السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الإعتصام بالله تعالى
الإعتصام لغة: الاستمساك بالشئ والامتناع به
اعتصم بالله أي امتنع بلطفه واعتصم بكذا واستعصم به إذا تقوي به وامتنع مختار الصحاح -184 - مادة: ع- ص- م
واصطلاحا: هو التوكل علي الله وحده والاحتماء به وحده والالتجاء إليه وحده والاستعانة به وحده والثقة فيه وحده جل وعلا.
الاعتصام نوعان: الاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله?
قال ابن القيم -رحمه الله-: " ومدار سعادة العبد بهذين الاعتصامين إذ لا نجاة للعبد إلا أن يتمسك بهما".
فلنشرع هنا في بيان هذين الاعتصامين:
فأما الاعتصام بحبل الله فقد ذكر في قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا . ال عمران:103
ولقد اختلف المفسرون في معني قوله تعالى: "بحبل الله"
فقال ابن عباس -رضي الله عنه: بدين الله
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه: بالجماعة
وقال مجاهد -رحمه الله- بكتاب الله
وقال مقاتل -رحمه الله- بأمر الله وطاعته
وأما الاعتصام بالله فقد ذكر في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا باللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج:78)
الإعتصام بالله عند خاتم النبياء و المرسلين -عليه الصلاة والسلام-
واعتصم بالله نبي الهدي ورسوله المجتبى محمد بن عبد الله - صلي الله عليه وسلم- في حياته كلها وقد اخترت ثلاثة من المواقف لنبينا الكريم - صلي الله عليه وسلم - سأئلا جل وعلا أن يرزقنا الاعتصام به في كل شأن من شؤون حياتنا
الموقف الأول
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَأِلَةُ فِى وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَىَّ سَيْفِى وَأَنَا نَأِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ فِى يَدِهِ صَلْتًا». فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى فَقُلْتُ «اللَّهُ». ثَلاَثًا وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ.
في رواية قال جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فاخترطه فقال تخافني؟ قال (لا). قال فمن يمنعك مني؟ قال (الله).
وفي رواية أبي بكر الإسماعيلي في "صحيحه"، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: (اللهُ). قَالَ: فَسَقَطَ السيفُ مِنْ يَدهِ، فَأخَذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - السَّيْفَ، فَقَالَ: (مَنْ يَمْنَعُكَ مني؟). فَقَالَ: كُنْ خَيرَ آخِذٍ. فَقَالَ: (تَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وَأَنِّي رَسُول الله؟) قَالَ: لاَ، وَلَكنِّي أُعَاهِدُكَ أنْ لا أُقَاتِلَكَ، وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَومٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبيلَهُ، فَأَتَى أصْحَابَهُ، فَقَالَ: جئتُكُمْ مِنْ عنْد خَيْرِ النَّاسِ متفق عليه
فههنا يتضح لنا جليا كيف اعتصم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بربه وقد وقف الأعرابي بسيفه - صلي الله عليه وسلم - ليقتله وأصحابه نائمون ولكنه - صلي الله عليه وسلم - رد عليه بقوله: الله ? فكأن لفظ الجلالة زلزل قلب الأعرابي حتي سقط السيف من يده فالحافظ هو الله والمحيي هو الله والمميت هو الله ونعم بالله جل وعلا.
الموقف الثاني:
لما هاجر النبي - صلي الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة مكث في غار ثور ثلاثة أيام ليستخفي هو وصاحبه أبو بكر -رضي الله عنه - من أعين المشركين، ولكنهم تتبّعوا آثار النبي - صلي الله عليه وسلم- وصاحبه حتي وصلوا إلى الغار، ولكن الله أعمي أبصارهم ونجى نبيه - صلي الله عليه وسلم. فعن أبي بكر -رضي الله عنهم - قَالَ: نَظَرتُ إِلَى أَقْدَامِ المُشْرِكينَ وَنَحنُ في الغَارِ وَهُمْ عَلَى رُؤُوسِنا، فقلتُ: يَا رسولَ الله، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: (مَا ظَنُّكَ يَا أَبا بَكرٍ باثنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا) متفق عليه .
ولقد سطّر الله هذه الحادثة في كتابه الكريم "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا" التوبة:40.
وهكذا حفظ الله نبيه وصاحبه ورد كيد الكافرين ودحر شرهم
الموقف الثالث:
وهذا المشهد من المشاهد العظيمة لنبينا - صلي الله عليه وسلم - وذلك في غزوة بدر الكبري. وتلك الغزوة كانت عظيمة في الإسلام لأنها كانت أول لقاء بين المسلمين والمشركين وهي الفرقان كما ذكر في كتاب الله عز وجل. قال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ الأنفال :41.
وظل نبينا - صلي الله عليه وسلم - يناشد ربه ما وعده من النصرويقول: "اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك" حتى إذا حَمِيَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال: (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا). وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك. الرحيق المختوم - 217 - انظر تفسير ابن كثير أيضا - 4/ 1550
وبعد هذا التضرع العجيب والابتهال العظيم والاعتصام الكبير بالله جل وعلا جاء النصر المبين والفتح العظيم، ونصر الله نبيه - صلي الله عليه وسلم - أصحابه وخذل الله الكافرين والمشركين. ويالله ولهذا الاعتصام به جل وعلاه حتي سقط ردائه- صلي الله عليه وسلم - فلبى الله ندائه وأجاب دعوته وقبل ابتهاله.
وهكذا المؤمن يعتصم بربه في كل الأمور فيرى الخير العميم والنصرالعظيم والفتح المبين من عنده سبحانه وتعالى.
الاعتصام بالله عند الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-
الموقف الأول
1 - أخرج ابن عبد الحكم عن زيد بن أسلم قال: لما أبطأ على عمر بن الخطاب فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص، أما بعد فقد عجبت لإبطأكم عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنين، وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما أعرف، إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم، ورغبهم في الصبر والنية، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس، وأمُر الناس أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة، ووقت الإجابة وليعج الناس إلى الله وليسألوه النصر على عدوهم، فلما أتى عمروًا الكتابُ جمع الناس وقرأه عليهم، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس، وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين، ثم يرغبون إلى الله ويسألونه النصر ففتح الله عليهم جامع الأحاديث - رقم الحديث - 31236 - حياة الصحابة للشيخ يوسف الكاندهلوي 3/ 432.
فليتأمل كيف أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - أمرهم بالاعتصام بالله عز وجل وأن يرفعوا أصواتهم بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل وأن يطلب النصر من عنده. فكان النصر حليفهم والفتح نصيبهم والظفر حظهم باعتصامهم بالله وبفضل الله عليهم.
الموقف الثاني:
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فعقبه لصٌّ مقنع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فذرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يوليني قتله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ الإصابة 4/ 182. حياة الصحابة 3/ 98..
فهذا الصحابي الجليل لما اعتصم بالله ودعاه من شر هذا اللص أنقذه الله من الهلاك بملك أيَّدَه من السماء.
ثمرات الاعتصام بالله:إن للاعتصام بالله ثمرات عظيمة يجنيها العبد ويري خيرها وبرها في حياته ويعيش أثرها في كل أموره فمن هذه الثمرات:
1-أن الله تعالى يكرم من اعتصم به ويدخله في رحمته ويزيده فضلا من عنده. قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) سورة النساء .
2-أن الله تعالى يتولي من اعتصم به وينصره ويؤيده.
قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) سورة الحج.
3 - أن الاعتصام بالله صفة من صفات المؤمنين قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) سورة النساء .
4 - أن المعتصم بالله يعيش عزيزًا كريمًا لأنه أنزل حاجته إلى ربه الذي بيده العزة ولرسوله وللمؤمنين. قال تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين المنافقين:8.
5 - أن المعتصم بالله لا يفزع إذا فزع الناس ولا يحزن إذا حزن الناس ولا يشينه أمر إذا شان الأمور الناسَ.
6 - الاعتصام بالله نجاة للعبد في دنياه وآخراه فمن اعتصم بالله نجاه من كل شدة وخلصه من كل كربة ووقاه من كل محنة.
الإعتصام بالله تعالى
الإعتصام لغة: الاستمساك بالشئ والامتناع به
اعتصم بالله أي امتنع بلطفه واعتصم بكذا واستعصم به إذا تقوي به وامتنع مختار الصحاح -184 - مادة: ع- ص- م
واصطلاحا: هو التوكل علي الله وحده والاحتماء به وحده والالتجاء إليه وحده والاستعانة به وحده والثقة فيه وحده جل وعلا.
الاعتصام نوعان: الاعتصام بالله والاعتصام بحبل الله?
قال ابن القيم -رحمه الله-: " ومدار سعادة العبد بهذين الاعتصامين إذ لا نجاة للعبد إلا أن يتمسك بهما".
فلنشرع هنا في بيان هذين الاعتصامين:
فأما الاعتصام بحبل الله فقد ذكر في قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا . ال عمران:103
ولقد اختلف المفسرون في معني قوله تعالى: "بحبل الله"
فقال ابن عباس -رضي الله عنه: بدين الله
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه: بالجماعة
وقال مجاهد -رحمه الله- بكتاب الله
وقال مقاتل -رحمه الله- بأمر الله وطاعته
وأما الاعتصام بالله فقد ذكر في قوله تعالى وَاعْتَصِمُوا باللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (الحج:78)
الإعتصام بالله عند خاتم النبياء و المرسلين -عليه الصلاة والسلام-
واعتصم بالله نبي الهدي ورسوله المجتبى محمد بن عبد الله - صلي الله عليه وسلم- في حياته كلها وقد اخترت ثلاثة من المواقف لنبينا الكريم - صلي الله عليه وسلم - سأئلا جل وعلا أن يرزقنا الاعتصام به في كل شأن من شؤون حياتنا
الموقف الأول
عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَأِلَةُ فِى وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَىَّ سَيْفِى وَأَنَا نَأِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ فِى يَدِهِ صَلْتًا». فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّى فَقُلْتُ «اللَّهُ». ثَلاَثًا وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ.
في رواية قال جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة فاخترطه فقال تخافني؟ قال (لا). قال فمن يمنعك مني؟ قال (الله).
وفي رواية أبي بكر الإسماعيلي في "صحيحه"، قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: (اللهُ). قَالَ: فَسَقَطَ السيفُ مِنْ يَدهِ، فَأخَذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - السَّيْفَ، فَقَالَ: (مَنْ يَمْنَعُكَ مني؟). فَقَالَ: كُنْ خَيرَ آخِذٍ. فَقَالَ: (تَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وَأَنِّي رَسُول الله؟) قَالَ: لاَ، وَلَكنِّي أُعَاهِدُكَ أنْ لا أُقَاتِلَكَ، وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَومٍ يُقَاتِلُونَكَ، فَخَلَّى سَبيلَهُ، فَأَتَى أصْحَابَهُ، فَقَالَ: جئتُكُمْ مِنْ عنْد خَيْرِ النَّاسِ متفق عليه
فههنا يتضح لنا جليا كيف اعتصم رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بربه وقد وقف الأعرابي بسيفه - صلي الله عليه وسلم - ليقتله وأصحابه نائمون ولكنه - صلي الله عليه وسلم - رد عليه بقوله: الله ? فكأن لفظ الجلالة زلزل قلب الأعرابي حتي سقط السيف من يده فالحافظ هو الله والمحيي هو الله والمميت هو الله ونعم بالله جل وعلا.
الموقف الثاني:
لما هاجر النبي - صلي الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة مكث في غار ثور ثلاثة أيام ليستخفي هو وصاحبه أبو بكر -رضي الله عنه - من أعين المشركين، ولكنهم تتبّعوا آثار النبي - صلي الله عليه وسلم- وصاحبه حتي وصلوا إلى الغار، ولكن الله أعمي أبصارهم ونجى نبيه - صلي الله عليه وسلم. فعن أبي بكر -رضي الله عنهم - قَالَ: نَظَرتُ إِلَى أَقْدَامِ المُشْرِكينَ وَنَحنُ في الغَارِ وَهُمْ عَلَى رُؤُوسِنا، فقلتُ: يَا رسولَ الله، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: (مَا ظَنُّكَ يَا أَبا بَكرٍ باثنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا) متفق عليه .
ولقد سطّر الله هذه الحادثة في كتابه الكريم "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا" التوبة:40.
وهكذا حفظ الله نبيه وصاحبه ورد كيد الكافرين ودحر شرهم
الموقف الثالث:
وهذا المشهد من المشاهد العظيمة لنبينا - صلي الله عليه وسلم - وذلك في غزوة بدر الكبري. وتلك الغزوة كانت عظيمة في الإسلام لأنها كانت أول لقاء بين المسلمين والمشركين وهي الفرقان كما ذكر في كتاب الله عز وجل. قال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ الأنفال :41.
وظل نبينا - صلي الله عليه وسلم - يناشد ربه ما وعده من النصرويقول: "اللهم انجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك" حتى إذا حَمِيَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال: (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا). وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك. الرحيق المختوم - 217 - انظر تفسير ابن كثير أيضا - 4/ 1550
وبعد هذا التضرع العجيب والابتهال العظيم والاعتصام الكبير بالله جل وعلا جاء النصر المبين والفتح العظيم، ونصر الله نبيه - صلي الله عليه وسلم - أصحابه وخذل الله الكافرين والمشركين. ويالله ولهذا الاعتصام به جل وعلاه حتي سقط ردائه- صلي الله عليه وسلم - فلبى الله ندائه وأجاب دعوته وقبل ابتهاله.
وهكذا المؤمن يعتصم بربه في كل الأمور فيرى الخير العميم والنصرالعظيم والفتح المبين من عنده سبحانه وتعالى.
الاعتصام بالله عند الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم-
الموقف الأول
1 - أخرج ابن عبد الحكم عن زيد بن أسلم قال: لما أبطأ على عمر بن الخطاب فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص، أما بعد فقد عجبت لإبطأكم عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنين، وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما أعرف، إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس وحضهم على قتال عدوهم، ورغبهم في الصبر والنية، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس، وأمُر الناس أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة، ووقت الإجابة وليعج الناس إلى الله وليسألوه النصر على عدوهم، فلما أتى عمروًا الكتابُ جمع الناس وقرأه عليهم، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس، وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين، ثم يرغبون إلى الله ويسألونه النصر ففتح الله عليهم جامع الأحاديث - رقم الحديث - 31236 - حياة الصحابة للشيخ يوسف الكاندهلوي 3/ 432.
فليتأمل كيف أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - أمرهم بالاعتصام بالله عز وجل وأن يرفعوا أصواتهم بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل وأن يطلب النصر من عنده. فكان النصر حليفهم والفتح نصيبهم والظفر حظهم باعتصامهم بالله وبفضل الله عليهم.
الموقف الثاني:
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب مُجَابي الدعوة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكنى أبا معلق، وكان تاجرًا يتَّجر بمال له ولغيره، وكان له نُسُك وورع، فخرج مرة فعقبه لصٌّ مقنع في السلاح، فقال: ضَعْ متاعك فإني فاتلك، قال: شأنك بالمال، قال: لست أريد إلا دمك، قال: فذرْني أصلِّ، قال: صلِّ ما بدا لك. فتوضأ ثم صلّى فكان من دعائه: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالاً لما يريد، أسألك بعزَّتك التي لا تُرام، وملكك الذي لا يُضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني. قالها ثلاثاً؛ فإذا هو بفارس بيده حربة رافعها بين أذني رأسه، فطعن اللصَّ فقتله، ثم أقبل على التاجر، فقال: من أنت؟ فقد أغاثني الله بك، قال: إني مَلك من أهل السماء الرابعة؛ لما دعوتَ سمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت ثانياً فسمعتُ لأهل السماء ضجّة، ثم دعوتَ ثالثاً فقيل: دعاء مكروب، فسألتُ الله أن يوليني قتله، ثم قال: أبشر واعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب؛ الإصابة 4/ 182. حياة الصحابة 3/ 98..
فهذا الصحابي الجليل لما اعتصم بالله ودعاه من شر هذا اللص أنقذه الله من الهلاك بملك أيَّدَه من السماء.
ثمرات الاعتصام بالله:إن للاعتصام بالله ثمرات عظيمة يجنيها العبد ويري خيرها وبرها في حياته ويعيش أثرها في كل أموره فمن هذه الثمرات:
1-أن الله تعالى يكرم من اعتصم به ويدخله في رحمته ويزيده فضلا من عنده. قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) سورة النساء .
2-أن الله تعالى يتولي من اعتصم به وينصره ويؤيده.
قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) سورة الحج.
3 - أن الاعتصام بالله صفة من صفات المؤمنين قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) سورة النساء .
4 - أن المعتصم بالله يعيش عزيزًا كريمًا لأنه أنزل حاجته إلى ربه الذي بيده العزة ولرسوله وللمؤمنين. قال تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين المنافقين:8.
5 - أن المعتصم بالله لا يفزع إذا فزع الناس ولا يحزن إذا حزن الناس ولا يشينه أمر إذا شان الأمور الناسَ.
6 - الاعتصام بالله نجاة للعبد في دنياه وآخراه فمن اعتصم بالله نجاه من كل شدة وخلصه من كل كربة ووقاه من كل محنة.
تعليق