قيل لإبراهيم بن عيسى اليشكري كيف أصبحت ؟ فقال :
[[ أصبحت في أجل منقوص وعمل محفوظ والموت في رقابنا ولا ندري ما يفعل الله بنا ]] .. الزهد الكبير .
إنَّ كثيرًا من الناس من لا يدري ، أنَّ هذا العامَ وغيرَه مِن الأعوامِ محسوبةٌ من عُمُرِه ، وأنَّه مسؤولٌ عن ذلك بين يديِّ اللهِ يومِ القيامة .فالعمرُ هو البضاعة الحقيقيةُ ، وهو رأس المال ، فمن ضاعت بضاعتُه ، وانتهى رأس ماله دون أن يحقِّق الربحَ المنشود
إنَّ أعجبَ الأشياءِ ، ممن يفرحُ ويُسرُّ بانقضاء عام من عمره ، ويقيم حفلا لذلك ويتبادلون الهدايا ، ويرقصون ويغنون ويضيئون الشموع بهذه المناسبة ، مقلدِّين فيه النصارى واليهود .
لا أدري كيف يفرح هؤلاء ؟ والقبر من أمامهم ، والقيامة موعدهم ،وبين يدي ربهم موقفهم . لا أدري كيف يفرحُ في هذه الدنيا ؟ من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته ، وسنته تهدم عمره ، كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله ، وحياته تقوده إلى مماته .
الليلُ والنهارُ يعملان في هدم الحياة ، ونقصِ الأعمارِ، وتقريبِ الآجالِ ، الليلُ يُسلمُنا إلى النهار، والنهارُ يُسلمنا إلى الليل ، ونحن بينهما على سفر، وكلاهما يُفضي بنا إلى الآخرة.. ومَن كان الليل والنهار مطيَّته فهو يُسار بهم وإن لم يَسِر ، وهو سائرٌ إلى الموتِ لا محالة .
-قال ابن القيِّم - رحمه الله -:
"ما مضى من الدنيا أحلام، وما بقي منها أمانيّ، والوقت ضائع بينهما"
-قال الحافظ ابن كثير:
تَمُرُّ بِنَا الْأَيَّامُ تَتْرَى وَإِنَّمَا
نُسَاقُ إِلَى الآجَالِ وَالعَيْنُ تَنْظُرُ
فَلاَ عَائِدٌ ذَاكَ الشَّبَابُ الَّذِي مَضَى
وَلاَ زَائِلٌ هَذَا الْمَشِيبُ الْمُكَدّرُ
فنحن الآن على طرف قنطرة نوشك أن نعبرها لتستقر أقدامنا على طرف قنطرة أخرى، فخطوة نودع بها، وأخرى نستقبل بها، نقف بين قنطرتين مودعين ومستقبلين، مودعين موسمًا كاملاً أودعنا فيه ما شاء الله أن نودع، فخزائن بعضنا ملأى بما هو عليه، ومن الناس من جمع ما له وما عليه ومستقبلين عامًا جديدًا.
{وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]
(أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا).
فيا من ضيع عمره فيما لا ينفع، ألم تعلم أنك تستكثر الأثقال على نفسك وتزيد حجة الله عليك ّ!
عند انسلاخ العام، العاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده
فعليه أن يتدارك أوقاته، وأن يعد أنفاسه، وأن يكون حافظًا لوقته شحيحًا به، فلا يفرط في شيء من لحظات عمره إلا بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والبرزخ والآخرة.وقال الحسن البصري - رحمه الله -:
يا ابن آدم، إنما أنتَ أيَّام؛ فإذا ذهب يومُك فقد ذهب بعضُك
إن ذهاب عام ومجيء آخر أمر يستدعي منا الوقوف مع أنفسنا وقفة جديّة للمحاسبة الصادقة
ذلك أنَّ مَنْ غفل عن نفسه؛ تَصَرَّمَتْ أوقاته، واشتدت عليه حسراته، وأيّ حسرة على العبد أعظم من أن يكون عُمُره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى مزيد من الردى والشِّقْوَة؟!
إنَّ الزمان وتقلباته أنصح المؤدِّبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين،
فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه
تعليق