لـيـلـة العـمـر
عجبت لأناس يُنفقون المال لشراء الذنوب، ترى الشاب حتى وإن كان فقيرا يكافح ويعمل هنا وهناك ويدخر ماله وقد يقترض ويظل سنين وهو يسدد الدَّين وكل ذلك من أجل تلك الليلة فقط، وترى الفتاة قد تُكَلِّف والدها ما لا يطيق من أجل تلك الليلة، أتَعَجَّب جدا منهم ومن حالهم وكيف يَسْعون جاهدين ويبذلون الغالي والنفيس من أجل تلك الليلة والتي أسموها "ليلة العمر"، فحتى إذا عاتبتهم ابتسموا وقالوا إنها "ليلة العمر"، ليلة واحدة في العمر لا تتكرر أليس لنا الحق في أن نفرح فيها ونبتهج؟ وكأن الفرح لا يتحقق إلا بإغضاب الله عز وجل.
ولعل مداد قلمي اليوم يسيل وفي قلبي ما يعلمه إلا الله من واقع مرير يكاد لا يخلو منه أي بيت مغربي، وحديثي هنا عن الأعراس وما أدراك ما الأعراس مجمع المنكر والذنوب، أسأل الله أن يعافيني وإياكم منها.
أختي المسلمة وأخي المسلم يا من عززكم الإسلام وكرمكم ما بالكم تأبون إلا الابتعاد عن تعاليمه الحنيفة، أما استحييتم أن تعصوا الله في ليلة كان حَرِيًّا بكم أن تشكروه وتحمدوه عز وجل على نعمة من أعظم النعم التي أنعم عليكم بها، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. أهكذا يكون شكر النعمة بإقامة عرس تتخلله المعاصي منذ البداية حتى النهاية، وإن خفيت عليكم هذه المعاصي فدعوني أسرد لكم بعضها:
ألم تقرؤوا قوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ}، فما بالكم إذن تبذرون أموالكم وفي أمور محرمة؟ فإذا كنت فقيرا أيها الزوج ألم يكن حرِيًّا بك أن تستغل هذا المال في تجهيز بيتك؟ وإذا كنت غنيًّا قد من الله عليك بالمال الوفير أليس من الأفضل لك أن تنفق هذا المال فيما يرضي الله وتكسب الأجر من خلاله؟ فكان بإمكانك أن تستغل هذا المال في تزويج فقير معدم وتكسب بذلك الأجر العظيم.
هذا في كفة وما نراه بعد أن يبدأ العرس في كفة أخرى، من اختلاط ورقص ومجون وتبرج وعُري وأغاني صاخبة تُسمِع من في العرس ومن خارجه ممن يريد سماعها أو لا يريد، فهنيئا لكم ذاك الكم الهائل من الذنوب وأذكركم أنكم قد تكونون كسبتم رصيدا لا بأس به من الدعاء عليكم من طرف من أزعجتموهم بارتفاع أصوات الغناء. والطامة الكبرى والمصيبة أن ينادي المنادي لصلاة الفجر فلا تحترمون هذا النداء ولا تبالون به أصلا ولا توقفون هرجكم ومرجكم ولو للحظات إلى أن ينتهي الأذان. والله أتعجب من حالكم ألا تخافون الجبار؟ ألا تخافون أن يُنزل عليكم غضبه تبارك وتعالى وأنتم على هذا الحال في قمة العصيان له جل وعلا؟ أترضون أن يقبضكم وأنتم على هذا الحال؟
توبوا إلى بارئكم وكفاكم استهتارا وتهاونا في دينكم، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم عليكم الفرح بزواجكم، وكما أقمتم أعراسكم بمعصية فيمكنكم بلا شك إقامتها بدون معاص، لا أغاني ولا اختلاط ولا تبرج وتُحققون بذلك السعادة الحقيقة ورضا الله عز وجل، ولتعلموا أنه ما أصابتنا التعاسة إلا لما ابتعدنا عن شرع الله عز وجل.
أسأل الله أن يهديني وإياكم ويثبتنا على الحق إلى أن نلقاه جل في علاه.
تعليق