إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

<< مَهـَانةُ نَفـس >>

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • << مَهـَانةُ نَفـس >>

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    مَـهَـانَـةُ نَـفْـس

    مقالة بقلم الشيخ


    عبد الرحمن السحيم
    حفظه الله


    حينما تَسْمُو الـنَّفْس البشرية فإنها تَرتَقِي مَطالِع الجوزاء !
    ويَتْعب الجِسْم في تحقيق غاياتها ومطالِبها ..

    وإذا كانت النفوس كبارا = تعبت في مرادها الأجسام

    وتَسْتَلِذّ نَفْس الْحُرّ الْمُرَّ في سبيل التطلّع إلى العلياء

    ومَن تَكُن العلياء هِمّة نَفْسِه = فَكُلّ الذي يَلقاه فيها مُحَـبَّبُ

    وحِين تعلو هِمّة الـنَّفْس يَزداد قَدْرُها .. ويَرتفِع ثمنها !

    يقول الإمام الشافعي :

    علَيَّ ثياب لو يُباع جميعها = بِفَلْسٍ لكان الفَلْس منهن أكثرا
    وفيهن نَفْسٌ لو يُقاس بمثلها = نفوس الوَرَى كانت أجَلّ وأخطرا
    وما ضَرّ نَصْل السّيف إخلاق غِمده = إذا كان عَضْبا حيث أنفذته بَرى
    فإن تكن الأيام أزْرَتْ بِبَزّتِي = فَكَم مِن حُسام في غِلافٍ مُكَسّرا

    أما حين تَهُون الـنَّفْس على صاحِبها .. فإنه يَهون هو في أعْين الناس

    مَن يَهُن يَسْهُل الهوان عليه = ما لِجُرْح بِمَيّتٍ إيـلامُ

    فإن الناس تَضَع الإنسان حيث يَضَع نَفْسَه

    كما قال الجرجاني :

    أرى الناس مَن دَاناهم هَان عندهم = ومَن أكْرَمَتْه عِزّة الـنَّفْسِ أُكْرِمَا

    ومَتى هانَتِ الـنَّفْس عند صاحِبها دَسّاها وحقّرها بِكل خُلُق مرذول !
    وصَغّرها بما يَشِينها وتَخَلّق بِكل خُلُق دنيء
    ولا يَرْضى بِالدُّون إلا دنيء !

    قال ابن القيم :

    فلو كانت النفس شَريفة كبيرة لم تَرْضَ بالدُّون ، فأصْلُ الخير كلّه بتوفيق الله ومشيئته ،
    وشَرَف الـنَّفْس ونُبْلها وكبرها . وأصْل الشّر خستها ودناءتها وصغرها .
    قال تعالى : (﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾) ،
    أي : أفْلَح مَن كَبّرها وكَثّرها ونَمّاها بِطَاعَةِ الله ، وخَابَ مَن صَغّرها وحَقّرها بِمَعَاصِي الله ،


    فالـنُّفُوس الشريفة لا تَرْضَى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحْمَدها عاقبة ،

    والـنُّفُوس الدنيئة تَحُوم حَول الدَّنَاءات وتَقَع عليها ، كما يَقَع الذُّبَاب على الأقْذَار ،

    فالـنَّفْس الشَّرِيفة الْعَلِيّة لا تَرْضَى بالظُّلْم ولا بالفواحش ولا بالسرقة والخيانة ،
    لأنها أكبر من ذلك وأجَلّ ،

    والنّفْس الْمَهِينة الْحَقِيرة والْخَسِيسة بالضِّدّ مِن ذلك ؛ فَكُلّ نَفْسٍ تَمِيل إلى ما يُناسبها ويُشاكلها .
    اهـ .


    وقال في ذِكْر عقوبات الذّنُوب :
    ومِن عُقُوبَاتها : أنها تُصَغّر الـنَّفْس وتَقْمَعَها وتُدَسّيها وتُحَقّرها
    حتى تصير أصْغَر كل شيء وأحْقَره ، كما أن الطاعة تُنَمِّها وتُزَكّيها وتُكَبّرها .
    قال تعالى : (﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾) ،
    والمعنى : قد أفْلَح مَن كَبّرها وأعلاها بِطاعة الله وأظْهَرها ،
    وقَد خَسِرَ مَن أخْفَاها وحَقّرها وصَغّرَها بِمَعْصِية الله ...
    فالطاعة والْبِرّ تُكَبّر الـنَّفْس وتُعِزّها وتُعْلِيها حتى تصير أشرف شيء
    وأكْبَره وأزْكَاه وأعْلاه ، ومع ذلك فهي أذلّ شيء وأحْقَره وأصْغَره لله تعالى ،
    وبِهَذا الذّل حَصَلَ لها هذا العِزّ والشَّرَف والـنّمُو ؛ فما صَغّر النفس مثل مَعْصِية الله ،
    ومَا كَبّرها وشَرّفها ورَفعها مثل طاعة الله . اهـ .

    وإن مما تَهُون بِه الـنَّفْس أن يَعتَاد الإنسان خُلُقا مِن أخلاق المنافِقين ..
    بل قد يَسْتَسِيغ ما غَصّ به عُـبّاد الأوثان !
    أو يَسْتَحْسِن ما اسْتَقْبَحه أهل الجاهلية الأولى !

    وكَفَى بِذَنْبٍ قُـبْحًا أن يَتَبرّأ مِنه أهل الجاهلية ! فيَخْشَى أحدهم أن يُعيَّرَ بِه !

    وحَسْبُك مِن خُلُق رَذَالَة أن يَعِيبَـه من كان يَعبد الأصنام والأوثان !

    ذلكم هو " الْكَذِب " الذي عُيِّر بِه " مُسَيلِمة " فاقْتَرَن اسمه بِوصْفِ الْكَذِب !
    فلا يُذكَر إلا ويُعَرّف بـ " الكَذّاب " !

    والكَذِب خُلُق من أخلاق المنافِقين ، ففي خِصال الـنِّفاق : " إذا حَدّث كَذَب "
    كما في الصحيحين .

    قال منصور الفقيه :

    الصِّـدق أوْلَى مَا بِهِ = دَانَ امرؤ فاجْعَلْه دِينا
    وَدَعِ النّفاق فما رَأيْـ = ـتُ مُنافِقًا إلاَّ مَهينا

    وإنما يَكذِب الكَذّاب مِن دناءة نَفْسِه ..

    قال محمد بن كعب القرظي : لا يَكْذِب الكَاذِب إلا مِن مَهَانَة نَفْسِه عليه .

    والكّذِب أبْغض خُلُق إلى صاحِب الْخُلُق العظيم صلى الله عليه وسلم .


    قالت عائشة رضي الله عنها : ما كان خُلُق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الكذب ،
    فإن كان الرجل يَكذب عنده الكذبة فما يَزال في نفسه عليه حتى يَعلم أنه قد أحدث منها توبة .
    رواه عبد الرزاق ومِن طريقه الترمذي وابن حبان .

    والمؤمن يُطْبَع على الخلال كلها إلاَّ الخيانة والكذب . كما قال أبو أمامة رضي الله عنه .

    وأخرج البيهقي في الشُّعَب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لا تَجِد المؤمن كَذّابا

    وقال عمر أيضا : لا تَنْظُروا إلى صلاة أحَدٍ ولا إلى
    صيامه ، ولكن انْظُرُوا إلى مَن إذا حَدّث صَدق ، وإذا ائتمن أدَى ، وإذا أشْفَى وَرِع .

    وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبته :
    ليس فيما دون الصدق من الحديث خير ، مَن يَكذب يَفْجُر ، ومَن يَفْجُر يَهلك .

    وقال أنس رضي الله عنه : إن الرجل ليُحْرَم قيام الليل وصيام النهار بالكِذبة يَكذبها .


    وقال عمر بن عبد العزيز : ما كَذَبْتُ منذ عَلِمْتُ أن الكَذِب يَضُرّ أهله .

    وقال الغازي بن قيس : ما كَذَبْتُ منذ احْتَلَمْتُ .

    وقال : والله ما كَذَبْتُ كِذبة قَطّ منذ اغتسلت ، ولولا أن عمر بن عبد العزيز قَالَه ما قُلْتُه

    يتبع إن شاء الله

  • #2
    رد: &lt;&lt; مَهـَانةُ نَفـس &gt;&gt;

    قيل لِلُقْمان الحكيم : ما بَلَغَ بك ما نَرى ؟
    قال : صِدْق الحديث ، وأداء الأمانة ، وتَرْك ما لا يَعْنِيني .

    وإن أعظَم الكذب ما بَلَغ الآفاق ..
    وفي رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم :
    الرجل الذي أتيت عليه يُشْرَشْر شِدْقه إلى قَفَاه ،
    ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ؛ فإنه الرجل يَغدو من بيته فيكذب الكِذبة تَبلغ الآفاق
    .
    رواه البخاري .

    أوْ ما أدّى إلى الطعن في الأعراض ..
    وكل كَذِب تَعدّى ضَرَرُه ..

    قال
    ابن حبان
    : كل شيء يُسْتَعَار لِيُتَجَمّل به سَهْل وُجُوده ، خَلا اللسان ، فإنه لا يُنْبِئ إلاّ عَمّا عُوِّد ،
    والصِّدق يُنْجِى ، والكَذب يُرْدِي ، ومَن غَلب لِسانه أمّرَه قومُه ، ومن أكثر الكذب لم يترك لنفسه شيئا يُصَدّق به ،
    ولا يكذب إلا مَن هَانت عليه نَفسه .

    قال : وأنشدني الكريزي :

    كَذَبْتَ ومَن يَكْذِب فإن جزاءه = إذا ما أتى بالصدق أن لا يُصَدّقا
    إذا عُرف الكذاب بالكذب لم يزل = لدى الناس كذابا وإن كان صادقا


    وقال ابن حبان :أنشدني الأبرش:

    الكِذْبُ مُرديك ، وإن لم تخف = والصِّدْقُ منجيك على كل حال
    فانطق بما شئت تجد غِبَّه = لم تُبْتَخَسْ وَزنة مثقال


    وقال ابن حبان :
    لو لم يكن للكذب من الشَّين إلاَّ إنزاله صاحبه بحيث أن صَدَق لم يُصدّق ،
    لكان الواجب على الْخَلْق كافَّة لزوم التثبت بالصدق الدائم ،
    وإن من آفة الكذب أن يكون صاحبه نسيا ،
    فإذا كان كذلك كان كالمنادي على نفسه بالْخِزْي في كل لحظة وطرفة .

    قال : وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي :

    إذا ما المرء أخطأه ثلاث = فَبِعْه ولو بِكَفّ مِن رَماد
    سلامة صدره والصدق منه = وكتمان السرائر في الفؤاد


    وأصدق من هذا وأبلغ قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم :
    عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ،
    وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا ،
    وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ،
    وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا

    . رواه البخاري ومسلم .

    فاخْتَر لِنفسك مَنْزِلتها ومكانتها في الدنيا والآخرة ..
    (﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
    ) .


    دمتم كما يحب الله ويرضى

    تعليق

    يعمل...
    X