عارَضَت هذا الشيء، بل قامت بالاستهزاء بي على الدوام، تخيَّل بعد أن كانت تحثُّني على صلاة الليل والضحى، وتطلب منِّي بشدَّةٍ التوقُّف عن الأغاني، أصبحت إذا أردتُّ أن أصلِّي القيام تصرخ عليَّ وتستهزئ بي، بدعوى أنَّني أغلو في الدين.
وعندما أخفض صوت الأغاني تطلب منِّي أن أرفع الصوت حيث إنِّني أفرض رأيي على حدِّ قولها.
مع أنَّ جميع إخوتي يحترمون فيَّ التزامي، وكذلك عائلتي.
ومع أنَّني أصبحت لا أنصحها أبداً حتى في أيِّ شيءٍ حتى لا تغضب منِّي، وفي نفس الوقت أصبحت أطيعها ولا أرفع صوتي أبداً بعد أن كنتُ أقلُّ أدبي عليها!
هي الآن تمنعني من حضور أيِّ محاضرةٍ دينيَّة، وتفرح إذا ذهبت لحفلة عرس.
وكذلك أصبحت تكره صديقتي الحميمة بعد أن كانت تحبُّها كثيرا، وذلك لأنَّها التزمت معي.
والطامَّة الكبرى أنَّها ترفض أن أتزوَّج بمتديِّنٍ لأنَّه معقَّدٌ على حدِّ زعمها، فهي حتى لا تقول لأحدٍ أنَّني التزمت، وإذا تحدَّث معها أحدٌ وامتدح ديني تنكر ذلك وتقول إنَّني لست كذلك خوفاً من هروب العريس على ما تظنّ.
أريد أن أنجو بديني ولا أستطيع أن أقول شيئاً عن والدتي حتى مع أبي لأنَّها ذات شخصيَّةٍ مسيطرة، وأخاف من المشاكل بينهما.
ماذا أفعل معها، فكلَّما نصحتها تقول: إنَّها ستدخل الجنَّة لأنها تصوم وتصلِّي، وعندما أذكر لها الذنوب الأخرى تقول: إنَّ الله غفورٌ رحيم؟
آسفةٌ جدًّا على الإطالة، ولكنَّني لم أجد أحداً أستطيع أن أخبره عن مشكلتي، مع الشكر الجزيل.
وكان هذا رد ا على رسالتها:
أختنا الفاضلة سارة، بارك الله فيك،
كثيراً ما يحدث لأيٍّ منَّا عندما تواجهه مشكلة، أن يبحث في الأشخاص والأسباب والظواهر المحيطة به، دون أن يتطرَّق إلى ذهنه أن يبحث عن الأسباب النابعة من نفسه، والتي من الممكن أن تكون المسبِّب الرئيسيَّ لما يواجهه من مشكلات.
أقول لك ذلك؛ لأنَّك في أوَّل رسالتك أثنيت على عائلة والدتك، وأنَّ كلَّهم صالحون، وأنَّها كانت تحثك على صلاة الليل والضحى، وتنهاك عن سماع الأغاني، وأخبرتِ أنَّها تصوم وتصلِّي، إذن فوالدتك –والحمد لله– تأخذ من الالتزام بنصيب جيِّد، ثم ذكرت بعد ذلك مضايقات والدتك لك غير المبرَّرة –من وجهة نظرك – بعد التزامك!!.
إذن، ما الذي حدث؟ وما أسباب هذا التغيير؟
لذا أدعوك -أوَّلا- إلى أن تجلسي مع نفسك، وتراجعي أحوالك خلال الأشهر الماضية بعد أن التزمت، واسألي نفسك هذه الأسئلة:
- ما مفهومك للالتزام؟ وهل كان (التزامك) عن فهمٍ وعلمٍ واقتناع، أم جاء عاطفةً وتقليدا؟ فإن كان عاطفةً وتقليدا، فابدئي في اتِّخاذ وسائل لبناء شخصيَّتك المسلمة، والتعرُّف على أحكام دينك من مصادرها الصحيحة السليمة.
- هل (التزامك) جعلك تنعزلين عن أفراد أسرتك وتنغلقين على نفسك، ولا تشاركينهم حياتهم، وجعلهم يشعرون أنَّ (التزامك) قد نأى بك عنهم، وجعلك غريبةً عنهم؟
- هل غاليتِ في (التزامك) وخرجت عن الحدود الشرعيَّة في العبادة والتعامل، ممَّا جعل والدتك تخاف عليك نفسيًّا وصحيّا، فتطلب منك التوقُّف عن الصيام والقيام مثلا؟
فإن كنت كذلك فعلاً، فصحِّحي مفهومك عن الالتزام، فالإسلام لا يعرف الرهبانية والعزلة والتقوقع، وإنَّما حامله والملتزم به يجب أن يكون مشعل هدايةٍ يتحرَّك بين الناس، وبائع مسكٍ إن لم يشترِ منه الناس حذاهم من عطره، أو وجدوا منه الريح الطيبة.
ولا يعرف الإسلام –كذلك- الغلوّ، ويحذِّر منه أشدَّ التحذير، ونظرةً يسيرةً في سنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسيرته تنبئ بهذا.
وقد تؤدِّي تلك الانعزالية والمغالاة إلى نتائج عكسيَّةٍ فيما بعد، فيتحوَّل التشدُّد والتزمُّت إلى ترخُّصٍ وتحلُّل.
- هل تعاملت مع والدتك وأسرتك من منطلق الوصاية ومحاولة تغيير واقعهم الذي لا يروق لك، وأعملت فيهم "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، فأشعرهم ذلك بأنَّك تتكبَّرين عليهم، وتفرضين عليهم رأيك (وقد ألمحتِ إلى هذا من خلال كلام والدتك) فولَّد ذلك عندهم ردَّ فعلٍ مضادّ؟ ربَّما، فإنَّ فرض الرأي –أختي الفاضلة– يولِّد العناد، فقد يكون سامعك مقتنعاً تماماً بصحَّة ما تقولين وتعتقدين، ولكنَّ طريقتك في عرض الموضوع، وإشعاره بأنَّ ما تقولينه واجب التنفيذ، يجعله يظهر رفضه وعدم اقتناعه.
الطريق الأمثل لتوصيل ما تريدين هو الإقناع، وليس الفرض، هكذا كان أسلوب الأنبياء، وأسلوب القرآن، في مواقف كثيرةٍ لا يتَّسع المقام لذكرها.
- واضحٌ من رسالتك -أختي الفاضلة- أنَّ دافع والدتك الأكبر للوقوف ضدَّ التزامك هو خوفها عليك من العنوسة، وعزوف الرجال عن الزواج منك، وهذا هاجسٌ شائعٌ يسيطر على أذهان الكثير من الأمَّهات اللاتي التزمت بناتهنّ، ولكي تُمحَى هذه الفكرة من خاطرها حاولي إقناعها بأنَّ الزواج رزقٌ من الله عزَّ وجلّ، وأنَّه مقدَّرٌ من عنده سبحانه وتعالى، وأنَّه سيأتيك سيأتيك، مهما كان مكانك، ومهما كان حالك، وأنَّ الشباب الجادَّ الطاهر العفيف، يبحث وينقِّب عن الطاهرات العفيفات أمثالك، أمَّا غيرهم فإنَّهم ينشدون ضالَّتهم في الحفلات والملاهي والأعراس غير المنضبطة، وما شاكل ذلك، وأنت لا تريدين أن ترتبطي بأمثال هؤلاء، فلا حاجة لك في ارتياد مثل هذه الأماكن.
- شعرت من خلال رسالتك أنَّه من الممكن أن تكون هناك رواسب قديمةٌ في العلاقة بينك وبين والدتك، فقد قلت: "كنت أقلُّ أدبي عليها"، وربَّما لم يصفُ قلبها لك بعدُ من تلك المواقف السابقة، فيحسن بك أن تحاولي إزالة هذه الرواسب بالاعتذار وطلب السماح، والمبالغة في برِّها والإحسان إليها، وأشعريها وثبِّتي في أعماقها أن التغيُّر الذي حدث في طريقة معاملتك لها، وحسن الأدب معها، وبرَّها، كلُّ ذلك كان نتيجة التزامك بأحكام الدين، فيكون هذا سبباً في أن تقرَّك على ما أنت عليه، وتذكَّري قول الله عزَّ وجلَّ في حقِّ الوالدين: "وإن جَاهَدَاكَ على أن تُشْرِك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تُطعْهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفا"، فحفظ حقِّ البِرِّ والمصاحبة بالمعروف محفوظٌ للوالدين، ولو كانا كافرين، فهل طلبت منك والدتك أن تشركي بالله؟!!.
وبعدما تنتهين من أسبابك الداخليَّة، ابدئي في علاج الأسباب الخارجيَّة:
- اقتربي من والدتك أكثر، ابتسمي في وجهها دائما، لا تتركي تقبيل يدها.
- حاولي أن تجلسي مع والدتك جلسة حبٍّ ووُدّ، جلسة الابنة من أمِّها، احتضنيها، قبِّلي يديها ورأسها، قولي لها: إنَّ هدفك الأكبر في هذه الحياة أن ترضيها وتسعديها، وأنَّك لا تستطيعين تحمُّل غضبك منها، وبعد أن تلوح ابتسامة الرضى على وجهها، ناقشيها بموضوعيَّةٍ في موقفك وموقفها:
امدحي أوَّلاً صلاتها وصومها، لا تتحدَّثي عن الذنوب والأخطاء والهفوات، وتذكَّري أنَّك لستِ وصيَّةً عليها، لا تفكِّري الآن في دعوتها، اتركي كلَّ ذلك الآن، وثقي أنَّ والدتك ستقبل منكِ كلَّ شيءٍ حين تحسُّ بحبِّك لها، فافعلي ذلك أوَّلا: أحبِّيها كما لم يحبَّها أحد، مع أنَّ إحساسي الشخصيَّ يقول أنَّ أخطاء والدتك وذنوبها –على ما ذكرتِ من خُلُقها وطباعها- لا تتعدَّى اللمم، وربَّما التزامك الشديد صوَّرها لك في صورة الكبائر، إنَّنا لسنا ملائكة، فكلُّنا نخطئ، وخير الخطَّائين التوابون.
- ما المانع من أن تعرضي على والدتك أن تصحبك إلى تلك المحاضرات الدينيَّة التي تمنعك من حضورها، حتى تطمئنَّ وتهدأ نفسها، وتعلم ما الذي تستمعين إليه، ومن يدري فربَّما أثَّرت فيها تلك المحاضرات تأثيراً إيجابيّا، وفي كلِّ الأحوال لا تجعلي حضور المحاضرات سبباً في تصادمكما، فاستغني عن الحضور بالسماع، والحمد لله فالأشرطة أكثر من أن تُحصَى.
- ابحثي في وسط أقربائك وقريباتك عمَّن يؤيِّدك ويقف بجوارك، ويحاول إقناع والدتك بوجهة نظرك، كعاملٍ مساعدٍ دون أن تقطعي الطريق بينك وبينها، مع الانتباه إلى ضرورة أن يكون ذلك بطريقةٍ غير مباشرة، حتى لا تظنَّ والدتك أنَّك تكوِّنين الجبهات ضدَّها.
- أما عمَّا تتعرَّضين له من سخريةٍ واستهزاءٍ أحيانا، فإنَّ ذلك من ضريبة الدعوة التي لم يُعفَ من دفعها نبيٌّ ولا داعيةٌ على مرِّ الزمان، فما من نبيٍّ أو داعيةٍ إلا وسخر منه قومه واستهزءوا به، ورمَوه بالجنون وغيرها من التهم، فما كان منهم إلا الاستعلاء على تلك الممارسات، وعدم الاهتمام بها، والركون إلى جناب الله عزَّ وجلَّ لمحو آثارها في النفس، واحتساب الأجر عنده سبحانه وتعالى، فعلى دربهم هذا سِيري، وبه تمسَّكي.
ولا شكَّ أنَّ كلَّ هذا يحتاج منك إلى صبر ومجاهدة، وهما عُدَّتا كلِّ مسلمٍ ملتزم.
وتذكَّري أنَّ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن تعرَّض لابتلاءاتٍ من قِبَل والديه، فهذا مصعب بن عميرٍ رضي الله عنه عندما أسلم، حبسته أمُّه، وخلعت عنه ملابس العزِّ والترف، وألبسته لباس الذلِّ والهوان، وضربته وعذَّبته، كي يحيد عن إسلامه، ولكنَّه لم يقابل هذا كلَّه إلا بالصبر، ولم يدفعه ذلك إلى إساءة القول أو الفعل مع والدته، حتى جعل الله عزَّ وجلَّ من ضيقه فرجاً ومخرجا، كذلك كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وغيرهما الكثير من صحابة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، مع أنَّ الوالدة في حالاتهم كانت كافرة، وليست مسلمة!! فما بالك بآبائنا وأمَّهاتنا المسلمين؟ بل والمصلِّين؟ بل والصائمين؟.
وأوَّلاً وأخيرا –أختي سارة– عليك بأقوى الأسباب وأشدِّها: اللجوء إلى الله عزَّ وجلّ، ودعاء السَحَر أن يصلح الرحمن ما بينك وبين والدتك، وأن يربط على قلبها، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يساعدك في النجاة بدينك كما تقولين.
وتذكَّري دائما: طريقك إلى أمِّك: الحبُّ ثمَّ الحبُّ ثمَّ الحبّ، ثمَّ الصبر والمجاهدة.
ارجو تعليقاتكم على الموضوع
وجزاكم الله خيرا
تعليق