تأليف القلوب
لقد كان أستاذ تأليف القلوب هو محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يعتبر تأليف القلوب جزءاً من الحق الذي بعث به وجاء به عليه الصلاة والسلام.من هو الرجل الذي يدّعي أنه أكثر أعباءً وتبعات وتكاليف ومسئوليات من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أي إنسان في الدنيا -وكانت هموم الدنيا كلها على كتفه- وأي: إنسان يعتقد أنه أشد غيرةً وحرصاً وحماساً على دينه وعلى دعوته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أبداً! وعلى رغم كثرة أعبائه وتبعاته عليه الصلاة والسلام، وعلى رغم شدة حماسه لدعوته وتفانيه واستغراقه فيها؛ فإنه لم يغفل لحظةً واحدةً عن الحرص على جمع القلوب على هذه الدعوة، وإزالة نفور الناس لعلمه صلى الله عليه وسلم أن القلب هو أساس الصلاح والإصلاح، وأن الإنسان -مهما كان- لا يستطيع أن يفرض الحق على الناس بقوة الحديد والنار، ما لم تكن القلوب حول هذا الحق سياجاً يحوطه ويحميه.ولذلك كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان..{جاءه يوم من الأيام مخرمة بن نوفل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداري من مخرمة حدة وشدة، وكان فيه غلظة، فسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم يوزع أقبية على الناس -كما جاء في الصحيحين- فقال لابنه المسور: يا بني!! هلم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطرق الباب فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته ، فأخذ قَبَاءً فتلقَّاهُ بهِ ، واستقبلَهُ بأزرارِهِ ، فقال : يا أبا المسورِ خبأتُ هذا لكَ ، يا أبا المسورِ خبأتُ هذا لكَ .
الراوي : عبدالله بن أبي مليكة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3127 | خلاصة حكم المحدث : [أورده في صحيحه] وقا رواه ابن علية ، عن أيوب . قال حاتم بن وردان : حدثنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية . تابعه الليث ، عن ابن أبي مليكة . | انظر شرح الحديث رقم 5188
الراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 150 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 3111
إذاً المسألة ليست مسألة أن هذا أولى وهذا أحق وهذا أفضل، أنا أعطي إنساناً مفضولاً، ترقيقاً لقلبه، وتقريباً لنفسه للإسلام وتأليفاً له على هذا الدين خشية أن يكبه الله على وجهه في النار.ولو أن هذا الإنسان كبه الله على وجهه في النار فماذا يطول رسول الله صلى الله عليه وسلم منه؟! فهو صلى الله عليه وسلم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.بل هو في الفردوس الأعلى، وهي منـزلة في الجنة لا تنبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله ويرجو صلى الله عليه وسلم أن يكون هو صاحبها، فاسألوا الله له الوسيلة.ومع ذلك يهمه صلى الله عليه وسلم هذا الإنسان ألا يدخل النار، ولا يكبه الله تعالى على وجهه في النار، فيتألف قلبه على الحق والخير والإسلام بشيء من لعاعة هذه الدنيا.بل أعجب من ذلك وأغرب وأهول وأطول أنه في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: {بعث عليُّ بنُ أبي طالبٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ،من اليمنِ ، بذهبةٍ في أديم مقروظٍ . لم تحصلْ من ترابِها . قال : فقسمها بين أربعةِ نفرٍ : بين عُيينةَ بنِ حصنٍ ، والأقرعِ بنِ حابس ٍ، وزيدِ الخيلِ ، والرابعُ إما علقمةُ بنُ علاثةَ وإما عامرُ بنُ الطُّفيلِ . فقال رجل ٌمنأصحابِه : كنا نحنُ أحقَّ بهذا منهؤلاءِ . قال : فبلغ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال : " ألا تأمَنوني ؟ وأناأمينُمَنفيالسماءِ ، يأتيني خبرُ السماءِصباحًاومساءً " قال : فقام رجلٌ غائرُ العينَين . مشرفُ الوجنتَينِ . ناشزُ الجبهة ِ. كثُّ اللحيةِ . محلوقُ الرأسِ . مُشمَّرُ الإزارِ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! اتَّقِ اللهَ . فقال : " ويلك ! أو لستُ أحقَّ أهلِ الأرضِ أن يتقى اللهَ " قال : ثم ولَّى الرجلُ . فقال خالدُ بنُ الوليدِ : يا رسولَ اللهِ !ألا أضربُ عنقَه ؟ فقال " لا . لعله أن يكون يصلي " . قال خالدٌ : وكممن مُصلٍّ يقول بلسانِه ما ليس فيقلبه . فقال رسولُ الله ِصلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : " إني لم أُومرْ أن أنقِّبَ عن قلوبِ الناسِ . ولا أشقَّ بطونَهم
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1064 | خلاصة حكم المحدث : صحيح |انظر شرح الحديث رقم 981
ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحقيق مع هذا الرجل ولا بسؤاله، ولا بالتحري حوله، ولم يسلط عليه أحداً، وإنما تركه، وأجاب على قوله: ألا تتقي الله؟ بقول صلى الله عليه وسلم: { أولستُ أحقَّ أهل الأرض بأن يتقي الله} أي: أنا الذي آمركم بتقوى الله عز وجل، فتوزيعي لهذا المال هو من تقوى الله عز وجل؛ لأنني ما أعطيته لأقاربي ولا احتجزته لنفسي، وإنما أعطيته أقواماً أتألفهم على الإسلام، وهذا من حق الإمام أن يتصرف فيه على وفق ما يرى المصلحة في ذلك.إذاً كان النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الموقف يحرص على تأليف قلوب الناس، ويتحمل منهم أخطاءهم وزلاتهم حرصاً على وحدة الكلمة وتقريب الناس من هذا الدين ومن العقيدة.
وفي حديث أنس رضي الله عنه وهو في مسلم أيضاً قال: كنتُ أمشيمعرسولِاللهِصلَّىاللهُعليهِوسلَّمَ ، وعليهرِداءٌنَجرانيٌّغليظُالحاشيةِ . فأدركهأعرابيٌّ . فجبَذَهبرِدائِهجبْذةًشديدةً. نظرتُإلىصفحةِعُنُقِرسولِاللهِصلَّىاللهُعليهِوسلَّمَوقدأثَّرتْ بهاحاشيةُالرِّداءِ . من شدِّةِ جبْذَتِهِ . ثمقال : يامحمدُ ! مُرْليمنمالِاللهِالذيعندك . فالتفتَ إليهرسولُاللهِصلَّىاللهُعليهِوسلَّمَ . فضحِكَ . ثم أمرلهبعَطاءٍ .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث :مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1057 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 14365
-ما قال من مالك أو مما عندك قال: من مال الله أي: كأنه يقول: ليس لك منه في هذا، فهو يقول: مر لي من مال الله الذي عندك فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟- التفت إليه وتبسم وأمر له بعطاء}.
وكانت الجارية تأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم، فتذهب به إلى أي سكك المدينة شاءت، وتكلمه فيما تريد، لا يستنكف أو يستكبر صلى الله عليه وسلم، بل يتحمل منهم.ولك أن تتصور ماذا تقول هذه الجارية، أو ماذا يقول إنسان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه مشكلة ويبدأ يعطيه من التفاصيل والكلام، وقال وقلت وحصل وكذا وكذا وتفاصيل لا يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم إلى سماعها، وليس عنده في الحقيقة وقت لسماعها، لكنه تعود الحلم والصبر وسعة البال، فكان يعطي أذنه لمحدثه حتى ينصرف عنه.ويعطي يده لمن يصافحه، فلا يقبض صلى الله عليه وسلم يده حتى يكون ذاك الآخر هو الذي يقبض يده.
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعودُ فقراءَ أهلِ المدينةِ ويشهدُ جنائِزَهم إذا ماتُوا فَتُوُفِّيَتْ امرأةٌ من أهلِ العوالي فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا حضرْتُ فآذِنُونِي فأَتَوْهُ لِيُؤْذِنُوه فوجدوه نائِمًا وقدْ ذهب من الليلِ فكرِهوا أنْ يوقِظُوهُ وتخوَّفُوا عليه ظُلْمَةَ الليلِ وهوامَّ الأرضِ فذَهَبُوا بها فلما أصبَحَ سألَ عنْها قالوا يا رسولَ اللهِ أتيناكَ لِنُؤْذِنَكَ فوجدْناكَ نائِمًا فكرهْنا أنْنوقِظَكَ وتخوَّفْنا علَيْكَ ظُلْمَةَ الليلِوهوامَّ الأرضِ فمَشَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى قبرَها فصلَّى علَيْها وكَبَّرَ أرْبَعًا
الراوي : سهل بن حنيف | المحدث :الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد الصفحة أو الرقم: 3/39 | خلاصة حكم المحدث : فيه سفيان بن حسين وفيه كلام وقد وثقه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح
فلم يغفل أو ينسى أو يتجاهل صلى الله عليه وسلم هذه الأمة السوداء التي كانت تقم المسجد.ربما كثير من الناس يمرون بها ليس لها شأن، وليس لها قيمة، وليس لها اعتبار عندهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الكبير لم يغفل عنها، فلما فقدها أياماً سأل: أين هي؟ ولما علم أنها ماتت انتقدهم على عدم إخباره بذلك، وأمر أن يدلوه على قبرها فكبر عليه أربعاً صلى الله عليه وسلم.
عنايته بالأطفال الصغار في يوم من الأيام -كما في الصحيحين- جيء بثوب جميل، فقالوا من يعطي هذا الثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عن أم خالد بنت خالد بن أبي العاص فجيء بها تُحمل -فتاة صغيرة السن- فأخذها وألبسها هذا الثوب بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم.ولك أن تتصور أنك قد تعطي إنساناً ثوباً، ولكنك تضرب به في وجهه ضرباً، فلا يكون له وقع، لكن حينما تأتي بالصبي الصغير، فتلبسه هذا الثوب بيديك، ثم تمسح عليه، وتقول: ما شاء الله! تبارك الله! ما أجمل هذا الثوب! ما أحسنه! فيكون وقع هذه الكلمات وهذا التصرف في نفس الصبي عظيماً كبيراً.وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، جيء بهذه الفتاة الصغيرة فألبسها الثوب بيده الكريمة، ثم قال: {ستى يا أم خالد} أي: هذا ثوب جميل حسن بلغة الحبشة وكناها النبي صلى الله عليه وسلم وفي التكنية لها -وقد يكون هذا اسمها أيضاً والظاهر أنه كنية فكناها لما في ذلك- من التحبب إليها.كل هذه الأشياء -وغيرها كثير مما يطول الكلام به- مما يدخل في باب حرص النبي صلى الله عليه وسلم، على تأليف القلوب وسعة خلقه صلى الله عليه وسلم، وقدرته على صناعة الحياة على وفق ما يحبه الله تعالى ويرضاه من خلال الوصول إلى قلوب الناس.فكانت قلوبهم وأرواحهم تفديه قبل أيديهم، كانوا في المعارك يموتون دونه عليه الصلاة والسلام، ويقول قائلهم: كذبتم وبيت الله نبزى محمداً ولما نُطَاعِنْ دونه ونناضلِ ونسلمَه حتى نُصرَّعَ حوله ونُذْهَلَ عن أبنائنا والحلائلِ يموتون دونه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يعرفون أنه به أنقذهم الله من ظلمات الشرك والجهل إلى نور الإيمان والتوحيد، وأنقذهم به من النار إلى الجنة، ومع ذلك أيضاً: لِمَا يعرفونه من حسن خلقه وطلاقة وجهه وهشاشته وبشاشته.وإلا فإن الله عز وجل يقول في محكم التنـزيل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] أي: حتى هؤلاء الذين عرفوا عظيم نعمة الله عليهم ببعثته، يقول الله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الأحياء والأموات
الشيح سلمان العودة
لقد كان أستاذ تأليف القلوب هو محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يعتبر تأليف القلوب جزءاً من الحق الذي بعث به وجاء به عليه الصلاة والسلام.من هو الرجل الذي يدّعي أنه أكثر أعباءً وتبعات وتكاليف ومسئوليات من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أي إنسان في الدنيا -وكانت هموم الدنيا كلها على كتفه- وأي: إنسان يعتقد أنه أشد غيرةً وحرصاً وحماساً على دينه وعلى دعوته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أبداً! وعلى رغم كثرة أعبائه وتبعاته عليه الصلاة والسلام، وعلى رغم شدة حماسه لدعوته وتفانيه واستغراقه فيها؛ فإنه لم يغفل لحظةً واحدةً عن الحرص على جمع القلوب على هذه الدعوة، وإزالة نفور الناس لعلمه صلى الله عليه وسلم أن القلب هو أساس الصلاح والإصلاح، وأن الإنسان -مهما كان- لا يستطيع أن يفرض الحق على الناس بقوة الحديد والنار، ما لم تكن القلوب حول هذا الحق سياجاً يحوطه ويحميه.ولذلك كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان..{جاءه يوم من الأيام مخرمة بن نوفل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداري من مخرمة حدة وشدة، وكان فيه غلظة، فسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم يوزع أقبية على الناس -كما جاء في الصحيحين- فقال لابنه المسور: يا بني!! هلم بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطرق الباب فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته ، فأخذ قَبَاءً فتلقَّاهُ بهِ ، واستقبلَهُ بأزرارِهِ ، فقال : يا أبا المسورِ خبأتُ هذا لكَ ، يا أبا المسورِ خبأتُ هذا لكَ .
الراوي : عبدالله بن أبي مليكة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3127 | خلاصة حكم المحدث : [أورده في صحيحه] وقا رواه ابن علية ، عن أيوب . قال حاتم بن وردان : حدثنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية . تابعه الليث ، عن ابن أبي مليكة . | انظر شرح الحديث رقم 5188
لا تغضب، هذا قد أعددته لك، وخبأته لك واحتجزته لك، فطاب خاطره وأخذه وانصرف.
وفي يوم من الأيام وزع النبي صلى الله عليه وسلم أموالاً،
فتركَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ مِنهم رجلًا لم يعطِهِ . وَهوَ أعجبُهُم إليَّ . فقمتُ إلى رسولِاللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فساوَرتُهُ فقلتُ : يا رسولَ اللَّهِ ! ما لَكَ عَن فُلانٍ فواللَّهِ إنِّي لأراهُ مؤمنًا قالَ أو مسلمًا فسكتُّ قليلًا ثمَّ غلبَني ما أعلمُ منهُ فقُلتُ يا رسولَ اللَّهِ ما لَكَ عَن فلانٍ فواللَّهِ إنِّي لأراهُ مؤمنًا قالَ أو مسلمًا فسكتُّ قليلًا ثمَّ غلبَني ما أعلمُ منهُ فقلتُ يا رسولَ اللَّهِ ما لَكَ عَن فلانٍ فواللَّهِإنِّي لأراهُ مؤمنًا قالَ أو مسلمًا قالَ إنِّيلأُعطيالرَّجلَوغيرُهُأحبُّإليَّمِنهُ . خشْيةَ أنيُكَبَّفيالنَّارِعلَىوجهِهِ . وفي حديثِ الحُلوانِيِّ تِكرارُ القَولِ مرَّتَينِ . وفي روايةٍ فضربَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُعلَيهِ وسلَّمَ بيدِهِ بين عُنقي وكتفَيَّ . ثُمَّ قال أقِتالًا أيْ سعدُ إنِّيلأُعطيالرَّجلَالراوي : سعد بن أبي وقاص | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 150 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 3111
إذاً المسألة ليست مسألة أن هذا أولى وهذا أحق وهذا أفضل، أنا أعطي إنساناً مفضولاً، ترقيقاً لقلبه، وتقريباً لنفسه للإسلام وتأليفاً له على هذا الدين خشية أن يكبه الله على وجهه في النار.ولو أن هذا الإنسان كبه الله على وجهه في النار فماذا يطول رسول الله صلى الله عليه وسلم منه؟! فهو صلى الله عليه وسلم في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.بل هو في الفردوس الأعلى، وهي منـزلة في الجنة لا تنبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله ويرجو صلى الله عليه وسلم أن يكون هو صاحبها، فاسألوا الله له الوسيلة.ومع ذلك يهمه صلى الله عليه وسلم هذا الإنسان ألا يدخل النار، ولا يكبه الله تعالى على وجهه في النار، فيتألف قلبه على الحق والخير والإسلام بشيء من لعاعة هذه الدنيا.بل أعجب من ذلك وأغرب وأهول وأطول أنه في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: {بعث عليُّ بنُ أبي طالبٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ،من اليمنِ ، بذهبةٍ في أديم مقروظٍ . لم تحصلْ من ترابِها . قال : فقسمها بين أربعةِ نفرٍ : بين عُيينةَ بنِ حصنٍ ، والأقرعِ بنِ حابس ٍ، وزيدِ الخيلِ ، والرابعُ إما علقمةُ بنُ علاثةَ وإما عامرُ بنُ الطُّفيلِ . فقال رجل ٌمنأصحابِه : كنا نحنُ أحقَّ بهذا منهؤلاءِ . قال : فبلغ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال : " ألا تأمَنوني ؟ وأناأمينُمَنفيالسماءِ ، يأتيني خبرُ السماءِصباحًاومساءً " قال : فقام رجلٌ غائرُ العينَين . مشرفُ الوجنتَينِ . ناشزُ الجبهة ِ. كثُّ اللحيةِ . محلوقُ الرأسِ . مُشمَّرُ الإزارِ . فقال : يا رسولَ اللهِ ! اتَّقِ اللهَ . فقال : " ويلك ! أو لستُ أحقَّ أهلِ الأرضِ أن يتقى اللهَ " قال : ثم ولَّى الرجلُ . فقال خالدُ بنُ الوليدِ : يا رسولَ اللهِ !ألا أضربُ عنقَه ؟ فقال " لا . لعله أن يكون يصلي " . قال خالدٌ : وكممن مُصلٍّ يقول بلسانِه ما ليس فيقلبه . فقال رسولُ الله ِصلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : " إني لم أُومرْ أن أنقِّبَ عن قلوبِ الناسِ . ولا أشقَّ بطونَهم
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1064 | خلاصة حكم المحدث : صحيح |انظر شرح الحديث رقم 981
ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحقيق مع هذا الرجل ولا بسؤاله، ولا بالتحري حوله، ولم يسلط عليه أحداً، وإنما تركه، وأجاب على قوله: ألا تتقي الله؟ بقول صلى الله عليه وسلم: { أولستُ أحقَّ أهل الأرض بأن يتقي الله} أي: أنا الذي آمركم بتقوى الله عز وجل، فتوزيعي لهذا المال هو من تقوى الله عز وجل؛ لأنني ما أعطيته لأقاربي ولا احتجزته لنفسي، وإنما أعطيته أقواماً أتألفهم على الإسلام، وهذا من حق الإمام أن يتصرف فيه على وفق ما يرى المصلحة في ذلك.إذاً كان النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الموقف يحرص على تأليف قلوب الناس، ويتحمل منهم أخطاءهم وزلاتهم حرصاً على وحدة الكلمة وتقريب الناس من هذا الدين ومن العقيدة.
وفي حديث أنس رضي الله عنه وهو في مسلم أيضاً قال: كنتُ أمشيمعرسولِاللهِصلَّىاللهُعليهِوسلَّمَ ، وعليهرِداءٌنَجرانيٌّغليظُالحاشيةِ . فأدركهأعرابيٌّ . فجبَذَهبرِدائِهجبْذةًشديدةً. نظرتُإلىصفحةِعُنُقِرسولِاللهِصلَّىاللهُعليهِوسلَّمَوقدأثَّرتْ بهاحاشيةُالرِّداءِ . من شدِّةِ جبْذَتِهِ . ثمقال : يامحمدُ ! مُرْليمنمالِاللهِالذيعندك . فالتفتَ إليهرسولُاللهِصلَّىاللهُعليهِوسلَّمَ . فضحِكَ . ثم أمرلهبعَطاءٍ .
الراوي : أنس بن مالك | المحدث :مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1057 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | انظر شرح الحديث رقم 14365
-ما قال من مالك أو مما عندك قال: من مال الله أي: كأنه يقول: ليس لك منه في هذا، فهو يقول: مر لي من مال الله الذي عندك فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟- التفت إليه وتبسم وأمر له بعطاء}.
وكانت الجارية تأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم، فتذهب به إلى أي سكك المدينة شاءت، وتكلمه فيما تريد، لا يستنكف أو يستكبر صلى الله عليه وسلم، بل يتحمل منهم.ولك أن تتصور ماذا تقول هذه الجارية، أو ماذا يقول إنسان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه مشكلة ويبدأ يعطيه من التفاصيل والكلام، وقال وقلت وحصل وكذا وكذا وتفاصيل لا يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم إلى سماعها، وليس عنده في الحقيقة وقت لسماعها، لكنه تعود الحلم والصبر وسعة البال، فكان يعطي أذنه لمحدثه حتى ينصرف عنه.ويعطي يده لمن يصافحه، فلا يقبض صلى الله عليه وسلم يده حتى يكون ذاك الآخر هو الذي يقبض يده.
كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعودُ فقراءَ أهلِ المدينةِ ويشهدُ جنائِزَهم إذا ماتُوا فَتُوُفِّيَتْ امرأةٌ من أهلِ العوالي فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا حضرْتُ فآذِنُونِي فأَتَوْهُ لِيُؤْذِنُوه فوجدوه نائِمًا وقدْ ذهب من الليلِ فكرِهوا أنْ يوقِظُوهُ وتخوَّفُوا عليه ظُلْمَةَ الليلِ وهوامَّ الأرضِ فذَهَبُوا بها فلما أصبَحَ سألَ عنْها قالوا يا رسولَ اللهِ أتيناكَ لِنُؤْذِنَكَ فوجدْناكَ نائِمًا فكرهْنا أنْنوقِظَكَ وتخوَّفْنا علَيْكَ ظُلْمَةَ الليلِوهوامَّ الأرضِ فمَشَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى قبرَها فصلَّى علَيْها وكَبَّرَ أرْبَعًا
الراوي : سهل بن حنيف | المحدث :الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد الصفحة أو الرقم: 3/39 | خلاصة حكم المحدث : فيه سفيان بن حسين وفيه كلام وقد وثقه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح
فلم يغفل أو ينسى أو يتجاهل صلى الله عليه وسلم هذه الأمة السوداء التي كانت تقم المسجد.ربما كثير من الناس يمرون بها ليس لها شأن، وليس لها قيمة، وليس لها اعتبار عندهم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الكبير لم يغفل عنها، فلما فقدها أياماً سأل: أين هي؟ ولما علم أنها ماتت انتقدهم على عدم إخباره بذلك، وأمر أن يدلوه على قبرها فكبر عليه أربعاً صلى الله عليه وسلم.
عنايته بالأطفال الصغار في يوم من الأيام -كما في الصحيحين- جيء بثوب جميل، فقالوا من يعطي هذا الثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عن أم خالد بنت خالد بن أبي العاص فجيء بها تُحمل -فتاة صغيرة السن- فأخذها وألبسها هذا الثوب بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم.ولك أن تتصور أنك قد تعطي إنساناً ثوباً، ولكنك تضرب به في وجهه ضرباً، فلا يكون له وقع، لكن حينما تأتي بالصبي الصغير، فتلبسه هذا الثوب بيديك، ثم تمسح عليه، وتقول: ما شاء الله! تبارك الله! ما أجمل هذا الثوب! ما أحسنه! فيكون وقع هذه الكلمات وهذا التصرف في نفس الصبي عظيماً كبيراً.وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، جيء بهذه الفتاة الصغيرة فألبسها الثوب بيده الكريمة، ثم قال: {ستى يا أم خالد} أي: هذا ثوب جميل حسن بلغة الحبشة وكناها النبي صلى الله عليه وسلم وفي التكنية لها -وقد يكون هذا اسمها أيضاً والظاهر أنه كنية فكناها لما في ذلك- من التحبب إليها.كل هذه الأشياء -وغيرها كثير مما يطول الكلام به- مما يدخل في باب حرص النبي صلى الله عليه وسلم، على تأليف القلوب وسعة خلقه صلى الله عليه وسلم، وقدرته على صناعة الحياة على وفق ما يحبه الله تعالى ويرضاه من خلال الوصول إلى قلوب الناس.فكانت قلوبهم وأرواحهم تفديه قبل أيديهم، كانوا في المعارك يموتون دونه عليه الصلاة والسلام، ويقول قائلهم: كذبتم وبيت الله نبزى محمداً ولما نُطَاعِنْ دونه ونناضلِ ونسلمَه حتى نُصرَّعَ حوله ونُذْهَلَ عن أبنائنا والحلائلِ يموتون دونه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يعرفون أنه به أنقذهم الله من ظلمات الشرك والجهل إلى نور الإيمان والتوحيد، وأنقذهم به من النار إلى الجنة، ومع ذلك أيضاً: لِمَا يعرفونه من حسن خلقه وطلاقة وجهه وهشاشته وبشاشته.وإلا فإن الله عز وجل يقول في محكم التنـزيل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] أي: حتى هؤلاء الذين عرفوا عظيم نعمة الله عليهم ببعثته، يقول الله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الأحياء والأموات
الشيح سلمان العودة
تعليق