من نعم الله العظيمه
اعلموا أنَّ هناك نعمةً من نعم الله العظيمة, التي بِدُونها لا نَهْنَأُ بعيش, ولا يطيب لنا مُقامٌ بين أهلنا وفي بلدنا,
هي نعمةٌ تناساها أكثر الناس, ولم يعرفوا قدرها ويستشعروا أثرها، إنها نعمةُ ستْر الله عليك يا عبد الله,
التي لولاها ما تلذَّذتَ بنعمة, ولا تَهَنَّأت بعيشة, ولا اسْتمتعتَ بصحبة, وأصبحت منبوذاً مُحتَقراً من الناس والأقارب،
فهي نعمةٌ لا تُقدَّر بثمن؛ بل هي أفضل نعمِ الدنيا عند بعض العلماء.
قال بعض السلف: أصبح بنا من نعم الله ما لا نُحْصيه, مع كثرة ما نَعْصِيه, فما ندري أيها نشكر؟
أجميلُ ما ظهر؟
أم قبيح ما سَتر؟.
فالحمد لله الذي جمَّل ظاهرنا, وستر قبيح أفعالنا, ولولا ذلك, ما طقنا العيش حتى مع الجماد.
قال رجلٌ لأحد السلف: كيف أصبحتَ؟
قال: "أصبحت بين نعمتين, لا أدري أيَّتهُمَا أفضل: ذنوبٌ سترها الله -عز وجل-,
فلا يستطيع أن يعيرني بها أحدٌ؛ ومودةٌ قذفها الله -عز وجل- في قلب العباد, لم يبلغها عملي".
فمن رحمة الله بك -يا عبد الله- أن كساك ثوب السِّتر, وأنْ حجب عيون الناس عن رؤيةِ معاصيْك,
فلو أنك في كلِّ مرةٍ أذنبت بانت عليك سِمَةٌ أو علامة تَكْشِفُ وتَفْضح الذنب الذي أذنبت واقترفت, فكيف سيكون حالك؟.
ماذا لو كان للذنوب رائحةٌ مُنتنة تَخْرُجُ منك حين تعصي الله؟
لصار عيشُك لا يطاق ولا يُحْتَمَل, وعشت مفضوحاً أمام الناس, ولكنَّ الرحيمَ السِّتِّيْرَ, ستر عليك, ورحمك ولَطف بك.
واعلم، يا مَن وُفِّقت لِمَحبَّةِ الناس, وثِقَتِهِم بك، أنَّه لولا ستْرُ الله عليك، لم يتمّ لك ذلِك.
قال بعض السلف: اعلم أن الناس إذا أُعْجِبوا بك, فإنما أُعْجِبوا بِجَمِيْلِ ستْرِ الله عليك.
وإنَّ ستْرَ الله علينا يوم القيامة, أعظم وأفضل مِن ستْرِه علينا بالدنيا, فلو فضحك الله في الدنيا,
فانْكشف سترك, وظهر عيبك, فلن يدوم ذلك أبداً, لكنَّ المصيبة العظيمة, والفضيحةَ الدائمة,
يوم أنْ يفضحَكَ الله بين العالمين, ويُظهرَ سريرَتك أمام الآخرين, في يومٍ تُبلى فيه السرائر,
ويُظهر الله ما في الضمائر, فما موقفك لو فُعل بك ذلك؟.
تعليق