وتزودوا فإن خير الزاد التقوى
من علم قرب الرحيل عن مكة استكثر من الطواف خصوصاً إن كان لا يؤمل العود لكبر سنه وضعف قوته .
فكذلك ينبغي من قاربه ساحل الأجل بعلو سنه أن يبادر اللحظات ، وينتظر الهاجم بما يصلح له . فقد كان في قوس الأجل منزع زمان الشباب ، واسترخى الوتر في المشيب عن سية القوس . فانحدر إلى القاب وضعفت القوى . وما بقي إلا الاستسلام لمحارب التلف ، فالبدار البدار إلى التنظيف ليكون القدوم على طهارة .
وأي عيش في الدنيا يطيب من أيامه السليمة تعزيه إلى الهلاك ، وصعود عمره نزول عن الحياة ، وطول بقائه نقص مدى المدة ، فليتفكر فيما بين يديه ، وهو أهم مما ذكرناه .
أليس في الصحيح: ((ما منكم أحد إلا ويعرض عليه مقعده بالغداة والعشى من الجنة والنار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله)) . فوا أسفاه لمهدد ، لم يحسن التأهب ، ويا طيب عيش الموعود بأزيد المنى . وليعلم من شارف السبعين ، أن النفس أنين ، أعان الله من قطع عقبة العمر على رمل زرود الموت .
بن الجوزي من كتابه صيد الخاطر
تعليق