إن من نعم الله - تبارك وتعالى - على المسلمين ما يمن به عليهم من المناسبات التي يلتقون فيها، ويجتمعون عليها، ويتزاورون من أجلها..فتزداد أواصر المحبة وتعظم روابط المودة بين أفراد الأمة، وعلى رأس هذه المناسبات ما شرعه ربنا- تبارك وتعالى -للأمة من يومي العيد كرما منه - سبحانه - ولطفا ورحمة..قال - سبحانه -: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) [يونس: 58].وأعياد المسلمين اليوم إلا ما رحم ربي تعجّ بالمعاصي والمنكرات التي ترتكب هنا وهناك في غفلة من أصحابها عن مقصود هذا اليوم العظيم، فليس العيد كم يقال -: لمن لبس الجديد، ولكن العيد لمن اتقى وخاف يوم الوعيد، والعيد ليس لمن تجمل باللباس والمركوب، إنما العيد لمن غفرت له الذنوب، قال الحسن البصري - رحمه الله -: " كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد" [1]، وبين يدي هذه الكلمات القلائل سأحاول أن أُنبه إلى بعض المنكرات والمخالفات التي تقع في هذا اليوم العظيم تبرئة للذمة بتبليغ دين الله - عز وجل -، وحتى لا يبقى للناس على الله حجة بعد التبليغ والإعذار، فمنها:أولاً: مصافحة الأجنبي للمرأة الأجنبية: في هذا اليوم المبارك يقع التزاور بين الأقارب والجيران، وربما تقع بعض المنكرات، فتصافح المرأة الأجنبية ابن عمها أو ابن خالها -مثلاً-، ويصافح الرجل زوجة عمه أو زوجة خاله، إلى غير ذلك، وهذا منكر عظيم دلت النصوص - منطوقا ومفهوما- على تحريمه وإنكاره، يقول- تبارك وتعالى -: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب: 53]، وأمر بحفظ البصر وغضه فقال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... ) [النور: 31]، ومما ورد في السنة حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ))، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟، قَالَ: ((الْحَمْوُ الْمَوْتُ))
الراوي :عقبة بن عامر المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5232 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح
والحمو كما قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال الليث بن سعد - رحمه الله -: "الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه، اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة، كأبيه، وعمه، وأخيه، وابن أخيه، وابن عمه ونحوهم" .وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ))، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: ((ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ))
الراوي : عبدالله بن عباس المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5233| خلاصة حكم المحدث : صحيح،
فهذا بمجرد الخلوة والنظر، فكيف بالمصافحة؟!وقد ورد في السنة النبوية -على صاحبها الصلاة والسلام- ما يدل على أن فتنة النساء على الرجال خطرٌ عظيمٌ الشيءُ الكثيرُ، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ))
الراوي : أسامة بن زيد | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5096 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ،
وقد ورد الوعيد الشديد فيمن مس امرأة لا تحل له فعَنْ مَعْقِلَ بن يَسَارٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ))
الراوي : معقل بن يسار المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب الصفحة أو الرقم:3/89 | خلاصة حكم المحدث : رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح
.ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما مست يده يد امرأة قط لا تحل له، حتى في البيعة كان يبايعهن كلاماً فعن أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ قالت: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي نِسْوَةٍ فَقَالَ لَنَا: ((فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ))، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنَّا بِأَنْفُسِنَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْنَا، قَالَ سُفْيَانُ - يعني: ابن عيينة -: تَعْنِي صَافِحْنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ))
الراوي : أميمة بنت رقيقة | المحدث : محمد الأمين الشنقيطي | المصدر : أضواء البيان الصفحة أو الرقم: 5/479 | خلاصة حكم المحدث : ثابت
وعن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالت: " كَانَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ... إِلَى قَوْلِه: غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا))، وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ: ((قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكِ)).
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 4891| خلاصة حكم المحدث : [أورده في صحيحه]
فعلى المرأة المسلمة أن تعلم أن هذا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه قد بين لنا كل شيء ولا يوجد لا في كتاب ربنا - عز وجل - ولا في سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على جواز ذلك، وعليها أن تتقي الله - تبارك وتعالى - فلا تصافح أحداً إلا من كان محرماً لها.ثانياً: الاختلاط: ويقع في هذا اليوم الاختلاط بين الرجال والنساء في المنتزهات والحدائق وأماكن الزيارات، فعلى المرأة المسلمة أن تلتزم بالضوابط الشرعية، وذلك بأن تلبس حجابها الشرعي، بحيث تكون متسترة، والمرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، فعليك أيتها الأخت الكريمة أن لا تكوني سبباً لوقوع الفتنة.ثالثاً: خروج النساء إلى مصلى العيد ليس لغرض العبادة، وإنما لإظهار الزينة ولفت أنظار الرجال إليهن، وهذا أمر لا يجوز؛ لأن الدين الإسلامي أمر المرأة بالستر، وأمرها بعدم إبداء الزينة، سواء كانت الزينة الداخلية أو الخارجية التي تُغري الرجال وتسبب الفتنة لهم فهذا لا يجوز لها فعله بل ورد النهي الشديد عن إبداء الزينة لغير المحارم قال الله- تبارك وتعالى -: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31]، وفي هذه الآية جملة كثيرة من الآداب التي يجب على المرأة المسلمة أن تلتزم بها، وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية))،
الراوي : أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس | المحدث : الألباني | المصدر :جلباب المرأة الصفحة أو الرقم: 137| خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
قال المباركفوري - رحمه الله -: " زانية؛ لأنها هيجت شهوة الرجال بعطرها، وحملتهم على النظر إليها، ومن نظر إليها فقد زنى بعينيه، فهي سبب زنى العين فهي آثمة"، وقال الطيبي - رحمه الله -: " شبه خروجها من بيتها متطيبة مهيجة لشهوات الرجال التي هي بمنزلة رائد الزنا بالزنا مبالغةً وتهديداً وتشديداً عليها"، وما ذلك إلا لعظم خطر هذا الفعل منها.رابعاً: الإسراف: فالإسراف والتبذير منكر عظيم حتى ولو كان في الأمور المباحة، وهذا يقع فيه الرجال والنساء، والله- تبارك وتعالى - قد نهى عن الإسراف والتبذير فقال في كتابه الكريم مخبراً بأن المبذرين إخوان للشياطين، فقال - سبحانه -: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء: 26-27]، والإسراف الذي يقع في هذا اليوم المبارك يكون في الملابس، وأنواعها والتباهي بها، ويكون بإعداد الحلوى وجلبها وغير ذلك من الأمور.خامساً: زيارة المقابر: يوجد في بعض المجتمعات تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر سواء كان الرجال أم النساء فهذا الفعل لا يجوز أبداً لما ورد عن ابو هريره - رضي الله عنه - قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوارات القبور" .فيا أختي الكريمة هذه بعض الأمور التي أحتسب بها عليك، قد تقعين في بعضها أو ترين من تقع فيها فاحتسبي عليها، ودُلِّيها على طريق الخير والسنة، واحذري من مخالفة أمر الله- تبارك وتعالى - وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، نسأل الله- تبارك وتعالى - أن يصلح منا ما فسد، وأن يعافينا من البلاء والفتن،
والحمد لله رب العالمين.
تعليق