إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ثمراتُ الرِّضا اليانعة (2)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ثمراتُ الرِّضا اليانعة (2)

    • ثمراتُ الرِّضا اليانعة (2)

      عائض بن عبد الله القرني

    • السُّخْطُ بابُ الشَّكِّ: والسُّخطُ يفتحُ عليهِ باب الشَّكِّ في اللهِ، وقضائه، وقدرِه، وحكمتِهِ وعلمِهِ، فقلَّ أنْ يَسْلَمَ الساخِطُ منْ شكٍّ يُداخلُ قلبه، ويتغلغلُ فيه، وإنْ كان لا يشعرُ به، فلوْ فتَّش نفسه غاية التفتيشِ، لوَجَدَ يقينهُ معلولاً مدخولاً، فإنَّ الرضا واليقين أخوانِ مُصطحبانِ، والشَّكَّ والسُّخط قرينانِ، وهذا معنى الحديثِ الذي في الترمذيِّ: «إنِ استطعت أن تعمل بالرِّضا مع اليقينِ، فافعل. فإن لم تستطع، فإن في الصبر على ما تكره النَّفْسُ خيْراً كثيراً».

      فالساخطُون ناقِمون منْ الداخلِ، غاضبِون ولوْ لمْ يتكلمَّوا، عندهم إشكالاتٌ وأسئلةٌ، مفادُها: لِم هذا؟ وكيف يكونُ هذا؟ ولماذا وقع هذا؟
    • الرِّضا غِنىً وأمْنٌ : ومنْ ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ اللهُ صدرهُ غِنىً وأمْناً وقناعةً، وفرَّغ قلبه لمحبَّتِه والإنابِة إليه، والتَّوكُّلِ عليه. ومنْ فاته حظُّه من الرِّضا، امتلأ قلبُه بضدِّ ذلك، واشتغل عمَّا فيه سعادتُه وفلاحُه.

      فالرِّضا يُفرِّغُ القلب للهِ، والسخطُ يفرِّغُ القلب من اللهِ، ولا عيش لساخِطٍ، ولا قرار لناقِمٍ، فهو في أمر مريجٍ، يرى أنَّ رزقهُ ناقصٌ، وحظَّهُ باخِسٌ، وعطيَّتهُ زهيدةٌ، ومصائبهُ جمَّةٌ، فيرى أنه يستحقّ أكْثر منْ هذا، وأرفع وأجلَّ، لكنّ ربَّه – في نظرِهِ – بخسهُ وحَرَمَه ومنعَهُ وابتلاه، وأضناهُ وأرهَقَه، فكيف يأنسُ وكيف يرتاح، وكيف يحيا؟ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}.
    • ثمرةُ الرِّضا الشُّكْرُ: والرضا يُثمرُ الشكر الذي هو منْ أعلى مقاماتِ الإيمانِ، بل هو حقيقةُ الإيمانِ.
      فإنَّ غاية المنازلِ شكرِ المولى، ولا يشكُرُ اللهُ منْ يرضى بمواهبه وأحكامِه، وصُنعِه وتدبيرِه، وأخذِه وعطائِه، فالشاكرُ أنْعمُ الناسِ بالاً، وأحسنُهم حالاً.
    • ثمرةُ السُّخطِ الكفرُ: والسخطُ يُثمِر ضدَّه، وهو كُفْرُ النِّعمِ، وربما أثمر له كُفْر المنعِم.
      فإذا رضي العبدُ عن ربِّه في جميعِ الحالاتِ، أوجب له لذلك شُكره، فيكونُ من الراضين الشاكرين.
      وإذا فاتهُ الرضا، كان من الساخطين، وسلك سُبُل الكافرين. وإنما وقع الحيْفُ في الاعتقاداتِ والخللُ في الدياناتِ مِنْ كوْنٍ كثيرٍ من العبيدِ يريدون أن يكونوا أرباباً، بلْ يقترحون على ربِّهم، ويُحِلُّون على مولاهم ما يريدون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
    • السُّخطُ مصيدةٌ للشيطانِ: والشيطانُ إنما يظفرُ بالإنسانِ غالباً عند السخطِ والشهوةِ، فهناك يصطادُه، ولاسيَّما إذا استحكم سخطُه، فإنهُ يقولُ ما لا يُرضي الرَّبَّ، ويفعلُ ما لا يُرضيه، وينوي ما لا يُرضيهِ، ولهذا قال النبيَّ صلى الله عليه وسلم عند موت ابنهِ إبراهيم: «يحزنُ القلبُ وتدمعُ العينُ، ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا».

      فإنَّ موت البنين من العوارضِ التي تُوجِبُ للعبدِ السخط على القَدَرِ، فأخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنهُ لا يقولُ في مثْلِ هذا المقامِ – الذي يسخطُه أكثرُ الناسِ، فيتكلَّمون بما لا يُرضي الله، ويفعلون ما لا يرضيه – إلا ما يُرضي ربَّه تبارك وتعالى.
      ولو لمح العبدُ في القضاءِ بما يراهُ مكروهاً إلى ثلاثةِ أُمورٍ، لهان عليه المصابُ.

      أوَّلها : علمُه بحكمةِ المقدِّرِ جلَّ في علاه، وأنهُ أخْبَرُ بمصلحةِ العبدِ وما ينفعُه.
      ثانيها : أنْ ينظر للأجرِ العظيمِ والثوابِ الجزيلٍ، كما وعد اللهُ منْ أُصِيب فصبر مِنْ عبادِهِ.
      ثالثُها : أن الحُكم والأمر للرَّبِّ، والتسليم والإذعان للعبدِ: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ}.
    • الرِّضا يُخرجُ الهوى: والرضا يُخرجُ الهوى من القلبِ، فالراضي هواهُ تبعٌ لمرادِ ربِّه منه، أعني المراد الذي يحبُّه ربُّه ويرضاهُ، فلا يجتمعُ الرضا واتِّباعُ الهوى في القلبِ أبداً، وإنْ كان معهُ شُعبةٌ منْ هذا، وشعبةٌ منْ هذا، فهو للغالِب عليه منهما.
      إنْ كان رضاكُم في سهري *** فسلامُ اللهِ على وَسَنِي
      {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.
      إنْ كان سرَّكُمُ ما قال حاسِدُنا *** فما لجرْجٍ إذا أرضاكمو ألمُ
      • وقفة: «تعرَّفْ إلى اللهِ في الرخاءِ، يعرفْك في الشِّدَّة».
        «تعرَّفْ» بتشديدِ الرَّاءِ «إلى اللهِ» أيْ: تحبَّبْ وتقرَّبْ إليهِ بطاعتِه، والشُّكرِ لهُ على سابغِ نعمتِه، والصبر تحت مُرِّ أقْضِيتِهِ، وصدْقِ الالتجاءِ الخاصِ قبل نزولِ بليَّتِه.

        «في الرخاءِ» أيْ : في الدَّعةِ والأمْنِ والنعمةِ وسَعَةِ العمرِ وصحَّةِ البدنِ، فالزمِ الطاعاتِ والإنفاق في القُرُباتِ، حتى تكون متَّصِفاً عنده بذلك، معروفاً به.

        «يعرفْك في الشِّدَّة» بتفريجِها عنك، وجعْلِه لك منْ كلِّ ضِيقٍ مخرجاً، ومنْ كلِّ همٍّ فرجاً، بما سلف منْ ذلك التَّعرُّفِ.

        ينبغي أنْ يكون بين العبدِ وبين رِّبهِ معرفةٌ خاصَّةٌ بقلبِهِ، بحيثُ يجدُه قريباً للاستغناءِ لهُ منهُ، فيأنسُ بهِ في خلوتِه، ويجدُ حلاوة ذكْرِه ودعائِه ومناجاتِه وطاعتِه، ولا يزالُ العبدُ يقع في شدائد وكُربٍ في الدنيا والبرْزخِ والموقفِ، فإذا كان بينهُ وبين ربِّه معرفةٌ خاصَّة، كفاهُ ذلك كلُّه.


    والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
    اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات وللمسلمين والمسلمات الاحياء والاموات
يعمل...
X