ان الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره, و نعوذ بالله تعالى من شرور انفسنا و من سيئات اعمالنا.
من يهده الله فلا مظل له و من يظلل فلا هادي له ,
و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه و المثيل و الكفئ و الند و النظير,
و اشهد ان محمدا عبده و رسوله و صفيه و خليله و
خيرته من خلقه و امينه على وحيه ,ارسله ربه رحمة للعالمين و حجة على العباد اجمعين.
فهدى الله تعالى به من الضلالة و بصر به من الجهالة و كثر به بعد القلة,
و اغنى به بعد العيلة, و لم به بعد الشتات,
و امن به بعد الخوف, و صلوات الله و سلامه عليه و على اله الطيبين الطاهرين
و اصحابه الغر الميامين ما تصلت عين بنظر ووعت اذن بخبر وسلم تسليما كثيرا اما بعد:
ان الله خلق الانسان لامانه عظيمة و خطب جليلة ،
فقال تعالى :(( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ))
و لكننا نرى ان الدنيا قد سكنت قلوب الخلق ,الا من رحم ربي ,
فابعدتهم عن الخالق جلا و علا على الرغم من ان الحبيب عليه الصلاة و السلام قد
حذر امته قائلا_عليه السلام_ :
(من احب دنياه اضر باخرته و من احب اخرته اضر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يفنى ) اخرجه احمد .
و قال ايضا_عليه السلام_ :
( الا ان الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله و ماوالاه و عالما و متعلما) رواه ابن ماجه عن ابي هريرة و حسنه الالباني .
و على الرغم من ذلك فقد استغشى الناس ثيابهم ووضعوا اصابعهم في اذانهم
و كانهم لم يسمعوا صيحات النذير البشير عليه الصلاة و السلام ,
و ذهبوا يتمرغون في اوحال الدنيا
و يزحفون عل اعتابها حتى ان الكثير من بني جلدتنا قد باع دينه بدنياه,فكان كمن اشترى لا شيئء بكل شيئ
و باع كل شيئ بلا شيئ و لاحول و لا قوة الا بالله العلي العظيم ...
و هذا ما اخبر عنه الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام قائلا:
(بادروا بالاعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا و يمسي كافرا ,
و يمسي مؤمنا و يصبح كافرا يبيع احدهم دينه بعرض من الدنيا قليل )
اخرجه مسلم و الترمذي و احمد عن ابي هريرة .
و اما عن مشاهد الحسرة في الاخرة لمن اثر الدنيا على الاخرة :
يقول ابن عباس : يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء انيابها بادية فتشرف على الخلائق فيقال لهم: اتعرفون هذه؟ ...
فيقولون :نعوذ بالله من معرفة هذه
فيقال : هذه الدنيا التي تناحرتم عليها بها تقاطعتم الارحام,و بها تحاسدتم و تباغضتم و اغتررتم ,ثم
يقذف بها في جهنم فتنادي :اي رب اين اتباعي و اشياعي ؟.
فيقول الله جلا و علا :الحقوا بها اتباعها و اشياعها ....
يالها من حسرة لمن اثر الدنيا على الاخرة !!!!!!
روي ان سليمان ابن داود عليهما السلام مر في موكبه و الطير تظله و الجن و الانس عن يمينه و شماله ,قال :فمر بعابد من بني اسرائيل
فقال :و الله يا ابن داود لقد اتاك الله ملكا عظيما
قال :فسمع سليمان
و قال :لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما اعطى ابن داود فان ما اعطى
ابن داود يفنى و الصحيفة تبقى ....
قال علي كرم الله وجهه :
من جمع فيه ست خصال لم يدع للجنة مطلبا و لا عن النار مهربا اولها ,من عرف الله فاطاعه و عرف الشيطان فعصاه
و عرف الحق فاتبعه ,و عرف الباطل فاتقاه ,و عرف الدنيا فرفضها و عرف الاخرة فطلبها ...
و قال بشر:
من سال الله تعالى الدنيا فانما يساله طول الوقوف بين يديه ..
سأل رجل عليا رضي الله عنه :
يا امير المؤمنين صف لنا الدنيا ؟! , قال و ما اصف لك من دار من صح فيها سقم ,
و من امن فيها ندم ,و من افتقر فيها حزن ,و من استغنى فيها افتتن
في حلالها الحساب ,و في حرامها العقاب و متشابهها العتاب.
و قيل لحكيم : الدنيا لمن هي؟
قال لمن تركها فقيل: الاخرة لمن هي؟ قال: لمن طلبها ..
و قال الجنيد : كان الشافعي رحمه الله من المريدين الناطقين بالحق وعظ اخا له في الله و خوفه بالله
فقال : يا اخي ان الدنيا دحض مزلة و دار مذلة ,
عمرانها الى الخراب صائر ,و ساكنها الى القبور زائر ,شملها على الفرقة موقوف ,و غناها الى الفقر مصروف ,الاكثار فيها اعسار ,و الاعسار
فيها يسار فافزع الى الله و ارض برزق الله ,لا تتسلف من دار بقائك الى دار فنائك ,
فان عيشك فيئ زائل و جدار مائل ,اكثر من عملك و اقصر من املك .
فالدنيا هي التي شغلت الخلق عن عبادة الله جلا و علا فكان لزاما علينا ان نذكر انفسنا و اياكم بحقارة
الدنيا ....
فاللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا و لا مبلغ علمنا.
و صل الله على نبينا محمد و على اله و صحبه الاخيار و ال بيته الطيبين الطاهرين و سلم تسليما كثيرا
تعليق