أهمية العناية بالقلب تحلية وتخلية - الجزء الثاني
خالد أبو شادي
ثالثًا: كثرة نصوص الكتاب في ذكر القلب كثرت نصوص القرآن التي فيها ذكر القلب وطاعاته وأمراضه وأحواله فقد ذكر القلب في القرآن في مائة وثلاثين موضعًا،
ومن أوصافه المحمودةالمذكورة في القرآن: سلامته، اطمئنانه، هدايته، الربط عليه، تقواه، العقل به سكينته، رأفته، رحمته، الخير فيه، طهارته، تزيين الإيمان فيه، إيمانه، وجله، ذهاب غيظه، إخباته، لينه، خشوعه، تأليفالقلوب.
ومن أوصافه المذمومة: غلظه، الطبع عليه، إثمه، غفلته، الختم عليه رعبه، عدم فقهه، زيغه، عماه، اشمئزازه من ذكر الله وحده قفله، قسوته تزيين الباطل فيه، غلفه، كونه في أكنة، غله، مرضه، إشرابه بالباطل، حسرته، إباؤه الحق، ريبته وارتيابه، نفاقه، تقطعه، صرفه، الشد عليه، إنكاره الحق، لهوه، كونه في غمرة ، حميته الجاهلية، الران عليه.
رابعًا: القلب هو موضع نظر الله إن القلب هو موضع نظر الله جل وعلا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (صحيح مسلم[2564]).
ويقول جل وعلا في شأن قرابين البدن: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37].
ولذا فإن الأعمال تتفاضل عند الله بتفاضل ما في قلوب العاملين، وتبعًا لهذا التفاضل فإن تكفير الأعمال الصالحة للذنوب الوارد في النصوص يكمل أو ينقص بحسب ما في القلوب.
يقول ابن القيم: "فتفاضل الأعمال عند الله بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها، وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر تكفيرًا كاملاً، والناقص بحسبه، وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة، وهما: تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه" (الوابل الصيب).
ومما يوضح هذا: الفرق العظيم بين صلاة المخلص الخاشع وصلاة المرائي أو الغافل، قال حسان بن عطية: "إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض؛ وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل والآخر ساه غافل" (الوابل الصيب).
والمتأمل في الوحيين يجد أن الوعد بالجزاء الحسن على العمل الظاهر يأتي مشروطًا باقتران عمل قلبي به، ولذلك شواهد في الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى فى امرأتك» (صحيح مسلم[1628])،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه» (صحيح البخاري[2014]،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه» (صحيح مسلم[759])،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه» (صحيح مسلم[226]).
ولما كان القلب هو موضع نظر الله عز وجل، كانت الخيرية عنده بحسب سلامة القلب واستقامته، يقول صلى الله عليه وسلم: «خير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق، قيل: وما القلب المخموم؟ قال: هو التقى النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد، قيل: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا، ويحب الآخرة» (صحيح الجامع[2931])،
وشاهد ذلك من القرآن قوله سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
فقلب العبد الصالح هو إناء الله في الأرض يضع فيه الخيرات من الإيمان واليقين والمحبة وغيرها، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها» (السلسلة الصحيحة[1691]).
خامسًا: العناية بالقلب سبب النجاة العناية بالقلب سبب النجاة في الآخرة ودخول الجنة، وقد دلت على ذلك أدلة الكتابة والسنة، ومن ذلك قوله سبحانه: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88:98]،
وقوله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ . هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:31:33]،
وقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ . الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت:58:59].
وأحيانًا تذكر أعمال القلوب مقرونة بأركان الإسلام، ويرتب على ذلك الثواب العظيم، ومن ذلك قوله سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2:4] .
وقد قدم تعالى أعمال القلوب، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها، وأحيانًا يعطف الله عمل القلب على الإيمان والعمل الصالح وهو من عطف الخاص على العام بيانًا لعظم منزلة العمل القلبي عند الله، يقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [هود:23].
وفي حديث أنس بن مالك في قصة الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، وفيها أن عبد الله بن عمرو بن العاص تبعه، فبات معه ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار ذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر، فقال عبد الله: (غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا) فلما مضت الثلاث، وكدت احتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ما هو إلا ما رأيت، قال : فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه) فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق» (الترغيب والترهيب[4/32]).
وتأمل يا أخي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله تجد أنهم ذوو أعمال قلبية، نتجت منها أعمال ظاهرة، حازوا ذلك الفضل العظيم .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ورجل تصدق صدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» (صحيح مسلم[1031]).
فالإمام العادل: ما حمله على العدل وحجزه عن الظلم، وقد تمكن من الرقاب والأموال إلا خوفه من الله، واستشعاره لعظمة الموقف بين يدي الحكم العدل، وأما الشاب الذي نشأ في عبادة الله فلم ينتصر على صبوة الشباب ونزوات نفسه إلا بمعان إيمانية قامت بقلبه، وأما البقية، فقد أبان النبي صلى الله عليه وسلم ما في قلوبهم من أعمال قلبية.
فمنهم المحب لله الذي عظمت تلك المحبة في قلبه، فتعلق قلبه ببيوت الله، وأحب الرجل لا يحبه إلا في الله، ومنهم الخائف من الله الذي ثبت قلبه في موقف يضعف أمامه الأبطال، ومنهم المخلص لله في صدقته، ومنهم من امتلأ قلبه بتعظيم الله وإجلاله، ففاضت عيناه في خلوة، تجلى في عمله الإخلاص، والصدق مع الله.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات وللمسلمين والمسلمات الاحياء والاموات
خالد أبو شادي
ثالثًا: كثرة نصوص الكتاب في ذكر القلب كثرت نصوص القرآن التي فيها ذكر القلب وطاعاته وأمراضه وأحواله فقد ذكر القلب في القرآن في مائة وثلاثين موضعًا،
ومن أوصافه المحمودةالمذكورة في القرآن: سلامته، اطمئنانه، هدايته، الربط عليه، تقواه، العقل به سكينته، رأفته، رحمته، الخير فيه، طهارته، تزيين الإيمان فيه، إيمانه، وجله، ذهاب غيظه، إخباته، لينه، خشوعه، تأليفالقلوب.
ومن أوصافه المذمومة: غلظه، الطبع عليه، إثمه، غفلته، الختم عليه رعبه، عدم فقهه، زيغه، عماه، اشمئزازه من ذكر الله وحده قفله، قسوته تزيين الباطل فيه، غلفه، كونه في أكنة، غله، مرضه، إشرابه بالباطل، حسرته، إباؤه الحق، ريبته وارتيابه، نفاقه، تقطعه، صرفه، الشد عليه، إنكاره الحق، لهوه، كونه في غمرة ، حميته الجاهلية، الران عليه.
رابعًا: القلب هو موضع نظر الله إن القلب هو موضع نظر الله جل وعلا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» (صحيح مسلم[2564]).
ويقول جل وعلا في شأن قرابين البدن: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37].
ولذا فإن الأعمال تتفاضل عند الله بتفاضل ما في قلوب العاملين، وتبعًا لهذا التفاضل فإن تكفير الأعمال الصالحة للذنوب الوارد في النصوص يكمل أو ينقص بحسب ما في القلوب.
يقول ابن القيم: "فتفاضل الأعمال عند الله بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها، وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر تكفيرًا كاملاً، والناقص بحسبه، وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة، وهما: تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه" (الوابل الصيب).
ومما يوضح هذا: الفرق العظيم بين صلاة المخلص الخاشع وصلاة المرائي أو الغافل، قال حسان بن عطية: "إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض؛ وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل والآخر ساه غافل" (الوابل الصيب).
والمتأمل في الوحيين يجد أن الوعد بالجزاء الحسن على العمل الظاهر يأتي مشروطًا باقتران عمل قلبي به، ولذلك شواهد في الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أجرت عليها، حتى اللقمة ترفعها إلى فى امرأتك» (صحيح مسلم[1628])،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه» (صحيح البخاري[2014]،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه» (صحيح مسلم[759])،
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه» (صحيح مسلم[226]).
ولما كان القلب هو موضع نظر الله عز وجل، كانت الخيرية عنده بحسب سلامة القلب واستقامته، يقول صلى الله عليه وسلم: «خير الناس ذو القلب المخموم واللسان الصادق، قيل: وما القلب المخموم؟ قال: هو التقى النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد، قيل: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا، ويحب الآخرة» (صحيح الجامع[2931])،
وشاهد ذلك من القرآن قوله سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
فقلب العبد الصالح هو إناء الله في الأرض يضع فيه الخيرات من الإيمان واليقين والمحبة وغيرها، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها» (السلسلة الصحيحة[1691]).
خامسًا: العناية بالقلب سبب النجاة العناية بالقلب سبب النجاة في الآخرة ودخول الجنة، وقد دلت على ذلك أدلة الكتابة والسنة، ومن ذلك قوله سبحانه: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88:98]،
وقوله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ . هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:31:33]،
وقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ . الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت:58:59].
وأحيانًا تذكر أعمال القلوب مقرونة بأركان الإسلام، ويرتب على ذلك الثواب العظيم، ومن ذلك قوله سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2:4] .
وقد قدم تعالى أعمال القلوب، لأنها أصل لأعمال الجوارح وأفضل منها، وأحيانًا يعطف الله عمل القلب على الإيمان والعمل الصالح وهو من عطف الخاص على العام بيانًا لعظم منزلة العمل القلبي عند الله، يقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [هود:23].
وفي حديث أنس بن مالك في قصة الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، وفيها أن عبد الله بن عمرو بن العاص تبعه، فبات معه ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار ذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر، فقال عبد الله: (غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا) فلما مضت الثلاث، وكدت احتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ما هو إلا ما رأيت، قال : فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه) فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق» (الترغيب والترهيب[4/32]).
وتأمل يا أخي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله تجد أنهم ذوو أعمال قلبية، نتجت منها أعمال ظاهرة، حازوا ذلك الفضل العظيم .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ورجل تصدق صدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» (صحيح مسلم[1031]).
فالإمام العادل: ما حمله على العدل وحجزه عن الظلم، وقد تمكن من الرقاب والأموال إلا خوفه من الله، واستشعاره لعظمة الموقف بين يدي الحكم العدل، وأما الشاب الذي نشأ في عبادة الله فلم ينتصر على صبوة الشباب ونزوات نفسه إلا بمعان إيمانية قامت بقلبه، وأما البقية، فقد أبان النبي صلى الله عليه وسلم ما في قلوبهم من أعمال قلبية.
فمنهم المحب لله الذي عظمت تلك المحبة في قلبه، فتعلق قلبه ببيوت الله، وأحب الرجل لا يحبه إلا في الله، ومنهم الخائف من الله الذي ثبت قلبه في موقف يضعف أمامه الأبطال، ومنهم المخلص لله في صدقته، ومنهم من امتلأ قلبه بتعظيم الله وإجلاله، ففاضت عيناه في خلوة، تجلى في عمله الإخلاص، والصدق مع الله.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات وللمسلمين والمسلمات الاحياء والاموات
تعليق