طرق تحصيل الإخلاص وعلاج الرياء
قد عُرِفَ أن الرياء مُحبط للعمل، وسبب لغضب الله ومقته، وأنه من المهلكات، وأشدّ خطرًا على المسلم من المسيح الدجال.
ومَن هذه حاله فهو جدير بالتشمير عن ساق الجدّ في إزالته وعلاجه، وقطع عروقه وأصوله. ومن هذا العلاج الذي يُزيل الرياء ويُحصِّل الإخلاص بإذن الله تعالى ما يأتي:
أولاً:معرفة أنواع العمل للدنيا، وأنواع الرياء، وأقسامه، ودوافعه، وأسبابه ثم قطعها وقلع عروقها، وتقدّمت هذه الدوافع والأسباب.
ثانياً:معرفة عظمة الله تعالى، بمعرفة: أسمائه، وصفاته، وأفعاله معرفةً صحيحةً مبنية على فهم الكتاب والسنة، على مذهب أهل السنة والجماعة؛ فإن العبد إذا عرف أن الله وحده هو الذي ينفع ويضرّ، ويُعزّ ويّذلّ، ويخفض ويرفع، ويّعطي ويمنع، ويُحيي ويُميت، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، إذا عرف ذلك، وعلم بأن الله هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فسيُثمرُ ذلك إخلاصًا وصدقًا مع الله، فلابد من معرفة أنواع التوحيد كلّها معرفةً صحيحة سليمة.
ثالثاً:معرفة ما أعدّه الله في الدار الآخرة من نعيم وعذاب، وأهوال الموت، وعذاب القبر؛ فإن العبد إذا عرف ذلك وكان عاقلاً هرب من الرياء إلى الإخلاص.
رابعاً:الخوف من خطر العمل للدنيا والرياء المحبط للعمل؛ فإن من خاف أمرًا بقي حَذِرًا منه فينجو؛ومن خاف أدلج،ومن أدلج بلغ المنزلة.
فينبغي للمرء، بل يجب عليه، إذا هاجت رغبته إلى آفة حبّ الحمد والمدح أن يُذَكِّرَ نفسه بآفات الرياء، والتعرّض لمقت الله، ومن عرف فقر الناس وضعفهم استراح كما قال بعض السلف: ((جاهد نفسك في دفع أسباب الرياء عنك،واحرص أن يكون الناس عندك كالبهائم والصبيان، فلا تفرِّق في عبادتك بين وجودهم وعدمهم، وعلمهم بها أو غفلتهم عنها، واقْنَعْ بعلم الله وحده)).
وبالله وحده، ثم بالخوف من حُبوط العمل نجا أهل العلم والإيمان من الرياء وحبوط العمل، فعن محمد بن لبيد رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، قالوا: وما الشرك الأصغريا رسول الله؟ قال: ((الرياء، يقول الله uلهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)).
الراوي : محمود بن لبيد الأنصاري | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب الصفحة أو الرقم: 1/52 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد
ولهذا الخطر العظيم خاف الصحابة والتابعون وأهل العلم والإيمان من هذا البلاء الخطير، ومن ذلك الأمثلة الآتية:
1-قال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ، قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله: أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر؟ قال: ((لا يا بنت أبي بكر (أو يا بنت الصدّيق) ولكنه الرجل يصوم، ويتصدّق، ويصلّي وهو يخاف ألا يُتقبَّل منه)).
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 3403 | خلاصة حكم المحدث : حسن
2-قال ابن أبي مُليكة: ((أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلُّهم يخاف النفاق على نفسه، وما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل)).
3-وقال إبراهيم التيميّ: ((ما عرضتُ قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مُكذِّبًا)).
4-ويُذكر عن الحسن أنه قال: ((ما خافه إلا مؤمن، ولا أمِنه إلا منافق)).
5-وقال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما: ((نشدتك بالله هل سمّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم - يعني من المنافقين - قال: لا. ولا أُزَكِّي بعدك أحدًا)).
6-ويُذكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ((اللهمّ إني أعوذ بك من خشوع النفاق))، قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: ((أن ترى البدن خاشعًا والقلب ليس بخاشع)).
7-ويُذكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ((لئن أستيقن أن الله تقبَّل لي صلاة واحدة أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: ]إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْـمُتَّقِينَ .
8-وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: ((أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يُسأل أحدهم عن المسألة، ما منهم رجل إلا ودَّ أن أخاه كفاه)).
خامساً:الفرار من ذم الله؛ فإن من أسباب الرياء الفرار من ذم الناس، ولكن العاقل يعلم أن الفرار من ذم الله أولى؛ لأن ذمه شين، كما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن مدحي زينٌ، وذمّي شينٌ. فقال صلى الله عليه وسلم ((ذاك الله)).
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : ابن منده | المصدر : تاريخ دمشق الصفحة أو الرقم: 9/188 | خلاصة حكم المحدث : غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه تفرد به المعلى
ولا شكّ أن العبد إذا خاف الناس وأرضاهم بسخط الله سخط الله عليه، وغضب وأسخط الناس عليه. فهل أنت تخشى غضب الناس؟ فالله أحق أن تخشاه إن كنت صادقًا.
سادساً:معرفة ما يفرّ منه الشيطان؛ لأن الشيطان منبع الرياء، وأصل البلاء، والشيطان يفرّ من أمور كثيرة، منها: الأذان، وقراءة القرآن، وسجود التلاوة، والاستعاذة بالله منه، والتسمية عند الخروج من البيت والدخول في المسجد مع الذكر المشروع في ذلك، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأدبار الصلوات، وجميع الأذكار المشروعة.
سابعاً:الإكثار من أعمال الخير والعبادات غير المشاهدة، وإخفاؤها: كقيام الليل، وصدقة السر، والبكاء خاليًا من خشية الله، وصلاة النوافل، والدعاء للإخوة في الله بظهر الغيب، والله عز وجل يحب العبد التقيّ الخفيّ، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يحبّ العبد التقيّ الغنيّ الخفيّ)).
الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : البيهقي | المصدر : شعب الإيمان الصفحة أو الرقم: 7/3354 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
ثامناً:عدم الاكتراث بذمّ الناس ومدحهم؛ لأن ذلك لا يضرّ ولا ينفع، بل يجب أن يكون الخوف من ذمّ الله، والفرح بفضل الله قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ( يونس:58).
فيا عبد الله أقبل على حب المدح والثناء فازهد فيهما زهد عُشَّاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذلك سَهُل عليك الإخلاص.
ويسهِّلُ الزهدَ في حب المدح والثناء: العلمُ يقينًا أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضرّ ذمّه ويشين إلا الله وحده، فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذمِّ من لا يشينك ذمّهُ، وارغب في مدح مَنْ كلُّ الزين في مدحه، وكلُّ الشَّين في ذمّه، ولن يُقدَر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمن فقد الصبر واليقين كان كمن أراد السفر في البحر بغير مركب.
وانظر إلى من ذمَّك فإن يك صادقًا قاصدًا النصح لك فاقبل هديته ونصحه؛ فإنه قد أهدى إليك عيوبك، وإن كان كاذبًا فقد جنى على نفسه وانتفعتَ بقوله؛ لأنه عرَّفك ما لم تكن تعرف، وذكَّرك من خطاياك ما نسيتَ، وإن كان ذلك افتراءً عليك، فإنك إن خلوتَ من هذا العيب لم تخلُ من غيره، فاذكر نعمة الله عليك إذ لم يُطْلِعْ هذا المفتري على عيوبك، وهذا الافتراء كفّارات لذنوبك إن صبرتَ واحتسبتَ، وعليك أن تعلم أن هذا الجاهل جنى على نفسه، وتعرّض لمقت الله تعالى، فكن خيرًا منه: فاعفُ واصفحْ، واستغفر له أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ (النور:22).
تاسعاً:تذكّرِ الموت وقَصْر الأمل ]كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْـمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْـجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (ال عمران:185) ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِير(لقمان:34).
عاشراً:الخوف من سوء الخاتمة، فعلى العبد أن يخاف أن تكون أعمال الرياء هي خاتمة عمله، ونهاية أجله، فيخسر خسارة فادحة عظيمة؛ لأن الإنسان يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه، والناس يُبعثون على نياتهم، وخير الأعمال خواتمها.
الحادي عشر:مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى؛ فإن الجليس المخلص لا يعدمك الخير، وتجد منه قدوة لك صالحة، وأما المرائي والمشرك فيحرقك في نار جهنم إن أخذت بعمله.
الثاني عشر:الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: ((يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال بعض الصحابة: كيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل
يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: اللهمّ إنا نعوذ بك أن نُشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِـمَا لا نعلمه)).
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس | المحدث : المنذري | المصدر :الترغيب والترهيب الصفحة أو الرقم: 1/59 | خلاصة حكم المحدث : رواته إلى أبي علي محتج بهم في الصحيح أبو علي وثقه ابن حبان ولم أر أحدا جرحه
الثالث عشر:حبّ العبد ذكر الله له وتقديم حبّ ذكره له على حبّ مدح الخلق فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (البقرة:152)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرَّب إليّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إلي ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة))، والله المستعان.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 7405 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | شرح الحديث
الرابع عشر:عدم الطمع فيما في أيدي الناس؛ فإن الإخلاص لا يجتمع في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما في أيدي الناس إلا كما يجتمع الماء والنار،والضب والحوت،فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس مما في أيدي الناس،ويسهِّل ذبح الطمع العلم يقينًا أنه ليس من شيء يُطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره،ولا يُؤتي العبد منها شيئًا سواه.
الخامس عشر:معرفة ثمرات الإخلاص وفوائده وعواقبه الحميدة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك أن الإخلاص سبب لنصر الأمة، والنجاة من عذاب الله، ورفْع المنزلة والدرجة في الدنيا والآخرة، والسلامة من الضلال في الدنيا، والفوز بحب الله للعبد، وحب أهل السماء والأرض، والصِّيت الطيِّب، وتفريج كروب الدنيا والآخرة، والطمأنينة والشعور بالسعادة والتوفيق، وتحمّل المتاعب والمصاعب، وتزيين الإيمان في القلوب، واستجابة الدعاء، والنعيم في القبر والتبشير بالسرور، والله الموفق سبحانه.
فالمسلم الذي يريد رضى الله، والفوز بنجاته ومحبة الله له، عليه أن يعمل جاهدًا في تحصيل الإخلاص والفرار من الرياء، أسأل الله أن يعصمني وإياك وجميع دعاة المسلمين وأئمتهم وعامتهم من هذا البلاء الخطير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات وللمسلمين والمسلمات الأحياء والأموات
قد عُرِفَ أن الرياء مُحبط للعمل، وسبب لغضب الله ومقته، وأنه من المهلكات، وأشدّ خطرًا على المسلم من المسيح الدجال.
ومَن هذه حاله فهو جدير بالتشمير عن ساق الجدّ في إزالته وعلاجه، وقطع عروقه وأصوله. ومن هذا العلاج الذي يُزيل الرياء ويُحصِّل الإخلاص بإذن الله تعالى ما يأتي:
أولاً:معرفة أنواع العمل للدنيا، وأنواع الرياء، وأقسامه، ودوافعه، وأسبابه ثم قطعها وقلع عروقها، وتقدّمت هذه الدوافع والأسباب.
ثانياً:معرفة عظمة الله تعالى، بمعرفة: أسمائه، وصفاته، وأفعاله معرفةً صحيحةً مبنية على فهم الكتاب والسنة، على مذهب أهل السنة والجماعة؛ فإن العبد إذا عرف أن الله وحده هو الذي ينفع ويضرّ، ويُعزّ ويّذلّ، ويخفض ويرفع، ويّعطي ويمنع، ويُحيي ويُميت، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، إذا عرف ذلك، وعلم بأن الله هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فسيُثمرُ ذلك إخلاصًا وصدقًا مع الله، فلابد من معرفة أنواع التوحيد كلّها معرفةً صحيحة سليمة.
ثالثاً:معرفة ما أعدّه الله في الدار الآخرة من نعيم وعذاب، وأهوال الموت، وعذاب القبر؛ فإن العبد إذا عرف ذلك وكان عاقلاً هرب من الرياء إلى الإخلاص.
رابعاً:الخوف من خطر العمل للدنيا والرياء المحبط للعمل؛ فإن من خاف أمرًا بقي حَذِرًا منه فينجو؛ومن خاف أدلج،ومن أدلج بلغ المنزلة.
فينبغي للمرء، بل يجب عليه، إذا هاجت رغبته إلى آفة حبّ الحمد والمدح أن يُذَكِّرَ نفسه بآفات الرياء، والتعرّض لمقت الله، ومن عرف فقر الناس وضعفهم استراح كما قال بعض السلف: ((جاهد نفسك في دفع أسباب الرياء عنك،واحرص أن يكون الناس عندك كالبهائم والصبيان، فلا تفرِّق في عبادتك بين وجودهم وعدمهم، وعلمهم بها أو غفلتهم عنها، واقْنَعْ بعلم الله وحده)).
وبالله وحده، ثم بالخوف من حُبوط العمل نجا أهل العلم والإيمان من الرياء وحبوط العمل، فعن محمد بن لبيد رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، قالوا: وما الشرك الأصغريا رسول الله؟ قال: ((الرياء، يقول الله uلهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)).
الراوي : محمود بن لبيد الأنصاري | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب الصفحة أو الرقم: 1/52 | خلاصة حكم المحدث : إسناده جيد
ولهذا الخطر العظيم خاف الصحابة والتابعون وأهل العلم والإيمان من هذا البلاء الخطير، ومن ذلك الأمثلة الآتية:
1-قال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ، قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله: أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر؟ قال: ((لا يا بنت أبي بكر (أو يا بنت الصدّيق) ولكنه الرجل يصوم، ويتصدّق، ويصلّي وهو يخاف ألا يُتقبَّل منه)).
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه الصفحة أو الرقم: 3403 | خلاصة حكم المحدث : حسن
2-قال ابن أبي مُليكة: ((أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلُّهم يخاف النفاق على نفسه، وما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل)).
3-وقال إبراهيم التيميّ: ((ما عرضتُ قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مُكذِّبًا)).
4-ويُذكر عن الحسن أنه قال: ((ما خافه إلا مؤمن، ولا أمِنه إلا منافق)).
5-وقال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما: ((نشدتك بالله هل سمّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم - يعني من المنافقين - قال: لا. ولا أُزَكِّي بعدك أحدًا)).
6-ويُذكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ((اللهمّ إني أعوذ بك من خشوع النفاق))، قيل: وما خشوع النفاق؟ قال: ((أن ترى البدن خاشعًا والقلب ليس بخاشع)).
7-ويُذكر عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ((لئن أستيقن أن الله تقبَّل لي صلاة واحدة أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: ]إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْـمُتَّقِينَ .
8-وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: ((أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يُسأل أحدهم عن المسألة، ما منهم رجل إلا ودَّ أن أخاه كفاه)).
خامساً:الفرار من ذم الله؛ فإن من أسباب الرياء الفرار من ذم الناس، ولكن العاقل يعلم أن الفرار من ذم الله أولى؛ لأن ذمه شين، كما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن مدحي زينٌ، وذمّي شينٌ. فقال صلى الله عليه وسلم ((ذاك الله)).
الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : ابن منده | المصدر : تاريخ دمشق الصفحة أو الرقم: 9/188 | خلاصة حكم المحدث : غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه تفرد به المعلى
ولا شكّ أن العبد إذا خاف الناس وأرضاهم بسخط الله سخط الله عليه، وغضب وأسخط الناس عليه. فهل أنت تخشى غضب الناس؟ فالله أحق أن تخشاه إن كنت صادقًا.
سادساً:معرفة ما يفرّ منه الشيطان؛ لأن الشيطان منبع الرياء، وأصل البلاء، والشيطان يفرّ من أمور كثيرة، منها: الأذان، وقراءة القرآن، وسجود التلاوة، والاستعاذة بالله منه، والتسمية عند الخروج من البيت والدخول في المسجد مع الذكر المشروع في ذلك، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأدبار الصلوات، وجميع الأذكار المشروعة.
سابعاً:الإكثار من أعمال الخير والعبادات غير المشاهدة، وإخفاؤها: كقيام الليل، وصدقة السر، والبكاء خاليًا من خشية الله، وصلاة النوافل، والدعاء للإخوة في الله بظهر الغيب، والله عز وجل يحب العبد التقيّ الخفيّ، قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يحبّ العبد التقيّ الغنيّ الخفيّ)).
الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : البيهقي | المصدر : شعب الإيمان الصفحة أو الرقم: 7/3354 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
ثامناً:عدم الاكتراث بذمّ الناس ومدحهم؛ لأن ذلك لا يضرّ ولا ينفع، بل يجب أن يكون الخوف من ذمّ الله، والفرح بفضل الله قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ( يونس:58).
فيا عبد الله أقبل على حب المدح والثناء فازهد فيهما زهد عُشَّاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذلك سَهُل عليك الإخلاص.
ويسهِّلُ الزهدَ في حب المدح والثناء: العلمُ يقينًا أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضرّ ذمّه ويشين إلا الله وحده، فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذمِّ من لا يشينك ذمّهُ، وارغب في مدح مَنْ كلُّ الزين في مدحه، وكلُّ الشَّين في ذمّه، ولن يُقدَر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمن فقد الصبر واليقين كان كمن أراد السفر في البحر بغير مركب.
وانظر إلى من ذمَّك فإن يك صادقًا قاصدًا النصح لك فاقبل هديته ونصحه؛ فإنه قد أهدى إليك عيوبك، وإن كان كاذبًا فقد جنى على نفسه وانتفعتَ بقوله؛ لأنه عرَّفك ما لم تكن تعرف، وذكَّرك من خطاياك ما نسيتَ، وإن كان ذلك افتراءً عليك، فإنك إن خلوتَ من هذا العيب لم تخلُ من غيره، فاذكر نعمة الله عليك إذ لم يُطْلِعْ هذا المفتري على عيوبك، وهذا الافتراء كفّارات لذنوبك إن صبرتَ واحتسبتَ، وعليك أن تعلم أن هذا الجاهل جنى على نفسه، وتعرّض لمقت الله تعالى، فكن خيرًا منه: فاعفُ واصفحْ، واستغفر له أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ (النور:22).
تاسعاً:تذكّرِ الموت وقَصْر الأمل ]كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْـمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْـجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (ال عمران:185) ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِير(لقمان:34).
عاشراً:الخوف من سوء الخاتمة، فعلى العبد أن يخاف أن تكون أعمال الرياء هي خاتمة عمله، ونهاية أجله، فيخسر خسارة فادحة عظيمة؛ لأن الإنسان يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه، والناس يُبعثون على نياتهم، وخير الأعمال خواتمها.
الحادي عشر:مصاحبة أهل الإخلاص والتقوى؛ فإن الجليس المخلص لا يعدمك الخير، وتجد منه قدوة لك صالحة، وأما المرائي والمشرك فيحرقك في نار جهنم إن أخذت بعمله.
الثاني عشر:الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: ((يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال بعض الصحابة: كيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل
يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: اللهمّ إنا نعوذ بك أن نُشرك بك شيئًا نعلمه، ونستغفرك لِـمَا لا نعلمه)).
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس | المحدث : المنذري | المصدر :الترغيب والترهيب الصفحة أو الرقم: 1/59 | خلاصة حكم المحدث : رواته إلى أبي علي محتج بهم في الصحيح أبو علي وثقه ابن حبان ولم أر أحدا جرحه
الثالث عشر:حبّ العبد ذكر الله له وتقديم حبّ ذكره له على حبّ مدح الخلق فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (البقرة:152)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرَّب إليّ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إلي ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة))، والله المستعان.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 7405 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] | شرح الحديث
الرابع عشر:عدم الطمع فيما في أيدي الناس؛ فإن الإخلاص لا يجتمع في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما في أيدي الناس إلا كما يجتمع الماء والنار،والضب والحوت،فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس مما في أيدي الناس،ويسهِّل ذبح الطمع العلم يقينًا أنه ليس من شيء يُطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره،ولا يُؤتي العبد منها شيئًا سواه.
الخامس عشر:معرفة ثمرات الإخلاص وفوائده وعواقبه الحميدة في الدنيا والآخرة، ومن ذلك أن الإخلاص سبب لنصر الأمة، والنجاة من عذاب الله، ورفْع المنزلة والدرجة في الدنيا والآخرة، والسلامة من الضلال في الدنيا، والفوز بحب الله للعبد، وحب أهل السماء والأرض، والصِّيت الطيِّب، وتفريج كروب الدنيا والآخرة، والطمأنينة والشعور بالسعادة والتوفيق، وتحمّل المتاعب والمصاعب، وتزيين الإيمان في القلوب، واستجابة الدعاء، والنعيم في القبر والتبشير بالسرور، والله الموفق سبحانه.
فالمسلم الذي يريد رضى الله، والفوز بنجاته ومحبة الله له، عليه أن يعمل جاهدًا في تحصيل الإخلاص والفرار من الرياء، أسأل الله أن يعصمني وإياك وجميع دعاة المسلمين وأئمتهم وعامتهم من هذا البلاء الخطير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين والمؤمنات وللمسلمين والمسلمات الأحياء والأموات
تعليق