إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فائدة 1 من بدائع الفوائد لأبن القيم رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فائدة 1 من بدائع الفوائد لأبن القيم رحمه الله

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    لطلبة العلم


    فائدة


    اختلف في الانشاءات التي صيغها أخبار كبعت واعتقت .

    فقالت الحنفية : هي أخبار ، وقالت الحنابلة والشافعية : هي إنشاءات لا أخبار لوجوه ، أحدها : لو كانت خبراً لكانت كذباً ، لأنه لم يتقدم منه مخبره من البيع والعتق ، وليست خبراً عن مستقبل .

    وفي هذا الدليل شيء ، لأن لهم أن يقولوا : إنها إخبارات عن الحال ، فخبرها مقارن للتكلم بها . الثاني : لو كانت خبراً فإما صدقاً وإما كذباً . وكلاهما ممتنع . أما الثاني فظاهر .

    وأما الأول فلأن صدقها متوقف على تقدم أحكامها ، فأحكامها : إما أن تتوقف عليها فلزم الدور أو لا يتوقف ، وذلك محال لأنه لا توجد أحكامها بدونها ، ولقائل أن يقول : هو دور معية لا تقدم ، فليس بممتنع ، وثالثها : أنها لو كانت أخبارات فأما عن الماضي أو الحال ، ويمتنع مع ذلك تعليقها بالشرط ، لأنه لا يعمل إلا في مستقبل . وإما عن مستقبل وهي محال لأنه يلزم تجردها عن أحكامها في الحال ، كما لو صرح بذلك . وقال ستصيرين طالقاً ،

    ولقائل أن يقول : ما المانع أن يكون خبراً عن الحال . قولكم يمتنع تعليقها بالشرط . قلنا : إذا علقت بالشرط لم تبق أخباراً عن الحال ، بل أخباراً عن المستقبل . فالخبر عن الحال الإنشاء المطلق ، وأما المعلق فلا .


    ورابعها : أنه لو قال لمطلقة رجعية : أنت طالق . لزمه طلقة أخرى مع أن خبره صدق ، فلما لزمه أخرى دل على أنهما إنشاء ولقائل أن يقول : لما قلنا هي خبر عن الحال ، بطل هذا الإلزام .

    وخامسها أن إمتثال قوله تعالى : "
    فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ" [ الطلاق : 1 ]

    أن يقول : أنت طالق . وليس هذا تحريماً ، فإن التحريم والتحليل ليس إلى المكلف ، وإنما إليه أسبابهما . وليس المراد بالأمر أخبروا عن طلاقهن ، وإنما المراد إنشاء أمر يترتب عليه تحريمهن ولا نعني بالإنشاء إلا ذلك . ولقائل أن يقول : المأمور به هو السبب الذي يترتب عليه الطلاق فهنا ثلاثة أمور ، الأمر بالتطليق ، وفعل المأمور به وهو التطليق . والطلاق وهو التحريم الناشىء عن السبب . فإذا أتى بالخبر عما في نفسه من التطليق فقد وفى الأمر حقه وطلقت . وسادسها أن الإنشاء هو المتبادر إلى الفهم عرفاً وهو دليل الحقيقة .


    ولهذا لا يحسن أن يقال فيه صدق أو كذب ولو كان خبراً لحسن فيه أحدهما : وقد أجيب عن هذه الأدلة بأجوبة أخر . فأجيب عن الأول بأن الشرع قدر تقدم مدلولات هذه الأخبار قبل التكلم بها بالزمن الفرد ضرورة الصدق ، والتقدير أولى من النقل . وعن الثاني : أن الدور غير لازم فإن هنا ثلاثة أمور مترتبة فالنطق باللفظ لا يتوقف على شيء . وبعده تقدير تقدم المدلول على اللفظ وهو غير متوقف عليه في التقدير وأن توقف عليه في الوجود وبعده لزوم الحكم ولا يتوقف اللفظ عليه وأن توقف هو على اللفظ . وعن الثالث أما يلزم أنها إخبارات عن الماضي ولا يتعذر التعليق ، فان الماضي نوعان : ماض تقدم مدلوله عليه قبل النطق به من غير تقدير فهذا يتعذر تعليقه .

    والثاني ماض بالتقدير لا التحقيق . فهذا يصح تعليقه . وبيانه أنه إذا قال : أنت طالق . إن دخلت الدار فقد أخبر عن طلاق امرأته بدخول الدار . فقدرنا هذا الارتباط قبل تطلقها بالزمن الفرد ضرورة الصدق ، وإذا قدر الارتباط قبل النطق صار الخبر عن الارتباط ماضياً ، إذ حقيقة الماضي هو الذي تقدم مخبره خبره ، إما تحقيقاً وإما تقديراً . وعلى هذا فقد اجتمع الماضي والتعليق ولم يتنافيا . وعن الرابع أن المطلقة الرجعية أن أراد بقوله لها . أنت طالق .


    الخبر عن طلقة ماضية لم يلزمه ثانية ، وإن أراد الخبر عن طلقة ثانية فهو كذب لعدم وقوع الخبر ، فيحتاج إلى التقدير ضرورة التصديق فيقدر تقدم طلقة قبل طلاقه بالزمن الفرد . يصح معها الكلام فيلزمه .

    وعن الخامس أن الأمر متعلق بإيجاد خبر يقدر الشارع قبله الطلاق فيلزم به لا أنه متعلق بإنشاء الطلاق حتى يكون اللفظ سبباً كما ذكرتموه ، بل هو علامة ودليل على الوقوع ، وإنما ينتفي الطلاق عند انتفائه كانتفاء المدلول لانتفاء دليله وعلاماته . ولا يقال : لا يلزم من نفي الدليل نفي المدلول ، فإن هذا لازم في الشرعيات لأنها إنما تثبت بأدلتها . فأدلتها أسباب ثبوتها .


    وأما السادس فهو أقواها وقد قيل إنه لا يمكن الجواب عنه إلا بالمكابرة فإنا نعلم بالضرورة أن من قال لأمرأته : أنت طالق . لا يحسن أن يقال له : صدقت ولا كذبت . فهذه نهاية أقدام الطائفتين في هذا المقام .

    وفصل الخطاب في ذلك أن لهذه الصيغ نستبين نسبة إلى متعلقاتها الخارجية فهي من هذه الجهات إنشاءات محضة .

    كما قالت الحنابلة والشافعية ونسبة إلى قصد المتكلم وإردته : وهي من هذه الجهة خبر عما قصد إنشاءه . كما قالت الحنفية : فهي إخبارات بالنظر إلى معانيها الذهنية إنشاءات بالنظر إلى متلقاتها الخارجية . وعلى هذا ، فإنما لم يحسن أن يقال بالتصديق والتكذيب وإن كانت أخباراً ، لأن متعلق التصديق والتكذيب النفي والإثبات . ومعناهما مطابقة الخبر لمخبره أو عدم مطابقته وهنا المخبر حصل بالخبر حصول المسبب بسببه فلا يتصور فيه تصديق ولا تكذيب ، وإنما يتصور التصديق والتكذيب في خبر لم يحصل مخبره ولم يقع به . كقولك : قام زيد فتأمله فإن قيل : فما تقولون في قول المظاهر أنت علي كظهر أمي هل هو إنشاء أو إخبار ، فإن قلتم إنشاء كان باطلاً من وجوه . أحدها : إن الإنشاء لا يقبل التصديق والتكذيب والله سبحانه قد كذبهم هنا في ثلاثة مواضع . أحدها في قوله ما هن أمهاتهم [ المجادلة : 2 ] فنفى ما أثبتوه وهذا حقيقة التكذيب . ومن طلق امرأته لا يحسن أن يقال : ما هي مطلقة . الثاني قوله تعالى : وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً [ المجادلة : 2 ] والإنشاء لا يكون منكراً ، وإنما يكون المنكر هو الخبر ، والثالث أنه سماه زوراً والزور هو الكذب .

    وإذا كذبهم الله دل على أن الظهار إخبار لا إنشاء ،

    الثاني : أن الظهار محرم وليس جهة تحريمه إلا كونه كذباً والدليل على تحريمه خمسة أشياء . أحدها : ما وصفه بالمنكر .

    والثاني : وصفه بالزور . والثالث : أنه شرع فيه الكفارة ولو كان مباحاً لم يكن فيه كفارة .


    والرابع : أن الله قال : "ذلكم توعظون به" [ المجادلة : 3 ] والوعظ إنما يكون في غير المباحات . والخامس قوله : "وإن الله لعفو غفور" [ المجادلة : 2 ] والعفو والمغفرة إنما يكونان عن الذنب . وإن قلتم : هو إخبار فهو باطل من وجوه . أحدها : أن الظهار كان طلاقاً في الجاهلية فجعله الله في الإسلام تحريماً تزيله الكفارة وهذا متفق عليه بين أهل العلم . ولو كان خبراً لم يوجب التحريم فإنه إن كان صدقاً فظاهر . إن كان كذباً فأبعد له من أن يترتب عليه التحريم .


    والثاني : أنه لفظ يوجب حكمه الشرعي بنفسه وهو التحريم ، وهذا حقيقه الإنشاء بخلاف الخبر فإنه لا يوجب حكمه بنفسه ، فسلب كونه إنشاء مع ثبوت حقيقة الإنشاء فيه جمع بين النقيضين . وثالثها : إن أفادة قوله أنت علي كظهر أمي للتحريم كإفادة قوله : أنت حرة . وأنت طالق . وبعتك ووهبتك وتزوجتك ونحوها لأحكامها . فكيف يقولون هذه إنشاءات دون الظهار وما الفرق ؟


    قيل : أما الفقهاء فيقولون الظهار إنشاء ونازعهم بعض المتأخرين في ذلك وقال : الصواب أنه إخبار . وأجاب عما احتجوا به من كونه إنشاء . قال : أما قولهم كان طلاقاً في الجاهلية ، فهذا لا يقتضي أنهم كانوا يثبتون به الطلاق ، بل يقتضي أنهم كانوا يزيلون العصمة عند النطق به . فجاز أن يكون زوالها لكونه إنشاء كما زعمتم ، أو لكونه كذباً وجرت عادتهم أن من أخبر بهذا الكذب زالت عصمة نكاحه ، وهذا كما التزموا تحريم الناقة إذا جاءت بعشرة من الولد ونحو ذلك . قال : وأما قولكم إنه يوجب التحريم المؤقت وهذا حقيقة الإنشاء لا الإخبار فلا نسلم أن ثم تحريماً البتة ، والذي دل عليه القرآن وجوب تقديم الكفارة على الوطء كتقديم الطهارة على الصلاة ، فإذا قال الشارع : لا تصل حتى تتطهر لا يدل ذلك على تحريم الصلاة عليه ، بل ذلك نوع ترتيب سلمنا أن الظهار ترتب عليه تحريم ، لكن التحريم عقب الشيء قد يكون لاقتضاء اللفظ له ودلالته عليه .



    وهذا هو الإنشاء ، وقد يكون عقوبة محضة كترتيب حرمان الإرث على القتل ، وليس القتل إنشاء للتحريم وكترتيب التعزير على الكذب وإسقاط العدالة به ، فهذا ترتيب بالوضع الشرعي لا بد لآلة اللفظ . وحقيقة الإنشاء أن يكون ذلك اللفظ وضع لذلك الحكم ويدل عليه كصيغ العقود .



    فسببية القول أعم من كونه سبباً بالإنشاء أو بغيره . فكل إنشاء سبب وليس كل سبب إنشاء . فالسببية أعم فلا يستدل بمطلقها على الإنشاء ، فان الأعم لا يستلزم الأخص ، فظهر الفرق بين ترتب التحريم على الطلاق وترتبه على الظهار . قال : وأما قولكم إنه كالتكلم بالطلاق والعتاق والبيع ونحوها ، فقياس في الأسباب فلا نقبله ، ولو سلمناه فنص القرآن يدفعه وهذه الاعتراضات عليهم باطلة أما قوله : إن كونه طلاقاً في الجاهلية لا يقتضي أنهم كانوا يثبتون به الطلاق إلى آخره .


    فكلام باطل قطعاً فإنهم لم يكونوا يقصدون الأخبار الكذب ليترتب عليه التحريم ، بل كانوا إذا أرادوا الطلاق أتوا بلفظ الظهار إرادة للطلاق ولم يكونوا عند أنفسهم كاذبين ولا مخبرين ، وإنما كانوا منشئين للطلاق به . ولهذا كان هذا ثابتاً في أول الإسلام حتى نسخه الله بالكفارة في قصة خولة بنت ثعلبة . كانت تحت عبادة بن الصامت ، فقال لها : أنت علي ظهر أمي . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرمت عليه فقالت : يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق ، وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي ، فقال : حرمت عليه فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ،



    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أراك إلا قد حرمت عليه ولم أؤمر في شأنك بشيء ، فجعلت تراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا قال لها : حرمت عليه هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي وإن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلي جاعوا وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك وكان هذا أول ظهار في الإسلام . فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضى الوحي قال : ادعي زوجك فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد سمع الله [ المجادلة : 1 ] . الآيات فهدا يدل على أن الظهار كان إنشاء للتحريم الحاصل بالطلاق في أول الإسلام ، ثم نسخ ذلك بالكفارة ، وبهذا يبطل ما نظر به من تحريم الناقة عند ولادها عشرة أبطن ونحوه ، فإنه ليس هنا لفظ إنشاء يقتضي التحريم ، بل هو شرع منهم لهذا التحريم عند هذا السبب .


    وأما قوله إنا لا نسلم أنه يوجب تحريماً فكلام باطل فإنه لا نزاع بين الفقهاء أن الظهار يقتضي تحريماً تزيله الكفارة فلو وطئها قبل التكفير أثم بالإجماع المعروف من الدين والتحريم المؤقت هنا . كالتحريم بالإحرام وبالصيام والحيض . وأما تنظيره بالصلاة مع الطهر ففاسد فإن الله أوجب عليه صلاة بطهر ، فإذا لم يأت بالطهر ترك ما أوجب الله عليه فاستحق الإثم ،


    وأما المظاهر فإنه حرم على نفسه امرأته وشبهها بمن تحرم عليه . فمنعه الله من قربانها حتى يكفر . فهنا تحريم مستند إلى طهارة وفي الصلاة لا تجزى منه بغير طهر ، لأنها غير مشروعة أصلاً . وقوله التحريم عقب الشيء قد يكون لاقتضاء اللفظ له وقد يكون عقوبة إلى آخره جوابه أنهما غير متنافيين في الظهار فإنه حرام ، وتحرم به تحريماً مؤقتاً حتى يكفر . وهذا لا يمنع كون اللفظ إنشاء كجمع الثلاث عند من يوقعها ، والطلاق في الحيض فإنه يحرم ويتعقبه التحريم ، وقد قلتم : إن طلاق السكران يصح عقوبة له . مع أنه لو لم يأت بإنشاء السبب لم تطلق امرأته اتفاقاً فكون التحريم عقوبة لا ينفي أن يستند إلى أسبابها التي تكون إنشاءات لها .


    قوله السببية أعم من الإنشاء إلى آخره جوابه أن السبب نوعان : فعل وقول فمتى كان قولاً لم يكن إنشاء . فإن أردتم بالعموم أن سببية القول أعم من كونها إنشاء وإخباراً فممنوع . وإن أردتم أن مطلق السببية أعم من كونها سببية بالفعل والقول فمسلم . ولا يفيدكم شيئاً ، وفصل الخطاب إن قوله : أنت علي كظهر أمي يتضمن إنشاء وإخباراً ، فهو إنشاء من حيث قصد التحريم بهذا اللفظ .
    وإخبار من حيث تشبيهها بظهر أمه . ولهذا جعله الله منكراً وزوراً . فهو منكر باعتبار الإنشاء ، وزور باعتبار الإخبار .


    وأما قوله :
    إن المنكر هو الخبر الكاذب ، فالخبر الكاذب من المنكر . والمنكر أعم منه ، فالإنكار في الإنشاء والإخبار فإنه ضد المعروف ، فما لم يؤذن فيه من الإنشاء فهو منكر ، وما لم يكن صدقاً من الإخبار فهو زور .



  • #2
    رد: فائدة 1 من بدائع الفوائد لأبن القيم رحمه الله

    تبارك الله ...

    سلمت يمينك اختى فى الله

    اللهم يا معلم لقمان علمنا ... ويا مفهم سليمان فهمنا

    يارب ... أستودعك أبناء أخى فاحفظهم بحفظك وأعدهم لنا سالمين خلقاً وخُلقاً



    تعليق

    يعمل...
    X