السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيّها المسلم:
الحكمة ضالّةُ المؤمن،
حيث وجدها فهو أولى بها ومن أوتيها فقد أوتيَ خيراً كثيراً،
فلا يقعدنَّ بك العجزُ عن دخول ميدان الأفكار،
فإنه خيرُ منزلٍ تنزله.
واعلم أنّ الله أمرك بالتّفكّر،
وطالبك بالتدبّر،
فقف نفسَكَ على أمر مولاك،
وطالبْ نفسَك بما طلبه منك،
ففي الأولى النّجاة،
وفي الثّانية حلاوةُ الحياة.
أيها المسلم:
إنّك خليفة الله في أرضه ومظهر ألوهيّته فيها
(( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ )) . البقرة:30
واعلمْ أنّك مؤتمنُهُ على رسالته، ووصيُّهُ على أمانته
(( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ
ظَلُومًا جَهُولًا ))الأحزاب:72 .
أيّها المسلم
لقد خلع الله عليك خلعةَ الخلافة وحمّلك عبأ الأمانة،
فأدّ الأمانةَ وأحسنِ الخلافة،
واستعملْ نفسَكَ فيما يرضيه.
وإنّك سفيرُه إلى خلقِه،
وحاملُ سِفره في خليقته،
فلا تشتغلْ بما خُلقَ لأجلك،
واشتغلْ بما خُلقتَ لأجله.
فإنّ قيامك بما أوكلَ إليكَ هو عينُ الصّواب،
ووقوفكَ على ما طُلبَ منك دليلٌ على أنّك من أولي الألباب.
(( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ))النساء:58 .
فلا تكنْ كالذي آتاهُ الله الآياتِ فانسلخَ منها
فأتبعه الشّيطانُ فكان من الغاوين.
ولكنْ واجه بنور إيمانك الوقّادِ ليل السّامريّ.
فلن تدخلَ حضرةَ الحقّ إلا إذا تبرّأتَ من "مِساس".
وكنْ كما الشّجرةُ الطّيّبةُ، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السّماء، تؤتي أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربّها.
ولا تكن كشجرةٍ خبيثةٍ اجتُثّتْ من فوقِ الأرض ما لها من قرار.
قطيرةٌ أنا لكنّي الخضمُّ إذا --- درجتُ فيما يريدُ اللهُ من درجِ
لا بل أنا قدرةٌ تحيا إرادتُها --- لولا الإرادةُ لم أخرج ولم ألجِ
أنا الخليفةُ جلّ الشّأنُ وانطلقتْ --
- منه الرّسالاتُ تمضي بالهدى وَتجي
فلا تهتمَّ بمرارةِ الأيّام والأوقات، فإنّ حلاوةَ الإيمان أكبر وجوارُ الله ينسي كلَّ رزيّة.
واحتملْ آلامَكَ في قلبك الكبير،
واحتسبْ جراحاتِكَ وعذاباتِكَ قُرُباتٍ على باب الحبيب الأوّل.
(لقد اختارك الله لتحمل هذه الأمانةَ الكبرى، ولتكونَ مستوعَ نورِ الله وموضعَ تلقّي فيضه والمركز الذي تتّصل فيه السّماء بالأرض، إنّ اختيارَ الله هذا لَفضلٌ لا يعدلُهُ فضل، فضلٌ عظيمٌ يربى على كلّ ما يبذله المؤمن من نفسه وماله وحياته، ويربى على متاعبِ الطّريق وآلام الكفاح وشدائد الجهاد) .
أيّها المسلم:
لا بأسَ عليكَ إذا جعتَ، فكِسرةٌ من خبزِ رضاه تقيمُ صُلبَك ما عشتَ وتشدُّ أوَدَكَ ما حييت.
ولا بأسَ عليك إذا ظمئتَ، فشربةٌ من كفِّ عطفِه تكفيك، فإنّ وِردَهُ لَذّةٌ للشّاربين.
ولا ضيرَ عليكَ إذا عريت، فإنّ خِلعتَهُ التي خلعها عليك، هي أجملُ ثوبٍ ترتديه.
(ما ضرَّ من كَسَرهُ عِزّي، إذا جبرهُ فضلي، إنّما تليقُ خِلعةُ العِزِّ ببدنِ الانكسار، أنا عندَ المنكسرةِ قلوبُهم من أجلي) .
فلا تتبرّمْ بقضاءِ مولاكَ فيك وإنْ كانَ ظاهرُهُ محزناً، ففي خفاياهُ الخيرُ قائمْ.
ولا تضجرْ بقدرِ الله عليك وإنْ كانَ وافدُهُ موهناً، ففي طواياهُ اللّطفُ سالم.
فإنّه سبحانه
(ربّما أعطاكَ فمنَعَك، وربّما منعك فأعطاك) ،
وقد قال الحبيبُ المصطفى صلّى اللهُ عليه وسلّم:
«عجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ ، و إن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له
»صححه الألباني .
أيّها المسلم:
(دينك، دينك، إنّما هو لحمُكَ ودمُك)
لا تبعْه فتخسرَ الدّنيا والآخرة، وتصبحَ بضاعةً مزجاة، لا كيلَ لك عند ربّك.
فإنّ فيه مفازكَ بالنّعيم، وجوازَك إلى دارِ المُقامة.
فليكنْ طعامُكَ وشرابُكَ من هذا الدّين،
وشهيقُكَ وزفيركَ من هذا الدّين،
حتّى لا تخسرَ كرسيَّ خلافتك.
(الدّنيا مجازٌ، والآخرةُ وطن، وإنّما تُطلبُ الأطمارُ في الأوطان) .
أيّها المسلم:
كلّما شردَ قلبُكَ عن الطّريقِ القويم،
ومالَ عن الصّراطِ المستقيم،
فاغسلْهُ بماءِ الرّجوعِ إلى مولاه.
واصبغْ كلّ جارحةٍ فيك بدهونِ الإيمان وتوجّهْ إلى مولاكَ
وقلْ
( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ )الأنعام:79 ،
حينها تفوزُ في الدّارين
وليكنِ اللهُ في قلبكَ في حركاتِكَ وسكناتِك، وفي جَلَواتكَ وفي خَلواتك فإنّه
(مَنْ وطّنَ قلبَهُ عندَ رَبِّهِ سكنَ واستراح) .
وليكنْ طعامُكَ تسبيحاً وشرابُكَ تسبيحاً ونومُكَ عبادةً وصلاتُكَ معراجاً إلى قبّةِ كأسِه وحياتُكَ بما فيها لله ربّ العالمين
(( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) الأنعام:162.
فإذا كان لك هذا فاعلمْ أنّه لو رُميتَ في نارِ عالِمكَ لعادتْ النّارُ برداً وسلاماً عليك،
(مَن تلمّحَ حلاوةَ العافية، هانتْ عليه مرارةُ الصّبر) .
م ن
التوقيع :
تعليق