اننا بحاجة الى ان نقف على الحجب العشرة بين العاصي وبين الله..
فإن بين العاصي وبين الله عشرة حجب بعضها أكثف من بعض..
كل حجاب أغلظ من الذي يليه.. ولا سبيل للعبد للوصول الى الله إلا بتخطي تلك الحجب العشرة..
الحجاب الأول: الجهل بالله:
إن أغلظ الحجب هو الجهل بـ الله وألّا تعرفه.. فالمرء عدو ما جهل.. إن الذين لا يعرفون الله يعصونه.. من لا يعرفون الله يكرهونه.. من لا يعرفون الله يعبدون الشيطان من دونه.. ولذلك كان نداء الله بالعلم أولا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19]. فالدواء: أن تعرف الله حق المعرفة.. فإذا عرفته معرفة حقيقية، عند ذلك تعيش حقيقة التوبة.
الحجاب الثاني: البدعة:
فمن ابتدع تكون بدعته حجابا بينه وبين الله حتى يتخلص منها.. قال صلى الله عليه وسلم:
«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (أخرجه البخاري (2697) كتاب الصلح. ومسلم (1718) كتاب الأقضية).
وانظر الى قول الله جل جلاله في الكفار أنهم {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40].
وتكون البدعة حجابا تمنع وصول العمل الى الله.. وبالتالي تمنع وصول العبد.. فتكون حجابا بين العبد وبين الرب..
لأن المبتدع إنما عبد على هواه.. لا على مراد مولاه.. فهو حجاب بينه وبين الله..
من خلال ما ابتدع مما لم يشرّع الله..
فالعامل للصالحات يمهّد لنفسه..
اما المبتدع فإنه شر من المعاصي.
الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:
وهي كثيرة كالخيلاء.. والفخر.. والكبر.. والحسد.. والعجب.. والرياء والغرور..
هذه الكبائر الباطنة أكبر من الكبائر الظاهرة.. أعظم من الزنا وشرب الخمر والسرقة..
هذه الكبائر الباطنة إذا وقعت في القلب.. كانت حجابا بين قلب العبد وقلب الرب.
ذلك أن الطريق الى الله إنما تقطع بالقلوب .. ولا تقطع بالأقدام.. والمعاصي القلبية قطاع الطريق.
الحجاب الرابع : حجاب أهل الكبائر الظاهرة:
كالسرقة.. وشرب الخمر.. وسائر الكبائر..
إخوتاه.. ينبغي أن نفقه في هذا المقام.. أنه لا صغيرة مع الإصرار.. ولا كبيرة مع الاستغفار.
.والإصرار هو الثبات على المخالفة.. والعزم على المعاودة..
وقد تكن هناك معصية صغيرة فتكبر بعدة أشياء وهي خمسة:
أولا: الإصرار والمواظبة.
ثانيا: السرور بالذنب.
ثالثا: أن يتهاون بستر الله عليه.
رابعا: المجاهرة.
خامسا: أن يكون رأسا يقتدى به.
الحجاب الخامس: حجاب أهل الصغائر:
إن الصغائر تعظم.. وكم من صغيرة أدت بصاحبها الى سوء الخاتمة.. والعياذ بالله.
فالمؤمن هو المعظم لجنايته يرى ذنبه ـمهما صغرـ كبيرا لأنه يراقب الله..
كما أنه لا يحقر من المعروف شيئا لأنه يرى فيه منّة الله وفضله..
فيظل بين هاتين المنزلتين حتى ينخلع من قلبه استصغار الذنب واحتقار الطاعة..
فيقبل على ربّه الغفور الرحيم التواب المنان المنعم فيتوب اليه فينقشع عنه هذا الحجاب.
الحجاب السادس: حجاب الشرك:
وهذا من أعظم الحجب وأغلظها وأكثفها.. وقطعه وإزالته تكون بتجريد التوحيد..
وإنما المعنى الأصلي الحقيقي للشرك هو تعلق القلب بغير الله سبحانه وتعالى.. سواء في العبادة.
. أو في المحبة.. سواء في المعاني القلبية... أو في الأعمال الظاهرة..
والشرك بغيض الى الله تعالى.. فليس ثمة شيء أبغض الى الله تعالى من الشرك والمشركين.
الحجاب السابع: حجاب أهل الفضلات والتوسع في المباحث:
الاهتمام بالمباحات والمبالغة في ذلك.. وشغل القلب الدائم بها... قد يكون حجابا غليظا يقطع العبد عن الله
الحجاب الثامن: حجاب أهل الغفلة عن الله:
الغفلة تستحكم في القلب حين يفارق محبوبه جل وعلا.. فيتبع المرء هواه.. ويوالي الشيطان.. وينسى الله..
قال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28].
. ولا ينكشف حجاب الغفلة عنه إلا بالانزعاج الناشئ عن انبعاث ثلاثة أنوار في القلب:
نور ملاحظة نعمة الله تعالى في السر والعلن.. حتى يغمر القلب محبته جل جلاله..
فإن القلوب فطرت على حب من أحسن اليها..
نور مطالعة جناية النفس.. حتى يوقن بحقارتها.. وتسببها في هلاكه.. فيعرف نفسه بالازدراء والنقص..
ويعرفربه بصفات الجمال والكمال.. فيذل نفسه لله.. ويحمل على نفسه عبادة الله.. لشكره وطلب رضاه.
نور الانتباه لمعرفة الزيادة والنقصان من الأيام.. فيدرك أن عمره رأس ماله..
فيشمر عن ساعد الجد حتى يتدارك ما فاته في بقية عمره..
الحجاب التاسع: حجاب العادات والتقاليد والأعراف:
إن من الناس عبيد للعادة.. ولذلك أول سبيل للوصول الى الله خلع العادات.
. ألاّ تصير لك عادة.. فالإنسان عبد عادته.. ولكي تصل الى الله فلا بد أن تصير حرّا من العبودية لغير الله..
الحجاب العاشر: حجاب المجتهدين المنصرفين عن السير الى المقصود:
وهذا حجاب الملتزمين... أن يرى المرء عمله.. فيكون عمله حجابا بينه وبين الله.
. فمن الواجب ألا يرى عمله.. وإنما يسير بين مطالعة المنة.. ومشاهدة عيب النفس والعمل..
يطالع منة الله وفضله عليه أن وفقه وأعانه.. ويبحث في عمله.. وكيف أنه لم يؤده على الوجه المطلوب ..
بل شابه من الآفات ما يمنع قبوله عند الله.. فيجتهد في السير.. وإلا فتعلق القلب بالعمل.. ورضاه عنه..
وانشغاله به عن لمعبود.. حجاب..
هذه هي الحجب العشرة بين العبد وبين الله.. كل حجاب منهما أكبر وأشد كثافة من الذي قبله..
أرأيت يا عبد الله كم حجاب يفصلك اليوم عن ربك سبحانه وتعالى.. وقل لي ربك.. كيف يمكنك الخلاص منها..؟!
فاصدق الله.. واصدق في اللجإ اليه.. لكي يزيل الحجب بينك وبينه.. فإنه لا ينسف هذه الحجب إلا الله .
_____________________
ملخص من كتاب "كيف أتوب؟" لــ: "محمد حسين يعقوب"
تعليق