ِعداوة الشيطان وطرق الحماية منها
إنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.أما بعدفيا أيها الإخوة المؤمنون.إن من سنةِ اللهِ تعالى الجاريةِ في الرُّسلِ وأتباعِهم: أن جعلَ لهم أعداءً يتربَّصون بهم الدوائرَ، وينسجون لهم المكايدَ، يصدُّونهم عن سبيلِ اللهِ تعالى ويبغونها عوجاً، قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورا﴾([1]).وقد فرضَ اللهُ تعالى على الرسلِ وأتباعِهم مراغمةَ أعدائِه ومجاهدتِهم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " ولا شيءَ أحبُّ إلى اللهِ من مراغمةِ وليِّه لعدوِّه وإغاظتِه له "([2]).
وأولى أعداءِ اللهِ ورسلِه بالمراغمةِِ والمجاهدةِ هو إبليسُ عليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين، فإنه أشدُّ الأعداء فتكاً وأمضاهم كيداً وأقدمهم عداوةً ومكراً، فكلُّ أعداءِ الله ورسلِه عنه يصدُرون، وبأمرِه يأتمرون، فإنما هم جندُه وحزبُه ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾([3]).
عبادَ الله، إن المتأمِّل للكتابِ المبينِ والسنةِ النبويةِ يلاحظ شدةَ اعتناءِ الكتابِ والسنةِ بذِكر عداوِة الشيطانِ وكيدِه ومحاربتِه ووجوبِ مجاهدتِه، فإن اللهَ تعالى قد ذكرَه في مواضعَ كثيرةٍ، وقد أفردت له سورةٌ خاصةٌ تامةٌ، فتحذيرُ ربِّ العالمين لعبادِه من هذا العدوِّ المبينِ كثيرٌ مستفيضٌ في كتابِ الله تعالى، وما ذلك إلا لِما لهذا العدوِّ القويِّ من صَوْلةٍ وجوْلةٍ، فإنه لعنه اللهُ مصدرُ كلِّ فتنةٍ وبلاءٍ ومنبعُ كلِّ شرٍّ وعناءٍ، وقد أخذَ على نفسِه الميثاقَ أن يضلَّ بني آدمَ، وأن يطرُقَ لذلك كلَّ بابٍ، وأن يسلكَ كلَّ سبيل قال الله تعالى حاكياً عنه: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾([4])وقال في موضع آخر: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾([5]).
فيا عباد الله ما من طريقٍ من طرقِ البرِّ والطاعة إلا والشيطانُ قاعدٌ لكم عليه بالمرصادِ يزهدكم فيه وينفِّركم عنه، وما من سبيلٍ من سبل الشرِّ والمعصيةِ إلا وعدوكم منتصبٌ عليه يدعوكم إليه ويزينه لكم ويجمله في أعينِكم، فإياكم، إياكم، إياكم، أن تطيعوه أو تصغوا إليه؛ فإن عاقبةَ ذلك إلى الخسرانِ في الدنيا والآخرةِ، قال الله تعالى عن الشيطانِ: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير﴾([6]).
أيها المؤمنون.إن اللهَ تعالى بيَّن لنا عداوةَ الشيطانِ، كما أنه سبحانه بيَّن وسائلَه وطرُقَه، وكشفَ مكرَه وكيدَه، وحذّر من ذلك كلِّه.أيها المؤمنون.إن اللَه تعالى قد دلَّنا برحمتِه وفضلِه إلى الأسلحِة التي يُوَاجَهُ بها كيد هذا العدوِّ المتربصِ، وهي أسلحةٌ كثيرة منتشرةٌ في كتابِ الله وسنةِ رسوله، فمن أخذَ بها فقد سلكَ سبيلَ النجاةِ، ومن أعرضَ عنها أو تهاونَ بها فإنما حالُه كما قال الشاعر
ترجو النجاةَ ولم تسلُكْ مسالِكَها إن السفينةَ لا تجرِي على اليَبَسِ([7])فلا نجاةَ للعبدِ إلا بهذه الأسلحةِ القرآنيةِ النبويةِ، فاحرصوا بارك الله فيكم على معرفتها والأخذ بها.فمن أكثرِ هذه الأسلحةِ وأمضاها فتكاً وأعظمها أثراً: اعتقادُ واستحضارُ ضراوةِ عداوةِ هذا العدوِّ المبينِ، الذي لا يُرجى زوالُ عداوتِه، فإنها عداوة قد أعلَنها لآدمَ وذرِّيَّتِه من أولِ لحظاتِ وجودِهِم وخلْقِهم، فهي معركةٌ قديمة دائمةٌ لن تضعَ أوزارَها ولن يخبوَ أوارُها إلا حينَ يرثُ الله الأرضَ ومن عليها.أيها المؤمنون. ولأهميةِ هذا السلاحِ -وهو اتخاذُه عدوًّا- أمرَ اللهُ تعالى بذلك في كتابِه في غيرِ ما آيةٍ، من ذلك قوله جل ذكره: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾([8]).أيها المؤمنون.إن دعوةَ اللهِ تعالى لنا أن نتخذَ الشيطان عدواً ليس المرادُ منها لعنَه باللسانِ وبغضَه بالقلبِ مع طاعتِه فيما يأمرُ، واتباعِ خطواتِه والاغترارِ بوعودِه والاسترسالِ مع وساوسِه وأكاذيبِه، بل المراد بهذه الدعوةِ بغضُه بالقلوبِ ولعنُه بلعنةِ الله ومخالفةُ أمرِه بالجوارحِ، والإعراضِ عن تزيينِه وتضليلِه وزخرفتِه، فإن هذا من أجلِّ القرباتِ وأفضلِ الطاعاتِ، قال ابن القيم رحمه الله: " والأمر باتخاذِه عدوًّا تنبيهٌ على استفراغِ الوسعِ في محاربته و مجاهدته كأنه عدوٌّ لا يفتر - ولا يَقْصُر - عن محاربةِ العبد على عدد الأنفاسِ "([9]).فإن كلَّ من أطاعَ الشيطانَ في معصيةِ الله تعالى فقد اتخذه وليًّا، قال الله تعالى في سورة مريم في قصةِ دعوةِ إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾([10]).قال ابن القيم رحمه الله: " فكلُّ راكبٍ وماشٍ في معصيٍة الله فهو من جندِ إبليسَ"([11]).
فاحذروا أيها المؤمنون الدعاوى الكاذبةَ، فكم هم الذين يدَّعُون عداوةَ الشيطانِ وبغضَه وهم من أخلصِ أحبائِه وأخصِّ أوليائه.
عباد الله..إنَّ من أعظمِ الأسلحة التي تنجِّي العبدَ من غوائلِ الشيطان وشرِّه وعداوتِه: الإخلاصَ لله تعالى، فإن أهل الإخلاص محفوظون بحفظِ الله تعالى، قال تعالى مخاطباً إبليس لما أخذَ على نفسه الميثاقَ في إضلالِ بني آدم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾([12])وقال: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾([13])، فمن تحقَّق أيُّها المؤمنون بهذه الصفاتِ من الإيمانِ باللهِ تعالى، والتوكُّلِ عليه والإخلاصِ له، فقد أغلقَ على عدوِّه الأبوابَ وسدَّ عليه كلَّ بابِ.
والإخلاصُ الذي يعصمُ العبدَ من كيدِ الشيطانِ ومكرِه، هو أن يصرفَ العبدُ العبادةَ للهِ وحده لا شريك له، فلا يعبدُ إلا اللهَ، ولا يحبُّ إلا اللهَ، ولا يعظِّم إلا اللهَ، ولا يذبح إلا للهِ، ولا يدعو غيرَ الله، ولا ينذر لغير الله، ولا يتحاكم لغيرِ شرعِه، فمن وقع في شيءٍ من ذلك فقد وقعَ في بعضِ شعبِ الكفرِ أو الشركِ، ويكون بذلك ممن اتخذ الشيطانَ ولياً من دونِ الله، نعوذ بالله من الخذلان.
أيها المؤمنون.إن من وسائلِ ردِّ كيدِ عدوكم وإفسادِ سعيه في إضلالِكم الاستعاذةَ بالله العظيمِ، ذي الوجه الكريم والسلطانِ العظيمِ من الشيطانِ الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾([14])، وهذه الاستعاذة ُالتي تتردَّدُ على ألسنتِنا هي طلبُ العوذِ من الله تعالى، أي: طلبُ الامتناعِ بالله والاعتصامُ به والالتجاءُ إليه من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ، قال ابن كثير رحمه الله: " ومعنى قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم لا يضرُّني في ديني ودنياي، أو يصدُّني عن فعل ما أُمرت به، أو يحثُّني على فعل ما نُهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفُّه عن الإنسان إلا الله "([15])؛ لذلك أنزلَ الله علينا في كتابه سورتين خاصتين بطلبِ الحفظِ من كيدِه وشر عداوتهِ: سورة الفلق، وسورة الناس، قال ابن القيم رحمه الله: " والناسُ محتاجون إلى هاتين السورتين ".
ولذا فإن الأذكارَ الواردةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما تتضمنُ الاستعاذةَ باللهِ تعالى من الشيطانِ وشرِّه، فاحرصوا بارك الله فيكم على الاستعاذةِ باللهِ من هذا العدوِّ المبينِ، فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بالله العظيم، قال الشاعر:العبدُ في كنفِ الإلهِ وحفظِه*** من كلِّ شيطانٍ غويٍّ ساهِإن عاذَ بالرحمنِ عند صباحِه*** وكذاك إن أمسى بذكرِ اللهِ([16])فنعوذُ بالله العظيم من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه.
الشيخ خالد المصلح
إنَّ الْحَمْدَ لله نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.أما بعدفيا أيها الإخوة المؤمنون.إن من سنةِ اللهِ تعالى الجاريةِ في الرُّسلِ وأتباعِهم: أن جعلَ لهم أعداءً يتربَّصون بهم الدوائرَ، وينسجون لهم المكايدَ، يصدُّونهم عن سبيلِ اللهِ تعالى ويبغونها عوجاً، قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورا﴾([1]).وقد فرضَ اللهُ تعالى على الرسلِ وأتباعِهم مراغمةَ أعدائِه ومجاهدتِهم، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " ولا شيءَ أحبُّ إلى اللهِ من مراغمةِ وليِّه لعدوِّه وإغاظتِه له "([2]).
وأولى أعداءِ اللهِ ورسلِه بالمراغمةِِ والمجاهدةِ هو إبليسُ عليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين، فإنه أشدُّ الأعداء فتكاً وأمضاهم كيداً وأقدمهم عداوةً ومكراً، فكلُّ أعداءِ الله ورسلِه عنه يصدُرون، وبأمرِه يأتمرون، فإنما هم جندُه وحزبُه ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾([3]).
عبادَ الله، إن المتأمِّل للكتابِ المبينِ والسنةِ النبويةِ يلاحظ شدةَ اعتناءِ الكتابِ والسنةِ بذِكر عداوِة الشيطانِ وكيدِه ومحاربتِه ووجوبِ مجاهدتِه، فإن اللهَ تعالى قد ذكرَه في مواضعَ كثيرةٍ، وقد أفردت له سورةٌ خاصةٌ تامةٌ، فتحذيرُ ربِّ العالمين لعبادِه من هذا العدوِّ المبينِ كثيرٌ مستفيضٌ في كتابِ الله تعالى، وما ذلك إلا لِما لهذا العدوِّ القويِّ من صَوْلةٍ وجوْلةٍ، فإنه لعنه اللهُ مصدرُ كلِّ فتنةٍ وبلاءٍ ومنبعُ كلِّ شرٍّ وعناءٍ، وقد أخذَ على نفسِه الميثاقَ أن يضلَّ بني آدمَ، وأن يطرُقَ لذلك كلَّ بابٍ، وأن يسلكَ كلَّ سبيل قال الله تعالى حاكياً عنه: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾([4])وقال في موضع آخر: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾([5]).
فيا عباد الله ما من طريقٍ من طرقِ البرِّ والطاعة إلا والشيطانُ قاعدٌ لكم عليه بالمرصادِ يزهدكم فيه وينفِّركم عنه، وما من سبيلٍ من سبل الشرِّ والمعصيةِ إلا وعدوكم منتصبٌ عليه يدعوكم إليه ويزينه لكم ويجمله في أعينِكم، فإياكم، إياكم، إياكم، أن تطيعوه أو تصغوا إليه؛ فإن عاقبةَ ذلك إلى الخسرانِ في الدنيا والآخرةِ، قال الله تعالى عن الشيطانِ: ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير﴾([6]).
أيها المؤمنون.إن اللهَ تعالى بيَّن لنا عداوةَ الشيطانِ، كما أنه سبحانه بيَّن وسائلَه وطرُقَه، وكشفَ مكرَه وكيدَه، وحذّر من ذلك كلِّه.أيها المؤمنون.إن اللَه تعالى قد دلَّنا برحمتِه وفضلِه إلى الأسلحِة التي يُوَاجَهُ بها كيد هذا العدوِّ المتربصِ، وهي أسلحةٌ كثيرة منتشرةٌ في كتابِ الله وسنةِ رسوله، فمن أخذَ بها فقد سلكَ سبيلَ النجاةِ، ومن أعرضَ عنها أو تهاونَ بها فإنما حالُه كما قال الشاعر
ترجو النجاةَ ولم تسلُكْ مسالِكَها إن السفينةَ لا تجرِي على اليَبَسِ([7])فلا نجاةَ للعبدِ إلا بهذه الأسلحةِ القرآنيةِ النبويةِ، فاحرصوا بارك الله فيكم على معرفتها والأخذ بها.فمن أكثرِ هذه الأسلحةِ وأمضاها فتكاً وأعظمها أثراً: اعتقادُ واستحضارُ ضراوةِ عداوةِ هذا العدوِّ المبينِ، الذي لا يُرجى زوالُ عداوتِه، فإنها عداوة قد أعلَنها لآدمَ وذرِّيَّتِه من أولِ لحظاتِ وجودِهِم وخلْقِهم، فهي معركةٌ قديمة دائمةٌ لن تضعَ أوزارَها ولن يخبوَ أوارُها إلا حينَ يرثُ الله الأرضَ ومن عليها.أيها المؤمنون. ولأهميةِ هذا السلاحِ -وهو اتخاذُه عدوًّا- أمرَ اللهُ تعالى بذلك في كتابِه في غيرِ ما آيةٍ، من ذلك قوله جل ذكره: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً﴾([8]).أيها المؤمنون.إن دعوةَ اللهِ تعالى لنا أن نتخذَ الشيطان عدواً ليس المرادُ منها لعنَه باللسانِ وبغضَه بالقلبِ مع طاعتِه فيما يأمرُ، واتباعِ خطواتِه والاغترارِ بوعودِه والاسترسالِ مع وساوسِه وأكاذيبِه، بل المراد بهذه الدعوةِ بغضُه بالقلوبِ ولعنُه بلعنةِ الله ومخالفةُ أمرِه بالجوارحِ، والإعراضِ عن تزيينِه وتضليلِه وزخرفتِه، فإن هذا من أجلِّ القرباتِ وأفضلِ الطاعاتِ، قال ابن القيم رحمه الله: " والأمر باتخاذِه عدوًّا تنبيهٌ على استفراغِ الوسعِ في محاربته و مجاهدته كأنه عدوٌّ لا يفتر - ولا يَقْصُر - عن محاربةِ العبد على عدد الأنفاسِ "([9]).فإن كلَّ من أطاعَ الشيطانَ في معصيةِ الله تعالى فقد اتخذه وليًّا، قال الله تعالى في سورة مريم في قصةِ دعوةِ إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً﴾([10]).قال ابن القيم رحمه الله: " فكلُّ راكبٍ وماشٍ في معصيٍة الله فهو من جندِ إبليسَ"([11]).
فاحذروا أيها المؤمنون الدعاوى الكاذبةَ، فكم هم الذين يدَّعُون عداوةَ الشيطانِ وبغضَه وهم من أخلصِ أحبائِه وأخصِّ أوليائه.
عباد الله..إنَّ من أعظمِ الأسلحة التي تنجِّي العبدَ من غوائلِ الشيطان وشرِّه وعداوتِه: الإخلاصَ لله تعالى، فإن أهل الإخلاص محفوظون بحفظِ الله تعالى، قال تعالى مخاطباً إبليس لما أخذَ على نفسه الميثاقَ في إضلالِ بني آدم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾([12])وقال: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾([13])، فمن تحقَّق أيُّها المؤمنون بهذه الصفاتِ من الإيمانِ باللهِ تعالى، والتوكُّلِ عليه والإخلاصِ له، فقد أغلقَ على عدوِّه الأبوابَ وسدَّ عليه كلَّ بابِ.
والإخلاصُ الذي يعصمُ العبدَ من كيدِ الشيطانِ ومكرِه، هو أن يصرفَ العبدُ العبادةَ للهِ وحده لا شريك له، فلا يعبدُ إلا اللهَ، ولا يحبُّ إلا اللهَ، ولا يعظِّم إلا اللهَ، ولا يذبح إلا للهِ، ولا يدعو غيرَ الله، ولا ينذر لغير الله، ولا يتحاكم لغيرِ شرعِه، فمن وقع في شيءٍ من ذلك فقد وقعَ في بعضِ شعبِ الكفرِ أو الشركِ، ويكون بذلك ممن اتخذ الشيطانَ ولياً من دونِ الله، نعوذ بالله من الخذلان.
أيها المؤمنون.إن من وسائلِ ردِّ كيدِ عدوكم وإفسادِ سعيه في إضلالِكم الاستعاذةَ بالله العظيمِ، ذي الوجه الكريم والسلطانِ العظيمِ من الشيطانِ الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾([14])، وهذه الاستعاذة ُالتي تتردَّدُ على ألسنتِنا هي طلبُ العوذِ من الله تعالى، أي: طلبُ الامتناعِ بالله والاعتصامُ به والالتجاءُ إليه من شرِّ كلِّ ذي شرٍّ، قال ابن كثير رحمه الله: " ومعنى قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم لا يضرُّني في ديني ودنياي، أو يصدُّني عن فعل ما أُمرت به، أو يحثُّني على فعل ما نُهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفُّه عن الإنسان إلا الله "([15])؛ لذلك أنزلَ الله علينا في كتابه سورتين خاصتين بطلبِ الحفظِ من كيدِه وشر عداوتهِ: سورة الفلق، وسورة الناس، قال ابن القيم رحمه الله: " والناسُ محتاجون إلى هاتين السورتين ".
ولذا فإن الأذكارَ الواردةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كثيراً ما تتضمنُ الاستعاذةَ باللهِ تعالى من الشيطانِ وشرِّه، فاحرصوا بارك الله فيكم على الاستعاذةِ باللهِ من هذا العدوِّ المبينِ، فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بالله العظيم، قال الشاعر:العبدُ في كنفِ الإلهِ وحفظِه*** من كلِّ شيطانٍ غويٍّ ساهِإن عاذَ بالرحمنِ عند صباحِه*** وكذاك إن أمسى بذكرِ اللهِ([16])فنعوذُ بالله العظيم من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه.
.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات,وللمسلمين وللمسلمات الاحياء والاموات
الشيخ خالد المصلح
تعليق