وداع رمضان وأهلا بالعيد
لحظاتٌ تعيشها الأُمَّة بين وداع شهر القرآن والذكر والتراويح والتهجد والاعتكاف والكرم والجود، وبين استقبال عيد جديد، آملين من الله أن يعوده على الأمة بالخير والبركات.
بعد ساعات يتحوَّل رمضان إلى ذكريات... ما بين حنين لحلق الذّكر وصلاة التراويح والتهجد... تلك اللحظات الروحانية الشفافة، وبين دفئ التواصل الأسري وصلة الأرحام واتصال الموائد والزيارات الحانية بين الأهل والأحباب.
وبين هذه المشاعر المختلفة، بين حزن على فراق رمضان وتوقٍ لاستقبال العيد، يشرعُ الله للأمة نقطة تحول بين الألم والأمل، هي مواساة يواسيها أغنياء الأمَّة لفقرائها، هي زكاة الفطر التي شرعها الله طعمة للفقير ليستقبل العيد وهو يملك ما يوفّر له فرصة فرح ولو لأيام معدودة... ثم تبقى مسؤولية المواساة باقي العام في رقبة الغني في حق الفقير.
شرع الله تعالى الأعياد فرحاً وسروراً للمسلمين بعد مواسم الخيرات، وفرائض العبادات، فَعيد الفطر يأتي بعد أداء فريضة الصوم، وكذا عيد الأضحى يأتي بعد قضاء الركن الأعظم في فريضة الحج وهو الوقوف بعرفة، وقد جعلها الشرع أيام أكل وشرب وذكر، يرفّه فيها المسلم عن نفسه وأهله ويوسع عليهم بما شرع الله وأحلّ من التَّوسعة الطيبة المباحة، ففي عيد الفطر فرض الله زكاة الفطر، ومن عِللها أن يجد الفقير ما يوسع به على أهله من المأكل في يوم العيد، وكذا في عيد الأضحى شرع الله تعالى الأضحية، ومِن عللها أن يجد الفقير ما يوسع به على أهله من طيِّب الطعام، وليشارك إخوانه من المسلمين بفرحهم، ويتشبه الجميع بالحجيج في نسيكة الذبح، فنجد أن التوسعة في الطعام شرعت في العيدين وإن كانت الصور مختلفة.
ومما سبق يتضح اهتمام الشرع بالتوسعة على المسلم في يوم العيد، ولكن هل فكَّرنا في بعض الوسائل نستغل بها وقتنا في العيد أفضل استغلال ممكن من الناحية الشرعية، بحيث نجعل منه موسماً حقيقياً من مواسم الخيرات، يعمّ فيه النور وتتنزل فيه الرحمات.
وتبقى رسالتان: رسالة من الحبيب المفارق، ورسالة من الحبيب القادم.
رسالة رمضان إلى الأمة: كونوا ربانيين ولا تكونوا رمضانيين..
و احذروا أن تكونوا مثل امرأة مجنونة كانت بمكة، اسمها ريطة بنت سعد، كانت تغزل طول يومها غزلاً قويًا محكما ثم تنقضه أنكاثا، أي: تفسده بعد إحكامه، فقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل: 92].
ومعنى: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ}، أي: تعاهدون قوما على أن تكونوا معهم، وهذا العهد خديعة، فإذا وجدتم أمة أربى منهم -أي: أكثر وأعز- غدرتم بعهد الأولين وعاهدتم الآخرين.
ماذا نقول لامرأة جلست طوال شهر كامل تصنع ملبسا من الصوف بالمغزل حتى ما إن قرب الغزل من الانتهاء نقضت ما صنعته.
وكذا حال الكثير من المسلمين بمجرد انتهاء شهر رمضان، سرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب، فهو طوال الشهر في صلاة وصيام وقيام وخشوع وبكاء ودعاء وتضرع، وهو بهذا قد أحسن غزل عباداته... لدرجة أن أحدنا يتمنى أن يقبضه الله على تلك الحالة التي هو فيها من كثرة ما يجد من لذة العبادة والطاعة، ولكنه ينقض كل هذا الغزل بعد مغرب آخر يوم في رمضان.
فاسألوا الله الثبات وكونوا ربانيين، فالصلاة شرعها الله في رمضان وسائر العام، و القيام شرعه الله في رمضان وسائر العام، والصدقة شرعها الله في رمضان وسائر العام... وكلّ الطاعات بما فيها صيام الفرض في رمضان... شرع الله صيام النفل كل اثنين وخميس أو أيام البيض أو النفل المطلق و غيره.
وليكن رمضان انطلاقة جديدة، وموسمُ تغيير حقيقي للنفس يدفعها نحو الأفضل طوال العام.
ورسالة من الحبيب القادم: عيد الفطر المبارك..
عليكم بإكمال البناء والنهوض بالنفس والأمة والتعاون على البر والتقوى، فالأمة في أشد الحاجة إلى سواعد جميع أبناءها... وكما جاء العيد بالفرح والسرور، لماذا لا تفرح بنا أمتنا طوال العام... بأعمالنا الصالحة و جدية بذلنا وصدق عزائمنا.
تعليق