من أغلق الباب ؟؟
لعلي أسمع شكوى بعضكم ، وهمسات قلوبكم ، ولسان الحال يقول : الباب مغلق يا شيخنا ؟ وأنا اليوم أقول لكم : ومن أغلق الباب ؟؟؟
قال شقيق بن إبراهيم بن الأزديّ، البلخيّ: أغلق باب التّوفيق عن الخلق من ستّة أشياء:
(1) اشتغالهم بالنّعمة عن شكرها . (فتذكر نعم كثيرة أنت فيها لم توف لله حق شكرها )
(2) ورغبتهم في العلم وتركهم العمل .( فتذكر أمور كثيرة تعرفها ولا تعمل بها )
(3)والمسارعة إلى الذّنب وتأخير التّوبة . ( فتذكر بطء خطواتك في السير إلى الله )
(4)والاغترار بصحبة الصّالحين، وترك الاقتداء بفعالهم . ( فلا تغتر )
(5) وإدبار الدّنيا عنهم وهم يبتغونها . ( تذكر : أنَّ الدنيا تغر وتضر ثم تمر )
(6) وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها. ( والآخرة خير وأبقى ولا تظلمون فتيلا )
قال ابن القيم في الفوائد : " وأصل ذلك عدم الرّغبة والرّهبة، وأصله ضعف اليقين، وأصله ضعف البصيرة، وأصله مهانة النّفس ودناءتها واستبدال الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. وإلّا فلو كانت النّفس شريفة كبيرة لم ترض بالدّون. فأصل الخير كلّه بتوفيق اللّه ومشيئته وشرف النّفس ونبلها وكبرها. وأصل الشّرّ خسّتها ودناءتها وصغرها "
فتأمل اليوم هذه الآية :
قال تعالى: " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها " (الشمس/ 9- 10)، أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونمّاها بطاعة اللّه، وخاب من صغّرها وحقّرها بمعاصي اللّه. فالنّفوس الشّريفة لا ترضى من الأشياء إلّا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنّفوس الدّنيئة تحوم حول الدّناءات وتقع عليها كما يقع الذّباب على الأقذار.
فشعارك من اليوم : لن أرضى بالدنية .
فكن على قدر ما اصطفاك الله به ، كن عبد الله حقًا ، ارضه وتودد له ، وارفع رأسك ، وتعالى عن المنكرات ، لست أنت من يرتضي بالدون ، لست حقيرًا ، أنت عند الله كريم فتعزز ، وتنشط ، وابدأ من جديد ، فلابد أن تصل ، فليس أمامك إلا صراطًا مستقيمًا واحدا .
الواجب العملي :
صحح أمورك لفتح أبواب التوفيق :
- بالإكثار من الحمد ، فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .
- وبأن تعمل اليوم بشيء هجرته منذ زمان تعرفه ولا تعمل به ، من نافلة أو عمل بر .
- تضرع كثيرا ، وسل ربك أن يتوب عليك توبة يرضى بها عنك .
- زر مقبرة ، أو اسمع موعظة ترقق قلبك من مواعظ الدار الآخرة لعل الدنيا تتولى ، ويحل محلها التعلق بالآخرة
اطلق لنفسك العنان..... وكن راحلة
خلف أي شيء تسير ؟ ما الذي يحركك ؟ ما الذي يدفعك للعمل ؟
هل هواك مازال هو المتحكم في خطواتك ؟
هل امتثلت لموعظتي لك فجاهدت هواك ؟
أي شيء تركته لله يقينا بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا ؟
إذا ضعف السير أو اشتد ، إذا قصر الطريق أو امتد ، فاسمع هذه الآية واجعلها لا تفارقك سيرك ، وأوقد بها شعلة
حماسك إذا فترت ، واجعلها تنير لك الطريق ، وذكر بها قلبك لتتعلق في كل خطوة بربك ، فلا حيلة في السير إلا به ،
ولا أمل في الوصول إلا منه ، ولو سار مر الدهر ." هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ "فاعلم أنك ملك لربك ، فاقترب منه فإنه منك قريب ، ولا تجعل هواك قاطعًا لك عنه .
فمن معنا ؟؟ من سيكون الراحلة ؟؟
في الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة "
وهذا كلام أهل العلم في شرح الحديث
الراحلة من الإبل :البعير القوي على الأسفار والأحمال ، والذكر والأنثى فيه سواء ، والهاء فيها
للمبالغة ، وهي التي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر ، فإذا كانت في جماعة
الإبل عرفت .
ومعنى الحديث إن مرضى الأحوال من الناس الكامل الأوصاف قليل فيهم جدا لقلة الراحلة في الإبل
[ الديباج على مسلم - (5 / 491)]
قال أبو جعفر: .....قول النبي صلى الله عليه وسلم الناس كإبل مائة يريد به خاصا من الناس وهم الذين لا غناء
معهم ولا منفعة عندهم لمن سواهم من الناس كإبل مائة ليس فيها راحلة تحمل ما يحتاج الناس إلى حمله عنهم
وتكون الإبل التي لا راحلة فيها كالناس الذين لا منفعة عندهم من علم يؤخذ عنهم ولا مما سوى ذلك مما يحتاج
بعض الناس إليه من بعض [بيان مشكل الآثار ـ الطحاوى - (4 / 53)]
قَوْله ( كَإبِل مِائَة )
يَعْنِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُنْتَخَبِينَ مِنْ النَّاس فِي عِزَّة وَجُودهمْ كَالْمُنْتَخَبِ مِنْ الْإِبِل الْقَوِيَّة عَلَى الْأَحْمَال وَالْأَسْفَار الَّذِي
لَا يُوجَد فِي كَثِير مِنْ الْإِبِل قَالَ الزُّهْرِيُّ الَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَمَّ الدُّنْيَا وَحَذَّرَ الْعِبَاد وَضَرَبَ لَهُمْ مِنْهَا الْأَمْثَال
لِيَعْتَبِرُوا وَيَحْذَرُوا وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرهُمْ مَا حَذَّرَهُمْ اللَّه تَعَالَى وَيُزَهِّدهُمْ فِيهَا فَرَغِبَتْ النَّاس
بَعْده فِيهَا وَتَنَافَسُوا عَلَيْهَا حَتَّى كَانَ الزُّهْد فِي النَّادِر الْقَلِيل مِنْهُمْ فَقَالَ تَجِدُونَ النَّاس بَعْدِي كَإِبِلِ مِائَة لَيْسَ فِيهَا
رَاحِلَة أَيْ أَنَّ الْكَامِل فِي الزُّهْد فِي الدُّنْيَا وَالرَّغْبَة فِي الْآخِرَة قَلِيل كَقِلَّةِ الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل وَالرَّاحِلَة هِيَ الْبَعِير الْقَوِيّ
عَلَى الْأَسْفَار وَالْأَحْمَال النَّجِيب التَّامّ الْخَلْق الْحَسَن النَّظَر وَيَقَع عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَالْهَاء لِلْمُبَالَغَةِ
ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ وَإِسْنَاده صَحِيح رِجَاله ثِقَات [حاشية السندي على ابن ماجه - (7 / 359)]
وقال القرطبي الذي يناسب التمثيل أن الرجل الجوادالذي يتحمل أثقال الناس والحمالات عنهم ويكشف كربهم عزيز
الوجود كالراحلة في الإبل الكثيرة [عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (33 / 281)]
وخلاصته:
أن المرضى المنتخب من الناس الصالح للصحبة سهل الإنقياد عسر وجوده كالنجيبة الصالحة للركوب الني لا توجد
في الإبل الكثيرة القوية على الأحمال والأسفار فذكر المائة للتكثير لا للتحديد فإن وجود العالم العامل المخلص
من قبيل الكيمياء أو من باب تسمية العنقاء ولذا قال بعض العرفاء أتمنى على الزمان محالا أن ترى مقلتاي
طلعة حر [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (15 / 298)]
الراحلة وهو ذلك الفرد النشط الحي القوي الذي يأخذ على عاتقه المسؤولية ويعمل وفق طاقاته وإمكانيته في سبيل إحياء الأمة، ذلك الفرد الذي تصبح الفكرة همّه:تقيمه وتقعده ويحلم بها في منامه وينطلق في سبيلها في يقظته، الذي إن لم تكن لديه الوسائل الفعالة سعي في إيجادها ولو كان أمراُ مستحيلاُ،فهو يعيش من أجل عقيدته ويرضي بكل أذي في سبيلها ويبذل كل غال ورخيص..
من وصايا الشيخ /هاني حلمي
تعليق