الإختلاط في الجامعات وصراع الهوية
إنَّ التآمُر على هذا الدين قديم قِدَم الصِّراع بين الحق والباطل، ولقد سعى أعداء الإسلام إلى إفساد المسلمين بشتى الطرُق، باذِلِين في ذلك جهودهم وأموالهم، مُستهدِفين أهمَّ ركنٍ مِن أركان المُجتمَع المسلم، ألا وهو المرأة؛ التي أصبحَت هدفًا محوريًّا يَدور عليه الصراع العلماني مع أصحاب الهُوِيَّة الإسلامية؛ لذلك عملوا بجدٍّ واجتِهادٍ على تَغريبها ومحو هويتها الإسلامية بشتى الطرق والوسائل؛ ومن ذلك: ما يثيره هؤلاء بين الحين والآخر عن مسألة الاختلاط، وبعد أن كان الاختلاط مسألة طارئةً على عَفاف المرأة ووقارها في بيتِها، عكَسوا الآية وجعلوا الاختلاط هو الأساس، والعفَّة والوقار هو الاستثناء؛ مِن هنا كان لا بدَّ لنا من وقفة مع هذه القضية من خلال هذا التحقيق.
قضية متجدِّدة:
الاختلاط قضيةٌ قديمة تتجدَّد بين الحين والآخر؛ حيث يقف المروِّجون له بالمرصاد لخيريَّة أمَّة الإسلام، ويَحسدونها على ما كرَّمها الله وفضَّلها به على سائر الأمم، فدُعاة الاختلاط ينظرون إلى هذه المعاني ومفاهيم العفة وعدم الاختلاط على أنها كلماتٌ فقدت معانيَها القديمة، ووأدتها الحضارةُ والانطلاق من القيود المتحجِّرة - زعموا.
ادعاءات باطلة:
إنها أصواتٌ شاذة تدَّعي أن الاختلاط يساعد على إقامة علاقة نظيفة، وأنه ضرورةٌ نفسية واجتماعية واقتصادية، وبه يرشَّد الإنفاق، إلى غير ذلك مِن الادِّعاءات الكاذبة.كما يدَّعون أن الاختلاط يكسر الشهوة، ويُهذِّب الغريزة، ويقي مِن الكبت والعُقَد النفسية، وواقع الحال في البلاد الغربية يكذِّب ذلك ويَنقُضُه، فلم يزد الاختلاطُ الناسَ إلا سعارًا بهيميًّا، وهتكًا للأعراض، وتوقُّدًا للشَّهوة، لا يَرتوي ولا يهدأ، ويَنتهي إلى شذوذ لا يُقيِّدهُ قيدٌ ولا يقف عند حدٍّ، وأصبح القلق النفسي مرض العصر هناك، فكيف نُلقي إنسانًا وسطَ أمواج متلاطمة، ثم نطلب منه أن يُحافظ على ثوبه مِن البلل؟! وكيف نلقي إنسانًا وسَط نيران متوقِّدة ثم نَطلُب منه أن يُحافظ على جسمه من الاحتراق؟
خطر الاختلاط:
ولا يدرك هؤلاء أنَّ الاختلاط بشكل عامٍّ هو أرض خصبة للوقوع في الكثير من الانحرافات السلوكيَّة والنفسيَّة، التي قد تستدرج الإنسان إلى هذين المستويَين، ليجد نفسه في لحظة ما فَقَدَ كلَّ الدفاعات النفسيَّة التي تقف في وجه وسوسات الشيطان والنفس الأمَّارة بالسوء، فمثل هذه الساحات المختلطة هي في الحقيقة من الأهداف السهلة التي يُصوِّب إليها إبليس وجنوده كلَّ ما بحوزتهم من أسلحة وفتن وزخارفَ وأوهام؛ لعلَّهم ينالون من الإنسان ويتحقَّق هدفه منه؛ ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: 39، 40].
العفاف مِن مقاصد الشريعة:
ولقد جاء الإسلام بحفظ الأعراض، فهي من أعظم مقاصده، ومِن حفظ الأعراض إقامة العفاف والنَّزاهة والطَّهارة في النفوس، وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات، والبُعد عن الرذائل والقَبائح والمُوبقات، ومن أجْلِ تحقيق العَفاف والطهارة، وبثِّ الحياء والنزاهة جاءت الشريعة بما يَكفُل تلك المقاصد العظيمة، ويُحقِّق هذه الأغراض النبيلة، بوسائل شتى، وطرُق عُظمى؛ منها أمر الله تعالى ورسوله بغضِّ الأبصار وحفظ الفروج، فقال سبحانه: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30، 31].
ومِن أهمِّ هذه الوسائل التي تُحقِّق العفاف:
منع الاختلاط بين الرجال والنساء؛ قال العلامة ابن باز - رحمه الله -: ولا ريب أن تَمْكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصْلُ كلِّ بليَّة وشرٍّ، وهو مِن أعظم أسباب نزول العُقُوبات العامة، كما أنه مِن أسباب فساد أمور العامَّة والخاصة، واختلاطُ الرجال بالنساء سببٌ لكثْرة الفواحش والزِّنا.كما جاءت أحاديثُ صحيحة صريحة في تحريم الأسباب المُفضية إلى الاختلاط وهتْك سُنَّة المُباعَدة بين الرجال والنساء، ومنها: تحريم الدخول على الأجنبية والخلوة بها، تحريم سفر المرأة بلا محرَم، تحريم النظر العمْد مِن أيٍّ منهما إلى الآخر، تحريم دخول الرجال على النساء، تَحريم مسِّ الرجل بدن الأجنبية حتى المصافحة للسلام، تحريم تشبُّه أحدهما بالآخَر.كذلك من قواعد الشرع المطهَّر أنَّ الله إذا حرَّم شيئًا حرَّم الأسباب والطرقَ والوسائل المُفضية إليه؛ تحقيقًا لتحريمه، ومنعًا من القرب من حِماه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، والنَّهي عن قُربان الزِّنا أبلغ مِن النَّهي عن مجرَّد فعله؛ لأنَّ ذلك يَشمل النهي عن جميع مقدِّماته ودَواعيه، فإنَّ مَن حام حول الحِمى يوشِك أن يقَع فيه؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "واختِلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا".
نداء العقلاء:
بعد أن جرّبت البلاد الغربية الاختلاطَ وذاقت ويلاتِه وقاست مساوئه، أصبح العقلاء فيها يُنادون بقوة إلى منْع اختلاط الرجال بالنساء في بلادهم، بعد أن أحسُّوا بالخطر الداهم، وأعلنوها صريحةً مدوِّيةً بعد طول عناء أن التعليم غير المختلط أفضل بكثير من التعليم المختلط، لم يؤدِّ الاختلاط إلى تصريف النظير إنما أدَّى إلى بهيمية كاملة، لم تؤدِّ التجربة إلى تماسك البيوت ولا استقرار ولا ثبات، وإنما أدَّى إلى تفكك دائم وطلاق متزايد وجوع مستمر، فهل يستجيب عقلاء أمتنا إلى نداء عقلاء الغرب؟ هذا هو السؤال.
وأخيرًا: نوجه هذه الرسالة إلى أهل الحل والعقد ليتحمَّلوا مسؤوليتَهم الأخلاقية والشرعية في الحفاظ على عفَّة وطهارة وقيَمِ هذا البلد المُبارَك الذي طالما عرف عنه العفاف والمروءة، ونوصي بما يلي:
أولاً: يجب على العلماء وطلبة العلم والدُّعاة أن يُبَيِّنوا للناس خطورة مثل هذه الأمور؛ حتى لا يلتبس الحقُّ بالباطل والمعروف بالمنكر؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آل عمران: 187] ويُبيِّنوا لهم خطر الاختلاط والعواقب الوخيمة المترتِّبة على إشاعته في المجتمع المحافظ.
ثانيًا: يجب على ولاة الأمر - وفَّقهم الله - منْع الاختِلاط بشتَّى صورِه وأشكاله؛ حماية للأعراض، وقطعًا لدابر الشرِّ، ونصرة للعفَّة والفضيلة.
ثالثًا: يَجب على كل مَن ولّاه الله أمْرَ امرأة مِن الآباء والأزواج أن يتَّقوا الله فيما وُلُّوا مِن أمر النساء، وأن يعملوا الأسباب لحِفظهنَّ مِن التبَرُّج والاختلاط، وليعلموا أن فساد النساء سببُه تساهُل الرجال، وليُنكروا هذا المنكر الشائن بكل وسيلة شرعية متاحة حتى يسلموا مِن عقاب الله إن نزَل.
رابعًا: يجب على الذين يُمجِّدون الاختلاط والسفور، ويطعنون في ثوابت الأمة أن يتَّقوا الله، ويحذروا مِن سخطه وعقابه، وألا يكونوا باب سُوء على أهليهم وأمَّتِهم.
خامسًا: يجب على كل مسلم الحذر من وسائل الإعلام المُفسِدة التي دأبت على نشر الفساد والرذيلة في بلاد المسلمين.
تعليق