(( مقال للشيخ أبى اسحاق الحوينى ))
مواسم الاستشفاء هي الأزمنة التي طرح الله فيها البركة وألقى في ثناياها الرحمة ؛
فالشفاء فيها أسهل ، والهداية أقرب ، والمغفرة أرجى ، وطلب الأمن من صاحب الأمان أوقع ،
والرحمات تنهمر بحيث لو كُشِف الحجاب عن الأبصار لعاينت تنزل الرحمات كالأمطار الغزار ،
فكم لله فيها عين حُرِّمت على النار ، وكم وُضِع فيها من ثقل الأوزار ،
وكم أُعطي سائلٌ سؤله ، ومدركٌ أمله ، لذا تغتاظ الشياطين ، وتُسرُّ الملائكة ، وتنخذل النفس الأمارة بالسوء أمام زحف قوات التقوى ،
ويجيب داعي الخير الكثيرَ من الخلق ومن أول كلمة ،
فاغتنم مواسم الأرباح هذه فقد دنا رحيلها ، وادخل من أبواب التوبة قبل موعد إغلاقها ، وبادر شمس المنية قد لاح إشراقها ،
وبالله!! لا تترك هذه الفرصة فتندم؟!
ويدخل في هذا : الانغماس في أجواء الاستشفاء فترة من الزمن ،
والتعرض لسيل مكثف من نفحات الحق أثناء موسم من مواسم الخير المنهمر كشهر رمضان كل عام ، أو عشر ذي الحجة ،
أو فترة أقصر كيوم الجمعة من كل أسبوع ،
وكل هذا يعظِّم مفعول الدواء فيعجِّل بتطهير القلب ويُسرِّع بشفائه ببركة هذه الأزمنة المباركة والنفحات الطيبة.
الأزمنة الكريمة عند الله مثل السنين المخصصة للزارعين تكثر بركتها ويفيض نتاجها ويعم خيرها ،
وكالليالي المقمرة للمسافرين تُطوى لهم فيها الأرض وتُقطع المسافات ويدنو الوصول ويلوح الهدف ،
فكذلك العامل لله في الأوقات الشريفة تزكو أعماله فيها أضعاف ما تزكو فيما سواها ، لأنه سبحانه اصطفاها لعباده من بين غيرها ،
وهو سبحانه يعطي ما يشاء من يشاء ومتى يشاء.
وليس الأمر مقصورا على المواسم الفاضلة فحسب ،
بل يتعدَّاه ليشمل كل ساعات المد الروحي التي تمر بها لتغتنمها في غمر ما مات من أنحاء قلبك وثنايا روحك ،
وهذه الساعات هي أي ساعة أشرقت عليك فيها أنوار قربه ولذائذ عفوه ، واغتنامها بأن تغسل فيها بمياه الخشية ذنبك ،
وتستنصر الله على من بغى عليك من هواك ،
و يا الله .. صرخة معناها : ما أسرع نصرته إلى المستنجدين ، فمدَّ يديك لتستقي سحُب رحمته ، وتتقلَّب في رضوانه ،
وادع الله أن يُديم عليك النعمة الزائرة ويثبِّت الهداية العابرة ، ويُركِّزها في القلب ، واسمع وصية العرب تقول :
" اسْرِ وَقَمَرٌ لَكَ "
أي اغتنم طلوع القمر ؛ فسِر في ضوئه ما دام طالعا قبل أن يغيب فتخبط الظلمة وتضلَّ الطريق ،
وأنت كذلك اغتنم شروق شمس الهداية في قلبك وبادر غروبها بذلا وعملا وجدا واجتهادا قبل أن تُدلي ظلمة الأهواء أستارها.
بادر الفرصة واحذر فوتها فبلوغ العز في نيل الفرص
فابتدر مسعاك واعلم أنَّ مَنْ بادر الصيد مع الفجر قنص
__________________________________________________ ___________________
منقول من موقع الشيخ أبى اسحاق الحوينى
تعليق