المجتمع بلا إيمان مجتمع تافه مهين رخيص، غايات أهله لا تتجاوز شهوات بطونهم وفروجهم،
{يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [(12) سورة محمد].
إن للإيمان حلاوة وطعم يتذوقه من كان أهلاً لذلك، وحلاوة الإيمان لا يتغير فهو حلو دائماً، وإنما الذي يتغير هو حال من يتذوقونه، كالمريض الذي لا يستشعر عذوبة الماء الفرات، فليس العيب في الماء، ولكن العيب في الحالة المرضية التي حالت دون التذوق.
إن السلامة والسعادة، مطلبان ثابتان لكل إنسان، كائناً من كان، في كل زمان ومكان، من الفيلسوف في قمة تفكيره وتجريده، إلى العامي في قاع سذاجته وبساطته، ومن الملك في قصره المشيد، إلى الصعلوك في كوخه الحقير، ومن المترف في ملذاته، إلى الفقير في ويلاته، ولكن السؤال الذي يحيّر الإنسان عبر العصور والأجيال: أين السعادة؟ ولماذا الشقاء؟
والجواب: لقد طلبها الأكثرون في غير موضعها ومظانها، فعادوا كما يعود طالب اللؤلؤ في الصحراء صفر اليدين، مجهود البدن، كسير النفس، خائب الرجاء.
لقد توهموها في ألوان المتع المادية، وفي أصناف الشهوات الحسية، فما وجدوها، فهي لم ولن تحقق السعادة أبداً وربما زادتهم مع كل جديد منها همّاً جديداً، لذا لا بد من التفريق بين السعادة واللذة، اللذة طبيعتها حسية، مرتبطة بالجسد الفاني، تأتي من خارج الإنسان، فهو يلهث وراءها، ويتعب في تحصيلها، وهي متناقضة في تأثيرها، تتبعها كآبة مدمرة، وتنقطع بالموت، فإن كانت مبنية على الظلم والعدوان، استحق صاحبها الوعيد يوم الدين.
بينما السعادة طبيعتها نفسية، مرتبطة بذات الإنسان الخالدة، تنبع من داخل الإنسان، سهلة في تحصيلها، متناسبة في تأثيرها، يشقى الإنسان بفقدها ولو ملك كل شيء، ويسعد بها ولو فقد كل شيء، تقفز إلى ملايين الأضعاف بعد الموت، يستحق صاحبها جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفيها نظر إلى وجه الله الكريم، ورضوان من الله أكبر.
واللذة تحتاج إلى عناصر ثلاثة مجتمعة: وقت وصحة ومال، والإنسان يفتقد أحد هذه العناصر في كل طور من أطوار حياته، ففي الطور الأول من حياته يتوافر الوقت والصحة، ويفتقد المال، وفي الطور الثاني من حياته يتوافر المال والصحة، ويفتقد الوقت، وفي الطور الثالث من حياته يتوافر الوقت والمال، وتُفتقد الصحة، بينما السعادة تحتاج إلى عناصر ثلاثة: إيمان بالله إيماناً حقيقياً، واستقامة على أمره، وعمل صالح تجاه خلقه. وهذه متوافرة في كل زمان ومكان، وفي كل طور من أطوار حياة هذا الإنسان.
غاضب زوجٌ زوجته، فقال لها: لأشقينك! فقالت الزوجة في هدوء: لا تستطيع أن تشقيني، كما لا تملك أن تسعدني، فقال الزوج في حَنَق: وكيف لا أستطيع؟ فقالت الزوجة في ثقة: لو كانت السعادة في مال وكنت تملكه لقطعته عني، ولو كانت السعادة في الحلي والحلل، لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون، فقال الزوج في دهشة: وما هو؟ فقالت الزوجة في يقين؛ إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي.
هذه هي السعادة الحقة التي لا يملك بشر أن يعطيها، ولا يملك أحد أن ينتزعها ممن أوتيها، إن الساخطين والشاكين لا يذوقون للسرور طعماً، إن حياتهم كلها سواد ممتد، وظلام متصل، وليل حالك لا يعقبه نهار، أما حزن المؤمن فلغيره أكثر من حزنه لنفسه، وإذا حزن لنفسه فلآخرته قبل دنياه، وإذا حزن لدنياه فهو حزن عارض موقوت كغمام الصيف، سرعان ما ينقشع إذا هبت عليه رياح الإيمان.
حلاوة الإيمان
الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
{يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [(12) سورة محمد].
إن للإيمان حلاوة وطعم يتذوقه من كان أهلاً لذلك، وحلاوة الإيمان لا يتغير فهو حلو دائماً، وإنما الذي يتغير هو حال من يتذوقونه، كالمريض الذي لا يستشعر عذوبة الماء الفرات، فليس العيب في الماء، ولكن العيب في الحالة المرضية التي حالت دون التذوق.
إن السلامة والسعادة، مطلبان ثابتان لكل إنسان، كائناً من كان، في كل زمان ومكان، من الفيلسوف في قمة تفكيره وتجريده، إلى العامي في قاع سذاجته وبساطته، ومن الملك في قصره المشيد، إلى الصعلوك في كوخه الحقير، ومن المترف في ملذاته، إلى الفقير في ويلاته، ولكن السؤال الذي يحيّر الإنسان عبر العصور والأجيال: أين السعادة؟ ولماذا الشقاء؟
والجواب: لقد طلبها الأكثرون في غير موضعها ومظانها، فعادوا كما يعود طالب اللؤلؤ في الصحراء صفر اليدين، مجهود البدن، كسير النفس، خائب الرجاء.
لقد توهموها في ألوان المتع المادية، وفي أصناف الشهوات الحسية، فما وجدوها، فهي لم ولن تحقق السعادة أبداً وربما زادتهم مع كل جديد منها همّاً جديداً، لذا لا بد من التفريق بين السعادة واللذة، اللذة طبيعتها حسية، مرتبطة بالجسد الفاني، تأتي من خارج الإنسان، فهو يلهث وراءها، ويتعب في تحصيلها، وهي متناقضة في تأثيرها، تتبعها كآبة مدمرة، وتنقطع بالموت، فإن كانت مبنية على الظلم والعدوان، استحق صاحبها الوعيد يوم الدين.
بينما السعادة طبيعتها نفسية، مرتبطة بذات الإنسان الخالدة، تنبع من داخل الإنسان، سهلة في تحصيلها، متناسبة في تأثيرها، يشقى الإنسان بفقدها ولو ملك كل شيء، ويسعد بها ولو فقد كل شيء، تقفز إلى ملايين الأضعاف بعد الموت، يستحق صاحبها جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وفيها نظر إلى وجه الله الكريم، ورضوان من الله أكبر.
واللذة تحتاج إلى عناصر ثلاثة مجتمعة: وقت وصحة ومال، والإنسان يفتقد أحد هذه العناصر في كل طور من أطوار حياته، ففي الطور الأول من حياته يتوافر الوقت والصحة، ويفتقد المال، وفي الطور الثاني من حياته يتوافر المال والصحة، ويفتقد الوقت، وفي الطور الثالث من حياته يتوافر الوقت والمال، وتُفتقد الصحة، بينما السعادة تحتاج إلى عناصر ثلاثة: إيمان بالله إيماناً حقيقياً، واستقامة على أمره، وعمل صالح تجاه خلقه. وهذه متوافرة في كل زمان ومكان، وفي كل طور من أطوار حياة هذا الإنسان.
غاضب زوجٌ زوجته، فقال لها: لأشقينك! فقالت الزوجة في هدوء: لا تستطيع أن تشقيني، كما لا تملك أن تسعدني، فقال الزوج في حَنَق: وكيف لا أستطيع؟ فقالت الزوجة في ثقة: لو كانت السعادة في مال وكنت تملكه لقطعته عني، ولو كانت السعادة في الحلي والحلل، لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون، فقال الزوج في دهشة: وما هو؟ فقالت الزوجة في يقين؛ إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي.
هذه هي السعادة الحقة التي لا يملك بشر أن يعطيها، ولا يملك أحد أن ينتزعها ممن أوتيها، إن الساخطين والشاكين لا يذوقون للسرور طعماً، إن حياتهم كلها سواد ممتد، وظلام متصل، وليل حالك لا يعقبه نهار، أما حزن المؤمن فلغيره أكثر من حزنه لنفسه، وإذا حزن لنفسه فلآخرته قبل دنياه، وإذا حزن لدنياه فهو حزن عارض موقوت كغمام الصيف، سرعان ما ينقشع إذا هبت عليه رياح الإيمان.
حلاوة الإيمان
الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
تعليق