بسم الله الرحمن الرحيم
لا تقطع الحبل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..وبعد..
فقد قيل لأحد الصالحين أيهما أفضل: رجب أم شعبان ؟
فقال: كن ربانيا ولا تكن شعبانيا !!
نعم أخي في الله؛ لابد أن تثبت و تصطبر وتربي نفسك وتلزمها.
إن أول خطوات طريق الفشل والضياع أن تتحكم فيك نفسك وتسيرك كيف شاءت، قم تقوم ، اخرج تخرج، نم تنام،كل تأكل..
لابد أن تمتلك أنت زمام المبادرة، لابد أن تتحكم أنت في نفسك وتذللها لطاعة الملك جل جلاله.
أيها الإخوة، لازالت الأعمال بعد رمضان لم تنقطع.. إن الأعمال الصالحة هي صلتنا بالله جل جلاله..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة" [مسلم]
فلا تقطع الحبل
فالقرآن لا يهجر بمجرد انتهاء رمضان، بل حافظ على وردك الثابت فيه ، دم على ذلك فالقرآن هو الذى يزكّى نفسك ويصلح نفسك ويصلح قلبك ،ويثبتك على طريق الحق فلتستمر فى قراءة القرآن جزءين في اليوم على الأقل،ثم زد الى ثلاثة ثم الى خمسة لتختم كل أسبوع كما كان يفعل الصحابة.
كذلك القيام لم ينقطع،قم كل ليلة بإحى عشرة ركعة،فالنبي صلي الله عليه وسلم كان لا يترك قيام اليل فاذا فاته يوما من وجع أوغيره صلّىمن النهار ثنتي عشرة ركعة وذكر أن الحسن بن صالح باع جارية له،فلما انتصف اليل قامت فنادتهم: ياأهل البيت ،الصلاة ..الصلاة، قالوا: طلع الفجر ؟،قالت : وأنتم لاتصلون إلا المكتوبة؟ّّّّ!!، ثم جاءت الى الحسن فقالت : بعتني الى قوم لايصلون إلا المكتوبة ؟!!..ردّنى .
والصيام لم ينقطع ، فعليك أن تبادر بصيام ستة أيام من شوال حتى تكون كأنك صمت السنة كلها، رمضان ثلاثون يوما، والحسنة بعشر أمثالها فيكون بثلاثمائة، وستة أيام بعشر أمثالها إذاً ستون يوما فتكمل السنة ، كانك صمت كاملة ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر" [أبو داود وصححه الألباني]
وهناك أيام في كل شهر كان النبي صلي الله عليه وسلم يصومها ويأمر بصيامها هي الأيام البيض : ثالث عشر ، رابع عشر وخامس عشر من كل شهر هجري.عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى وأن لا أنام إلا على وتر
وأريدك أن تنتبه جيدًا إلى قوله رضي الله عنه : لن أدعهن ما عشت .
وهناك غير ذلك الإثنين والخميس، قال صلى الله عليه وسلم : تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" [الترمذي وصححه الألباني]وهناك المحرم، فيستحب فيه الصيام استحباباً عظيما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم
باع قوم من السلف جارية ، قرب شهر رمضان فرأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها..فسألتهم.. فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان .فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان !، لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ، ردني عليهم ..
وأنواع الصيام كثيرة كصيام العشر الأوائل من ذي الحجة ، وصيام شعبان؛ بل كان رسول اله صلى الله عليه و سلم يصوم حتى يقول الصحابة: لا يفطر ، ويفطر حتى يقولوا: لا يصوم ، فالصيام مدرسة لتزكية النفس ، وهي وصيتي الخاصة للشباب وخصوصاً في الأيام التي امتلأت بالفتن ، أسأل الله أن ينجيني وإياكم منها .
والأعمال الصالحة كلها لم تنقطع بانقطاع رمضان ..
قيل لبشر :إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقط ، فقال: بئس القوم ؛ لا يعرفون الله حقا إلا في رمضان.
إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها ، فأكثر من الصدقة والإنفاق في سبيل الله ، كلما من الله عليك بفضله، وأكثر من ذكر الله وتسبيحه في كل أحوالك وفي كل أحيانك .
حتي الاعتكاف لم ينقطع بانتهاء رمضان ، فالاعتكاف مشروع طيلة السنة .
إخوتاه ..بادروا بالأعمال الصالحة ؛ فطوبى لمن بادر عمره القصير ، فعمر به دار المصير ، وتهيأ لحساب الناقد البصير ، قبل فوات القدرة وإعراض النصير .
كان الحسن يقول : عجبت لأقوام أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وجلس أولهم على آخرهم و يلعبون !!
وكان يقول : يا ابن آدم، السكين تشحذ، والتنور يسجر ، والكبش يعتلف.
وقال أبو حازم : إن بضاعة الآخرة كاسدة فا ستكثروا منها في أوان كسادها ؛ فإنه لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إلي قليل ولا كثير .
وكان عون بن عبد الله يقو ل : كم من مستقبل يوم لا يستكمله ، وكم من مؤمل لغد لا يدركه ، وإنكم لو رأيتم الأجل ومسيره؛ لأبغضتم الأمل وغروره.
وكان أبو بكر بن عياش يقول : لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول : إنا لله.. ذهب درهمي، وهو يذهب عمره ولا يقول : ذهب عمري ، كان لله أقوام يبادرون الأوقات ، ويحفظون الساعات ، ويلازمونها بالطاعات .
وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه ما مات حتى سرد الصوم .
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه تسرد ، وسرد أبو طلحه أربعين سنة .
وقال نافع : ما رأيت ابن عمر صائما في سفره ، ولا مفطرا في حضره .
وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادنة إلا وختمت القرآن عندها .
وقيل لعمرو بن هاني : لا نري لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم ؟قال : مائة ألف، إلا ما تخُطى الأصابع .
وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة ، وقام ليلها وكان الليل كله يبكي ، فتقول له أمه : يا بني ، قتلت قتيلاً؟ فيقول :أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي .
قال الجماني : لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته ، فقال: لا تبك ، وأشار إلى زواية في البيت ، إنه قد ختم أخوك في هذا الزواية ثمانية عشر ألف ختمة.
كان بعض السلف يقول : صم الدنيا واجعل فطرك الموت ، الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات ، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم .
وقَدصُمتُ عَن لذاتِ دَهرِي كُلَّها ** ويَومَ لِقاكُم ذَاكَ فِطرُ صِيامِي
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته ، ومن تعجل ما حُرَّمَ عليه قبل وفاته؛ عوقب بحرمانه في لآخرة وفواته ،قال الله تعالى :{أَذهَبتُم طَيّبَاتِكُم فِى حَيَاتِكُمُ الدُّّّنياَ وَاستَمتَعتُم بِهَا }الأحفاف: ٢٠
كان الخليفة الراشد على رضي الله عنه يقول في آخر ليلة من رمضان :
ليت شعري من المقبول منا فنهنيه ؟، ومن المحروم منا فنعزيه ؟
وكأن المستفاد من ذلك
أولا أن قبول الأعمال غيب وأن غاية ما كان من سعي المكلفين إنما هو فى تحصيل صور الأعمال ومظاهرها ، وأما المعول والذي عليه المدار فى القبول ؛ إنما هو حقائق الأعمال ومقاصدها . . فليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ، ومن هذا المحروم فنعزيه؟
إن ذلك غيب ، لا يدري أحدً أين المقبول ؟ ، وأين المحروم ؟
واستفدنا كذلك أنه لابد بعد انقضاء العمل من وقفه المحاسبة للنفس ، والنظر فيما كان فيه هذا العمل ، وهل وقع هذا العمل من الله تعالى موقع القبول؟ أو كان هذا العمل في محل الرد والحرمان ؟
فاكتسبت النفس لذلك وجلا بعدما ظنت انقضاء زمان السعي والمجاهدة ، جاءها زمان آخر .. زمان المحاسبة للنفس ، والمعاقبة على تقصيرها ، والمجاهدة لشكر نعم الله عز وجل عليها .
قال بعض السلف : كانوا يجتهدون فى العمل الصالح ، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم : أيقبل منهم أم لا؟
فما ينفكون من وجلهم وإشفاقهم فى أثناء أعمالهم ، وما يذهب عنهم وجلهم ولا إشفاقهم بعد انقضاء الأعمال، لا يدرون قبلت منهم أعمالهم أم ذهبت تلك الأعمال فى غير محل القبول ؟
واستفدنا كذلك من قول الصحابيين الجليلين ألا يزال العبد واقفا بباب الله ماسكاً بطرف الحبل، فهذا المقبول لا ينقضي بعمله المقبول سعيه ، بل يقتضي هذا العمل المقبول سعياً موصولاً في شكر نعمة الله عز وجل التي آتاه ، وفى القيام بحق الله عز وجل في التوفيق للعمل الصالح ، وفي مزيد من التنعيم بما أذاقه الله عز وجل من حلاوة الطاعة .
وكذلك ذلك المحروم لا ينبغي له أن يقطع الحبل، فلا ينقطع به الرجاء من ربه الكريم جل جلاله سبحانه وتعالى ؛ بل إن حرمانه يعني ذهاب جولة من جولات السعي بسبب سوء فعله ومرذول قصده ، فإذا حصل له التنبيه لذلك فلابد أن تكون جولة سعيه الأخرى أحظى بالقبول وأرجى لاستحقاق رحمة أرحم الراحمين .
اللهم ارحمنا برحمة منك تغنينا به عن رحمة من سواك
واللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
آمين
وصلى الله على سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين
لا تقطع الحبل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..وبعد..
فقد قيل لأحد الصالحين أيهما أفضل: رجب أم شعبان ؟
فقال: كن ربانيا ولا تكن شعبانيا !!
نعم أخي في الله؛ لابد أن تثبت و تصطبر وتربي نفسك وتلزمها.
إن أول خطوات طريق الفشل والضياع أن تتحكم فيك نفسك وتسيرك كيف شاءت، قم تقوم ، اخرج تخرج، نم تنام،كل تأكل..
لابد أن تمتلك أنت زمام المبادرة، لابد أن تتحكم أنت في نفسك وتذللها لطاعة الملك جل جلاله.
أيها الإخوة، لازالت الأعمال بعد رمضان لم تنقطع.. إن الأعمال الصالحة هي صلتنا بالله جل جلاله..قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة" [مسلم]
فلا تقطع الحبل
فالقرآن لا يهجر بمجرد انتهاء رمضان، بل حافظ على وردك الثابت فيه ، دم على ذلك فالقرآن هو الذى يزكّى نفسك ويصلح نفسك ويصلح قلبك ،ويثبتك على طريق الحق فلتستمر فى قراءة القرآن جزءين في اليوم على الأقل،ثم زد الى ثلاثة ثم الى خمسة لتختم كل أسبوع كما كان يفعل الصحابة.
كذلك القيام لم ينقطع،قم كل ليلة بإحى عشرة ركعة،فالنبي صلي الله عليه وسلم كان لا يترك قيام اليل فاذا فاته يوما من وجع أوغيره صلّىمن النهار ثنتي عشرة ركعة وذكر أن الحسن بن صالح باع جارية له،فلما انتصف اليل قامت فنادتهم: ياأهل البيت ،الصلاة ..الصلاة، قالوا: طلع الفجر ؟،قالت : وأنتم لاتصلون إلا المكتوبة؟ّّّّ!!، ثم جاءت الى الحسن فقالت : بعتني الى قوم لايصلون إلا المكتوبة ؟!!..ردّنى .
والصيام لم ينقطع ، فعليك أن تبادر بصيام ستة أيام من شوال حتى تكون كأنك صمت السنة كلها، رمضان ثلاثون يوما، والحسنة بعشر أمثالها فيكون بثلاثمائة، وستة أيام بعشر أمثالها إذاً ستون يوما فتكمل السنة ، كانك صمت كاملة ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر" [أبو داود وصححه الألباني]
وهناك أيام في كل شهر كان النبي صلي الله عليه وسلم يصومها ويأمر بصيامها هي الأيام البيض : ثالث عشر ، رابع عشر وخامس عشر من كل شهر هجري.عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى وأن لا أنام إلا على وتر
وأريدك أن تنتبه جيدًا إلى قوله رضي الله عنه : لن أدعهن ما عشت .
وهناك غير ذلك الإثنين والخميس، قال صلى الله عليه وسلم : تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" [الترمذي وصححه الألباني]وهناك المحرم، فيستحب فيه الصيام استحباباً عظيما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم
باع قوم من السلف جارية ، قرب شهر رمضان فرأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها..فسألتهم.. فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان .فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان !، لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان ، ردني عليهم ..
وأنواع الصيام كثيرة كصيام العشر الأوائل من ذي الحجة ، وصيام شعبان؛ بل كان رسول اله صلى الله عليه و سلم يصوم حتى يقول الصحابة: لا يفطر ، ويفطر حتى يقولوا: لا يصوم ، فالصيام مدرسة لتزكية النفس ، وهي وصيتي الخاصة للشباب وخصوصاً في الأيام التي امتلأت بالفتن ، أسأل الله أن ينجيني وإياكم منها .
والأعمال الصالحة كلها لم تنقطع بانقطاع رمضان ..
قيل لبشر :إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقط ، فقال: بئس القوم ؛ لا يعرفون الله حقا إلا في رمضان.
إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها ، فأكثر من الصدقة والإنفاق في سبيل الله ، كلما من الله عليك بفضله، وأكثر من ذكر الله وتسبيحه في كل أحوالك وفي كل أحيانك .
حتي الاعتكاف لم ينقطع بانتهاء رمضان ، فالاعتكاف مشروع طيلة السنة .
إخوتاه ..بادروا بالأعمال الصالحة ؛ فطوبى لمن بادر عمره القصير ، فعمر به دار المصير ، وتهيأ لحساب الناقد البصير ، قبل فوات القدرة وإعراض النصير .
كان الحسن يقول : عجبت لأقوام أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وجلس أولهم على آخرهم و يلعبون !!
وكان يقول : يا ابن آدم، السكين تشحذ، والتنور يسجر ، والكبش يعتلف.
وقال أبو حازم : إن بضاعة الآخرة كاسدة فا ستكثروا منها في أوان كسادها ؛ فإنه لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إلي قليل ولا كثير .
وكان عون بن عبد الله يقو ل : كم من مستقبل يوم لا يستكمله ، وكم من مؤمل لغد لا يدركه ، وإنكم لو رأيتم الأجل ومسيره؛ لأبغضتم الأمل وغروره.
وكان أبو بكر بن عياش يقول : لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول : إنا لله.. ذهب درهمي، وهو يذهب عمره ولا يقول : ذهب عمري ، كان لله أقوام يبادرون الأوقات ، ويحفظون الساعات ، ويلازمونها بالطاعات .
وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه ما مات حتى سرد الصوم .
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه تسرد ، وسرد أبو طلحه أربعين سنة .
وقال نافع : ما رأيت ابن عمر صائما في سفره ، ولا مفطرا في حضره .
وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادنة إلا وختمت القرآن عندها .
وقيل لعمرو بن هاني : لا نري لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم ؟قال : مائة ألف، إلا ما تخُطى الأصابع .
وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة ، وقام ليلها وكان الليل كله يبكي ، فتقول له أمه : يا بني ، قتلت قتيلاً؟ فيقول :أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي .
قال الجماني : لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته ، فقال: لا تبك ، وأشار إلى زواية في البيت ، إنه قد ختم أخوك في هذا الزواية ثمانية عشر ألف ختمة.
كان بعض السلف يقول : صم الدنيا واجعل فطرك الموت ، الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات ، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم .
وقَدصُمتُ عَن لذاتِ دَهرِي كُلَّها ** ويَومَ لِقاكُم ذَاكَ فِطرُ صِيامِي
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته ، ومن تعجل ما حُرَّمَ عليه قبل وفاته؛ عوقب بحرمانه في لآخرة وفواته ،قال الله تعالى :{أَذهَبتُم طَيّبَاتِكُم فِى حَيَاتِكُمُ الدُّّّنياَ وَاستَمتَعتُم بِهَا }الأحفاف: ٢٠
كان الخليفة الراشد على رضي الله عنه يقول في آخر ليلة من رمضان :
ليت شعري من المقبول منا فنهنيه ؟، ومن المحروم منا فنعزيه ؟
وكأن المستفاد من ذلك
أولا أن قبول الأعمال غيب وأن غاية ما كان من سعي المكلفين إنما هو فى تحصيل صور الأعمال ومظاهرها ، وأما المعول والذي عليه المدار فى القبول ؛ إنما هو حقائق الأعمال ومقاصدها . . فليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ، ومن هذا المحروم فنعزيه؟
إن ذلك غيب ، لا يدري أحدً أين المقبول ؟ ، وأين المحروم ؟
واستفدنا كذلك أنه لابد بعد انقضاء العمل من وقفه المحاسبة للنفس ، والنظر فيما كان فيه هذا العمل ، وهل وقع هذا العمل من الله تعالى موقع القبول؟ أو كان هذا العمل في محل الرد والحرمان ؟
فاكتسبت النفس لذلك وجلا بعدما ظنت انقضاء زمان السعي والمجاهدة ، جاءها زمان آخر .. زمان المحاسبة للنفس ، والمعاقبة على تقصيرها ، والمجاهدة لشكر نعم الله عز وجل عليها .
قال بعض السلف : كانوا يجتهدون فى العمل الصالح ، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم : أيقبل منهم أم لا؟
فما ينفكون من وجلهم وإشفاقهم فى أثناء أعمالهم ، وما يذهب عنهم وجلهم ولا إشفاقهم بعد انقضاء الأعمال، لا يدرون قبلت منهم أعمالهم أم ذهبت تلك الأعمال فى غير محل القبول ؟
واستفدنا كذلك من قول الصحابيين الجليلين ألا يزال العبد واقفا بباب الله ماسكاً بطرف الحبل، فهذا المقبول لا ينقضي بعمله المقبول سعيه ، بل يقتضي هذا العمل المقبول سعياً موصولاً في شكر نعمة الله عز وجل التي آتاه ، وفى القيام بحق الله عز وجل في التوفيق للعمل الصالح ، وفي مزيد من التنعيم بما أذاقه الله عز وجل من حلاوة الطاعة .
وكذلك ذلك المحروم لا ينبغي له أن يقطع الحبل، فلا ينقطع به الرجاء من ربه الكريم جل جلاله سبحانه وتعالى ؛ بل إن حرمانه يعني ذهاب جولة من جولات السعي بسبب سوء فعله ومرذول قصده ، فإذا حصل له التنبيه لذلك فلابد أن تكون جولة سعيه الأخرى أحظى بالقبول وأرجى لاستحقاق رحمة أرحم الراحمين .
اللهم ارحمنا برحمة منك تغنينا به عن رحمة من سواك
واللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
آمين
وصلى الله على سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين
تعليق