بدع عاشوراء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد : فإن يوم عاشوراء من الأيام المفضلة في دين الله تعالى، لأنه يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صومه، ورغب فيه، وقال:"صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " (رواه مسلم). ثم رغب في صوم التاسع مع العاشر ولم يزد على ذلك، لكن المسلمين المتأخرين قد أدخلوا فيه كثير من الزيادات، التي هي بدع ومخالفات ، وذلك لعدة أسباب منها انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وانتشار بدع الشيعة والنواصب، وانتشار عادات راجعة إلى بقايا ديانات جاهلية، ويكتنف كل ذلك الجهل وتضييع الأمة للفقه في الدين.
1-اعتبار عاشوراء يوم حزن
أول البدع وأظهرها بدعة الشيعة الروافض الذين يجعلون يوم عاشوراء يوم شؤم وحزن وبكاء ونحيب، لأنه يوم قتل فيه الحسين بن علي في كربلاء، وهذا من شر البدع المتعلقة بهذا اليوم لهول ما يصنعه الشيعة من منكرات فيه، وقد أيدهم بعض الكذابين بأحاديث لا أصل لها ، كحديث "البكاء يوم عاشوراء نور تام يوم القيامة". وحديث "ما من عبد يبكي يوم عاشوراء إلا كان مع أولى العزم من الرسل يوم القيامة".
2- اعتبار عاشوراء عيدا دينيا
ومن البدع والأخطاء اعتبار يوم عاشوراء عيدا دينيا، ومن أثر ذلك تعطيل الأعمال وإظهار الفرح والسرور فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم حصر أعياد الإسلام في الفطر والأضحى ، فلم تجز الزيادة عليهما، والمشروع فيه هو الصيام وهذا خلاف معنى العيد لأن العيد يحرم صومه . وإظهار الفرح في هذا اليوم يكون من ميراث النواصب الذين يفرحون في هذا اليوم لأنه يوم قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنه، فيخصونه بالأفراح وأنواع من المآكل والملابس وبالحناء وغيرها من مظاهر السرور. وبالنسبة لأهل السنة هو يوم كسائر الأيام من جهة الحزن والفرح إلا أنهم يصومونه اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم، الذي اقتدى بموسى الذي صامه شكرا لله تعالى. قال ابن تيمية (29/310):" فعارض هؤلاء (أي الشيعة) قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد والكذب بالكذب والشر بالشر والبدعة بالبدعة، فوضعوا الآثار فى شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل فى الأعياد والمواسم فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح وأولئك يتخذونه مأتما يقيمون فيه الأحزان والأتراح وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة".
3- إخراج الزكاة في عاشوراء
من البدع المنكرة في عاشوراء (أو محرم) تخصيص إخراج الزكاة فيه، قال ابن الحاج في المدخل: " ثم إنهم يضمون إلى ذلك بدعة أو محرما، وذلك أنه يجب على بعضهم الزكاة مثلا في صفر أو ربيع أو غيرها من شهور السنة، فيؤخرون إعطاء ما وجب عليهم إلى عاشوراء، وفيه من التغرير بمال الصدقة ما فيه، فقد يموت أثناء السنة أو يفلس فيبقى ذلك في ذمته، وأقبح ما فيه أن صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه شهد بأنه ظالم بقوله عليه الصلاة والسلام :" مطل الغني ظلم" وفيه بدعة أخرى ، وهو أن الشارع صلوات الله عليه وسلامه حد للزكاة حولا كاملا وهو اثنا عشر شهرا ، وفي فعلهم المذكور زيادة على الحول بحسب ما جاءهم يوم عاشوراء فقد يكون كثيرا وقد يكون قليلا ".
4- هل هاجر النبي صلى الله عليه وسلم في محرم
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض الخطباء في شهر المحرم ، تخصيصهم الحديث عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ظنا منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر في محرم ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما هاجر في ربيع الأول، ومنشأ الخطأ خلطهم بين ابتداء التأريخ من العام الذي هاجر فيه صلى الله عليه وسلم وبين الشهر التي تبتدئ به السنة القمرية الهجرية.
5- التوسعة على العيال في عاشوراء
ومن الأخطاء التي وقع فيها بعض متأخري الفقهاء: تنصيصهم على استحباب التوسعة على العيال في عاشوراء في المأكل والملبس ونحو ذلك، وقد اعتمدوا أحاديث لا تصح عند أهل العلم بالحديث كحديث "من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته". ومن هؤلاء الفقهاء ابن الحاج لكنه اشترط:" أن لا يصير ذلك سنة يستن بها لابد من فعلها ، فإن وصل إلى هذا الحد فيكره أن يفعله". قال ابن تيمية (25/299):" لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم ".
6- الذبيحة في عاشوراء
ومن البدع تخصيص عاشوراء بالذبائح من الغنم أو الدجاج، وعادة الذبح هذه يخشى أن تكون من عادات النواصب الذين جعلوا عاشوراء عيدا، وقد تكون من ميراث دعوة أحد مدعي النبوة في المغرب الأقصى اسمه صالح بن طريف البربري، الذي أسس دولة بقيت قرونا في برغواطة (منطقة تقع قرب الدار البيضاء بالمغرب الأقصى حاليا). وقلد شعائر الإسلام مع تحريف وتبديل فيها : ومن ذلك : نقله لشهر الصيام من رمضان إلى شهر رجب . وجعله عيد الأضحى يوم الحادي عشر من محرم أي بعد عاشوراء .
7- تخصيص مأكولات معينة
ومن البدع الظاهرة أيضا ادخار لحم عيد الأضحى ليؤكل في عاشوراء واعتقاد فضيلة ذلك أو لزومه، وتخصيص ليلتها بأنواع من المآكل (الطعام بالدجاج أو الرشتة ونحو ذلك)، قال ابن الحاج : " أما ما يفعلونه اليوم من أن عاشوراء يختص بذبح الدجاج وغيرها، ومن لم يفعل ذلك فكأنه ما قام بحق ذلك اليوم، وكذلك طبخهم فيه الحبوب وغير ذلك، لم يكن السلف رضوان الله عليهم يتعرضون في هذه المواسم ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة والصدقة والخير واغتنام فضيلتها لا بالمأكول ".
8- "الوزيعة"
ومن المظاهر الشائعة في كثير من المناطق ما يسمى بالوزيعة حيث يشترك أهل القبيلة والقرية كل حسب استطاعته لشراء الأغنام وأبقار فتذبح في هذا اليوم وتوزع على كل الأفراد أغنيائهم وفقرائهم (وضيوفهم)، وهذا من البدع الظاهرة اجتمع فيه قصد التوسعة وتخصيص الذبيحة واعتقاد فضيلة المأكول مع اعتقادات خرافية كاعتقادهم أن أرواح الآباء والأجداد تحضر وتشاهد عملهم وأنها ترضى عنهم بذلك، وإن اقترن ذلك بالذبح عند قبر ولي من الأولياء صار من الشرك الصريح .
9- الاكتحال ووضع الحناء
قال ابن الحاج في المدخل(1/249): " ومن البدع التي أحدثها النساء فيه استعمال الحناء على كل حال، فمن لم يفعلها منهن فكأنها ما قامت بحق عاشوراء" ويلتحق بوضع الحناء الاكتحال وقد رووا فيه حديثا مكذوبا "من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا". قال ابن تيمية في المجموع(4/513): " ولم يستحب أحد من أئمة المسلمين الاغتسال يوم عاشوراء ولا الكحل فيه والخضاب وأمثال ذلك، ولا ذكره أحد من علماء المسلمين الذين يقتدى بهم ويرجع إليهم فى معرفة ما أمر الله به ونهى عنه ولا فعل ذلك رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم ".
10- تحريم الخياطة والكتابة ليلتها
ومن الخرافات والعقائد الباطلة التي تقترن بعاشوراء تحريم بعض الناس الكتابة والخياطة ليلتها، وزعمهم أن من فعل ذلك ستصبح يده ترتعش ، وهذا قد يكون من بقايا الديانة المذكورة سابقا فقد اشتهر عن صالح بن طريف تحريمه الخياطة على النساء ليلة عاشوراء .
11- زيارة القبور
قال ابن الحاج: " ومما أحدثوه من البدع زيارة القبور، ونفس زيارة القبور في هذا اليوم المعلوم بدعة مطلقا للرجال والنساء ".
12- المنع من البكاء والتشاجر
كثير من الناس ينهى عن البكاء في ليلة عاشوراء وعن التشاجر (بحق كان أو بباطل)، ويقولون هذه العواشير، بمعنى أيام مفضلة، ولكن كثير من الناس يفعل ذلك خوفا من الجن والعفاريت وعبادة لهم .
13- استعمال البخور
قال ابن الحاج : " ومما أحدثوه من البدع البخور ، فمن لم يشتره منهن في ذلك اليوم ويتبخر به، فكأنه ارتكب أمرا عظيما … ويزعمن أنه إذا بخر به المسجون خرج من سجنه، وأنه يبرئ من العين والنظرة والمصاب والموعوك، وهذا أمر خطر لأنه مما يحتاج إلى توقيف من صاحب الشريعة"، والظاهر أنه من العبادة للجن.
14- تقنين الصيام بغير الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد ورد الحديث على صيام عاشوراء ، كما ورد الحث على قرنه بيوم قبله، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ" أي التاسع مع العاشر، كما ورد الحث على الصيام في شهر محرم ، قَالَ صلى الله عليه وسلم :" أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ" (مسلم)، وما يفعله البعض من تخصيص العشر الأوائل بالصيام فهو من البدع ، وكذلك القول بأنه يصام التاسع والعاشر والحادي عشر على سبيل الاحتياط وأنه أفضل من صوم التاسع والعاشر فقط ، فهو قول مرجوح لا ينبغي العمل به، والاحتياط في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
15-قص الشعر
ومن البدع المنتشرة أيضا في بعض المناطق قص الشعر تعبدا وتبركا بهذا اليوم، وكل اعتقاد صحب هذا العمل فهو من الخرافات التي لا أصل لها.
16-الذبيحة عن المولود في عاشوراء
ومن الناس من يذبح عن المولود الذي ولد قبل عاشوراء، وهذا تخصيص مبتدع لأن العقيقة عن المولود لا تختص بيوم عاشوراء، بل هي مشروعة تشريعا مطلقا، وتستحب في السابع والرابع عشر أو الحادي والعشرين. وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
تعليق