قال ابن رجب رحمه الله عن بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة أرأيتم كيف شهد النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه بالجنة مع شهادة الرجل على نفسه أنه ليس كثير صلاة فما السر في ذلك؟
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لا حيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم. قال أنس وكان عبدالله يحدّث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال، وكدت أن أحقر عمله قلت: يا عبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي أيُّ غضبٍ ولا هجر ولكن سمعت رسول الله صلى لله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار : يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق)رواه الإمام أحمد
أعرفتم أيها المسلمون أهمية سلامة الصدور وأي مكانة لها عن ربنا العزيز الغفور؟!
بعد أن عرفنا ما لسلامة الصدر من الأجر العظيم والخير العميم لعلنا نلتمس الأسباب المعينة على ذلك لنجاهد أنفسنا على تطبيقها علَّ الله تعالى أن يجعلنا من أهل القلوب السليمة فمن ذلك:-
1- الدعاء فهو من أعظم الأسباب وقد تقدم دعاء المؤمنين ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ( وأسألك قلباً سليما ) رواه الإمام أحمد وصححه ابن حبان .
2- حسن الظن بالناس وحمل الكلام على أحسن المحامل وهذا كثيراً ما يوقع الناس في التباغض أن يحمل الإنسان الكلمة التي خرجت من أخيه على محمل سيء ويفسرها تفسيراً خاطئاً لا يكون المقابل بالضرورة يقصده. قال عمر رضي الله عنه: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً وإليكم هذه القصة فقد جاء أحد الناس إلى الإمام الشافعي يعوده في مرضه فقال له: قوّى الله ضعفك فقال الشافعي رحمه الله: لو قوّى ضعفي لقتلني قال الزائر: والله ما أردت إلا الخير فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.
3- البعد عن مجالسة النمامين الذين ينقلون الكلام بغرض الإفساد فهم رسل إبليس في الوقيعة بين الناس قال يحيى بن كثير الذي يعمل النمام في ساعة لا يعمله الساحر في شهر، ولو كان كلام النمام صحيحاً فرد كيده في نحره واعف عمن أساء إليك أو تكلم فيك . قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر )
4- إهداء الهدية فإن لها أثراً في تطييب الخواطر وإذهاب وغر الصدور وقد جاء في الحديث ( تهادوا حابوا ) رواه البخاري في الأدب المفرد وهو حديث حسن
5- الرضا عن الله وبما قسمه للعبد فهو من أفضل العلاج قال ابن القيم رحمه الله : وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا وكلما كان العبد أشد رضاً كان قلبه أسلم فالخبث والدغل والغش قرين السخط وسلامة القلب وبره ونصحه قرين الرضا.
6- تذكر ما لسليم الصدر عند الله من الأجر العظيم كما تقدم فإن الله وصف أهل الجنة بقوله ( إن المتقين في جناتٍ وعيون*ادخلوها بسلام آمنين * ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سررٍ متقابلين )
نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من الغل والحسد والشقاق والنفاق وسيء الأخلاق.
وصلّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه / عبد الله بن عامر اللهو
صيد الفوائد
تعليق