
التمكين وتأويل الأحاديث

{وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
ما أحوجنا إلى الوقوف مع هذه الآية في هذه الظروف التي تعيشها الأمة!القنوط واليأس دخل كثيرًا من القلوب بعد ما رأوا أعداء الله يعودون إلى استعمار بعض بلاد المسلمين مرة أخرى، ومن ذلك ما يفعله اليهود في فلسطين، وما يفعله الغرب في أفغانستان والعراق، نفوس أصابها التشاؤم واليأس والقنوط، والله غالب على أمره.
لقد تواترت الآيات مانعة من الخوف إلا من الله جل وعلا، وكذلك الخشية إلا من الله {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} [آل عمران: 175]، {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 3]، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]. فعلينا أن نثق بالله وبوعده، وأن نأخذ بالأسباب التي توصلنا إلى العز والسؤدد والمجد، فلنحسن الظن بالله ولنثق به {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51]، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 110].
هذه الآية {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] من سورة يوسف الذي عاش ألوان الابتلاء، يأتي تصديقها في نفس السورة {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 21]. التمكين تمكين خاص وعام، وقد حصل عليهما يوسف

ثم جاء التمكين العام عندما قال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55]، فأصبح هو عزيز مصر، بل هو سيد مصر الآمر الناهي، حكم فيه بشريعة الله جل وعلا {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ} [يوسف: 21]، وكأن الآية تشير إلى أن من يأخذ بالأسباب التي أخذ بها يوسف، فسيكون نهايته التمكين بإذن الله.والسؤال: كيف نصل إلى ما وصل إليه يوسف؟والجواب: هنالك أسباب جعلها الله -جل وعلا- من أخذ بها حصل على التمكين، إما التمكين الخاص أو التمكين العام، ولعله تأتي الإشارة بشي من التفصيل إلى ذلك لاحقًا، أما ما يهمنا هنا فهو ما يتعلق بتأويل الأحاديث، فالله

ذكر بعض العلماء أن تأويل الأحاديث هنا ليس محصورًا فيما يتعلق بتعبير الرؤى بل هو أعم من ذلك، فيشمل تفسير الأحداث وتوقع نتائجها والقدرة على التعامل معها، فيوسف



أما إذا توافر مع هذا العلم تقوى وورع وصدق مع الله -جل وعلا- والتجاء إليه، فيجعل الله لأصحابه فرقانًا يميزون به بين الحق والباطل، وفراسة لا تكاد تخطئ، وقد قال الله

وبهذا نصبح قادرين على رسم الطريق الصحيح لخروج الأمة من واقعها الأليم، قادرين على استثمار كل خطأ وكل حدث قد يصدر من الآخرين، مترقبين له متوقعين، وبهذا يحصل العز والتمكين للمسلمين، كما حصل لنبي الله يوسف من قبل {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21].
نسأل الله أن يعز جنده، وأن يظهر كتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين، والحمد لله رب العالمين.
تعليق