لا تحزن - يومك يومكَ
عائض بن عبد الله القرني
اذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءُ، اليوم فحسْبُ ستعيشُ، فلا أمسُ الذي ذهب بخيرِهِ وشرِهِ، ولا الغدُ الذي لم يأتِ إلى الآن. اليومُ الذي أظلَّتْكَ شمسُه، وأدركك نهارُهُ هو يومُك فحسْبُ، عمرُك يومٌ واحدٌ، فاجعلْ في خلدِك العيش لهذا اليومِ وكأنك ولدت فيهِ وتموتُ فيهِ، حينها لا تتعثرُ حياتُك بين هاجسِ الماضي وهمِّهِ وغمِّهِ، وبين توقعِ المستقبلِ وشبحِهِ المخيفِ وزحفِهِ المرعبِ، لليومِ فقطْ اصرفْ تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدَّك وجدَّك، فلهذا اليومِ لابد أن تقدم صلاةً خاشعةً وتلاوةً بتدبرٍ واطلاعاً بتأملٍ، وذِكْراً بحضورٍ، واتزاناً في الأمور، وحُسْناً في خلقِ، ورضاً بالمقسومِ، واهتماماً بالمظهرِ، واعتناءً بالجسمِ، ونفعاً للآخرين.
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقُسِّم ساعاتِه وتجعل من دقائقه سنواتٍ، ومن ثوانيهِ شهوراً، تزرعُ فيه الخيْر، تُسدي فيه الجميل، تستغفرُ فيه من الذنب، تذكرُ فيه الربَّ، تتهيأ للرحيلِ، تعيشُ هذا اليوم فرحاً وسروراً، وأمناً وسكينةً، ترضى فيه برزقِك، بزوجتِك، بأطفالِك بوظيفتك، ببيتِك، بعلمِك، بمُسْتواك {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}( الأعراف:144) تعيشُ هذا اليوم بلا حُزْنٍ ولا انزعاجٍ، ولا سخطٍ ولا حقدٍ، ولا حسدٍ.
إن عليك أن تكتب على لوحِ قلبك عبارةً واحدة تجعلُها أيضاً على مكتبك تقول العبارة: (يومك يومُك). إذا أكلت خبزاً حارّاً شهيّاً هذا اليوم فهل يضُرُّك خبزُ الأمسِ الجافِّ الرديء، أو خبزُ غدٍ الغائبِ المنتظرِ.
إذا شربت ماءً عذباً زلالاً هذا اليوْم، فلماذا تحزنُ من ماءِ أمس الملحِ الأجاجِ، أو تهتمُّ لماءِ غدٍ الآسنِ الحارِّ.
إنك لو صدقت مع نفسِك بإرادةٍ فولاذيةٍ صارمةٍ عارمةٍ لأخضعتها لنظرية: (لن أعيش إلى هذا اليوْم). حينها تستغلُّ كلَّ لحظة في هذا اليوم في بناءِ كيانِك وتنميةِ مواهبك، وتزكيةِ عملكُ، فتقول: لليوم فقطْ أُهذِّبُ ألفاظي فلا أنطقُ هُجراً أو فُحْشاً، أو سبّاً، أو غيبةً، لليوم فقطْ سوف أرتبُ بيتي ومكتبتي، فلا ارتباكٌ ولا بعثرةٌ، وإنما نظامٌ ورتابةٌ. لليوم فقط سوف أعيشُ فأعتني بنظافةِ جسمي، وتحسين مظهري والاهتمامِ بهندامي، والاتزانِ في مشيتي وكلامي وحركاتي.
لليوم فقطْ سأعيشُ فأجتهدُ في طاعةِ ربِّي، وتأديةِ صلاتي على أكملِ وجهِ، والتزودِ بالنوافلِ، وتعاهدِ مصحفي، والنظرِ في كتبي، وحفظِ فائدةٍ، ومطالعةِ كتابٍ نافعٍ.
لليومِ فقطْ سأعيشُ فأغرسُ في قلبي الفضيلةً وأجتثُّ منه شجرة الشرِّ بغصونِها الشائكةِ من كِبْرٍ وعُجبٍ ورياءٍ وحسدٍ وحقدٍ وغِلًّ وسوءِ ظنٍّ.
لليوم فقط سوف أعيشُ فأنفعُ الآخرين، وأسدي الجميلَ إلى الغير، أعودُ مريضاً، أشيِّعُ جنازةً، أدُلُّ حيران، أُطعمُ جائعاً، أفرِّجُ عن مكروبٍ، أقفٌ مع مظلومٍ، أشفعُ لضعيفٍ، أواسي منكوباً، أكرمُ عالماً، أرحمُ صغيراً، أجِلُّ كبيراً.
لليوم فقط سأعيشُ؛ فيا ماضٍ ذهب وانتهى اغربْ كشمِسك، فلن أبكي عليك ولن تراني أقفُ لأتذكرك لحظة؛ لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلْت عنَّا ولن تعود إلينا أبد الآبدين.
ويا مستقبلُ أنْت في عالمِ الغيبِ فلنْ أتعامل مع الأحلامِ، ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجَّلَ ميلاد مفقودٍ، لأنَّ غداً لا شيء؛ لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكوراً.
يومك يومُك أيها الإنسانُ أروعُ كلمةٍ في قاموسِ السعادةِ لمن أراد الحياة في أبهى صورِها وأجملِ حُلِلها.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات وللمسلمين والمسلمات الأحياء والأموات
عائض بن عبد الله القرني
اذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءُ، اليوم فحسْبُ ستعيشُ، فلا أمسُ الذي ذهب بخيرِهِ وشرِهِ، ولا الغدُ الذي لم يأتِ إلى الآن. اليومُ الذي أظلَّتْكَ شمسُه، وأدركك نهارُهُ هو يومُك فحسْبُ، عمرُك يومٌ واحدٌ، فاجعلْ في خلدِك العيش لهذا اليومِ وكأنك ولدت فيهِ وتموتُ فيهِ، حينها لا تتعثرُ حياتُك بين هاجسِ الماضي وهمِّهِ وغمِّهِ، وبين توقعِ المستقبلِ وشبحِهِ المخيفِ وزحفِهِ المرعبِ، لليومِ فقطْ اصرفْ تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدَّك وجدَّك، فلهذا اليومِ لابد أن تقدم صلاةً خاشعةً وتلاوةً بتدبرٍ واطلاعاً بتأملٍ، وذِكْراً بحضورٍ، واتزاناً في الأمور، وحُسْناً في خلقِ، ورضاً بالمقسومِ، واهتماماً بالمظهرِ، واعتناءً بالجسمِ، ونفعاً للآخرين.
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقُسِّم ساعاتِه وتجعل من دقائقه سنواتٍ، ومن ثوانيهِ شهوراً، تزرعُ فيه الخيْر، تُسدي فيه الجميل، تستغفرُ فيه من الذنب، تذكرُ فيه الربَّ، تتهيأ للرحيلِ، تعيشُ هذا اليوم فرحاً وسروراً، وأمناً وسكينةً، ترضى فيه برزقِك، بزوجتِك، بأطفالِك بوظيفتك، ببيتِك، بعلمِك، بمُسْتواك {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}( الأعراف:144) تعيشُ هذا اليوم بلا حُزْنٍ ولا انزعاجٍ، ولا سخطٍ ولا حقدٍ، ولا حسدٍ.
إن عليك أن تكتب على لوحِ قلبك عبارةً واحدة تجعلُها أيضاً على مكتبك تقول العبارة: (يومك يومُك). إذا أكلت خبزاً حارّاً شهيّاً هذا اليوم فهل يضُرُّك خبزُ الأمسِ الجافِّ الرديء، أو خبزُ غدٍ الغائبِ المنتظرِ.
إذا شربت ماءً عذباً زلالاً هذا اليوْم، فلماذا تحزنُ من ماءِ أمس الملحِ الأجاجِ، أو تهتمُّ لماءِ غدٍ الآسنِ الحارِّ.
إنك لو صدقت مع نفسِك بإرادةٍ فولاذيةٍ صارمةٍ عارمةٍ لأخضعتها لنظرية: (لن أعيش إلى هذا اليوْم). حينها تستغلُّ كلَّ لحظة في هذا اليوم في بناءِ كيانِك وتنميةِ مواهبك، وتزكيةِ عملكُ، فتقول: لليوم فقطْ أُهذِّبُ ألفاظي فلا أنطقُ هُجراً أو فُحْشاً، أو سبّاً، أو غيبةً، لليوم فقطْ سوف أرتبُ بيتي ومكتبتي، فلا ارتباكٌ ولا بعثرةٌ، وإنما نظامٌ ورتابةٌ. لليوم فقط سوف أعيشُ فأعتني بنظافةِ جسمي، وتحسين مظهري والاهتمامِ بهندامي، والاتزانِ في مشيتي وكلامي وحركاتي.
لليوم فقطْ سأعيشُ فأجتهدُ في طاعةِ ربِّي، وتأديةِ صلاتي على أكملِ وجهِ، والتزودِ بالنوافلِ، وتعاهدِ مصحفي، والنظرِ في كتبي، وحفظِ فائدةٍ، ومطالعةِ كتابٍ نافعٍ.
لليومِ فقطْ سأعيشُ فأغرسُ في قلبي الفضيلةً وأجتثُّ منه شجرة الشرِّ بغصونِها الشائكةِ من كِبْرٍ وعُجبٍ ورياءٍ وحسدٍ وحقدٍ وغِلًّ وسوءِ ظنٍّ.
لليوم فقط سوف أعيشُ فأنفعُ الآخرين، وأسدي الجميلَ إلى الغير، أعودُ مريضاً، أشيِّعُ جنازةً، أدُلُّ حيران، أُطعمُ جائعاً، أفرِّجُ عن مكروبٍ، أقفٌ مع مظلومٍ، أشفعُ لضعيفٍ، أواسي منكوباً، أكرمُ عالماً، أرحمُ صغيراً، أجِلُّ كبيراً.
لليوم فقط سأعيشُ؛ فيا ماضٍ ذهب وانتهى اغربْ كشمِسك، فلن أبكي عليك ولن تراني أقفُ لأتذكرك لحظة؛ لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلْت عنَّا ولن تعود إلينا أبد الآبدين.
ويا مستقبلُ أنْت في عالمِ الغيبِ فلنْ أتعامل مع الأحلامِ، ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجَّلَ ميلاد مفقودٍ، لأنَّ غداً لا شيء؛ لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكوراً.
يومك يومُك أيها الإنسانُ أروعُ كلمةٍ في قاموسِ السعادةِ لمن أراد الحياة في أبهى صورِها وأجملِ حُلِلها.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات وللمسلمين والمسلمات الأحياء والأموات
تعليق