عندما يتوب الإنسان يبدأ بداية قوية ويقول :
إن الشيطان يأمرني بالتخفيف ، ويزيد من الطاعات ،
ثم تبرد الهمة فيقول : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
وتخف الطاعات حتى يعود كما كان .
وسؤالي :
ما هي النصيحة ؟
هل يبدأ بداية قوية أم بالتدريج حتى يثبت عليه ويزيد عليه بعد مدة
أو يأخذ بالمقولة " إذا هبت رياحك فاغتنمها " ؟.
أجاب الشيخ محمد بن صالح المنجد حفظه الله فقال:
الحمد لله
إن نعمة الهداية والتوبة من أعظم نعَم الله تعالى على المسلم ،
وتغيير حاله للأحسن مما يقرِّبه إلى الله تعالى أكثر
وفي العادة يُقبل التائب على الطاعة إقبالاً عظيماً
يحاول فيها تعويض ما فاته من العمر الذي قضاه في المعصية والضلال .
وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لكل صادق في توبته
وقد ذكَره نبينا صلى الله عليه وسلم وبيَّن ما يحصل بعده من برود وفتور في الهمة ، وهذا أمر طبيعي أيضاً
لكن الخطر على صاحب هذه التوبة أن يكون فتوره وبروده في تناقص مستمر إلى أن يرجع إلى حاله الأول
ولذا كان من الواجب الانتباه إلى هذا الأمر
وعلى التائب الطائع إذا فترت همته أن يقف عند الاعتدال والتوسط ، والتزام السنة
ليحافظ على رأس ماله ويحسن الانطلاق مرة أخرى إلى الطاعة بقوة ونشاط
لأن الانطلاق من التوسط خير من الانطلاق من الصفر .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ) .
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1/187) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (56) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ )
رواه الترمذي (2453) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (57) .
قال المباركفوري رحمه الله :
" قوله (إن لكل شيء شِرَّةً) أي : حرصا على الشيء ونشاطا ورغبة في الخير أو الشر .
(ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةً) أي : وهْناً وضعفاً وسكوناً .
(فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أي : جعل صاحب الشرة عملَه متوسطاً ، وتجنب طرفي إفراط الشرة وتفريط الفترة .
(فَارْجُوهُ) أي : ارجو الفلاح منه ؛ فإنه يمكنه الدوام على الوسط , وأحب الأعمال إلى الله أدومها .
(وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ) أي : اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهوراً بالعبادة والزهد وسار مشهوراً مشارا إليه .
(فَلا تَعُدُّوهُ) أي : لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا , ولم يقل فلا ترجوه إشارة إلى أنه قد سقط ولم يمكنه تدارك ما فرط " انتهى .
" تحفة الأحوذي " ( 7 / 126 ) .
..
ولكي يتجنب المسلم الإفراط والتفريط فعليه بالقصد وهو التوسط ، فلا يبالغ في فعل العبادة والطاعة
لئلا يملَّ فيترك ، ولا يتركها كسلاً وتهاوناً لئلا يستمرئ الترك فلا يرجع
وكلا الأمرين ذميم ، ومن توسط في الأمر سلك ، ومن سلك وصل إلى ما يحبه الله ويرضاه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ . قَالُوا : وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ : وَلا أَنَا ، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا ، وَرُوحُوا ، وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا ) .
رواه البخاري (6098) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قوله : ( سددوا ) معناه : اقصدوا السداد أي : الصواب .
قوله " وقاربوا " أي : لا تُفْرِطُوا (أي تشددوا) فتُجهدوا أنفسكم في العبادة ، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فَتُفَرِّطُوا (أي تقصروا) .
قوله " واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة " : والمراد بالغدو السير من أول النهار
وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار , والدلجة : سير الليل يقال : سار دلجة من الليل أي ساعة ، فلذلك قال : ( شيء من الدلجة ) لعسر سير جميع الليل .
وفيه إشارة إلى الحث على الرفق في العبادة , وعبر بما يدل على السير لأن العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة .
قوله " والقصدَ القصدَ " أي : الزموا الطريق الوسط المعتدل , واللفظ الثاني للتأكيد " انتهى باختصار .
"فتح الباري" (11/297،) .
والخلاصة :
ندعوك للتفكر في الأحاديث السابقة ، والتأمل في معناها
واعلم أن التوبة بحاجة إلى شكر
وأعظم الشكر أن تداوم على بقائها
ولا يكون ذلك إلا بالمداومة على العمل والطاعة ،
واعلم أن ( أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) رواه البخاري ومسلم ..
فلا تبدأ بقوة ولا تفتر بالمرَّة بل اقتصد في الطاعة وهذا في مقدورك
وكلما رأيت من نفسك نشاطا فاجعله في طاعة الله
وكلما رأيتَ فتوراً ومللاً فارجع إلى التوسط
ونسأل الله أن ييسر أمرك
ويهديك لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق .
والله أعلم .
إن الشيطان يأمرني بالتخفيف ، ويزيد من الطاعات ،
ثم تبرد الهمة فيقول : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )
وتخف الطاعات حتى يعود كما كان .
وسؤالي :
ما هي النصيحة ؟
هل يبدأ بداية قوية أم بالتدريج حتى يثبت عليه ويزيد عليه بعد مدة
أو يأخذ بالمقولة " إذا هبت رياحك فاغتنمها " ؟.
أجاب الشيخ محمد بن صالح المنجد حفظه الله فقال:
الحمد لله
إن نعمة الهداية والتوبة من أعظم نعَم الله تعالى على المسلم ،
وتغيير حاله للأحسن مما يقرِّبه إلى الله تعالى أكثر
وفي العادة يُقبل التائب على الطاعة إقبالاً عظيماً
يحاول فيها تعويض ما فاته من العمر الذي قضاه في المعصية والضلال .
وهذا الأمر طبيعي بالنسبة لكل صادق في توبته
وقد ذكَره نبينا صلى الله عليه وسلم وبيَّن ما يحصل بعده من برود وفتور في الهمة ، وهذا أمر طبيعي أيضاً
لكن الخطر على صاحب هذه التوبة أن يكون فتوره وبروده في تناقص مستمر إلى أن يرجع إلى حاله الأول
ولذا كان من الواجب الانتباه إلى هذا الأمر
وعلى التائب الطائع إذا فترت همته أن يقف عند الاعتدال والتوسط ، والتزام السنة
ليحافظ على رأس ماله ويحسن الانطلاق مرة أخرى إلى الطاعة بقوة ونشاط
لأن الانطلاق من التوسط خير من الانطلاق من الصفر .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ) .
رواه ابن حبان في "صحيحه" (1/187) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (56) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ فَارْجُوهُ ، وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ فَلا تَعُدُّوهُ )
رواه الترمذي (2453) وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب" (57) .
قال المباركفوري رحمه الله :
" قوله (إن لكل شيء شِرَّةً) أي : حرصا على الشيء ونشاطا ورغبة في الخير أو الشر .
(ولكل شِرَّةٍ فَتْرَةً) أي : وهْناً وضعفاً وسكوناً .
(فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أي : جعل صاحب الشرة عملَه متوسطاً ، وتجنب طرفي إفراط الشرة وتفريط الفترة .
(فَارْجُوهُ) أي : ارجو الفلاح منه ؛ فإنه يمكنه الدوام على الوسط , وأحب الأعمال إلى الله أدومها .
(وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ) أي : اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهوراً بالعبادة والزهد وسار مشهوراً مشارا إليه .
(فَلا تَعُدُّوهُ) أي : لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائيا , ولم يقل فلا ترجوه إشارة إلى أنه قد سقط ولم يمكنه تدارك ما فرط " انتهى .
" تحفة الأحوذي " ( 7 / 126 ) .
..
ولكي يتجنب المسلم الإفراط والتفريط فعليه بالقصد وهو التوسط ، فلا يبالغ في فعل العبادة والطاعة
لئلا يملَّ فيترك ، ولا يتركها كسلاً وتهاوناً لئلا يستمرئ الترك فلا يرجع
وكلا الأمرين ذميم ، ومن توسط في الأمر سلك ، ومن سلك وصل إلى ما يحبه الله ويرضاه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ . قَالُوا : وَلا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ : وَلا أَنَا ، إِلا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا ، وَرُوحُوا ، وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا ) .
رواه البخاري (6098) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قوله : ( سددوا ) معناه : اقصدوا السداد أي : الصواب .
قوله " وقاربوا " أي : لا تُفْرِطُوا (أي تشددوا) فتُجهدوا أنفسكم في العبادة ، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فَتُفَرِّطُوا (أي تقصروا) .
قوله " واغدوا وروحوا وشيئا من الدلجة " : والمراد بالغدو السير من أول النهار
وبالرواح السير من أول النصف الثاني من النهار , والدلجة : سير الليل يقال : سار دلجة من الليل أي ساعة ، فلذلك قال : ( شيء من الدلجة ) لعسر سير جميع الليل .
وفيه إشارة إلى الحث على الرفق في العبادة , وعبر بما يدل على السير لأن العابد كالسائر إلى محل إقامته وهو الجنة .
قوله " والقصدَ القصدَ " أي : الزموا الطريق الوسط المعتدل , واللفظ الثاني للتأكيد " انتهى باختصار .
"فتح الباري" (11/297،) .
والخلاصة :
ندعوك للتفكر في الأحاديث السابقة ، والتأمل في معناها
واعلم أن التوبة بحاجة إلى شكر
وأعظم الشكر أن تداوم على بقائها
ولا يكون ذلك إلا بالمداومة على العمل والطاعة ،
واعلم أن ( أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) رواه البخاري ومسلم ..
فلا تبدأ بقوة ولا تفتر بالمرَّة بل اقتصد في الطاعة وهذا في مقدورك
وكلما رأيت من نفسك نشاطا فاجعله في طاعة الله
وكلما رأيتَ فتوراً ومللاً فارجع إلى التوسط
ونسأل الله أن ييسر أمرك
ويهديك لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق .
والله أعلم .
تعليق