كم منا حدث له مرة أو مرات أن أيس من رحمة ربه و أحس أنها النهاية
فما عاد يذكر أنه كما أنه هناك عذاب فهناك أيضا رحمة
فتناساها و قنط و قد يكون ممن انتكس بعد عمل مجد، و إذا سألنا لما هذا و كيف؟ سنجد أنه طار بجناح الخوف فقط و نسي أن هناك جناح آخر ألا و هو الرجاء
إخواني، أخواتي
فعلا إنها مشكلة قد يسقط في شباكها أحدنا فتنبهوا و احترسوا من هذا المطب الخطير
أيها اليائس المكتئب
من دب القنوط إلى قلبه و تسلل الحزن إليه فما عاد يرى نورا و ظن أنه لا مفر من العذاب و أنه هلك و لم يعد هناك جدوى من محاولاته المتكررة فلك رسالة مني
أتذكر قصة قاتل المئة؟ ستقول نعم و من لا يذكرها؟
و أقول لك لا تتذكرها فلو أنك بحق تذكرها ما كان حالك هكذا
فاسمع قصة قاتل المئة لنستخلص العظة و العبرة منها
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدْرِي - رضي الله عنه - أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجل قَتَلَ تِسْعةً وتِسْعين نفسًا، فسأَل عن أَعلمِ أهلِ الأرضِ فدُلَّ على راهِبٍ، فأتاه، فقال: إنه قَتَل تِسعةً وتسعِينَ نَفْسًا، فَهلْ له مِنْ توْبَةٍ؟ فقال: لا، فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مائةً، ثمَّ سأل عن أعلم أهلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ، فقال: إنه قتل مائةَ نفسٍ، فهل له من تَوْبة؟ فقالَ: نعم، ومنْ يحُول بيْنه وبيْنَ التوْبة؟ انْطَلِقْ إِلَى أرض كذا وكذا؛ فإن بها أُناسًا يعْبدون الله تعالى فاعْبُدِ الله معهم، ولا ترجعْ إِلى أَرْضِكَ؛ فإِنها أرضُ سُوءٍ، فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ، أَتَاهُ الموتُ فاختَصمتْ فيه مَلائكة الرَّحْمة وملائكةُ العَذابِ، فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمة: جاء تائِبًا مُقْبلاً بِقلبه إلى اللَّه تعالى، وقالَتْ ملائكة العذاب: إنه لمْ يَعْمل خيرًا قطُّ، فأَتَاهُمْ مَلكٌ في صورة آدمي، فجعلوه بينهم؛ أَي: حَكمًا، فقال: قيسوا ما بينَ الأَرْضَينِ، فإِلَى أَيَّتِهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأرض التي أَرَادَ فَقبَضَتْهُ مَلائكَةُ الرحمة))؛ متفقٌ عليه
سؤال لك أقتلت نفسا مرة؟
فالأغلب ستقول لا
فلما اليأس إذن
هذا الرجل قتل مئة نفس و ما يئس من رحمة الله بل أصر أن يتوب و أن يرجع إلى ربه فلم يمنعه قتل الراهب الذي أتم به المئة أن يسعى إلى آخر لكي يسأل هل له من توبة
فما أعظم إصراره رغم كبر جرمه، سبحان الله
قد نتقابل مع أناس مثل ذلك الراهب الذي قال له ما لك من توبة و عظم جرمه، فلا يدفعك صنيع هؤلاء أن تيأس بل اسأل آخر فلعل الله أن يقودك إلى من تسمع منه قولا حسنا يكون سببا لنجاتك، كما كان الراهب سبب نجاة قاتل المئة
فلا تستعظم ذنبك مهما كبر فرحمة الله أكبر
و اسمع معي لقول ربك عز وجل في كتابه
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الزمر:53
لم يقل أيها الفاسقون و لا أيها المذنبون و لكن قال يا عبادي
يا عبادي و قد عصيناك يا عبادي و قد تجاوزنا حدودك
تشتشعر في الآية رحمة لا مثيل لها و لطف لا مثيل له و كيف لا و هو رب الأرباب الذي كتب على نفسه الرحمة
فطب نفسا أيها المذنب و ارجع إلى ربك تائبا منيبا و إن تكرر الذنب مرات عديدة
عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فيما يحكي عن ربِّه عزَّ وجلَّ قال: " أذنَب عبدٌ ذنبًا . فقال : اللهمَّ ! اغفِرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنَب عبدي ذنبًا ، فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنبَ ، ويأخذ بالذَّنبِ . ثم عاد فأذنب . فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذُ بالذنبِ . ثم عاد فأذنب فقال : أي ربِّ ! اغفرْ لي ذنبي . فقال تبارك وتعالى : أذنبَ عبدي ذنبًا . فعلم أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ، ويأخذ بالذنبِ . اعملْ ما شئت فقد غفرتُ لك " . قال عبدُ الأعلى : لا أدري أقال في الثالثةِ أو الرابعةِ " اعملْ ما شئت " .
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2758 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 13382
ود الشيطان لو ظفر بيأسك و قنوطك
فاعلم أن رحمته سبقت غضبه ففي الحديث
عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لمَّا قضى الله الخلقَ كتب كتابًا، فهو عنده فوق عرشه: إنَّ رحمتي سبقَت غضبي))؛ هذا حديث متفَق عليه.
أسمعت سبقت رحمته غضبه فلما اليأس؟
أيها اليائس أتدري شيئا
مالك حجة
فاسمع و اعقل
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال: قُدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَبي، فإذا امرأة من السَّبي تَبتغي، إذا وجدَت صبيًّا في السَّبي أخذَته فألصقَته ببطنها وأرضعَته، فقال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أترون هذه المرأة طارحَةً ولدَها في النَّار؟))، قلنا: لا والله وهي تقدِر على أن لا تطرَحَه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((للهُ أَرحم بعباده من هذه بولدها))؛ رواه مسلم.
فأي ذنب تخشى عقوبته أمام رحمة الله؟ و لكن هذا لمن يتوب و ينيب
و ليس لذلك الذي يصر على ذنبه و يستكبر على الحق فلست أتكلم عن هذا
ليس مطلوبا منا أن نكون معصومين بل مطلوب منا أن نكون توابين أوابين
فهما سعيت أن لا تذنب فستذنب لتتوب و تستغفر ربك
قال صلى الله عليه و سلم
و الَّذي نفسِي بيدِه ، لَو لَم تُذنِبُوا لذهبَ اللهُ بِكُم ، و لجاءَ بقومٍ يُذنِبُون فيستَغفِرونَ اللهَ فيغفرُ لَهم
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 7074 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 20561
أخي أختي لولا الذنوب لصرنا جبارين متكبرين
فرب ذنب أورث ذلا و انكسارا و رب طاعة أورثت في القلب استكبارا
فكفانا إخوتاه تلك النظرة التي تجعل من المؤمن مَلَكًا لا يذنب أبدا و إن أذنب سار هذا وسمة عار عليه بل أكثر
كفانا هذه النظرة التي قد تكون سبب انتكاس العديد من إخوتنا
أنت مؤمن لكن لست بمعصوم
أنت مؤمن لكن مفتن
فاسمع لهذا الحديث العجيب
ما من عبدٍ مؤمنٍ إلا و له ذنبٌ يعتادُه الفينةَ بعدَ الفينةِ ، أو ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يُفارِقُه حتى يُفارِقَ الدنيا ، إنَّ المؤمنَ خُلِقَ مفتَّنًا توابًا نسَّاءً ، إذا ذُكِّرَ ذكَرَ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة
الصفحة أو الرقم: 2276 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح رجاله ثقات
فإذا أذنبت يوما فقم و انفض غبار المعصية و اجعل الشيطان ذليلا فإن قال لك كيف تتوب و قد عملت كذا و كذا قل له سأتوب و ربي كريم عظيم يقبل توبة عبده المؤمن
و الدليل
قال اللهُ تعالَى : يا بنَ آدمَ إنَّك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لك على ما كان منك ، ولا أُبالي ، يا بنَ آدمَ لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لك ، يا بنَ آدمَ لو أتيتَني بقِرابِ الأرضِ خطايا ، ثمَّ لَقِيتَني لا تُشرِكُ بي شيئًا لأتيتُك بقِرابِها مغفرةً
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب
الصفحة أو الرقم: 4/214 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]
أيها اليائس مالك حق أن تيأس بعد هذا
فربك يريدك أن ترجع إليه و تتوب و إن عدت للذنب آلاف المرات
قال الله تعالى: "وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)" النساء
فاجعل نفسك مقبلة على الطاعات مجتنبة للمنكرات ما استطعت و سل ربك القبول
قد يكون لك ذنب ما استطعت أن تتخلص منه فتملق إلى ربك و صارحه بما يخالج فؤادك منكسرا ذليلا
اذهب إليه معترفا بجنايتك لا تختلق الأعذار بل قل أنا عبدك المذنب أتيتك بالخطايا ليس لي رب سواك فأرجوه إلى من تكلني يا أكرم الأكرمين
فحاشاه سبحانه أن يرى صدقك و لا يعينك
ارجع كلما أخطأت فليس هناك منا معصوم و اجعل لك صحبة صالحة تعينك على طاعة ربك
وفقنا الله و إياكم إلى ما يحبه و يرضاه
هذا و الله أعلم و صلى الله على محمد و على آله و صحبه أجمعين
تعليق