ألا بذكر الله تطمئن القلوبألا بذكر الله تطمئن القلوب
الحمدُ للهِ الذي زيَّن بذكرِه ألسنَ الذاكرين وأظهرَ من جميلِ أسمائِه وصفاتِه وأفعالِه ما سَرَّ به قلوبَ العارفين، فأثنى عليه بها المفرِّدُون الموحدون من الأولين والآخرين، أحمدُه تعالى وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.أما بعد. عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ وأكثِروا من ذكرِه، فإن ذكره سبحانه قوتُ قلوبِ الذَّاكِرين، وهو قُرَّةُ عيونِ الموحدين وهو عُدَّتُهم الكبرى، وسلاحُهم الذي لا يَبلى، وهو دواءُ أسقامِهم الذي متى تركوه أُصيبت منهم المقاتلُ، فانتَكَسوا على أعقابِهِم خاسرين.إذا مرِضْنا تَدَاويْنا بذِكرِكُمُ ونتركُ الذَّكرَ أحياناً فننتكسُفبالذكرِ يستدفعُ الذاكرون الآفاتِِ ويستكشفون الكرباتِ وتهون عليهم المصيباتُ، فإليه الملجأ إذا ادلهمت الخطوبُ، وإليه المفزعُ عند توالي الكوارِثِ والكُروبِ، به تنقشعُ الظُّلُماتُ والأكدارُ وتحلُّ الأفراحُ والمسرَّاتُ.وقد أمرَ الله تعالى به المؤمنين، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾([1]) ،وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾([2])،وقد أثنى اللهُ سبحانه وتعالى في كتابِه على الذَّاكِرِين، فقال تعالى:﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ إلى أن قال: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾([3]).وأما الأخبارُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقد دلَّتْ الأدلَّةُ على أن أفضلَ ما شغلَ العبدُ به نفسَه في الجملةِ ذكرُ اللهِ تعالى، فمن ذلك ما رواه أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم وأزكاها عند ملِيكِكُم وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم» قالوا: بلى، قال: «ذكرُ اللهِ تعالى» ([4]).ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام مسلم في "صحيحِه"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسيرُ في طريقِ مكةَ فمرَّ على جَبَلٍ يقال له:جُمدان فقال صلى الله عليه وسلم:(هذا جمدانُ سبقَ المفرِّدون) قالوا: وما المفرِّدون يا رسولَ الله؟ قال:«الذاكرون الله كثيراً والذاكرات»([5]).ومما يُظهِرُ فضلَ الذِّكرِ وعلوَ مرتبتِه ما أخرجه الترمذي عن عبد اللهِ بن بسرٍ رضي الله عنه أن رجلاً قال:"يا رسولَ اللهِ إن شرائعَ الإسلامِ قد كثُرَت عليَّ فأخبرْني بشيءٍ أتشبَّثُ به قال: «لا يزال لسانُك رطباً من ذكرِ الله»([6]).ومما يدل على ذلك أن اللهَ تعالى أمرَ المؤمنين بأن يذكروه قياماً وقعوداً وعلى جنوبِهم، فقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾([7]).وهكذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يذكُرُ اللهَ على كلِّ أحيانِه»([8]).أيها المؤمنون.اعلموا أن أعلى مراتبِ الذِّكرِ الذي أمر اللهُ به هو ما تواطَأُ فيه القلبُ واللسانُ، واعلموا أن هذا الفضلَ العظيمَ والأجرَ الكثيرَ ليس معلَّقاً على ذكرِ الشِّفَةِ واللسانِ فحسب، بل لا يثبت هذا الأجرُ الموعودُ إلا على ذكرٍيتواطأُ فيه القلبُ واللسانُ، فذكرُ اللهِ إن لم يخفِقْ به القلبُ، وإن لم تعُشْ به النفسُ، وإن لم يكن مصحوباً بالتضرُّع والتذلُّلِ والمحبَّةِ للهِ تعالى فلن يكونَ سبباً لتحصيلِ هذه المزايا والفضائلِ.وقد يسأل المرءُ ما سِرُّ تفضيلِ الذِّكرِ على سائرِ أنواعِ وأعمالِ البرِّ مع أنه خفيفٌ على اللسانِ، ولا يحصل به تعبٌ على الأبدانِ ؟فالجوابُ أن سرَّ هذا التفضيلِ هو أن الذكرَ يورِثُ يقظةَ القلبِ وحياتَه وصلاحَه؛ ولذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذي يذكُرُ ربَّه والذي لا يذكُرُ ربَّه مَثَلُ الحيِّ والميتِ»([9]) فالذكرُ حياةُ القلوب وصلاحُها، فالذكر للقلبِ كالماءِ للزرعِ بل كالماءِ للسمكِ، لا حياة له إلا به، فإذا حَيَت القلوبُ وصَلُحَت صلحت الجوارحُ واستقامت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسدِ مضغةً إذا صَلُحت صلُح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كُلُّه، ألا وهي القلبُ»([10]).فعليكم عبادَ اللهِ بالإكثارِ من ذكرِه سبحانه وعمارةِ الأوقاتِ والأزمانِ بالأذكارِ والأورادِ المطلقةِ والمقيدةِ، كقولِ: لا إلهَ إلا اللهُ فإنها من خيرِ الأقوالِ وأحبِّها إلى اللهِ، أو قول: سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إله إلا الله واللهُ أكبر، فإنها خيرٌ مما طلعت عليه الشمسُ، وغيرِذلك من الأقوالِ التي تنمَّى بها الحسناتُ وترفعُ بها الدرجاتُ وتوضعُ السيئاتُ,،فإن قصُرَت هِمتُك وضعفت قوَّتُك عن تلك المنازلِ الكبارِ، فلا أقلَّ من أن تحافظَ على الأذكارِ المؤقتةِ والمقيدةِ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأقل ذلك –؛أي: ما ينبغي على العبدِ المحافظةُ عليه من الأذكارِ- أن يلازمَ العبدُ الأذكارَ المأثورةَ عن معلِّمِ الخيرِ وإمامِ المتقين صلى الله عليه وسلم كالأذكارِ المؤقتةِ في أول النهار وآخره،وعند أخذِ المضجع،وعند الاستيقاظِ من المنامِ ،وأدبار الصلواتِ ،والأذكارِ المقيدةِ، مثل ما يقالُ عند الأكلِ والشربِ واللباسِ والجماعِ ودخولِ المنزلِ والمسجدِ والخلاءِ والخروجِ من ذلك وعندَ المطرِ والرعدِ وغيرِ ذلك"([11])، وقد صنفت في ذلك بعضُ الكتيِّباتِ فما عليك أيها المبارك إلا أن تقتنيَ واحداً من تلك المصنفاتِ وتواظبُ على المسابقةِ في الخيراتِ.ومما يشحذُ همتَك ويلهِبُ حماسَك ويجذبُك إلى ذكرِ مولاك أن تعلمَ أن للذكرِ فوائدَ كثيرةً وعواقبَ حميدةً لمن حافظ عليه وأَكثَرَ منه، وإليك بعض هذه الفوائد.فمن فوائد الذكر الكبار: أنه يورثُ محبةَ الله سبحانه وتعالى،فالذكرُ بابُ المحبة وشارعها الأعظمُ وصراطُها الأقوم، فكلما ازداد العبدُ لله ذكراً ازداد له حباً ،فمن أرادَ أن يفوزَ وينال محبةَ الله تعالى فليلهجْ بذكرِه.ومن فوائد ذكر الله تعالى: أنه يطردُ الشيطانَ ويقمعُه ويكسرُه، ويزيلُ الهمَّ والغمَّ والحزنَ، ويجلبُ للقلبِ الفرحَ والسرورَ والبسطَ، ففي الترمذي وأبي داود والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من قال – يعني:إذا خرج من بيته -: باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفيتَ وهُديتَ ووُقيتَ، وتنحَّى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووُقي»([12]). وقد ثبت أن الشيطانَ يهربُ من الأذانِ، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي للصلاةِ أدبرَ الشيطانُ وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويبُ أقبل حتى يخطرَ بين المرءِ ونفسِه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكرُ، حتى يظلَّ الرجلُ لا يدري كم صلى»([13]).ومنها: أنه يكسو الذاكرَ المهابةَ والحلاوةَ والنضرةَ، ويمُدُّه بالقوةِ في قلبه وبدنه حتى إنه ليفعل مع الذكرِ ما لا يفعله بدونِه؛ ولذلك علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمةَ وعليَّ بن أبي طالب رضي الله عنهما أن يسبحا كلَّ ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين ،ويحمدا ثلاثاً وثلاثين ،ويكبرا أربعاً وثلاثين لما سألته أن يعطيها خادماً وقال: «إنه خير لكما من خادم»([14]).ومنها: أن الذكرَ يورثُ ذكرَ اللهِ تعالى للعبدِ، قال الله تعالى:﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾([15])،وفي الحديث القدسي قال تعالى:«فإن ذكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم»([16]).
الحمدُ للهِ الذي زيَّن بذكرِه ألسنَ الذاكرين وأظهرَ من جميلِ أسمائِه وصفاتِه وأفعالِه ما سَرَّ به قلوبَ العارفين، فأثنى عليه بها المفرِّدُون الموحدون من الأولين والآخرين، أحمدُه تعالى وأشكرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.أما بعد. عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ وأكثِروا من ذكرِه، فإن ذكره سبحانه قوتُ قلوبِ الذَّاكِرين، وهو قُرَّةُ عيونِ الموحدين وهو عُدَّتُهم الكبرى، وسلاحُهم الذي لا يَبلى، وهو دواءُ أسقامِهم الذي متى تركوه أُصيبت منهم المقاتلُ، فانتَكَسوا على أعقابِهِم خاسرين.إذا مرِضْنا تَدَاويْنا بذِكرِكُمُ ونتركُ الذَّكرَ أحياناً فننتكسُفبالذكرِ يستدفعُ الذاكرون الآفاتِِ ويستكشفون الكرباتِ وتهون عليهم المصيباتُ، فإليه الملجأ إذا ادلهمت الخطوبُ، وإليه المفزعُ عند توالي الكوارِثِ والكُروبِ، به تنقشعُ الظُّلُماتُ والأكدارُ وتحلُّ الأفراحُ والمسرَّاتُ.وقد أمرَ الله تعالى به المؤمنين، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾([1]) ،وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾([2])،وقد أثنى اللهُ سبحانه وتعالى في كتابِه على الذَّاكِرِين، فقال تعالى:﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ إلى أن قال: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾([3]).وأما الأخبارُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقد دلَّتْ الأدلَّةُ على أن أفضلَ ما شغلَ العبدُ به نفسَه في الجملةِ ذكرُ اللهِ تعالى، فمن ذلك ما رواه أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم وأزكاها عند ملِيكِكُم وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذهبِ والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكم» قالوا: بلى، قال: «ذكرُ اللهِ تعالى» ([4]).ومن ذلك أيضاً ما رواه الإمام مسلم في "صحيحِه"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسيرُ في طريقِ مكةَ فمرَّ على جَبَلٍ يقال له:جُمدان فقال صلى الله عليه وسلم:(هذا جمدانُ سبقَ المفرِّدون) قالوا: وما المفرِّدون يا رسولَ الله؟ قال:«الذاكرون الله كثيراً والذاكرات»([5]).ومما يُظهِرُ فضلَ الذِّكرِ وعلوَ مرتبتِه ما أخرجه الترمذي عن عبد اللهِ بن بسرٍ رضي الله عنه أن رجلاً قال:"يا رسولَ اللهِ إن شرائعَ الإسلامِ قد كثُرَت عليَّ فأخبرْني بشيءٍ أتشبَّثُ به قال: «لا يزال لسانُك رطباً من ذكرِ الله»([6]).ومما يدل على ذلك أن اللهَ تعالى أمرَ المؤمنين بأن يذكروه قياماً وقعوداً وعلى جنوبِهم، فقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾([7]).وهكذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يذكُرُ اللهَ على كلِّ أحيانِه»([8]).أيها المؤمنون.اعلموا أن أعلى مراتبِ الذِّكرِ الذي أمر اللهُ به هو ما تواطَأُ فيه القلبُ واللسانُ، واعلموا أن هذا الفضلَ العظيمَ والأجرَ الكثيرَ ليس معلَّقاً على ذكرِ الشِّفَةِ واللسانِ فحسب، بل لا يثبت هذا الأجرُ الموعودُ إلا على ذكرٍيتواطأُ فيه القلبُ واللسانُ، فذكرُ اللهِ إن لم يخفِقْ به القلبُ، وإن لم تعُشْ به النفسُ، وإن لم يكن مصحوباً بالتضرُّع والتذلُّلِ والمحبَّةِ للهِ تعالى فلن يكونَ سبباً لتحصيلِ هذه المزايا والفضائلِ.وقد يسأل المرءُ ما سِرُّ تفضيلِ الذِّكرِ على سائرِ أنواعِ وأعمالِ البرِّ مع أنه خفيفٌ على اللسانِ، ولا يحصل به تعبٌ على الأبدانِ ؟فالجوابُ أن سرَّ هذا التفضيلِ هو أن الذكرَ يورِثُ يقظةَ القلبِ وحياتَه وصلاحَه؛ ولذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذي يذكُرُ ربَّه والذي لا يذكُرُ ربَّه مَثَلُ الحيِّ والميتِ»([9]) فالذكرُ حياةُ القلوب وصلاحُها، فالذكر للقلبِ كالماءِ للزرعِ بل كالماءِ للسمكِ، لا حياة له إلا به، فإذا حَيَت القلوبُ وصَلُحَت صلحت الجوارحُ واستقامت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسدِ مضغةً إذا صَلُحت صلُح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كُلُّه، ألا وهي القلبُ»([10]).فعليكم عبادَ اللهِ بالإكثارِ من ذكرِه سبحانه وعمارةِ الأوقاتِ والأزمانِ بالأذكارِ والأورادِ المطلقةِ والمقيدةِ، كقولِ: لا إلهَ إلا اللهُ فإنها من خيرِ الأقوالِ وأحبِّها إلى اللهِ، أو قول: سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إله إلا الله واللهُ أكبر، فإنها خيرٌ مما طلعت عليه الشمسُ، وغيرِذلك من الأقوالِ التي تنمَّى بها الحسناتُ وترفعُ بها الدرجاتُ وتوضعُ السيئاتُ,،فإن قصُرَت هِمتُك وضعفت قوَّتُك عن تلك المنازلِ الكبارِ، فلا أقلَّ من أن تحافظَ على الأذكارِ المؤقتةِ والمقيدةِ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وأقل ذلك –؛أي: ما ينبغي على العبدِ المحافظةُ عليه من الأذكارِ- أن يلازمَ العبدُ الأذكارَ المأثورةَ عن معلِّمِ الخيرِ وإمامِ المتقين صلى الله عليه وسلم كالأذكارِ المؤقتةِ في أول النهار وآخره،وعند أخذِ المضجع،وعند الاستيقاظِ من المنامِ ،وأدبار الصلواتِ ،والأذكارِ المقيدةِ، مثل ما يقالُ عند الأكلِ والشربِ واللباسِ والجماعِ ودخولِ المنزلِ والمسجدِ والخلاءِ والخروجِ من ذلك وعندَ المطرِ والرعدِ وغيرِ ذلك"([11])، وقد صنفت في ذلك بعضُ الكتيِّباتِ فما عليك أيها المبارك إلا أن تقتنيَ واحداً من تلك المصنفاتِ وتواظبُ على المسابقةِ في الخيراتِ.ومما يشحذُ همتَك ويلهِبُ حماسَك ويجذبُك إلى ذكرِ مولاك أن تعلمَ أن للذكرِ فوائدَ كثيرةً وعواقبَ حميدةً لمن حافظ عليه وأَكثَرَ منه، وإليك بعض هذه الفوائد.فمن فوائد الذكر الكبار: أنه يورثُ محبةَ الله سبحانه وتعالى،فالذكرُ بابُ المحبة وشارعها الأعظمُ وصراطُها الأقوم، فكلما ازداد العبدُ لله ذكراً ازداد له حباً ،فمن أرادَ أن يفوزَ وينال محبةَ الله تعالى فليلهجْ بذكرِه.ومن فوائد ذكر الله تعالى: أنه يطردُ الشيطانَ ويقمعُه ويكسرُه، ويزيلُ الهمَّ والغمَّ والحزنَ، ويجلبُ للقلبِ الفرحَ والسرورَ والبسطَ، ففي الترمذي وأبي داود والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من قال – يعني:إذا خرج من بيته -: باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كُفيتَ وهُديتَ ووُقيتَ، وتنحَّى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدي وكُفي ووُقي»([12]). وقد ثبت أن الشيطانَ يهربُ من الأذانِ، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نودي للصلاةِ أدبرَ الشيطانُ وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويبُ أقبل حتى يخطرَ بين المرءِ ونفسِه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكرُ، حتى يظلَّ الرجلُ لا يدري كم صلى»([13]).ومنها: أنه يكسو الذاكرَ المهابةَ والحلاوةَ والنضرةَ، ويمُدُّه بالقوةِ في قلبه وبدنه حتى إنه ليفعل مع الذكرِ ما لا يفعله بدونِه؛ ولذلك علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمةَ وعليَّ بن أبي طالب رضي الله عنهما أن يسبحا كلَّ ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين ،ويحمدا ثلاثاً وثلاثين ،ويكبرا أربعاً وثلاثين لما سألته أن يعطيها خادماً وقال: «إنه خير لكما من خادم»([14]).ومنها: أن الذكرَ يورثُ ذكرَ اللهِ تعالى للعبدِ، قال الله تعالى:﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾([15])،وفي الحديث القدسي قال تعالى:«فإن ذكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم»([16]).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.خالد المصلح
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.خالد المصلح