خطوات عملية للتغلب على ضياع الوقت
وكيف تدير وقتك
تاجر مع الله بوقتك
وكيف تدير وقتك
تاجر مع الله بوقتك
لا شك أن الوقت هو الحياة، فعمر الإنسان عبارة عن أيام كما قال الحسن البصري "ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك" .. ولقد اهتم الإسلام بوقت المسلم وحثه على اغتنامه وعدم إضاعته .. وإدارة الوقت بفاعلية هي الوسيلة الأساسية التي يستطيع بها كل مؤمن أن يصل لهدفه الأسمى، ألا وهو الفوز الجنة ونيل رضا الله عز وجل ..
أسباب مشكلة ضياع الوقت .. وعلى الرغم من أهمية الوقت وخطورته، فإن الكثير منا يعاني من مشكلة ضيــــاع الأوقــــات دون الإستفادة منها كما يجب ..
ومن الأسبــــاب المؤديـــة لهذه المشكلة:
1) التربية الخاطئة على ضياع الوقت .. فقد نشأنا منذ صغرنا على تضييع الأوقات أمام التلفاز ومشاهدة المسلسلات والمباريات، دون وجود هدف حقيقي نعيش لأجله وبالتالي عدم الإهتمام بالوقت.
2) صحبة السوء .. قال تعالى {..وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] .. فابتعد عن كل من يُضيع أوقاته في غفلة وليس له هدف في الحياة.
3) إهمال محاسبة النفس .. فتترك نفسك دون محاسبة، لإنه لا يوجد لديك الدافع القوي للتغيير ولا تستشعر قيمة الوقت وأن ما يمر من عمرك من المستحيل تعويضه .. إذًا لابد أن تُحاسب نفسك محاسبة دقيقة، لكي تُصحح مسارها حتى لا تُضيِِّع عمرك سُدى.
4) الوقوع في ذنوب توجِّب الغفلة .. فتمحق البركة من الوقت.
ولابد أن تعلم إن الإنسان يمر بموقفين يندم فيهما أشد الندم على ما ضيَّع من الوقت ..
الموقف الأول: ساعة الإحتضار .. يقول الله عز وجل {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99, 100] .. وحينها يتحسَّر الإنسان ويعرف قيمة نعمة الوقت التي قد فرَّط فيها.
الموقف الثاني: عندما توفى كل نفس ما كسبت .. فتجد إن أقرانك الذين كنت تظن إنهم لا يتميزوا عليك بشيء في الدنيا قد سبقوك إلى الدرجات العلى فى الجنة، وذلك لإنهم كانوا يُحسنون إستغلال وقتهم في الطاعة ولا يُضيعون ثانية دون ذكر الله.
وعندما يمر البعض على النار للحساب .. يقول الله جلَّ وعلا { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37] .. وقتها سيدركون قيمة الثانية التي ضاعت في غير طاعة الله.
إذًا بنـــا نعرف معنى الوقت لكي نتمكن من علاج هذه المشكلة ..
1) الوقت رأس مالك .. فلا تنفقه إلا في عملٍ صالح، يقول تعالى {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر] .. فأقسَّم الله عز وجل بالعصر وهو الزمن، هذا دليل على عِظَم ما أقسم به وإن الإنسان في خسران لإنه يُضيع وقته .. إلا الذي عمَّر وقته بالايمان والعمل الصالح والدعوة، فهذا الذي سينجو من الخسران.
والمؤمن لابد أن يبخل بزمانه .. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك" [رواه الترمذي وحسنه الألباني] .. فلو قدَّر الله لأحدٍ أن يعيش إلى السبعين من عمره، فسيكون إجمالي ما يُمضيه من الوقت في طاعة الله يساوي أربع سنوات فقط من السبعين!! ..
فإيـــاك أن تُهدِّر من رأس مـــالك الغــــــالي.
2) ستُحاسب عن وقتك يوم القيامة .. يقول الله عز وجل {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92,93] .. وقد بيَّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ماهية هذا السؤال، فقال "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيم فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
3) الوقت سريع الإنقضاء .. فهو يمضي سريعًا ومن المستحيل أن تعوِّض ما فاتك منه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك" [رواه الحاكم وصححه الألباني] ..
فلابد أن تنتهز الفرصة الآن لإنك لا تدري متى يأتي أجلك، والعمر قصير فلا وقت لدي المسلم لإهداره.
إذا أدركت الأهمية الكبرى للوقت في حياة كل مسلم فعليك استثمار وقتك الاستثمار الأمثل بحيث لا تضيعه بدون فائدة وتأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون وتقول ليتني فعلت وفعلت .. والإدارة الصحيحة للوقت تتلَّخص في جملة واحدة::
أن تــُحـسِّن استغــلال الـوقـت الضـــائـع في حيـــاتــك، ولا تُضَيّع لحظة في غير قربةٍ ..
يقول ابن الجوزي "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل"
فعليك أن تبدأ في إصلاح ما يضيع من وقتك بالتدريج، كأن تحدد عمل معين لكي تستثمر به ربع ساعة مثلاً من الوقت الذي كنت تضيعه من قبل .. سواءًا كان هذا العمل ذكر أو دعوة أو عبادة أو أي عمل صالح بإمكانك القيام به.
واعلم أن 15 دقيقة من وقتك يوميًا = 13 يوم عمل سنويًا.
وفي خلال ربع ساعة بإمكانك أن تستغفر ربِّك ألف مرة، أو تقرأ آيات من القرآن ولك بكل حرفٍ حسنة .. فتصير مليونيرًا بالحسنات خلالها ..
إذًا عليك أن تتــــاجر مع الله بــوقتك .. يقول ابن القيم "فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب فتكون صورة العملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض" .. فتجديد النية وإخلاصها أمر عظيم، وعلى المرء أن يضع ذلك نصب عينيه وهو أمر لا يستغرق منك إلا ثواني معدودة فتأتي بحسنات كالجبال ..
ومن الأعمـــال اليسيــرة التي تتضــاعف بها الأجـــــور:
1) الأعمال المضاعفة .. عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، قال "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟"، قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" [رواه مسلم] .. فبمجرد أن تذكر ربك بذكر من الأذكار المضاعفة، تحصل على أجر الذكر لمدة ساعة ونصف كاملة ..
فـاحرص على الأذكـــــار المضــاعفــة .. كي يتضــاعف أجرك وتحسِّن إستغلال وقتك.
2) الدعــــوة .. فعندما تدعو أحدًا إلى الخير تأخذ أجره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الدال على الخير كفاعله" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. وبالتالي فقد أضفت إلى وقتك المهدَّر من وقته الذي لم ينقص منه شيء .. وكلما كَثر عدد من تدعوهم، تضاعف أجرك.
واحرص على أن تترك من ورائك كنز ينتفع به الآخرون .. كما ترك لنا الصحابة رضوان الله عليهم هذا العلم الذي ننتفع به إلى يومنا هذا، فصار في ميزان حسناتهم إلى يوم الدين.
3) صلة الرحم .. عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره (أي: يزاد في عمره) فليصل رحمه" [متفق عليه] .. وأجاب العلماء بأن هذه الزيادة تكون بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
كما أن صلة الأرحام وبر الوالدين سببًا في تكفير الذنوب الثقيلة .. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم "هل لك من أم؟" قال: لا، قال "فهل لك من خالة"، قال: نعم، قال "فبرها" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
4) قيِّم وقتك بمقدار الأعمال التي تستطيع إنجازها فيه .. وليس بمقياس الدقائق والثواني، فقد كان الصحابة يقيسون وقتهم بمقدار الآيات التي يستطيعون قرائتها خلاله.
الطرق العمليــة لإدارة الوقت بفــاعليــة ..
أولاً: اعلم إنك ستواجه معوقات في الطريق .. فالمهام لا تنتهي ولابد أن يكون لكل هدف من أهدافك وقت محدد لتحقيقه دون تسويف، واحذر من طول الأمل فالنبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يزال قلب الكبير شابا في اثنين في حب الدنيا وطول الأمل" [متفق عليه]
ثانيًا: تنظيم كل شيء حولك .. فتكتب هدفك بوضوح وتعمل على ترتيب وتوفير الأدوات التي ستستخدمها لتحقيق هذا الهدف، واجعل جميع من حولك يستشعرون أهمية هذا الهدف بالنسبة لك كي لا يعطلوك عن تحقيقه ..
وتحرص على أن تجعل صحبتك يحددون أهدافهم أيضًا .. فإن أصروا على الإحباط وتضييع الأوقات، فعليك بتركهم .. يقول الله عز وجل {..وَلَا تطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَه عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاه وَكَانَ أَمره فرطًا} [الكهف: 28]
ثالثًا: عمل جدول أعمال يومي .. ومن الأساسيات التي ينبغي أن تحددها في هذا الجدول:
1) مقدار آيات القرآن التي ستحفظها يوميًا .. وليكن شعارك::
مُصحف في جيبك، كنز في قلبك،،
2) الورد اليومي من القراءة التعبدية.
3) ورد مُحدد من الذكر والإستغفار.
4) ورد العبادات، كالنوافل وصيام التطوع.
5) التوازن بين متطلبات الحياة وأعمال البر وصلة الرحم .. حتى لا يكون جدولك قاصرًا على جانب واحد فقط.
6) تنظيم ساعات نومك والأوقات التي ستعمل فيها .. واجعل الأوقات الصافية الخالية من المشاغل للأمور التعبدية .. واحرص على القيام بسنن النوم.
وإليــــك البرنـامــج الأســاس ليــومك ..
1) يومك يبدأ من قبل الفجر بساعة .. تستيقظ وتتهيأ لصلاة الليل .. وبعدها ربع ساعة خلوة مع ربك سبحانه وتعالى، تقضيها في المناجاة والتضرع والتبتل إلى الله عز وجل .. وهذه هي الساعة التي سُيبنى عليها يومك، فمن أصلَّح ليله أصلَّح الله له نهاره.
2) ثمَّ جلسة الشروق .. وإن لم تتمكن من الإعتكاف وقتها، فلابد أن يكون لك بدائل كأن تجلس ما بين العصر والمغرب أو ما بين المغرب والعشاء .. لإنها من الأوقات المُباركة، التي لابد أن تحرِّص على الذكر فيها.
3) وقت البكور (الضحى) هو من أعظم الأوقات بركة .. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول "اللهم بارك لأمتي في بكورها" [رواه أبو داوود وصححه الألباني]
فلابد أن تُخصص هذا الوقت لقراءة وردك أو للحفظ .. لأن أفضل الأوقات لحفظ حروف كتاب الله، تكون قبل الفجر وبعد الفجر مباشرة.
واحصِّر ذهنك في هدف واحد .. فهذا مما يُعين على حفظ حروف كتاب الله والخشوع في الصلاة، فاحرص على ألا تُحدثك نفسك واحذر من وساوس الشيطان الذي يريد تشتيت ذهنك ولا يجعلك تُركِّز في هدف محدد.
4) اشترط على نفسك من بداية اليوم .. وحدد كل الأعمال التي ستقوم بها خلال اليوم وحاسب نفسك عليها .. وأربط جميع مواعيدك بأوقات الصلاة، حتى تكون الصلاة هي إهتمامك الأكبر فلا يشغلك عنها شاغل.
5) ثمَّ تبدأ في أعمالك الحياتية اليومية .. من دراسة وعمل أو غير ذلك.
6) ثمَّ وقت من العصر للمغرب .. خلوه مع الله تعالى لعبادة أذكار المساء، وهو من الأوقات الهامة في حياتك فلا تسمح لأحدٍ أن يسرق من وقت هو لله عز وجل.
7) ثمَّ وقت الليل وهو وقت الصفــــاء .. فلابد أن تُحدد الأعمال التي ستقوم بها خلاله وتُحدد وقت نومك.
نسأل الله عز وجلَّ أن يوفقنا لأن نُدير أوقاتنا بما يُرضيه عنا،،
من درس " كيف تدير وقتك" للشيخ / هاني حلمي
تعليق