في حياتِك دقائقُ غاليةٌ )
عائض بن عبد الله القرني
عائض بن عبد الله القرني
- رأيتُ موقفيْنِ مُؤثِّريْنِ مُعبِّريْنِ للشيخِ علي الطنطاويِّ في مذكّراتهِ:
- الموقفُ الأولُ: تحدَّثَ عن نفسِه وكاد يغرقُ على شاطئِ بيروت، حينما كان يسبحُ فأشرف على الموتِ، وحُمِل مَغْمِيّاً عليهِ، وكان في تلك اللحظاتِ يُذعِنُ لمولاهُ، ويودُّ لو عادَ ولو ساعةً إلى الحياةِ، ليجدِّد إيمانه وعملهُ الصّالح، فيَصلِ الإيمانُ عنده منتهاه.
- والموقفُ الثاني: ذَكَرَ أنه قدِم في قافلةٍ منْ سوريا إلى بيتِ اللهِ العتيقِ، وبينما هو في صحراءِ تبوك ضلُّوا وبَقُوا ثلاثة أيام، وانتهى طعامُهُم وشرابُهُم، وأشرفوا على الموتِ، فقام وألقى في الجموعِ خطبة الوداعِ من الحياةِ، خطبةً توحيديَّة حارَّةً رنَّانة، بكى وأبكى الناس، وأحسَّ أنَّ الإيمان ارتفع، وأنه ليس هناك مُعينٌ ولا مُنقذٌ إلا اللهُ جلَّ في علاه {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}.
يقولُ سبحانهُ وتعالى : {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}. - إنَّ الله يحبُّ المؤمنين الأقوياء الذين يتحدَّون أعداءهم بصبرٍ وجلادةٍ، فلا يهِنون، ولا يُصابون بالإحباطِ واليأسِ، ولا تنهارُ قواهُم، ولا يستكينون للذِّلَّةِ والضعْفِ والفشلِ، بل يصمُدون ويُواصلون ويُرابطون، وهي ضريبةُ إيمانِهم بربِّهم وبرسولِهمْ وبدينِهمْ «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ والضَّعيفِ وفي كلٍّ خيرٌ».
جُرحتْ أُصْبُعُ أبي بكرٍ رضي اللهُ عنهُ في ذاتِ اللهِ فقال:
هلْ أنتِ إلا إصْبَعٌ دَمِيتِووضع أبو بكرٍ إصبعهُ في ثَقْبِ الغارِ ليحمي بها الرسول صلى الله عليه وسلم من العقربِ، فلُدغ، فقرأ عليها صلى الله عليه وسلم فبرئتْ بإذِن اللهِ.
وفي سبيلِ الله ما لقِيتِ
قال رجلٌ لعنترة: ما السِّرُّ في شجاعتِك، وأنك تغِلبُ الرِّجال؟ قال: ضعْ إصبعك في فمي، وخُذ إصبعي في فمك. فوضعها في فمِ عنترة، ووضَعَ عنترةُ إصبعه في فمِ الرَّجلِ، وكلٌّ عضَّ إصبع صاحبِه، فصاح الرجلُ من الألم، ولم يصبرْ فأخرجَ له عنترةُ إصبعه، وقال: بهذا غلبتُ الأبطال. أي بالصَّبرِ والاحتمالِ.
- إنَّ ممَّ يُفرحُ المؤمن أن لُطفَ اللهِ ورحمته وعفوه قريبٌ منه، فيشعرُ برعايةِ اللهِ وولايتِهِ بحسبِ إيمانِهِ. والكائناتُ والأحياءُ والعجماواتُ والطيورُ والزواحفُ تشعرُ بأنَّ لها ربّاً خالِقاً ورازقاً {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}.
يا ربّ حمداً ليس غيرُك يُحمدُ *** يا منْ لهُ كُلُّ الخلائِقِ تصْمدُعندنا، العامَّةُ وَقْتَ الحرْثِ يرمون الحبَّ بأيديهمْ في شقوقِ الأرضِ، ويهتفون: حبٌّ يابسٌ، في بلدٍ يابسٍ، بين يديك يا فاطر السماوات والأرضِ {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ . أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}. إنَّها نزعةُ توحيدِ البري، وتوجُّهُ إليهِ، سبحانه وتعالى.
قام الخطيبُ المِصْقعُ عبدُالحميدِ كشكُ وهو أعمى فلمَّا علا المِنْبرَ، أخرج منْ جيبهِ سعفة نخلٍ، مكتوبٌ عليها بنفسِها: اللهُ، بالخطِّ الكوفيِّ الجميلِ، ثم هَتَفَ في الجموعِ:
انظُرْ لتلك الشَّجرهْ *** ذاتِ الغُصُونِ النَّضِرهْ
منِ الذي أنبتها *** وزانها بالخضِرهْ
ذاك هو اللهُ الذي *** قُدرتُه مُقْتدِرهْ
فأجْهش الناسُ بالبكاءِ.
- إنهُ فاطرُ السماواتِ والأرضِ مرسومةٌ آياتُه في الكائناتِ، تنطقُ بالوحدانيَّةِ والصَّمديةِ والربوبيَّةِ والألوهيَّةِ {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً}.
منْ دعائمِ السرورِ والارتياحِ، أنْ تشْعُرَ أنَّ هناك ربّاً يرحمُ ويغفرُ ويتوبُ على منْ تاب، فأبشِرْ برحمةِ ربِّك التي وسعتِ السماواتِ والأرض، قال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}، وما أعظم لطفهُ سبحانه وتعالى، وفي حديثٍ صحيحٍ: أنَّ أعرابيّاً صلًّى مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أصبح في التَّشهُّدِ قال: اللهمَّ ارحمني ومحمداً، ولا ترحمْ معنا أحداً. قال صلى الله عليه وسلم: «لقدْ حجرت واسعاً». أي: ضيَّقت واسعاً، إنَّ رحمة الهِ وسعتْ كلَّ شيءٍ {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}، «اللهُ أرحمُ بعبادِهِ منْ هذهِ بولدِها».
أحرق رجلٌ نفسه بالنارِ فراراً منْ عذابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فجمعه سبحانه وتعالى وقال له: «يا عبْدِي، ما حَمَلَك على ما صنعت؟ قال: يا ربِّ، خِفْتُك، وخشيتُ ذنوبي. فأدخلهُ اللهُ الجنّة». (حديثٌ صحيحٌ).
- {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
حاسب اللهُ رجلاً مُسرفاً على نفسِه موحِّداً، فلمْ يجدْ عندهُ حسَنَةً، لكنَّه كان يُتاجرُ في الدنيا، ويتجاوزُ عنِ المُعْسِرِ، قال اللهُ: نحنُ أولْى بالكرمِ منك، تجاوزوا عنهُ. فأدخله اللهُ الجنّة.
{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}، {لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}.
عند مسلمٍ: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم صلَّى بالناسِ، فقام رجلٌ فقال: أصبْتُ حدّاً، فأقِمْهُ عليَّ. قال: «أصليت معنا؟». قال: نعمْ. قال. «اذهبْ فقد غُفِر لك».
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً}.
هناك لُطفٌ خفيٌّ يكْتنف العبدَ، مِنْ أمامِهِ ومنْ خلفه، وعن يمينهِ وعنْ شمالِهِ، ومِنْ فوقِه ومنْ تحتِ قدميْهِ، صاحبُ اللُّطفِ الخفيِّ هو اللهُ ربُّ العالمين، انطبقتْ عليهمُ الصَّخْرةُ في الغارِ، وأنْجى إبراهيم من النارِ، وأنجى موسى من الغرقِ، ونُوحاً من الطُّوفانِ، ويوسف من الجُبِّ وأيوب من المرضِ.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم - اللهم اغفر لي وللمسلمين وللمسلمات وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
تعليق