الصبر
الإيمان نصفان: صبر وشكر،ولما كان كذلك كان حريا بالمؤمن أن يعرفهما ويتمسك
بهما، و أن لا يعدل عنهما، وأن يجعل سيره إلى ربه بينهما ومن
هنا كان حديثنا عن الصبر في القرآن الكريم فقد جعله الله جوادا لا يكبو وصارما لا
ينبو وجندا لا يهزم،وحصنا لا يهدم. فالنصر مع الصبر، والفرج مع
الكرب، والعسر مع اليسر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ومحله من
الظفر كمحل الرأس من الجسد، والحديث عن مكانته وفضيلته
آتية بإذن الله الإشارة إليه.
أ – تعريفه:
الصبر لغة: الحبس والكف، قال تعالى: ((وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ...)) الآية، أي احبس نفسك معهم.
واصطلاحا: حبس النفس على فعل شيء أو تركه ابتغاء وجه الله قال تعالى: ((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ )).
وقد أشرنا في التعريف إلى أنواع الصبر الثلاثة والباعث عليه.
أما أنواعه فهي: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
ففي قولنا (على فعل شيء) دخل فيه الأول، وفي قولنا (أو تركه) دخل فيه
النوعان الثاني والثالث: أما دخول الثاني فظاهر لأنه حبس للنفس على ترك معصية
الله، وأما دخول الثالث فلأنه حبس للنفس عن الجزع والتسخط عند ورود الأقدار المؤلمة.
ب – أهميته:
الصبر: أبرز الأخلاق الوارد ذكرها في القرآن حتى لقد زادت مواضع ذكره فيه عن مائة
موضع، وما ذلك إلا لدوران كل الأخلاق عليه، وصدورها منه، فكلما قلبت خلقا أو
فضيلة وجدت أساسها وركيزتها الصبر.
فالعفة: صبر عن شهوة الفرج والعين المحرمة.
وشرف النفس: صبر عن شهوة البطن.
وكتمان السر: صبر عن إظهار مالا يحسن إظهاره من الكلام.
والزهد: صبر عن فضول العيش.
والقناعة: صبر على القدر الكافي من الدنيا.
والحلم: صبر عن إجابة داعي الغضب.
والوقار: صبر عن إجابة داعي العجلة والطيش.
والشجاعة: صبر عن داعي الفرار والهرب.
والعفو: صبر عن إجابة داعي الانتقام.
والجود: صبر عن إجابة داعي البخلظ .
والكيس: صبر عن إجابة داعي العجز والكسل وهذا يدلك على ارتباط مقامات الدين
كلها بالصبر، لكن اختلفت الأسماء واتحد المعنى، والذكي من
ينظر إلى المعاني والحقائق أولا ثم يجيل بصره إلى الأسامي فإن المعاني هي
الأصول والألفاظ توابع، ومن طلب الأصول من التوابع زل.
ومن هنا ندرك كيف علق القرآن الفلاح على الصبر وحده ((وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا
جَنَّةً وَحَرِيرًا)) ((أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ , بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ))
,((سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)).
ج – حكمه:
الصبر من حيث الجملة واجب، ويدل لذلك:
أ - أمر الله به في غير ما آية قال تعالى: ((اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ)) ((اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ)).
ب - نهيه عن ضده كما في قوله ((فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)) وقوله ((’وَلاَ تُبْطِلُوا
أَعْمَالَكُمْ)) ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا)) ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ
الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ۚ )).
ج - أن الله رتب عليه خيري الدنيا والآخرة وما كان كذلك كان تحصيله واجبا، أما من
حيث التفصيل فحكمه بحسب المصبور عنه أو عليه، فهو واجب
على الواجبات وواجب عن المحرمات، وهو مستحب عن المكروهات، ومكروه عن
المستحبات، ومستحب على المستحبات، ومكروه على المكروهات.
ومما يدل على أن الصبر قد لا يكون لازما قوله تعالى ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ))،
فالصبر عن مقابلة السيئة بمثلها ليس واجبا بل مندوبا إليه.
د – درجاته:
الصبر نوعان: بدني ونفسي.
وكل منهما قسمان: اختياري واضطراري، فصارت أربعة:
أ - بدني اختياري: كتعاطي الأعمال الشاقة.
ب - بدني اضطراري: كالصبر على ألم الضرب.
ج - نفسي اختياري: كصبر النفس عن فعل مالا يحسن فعله شرعا ولا عقلا.
د - نفسي اضطراري:كصبر النفس عن فقدان محبوبها الذي حيل بينها وبينه.
والبهائم تشارك الإنسان في النوعين الاضطراريين لكنه يتميز عليها بالنوعين
الاختياريين، والصبر الاختياري أكمل من الاضطراري، فإن الاضطراري
يشترك فيه الناس ويتأتى ممن لا يتأتى منه الصبر الاختياري، ولذلك كان صبر يوسف
على مطاوعة امرأة العزيز وصبره على ما ناله من السجن
أعظم من صبره على ما ناله من إخوته لما ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبويه،
وباعوه بيع العبد، ومن الصبر الاختياري صبره على العز والتمكين
الذي أورثه الله إياه فجعله مسخرا لطاعة الله ولم ينقله ذلك إلى الكبر والبطر،
وكذلك كان صبر نوح والخليل وموسى الكليم والمسيح ومحمد صلى
الله عليه وسلم فإن صبرهم كان على الدعوة إلى الله ومجاهدة أعداء الله ولهذا
سموا أولي العزم، وأمر الله رسوله أن يصبر كصبرهم,
قال الله تعالى: ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ )) ونهاه عن أن يتشبه
بصاحب الحوت حيث لم يصبر فخرج مغاضبا قبل أن يؤذن له
قال تعالى((فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ)) ولهذا دارت قصة
الشفاعة يوم القيامة على أولي العزم حتى ردوها إلى خيرهم وأفضلهم وأصبرهم.
2- من بين فضائل الصبر في القرآن الكريم:
((ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)).
تعليق