قَدِمَ رجل من بني عبس ، وكان ضريراً محطوم الوجه ، على الوليد بن عبد الملك ،
فسأله الوليد عن سبب ذلك ، فقال : بِتُّ ليله في وادٍ ولا أعلم في الأرض عبسياً يزيد
ماله على مالي ، فطرقنا سيل ، فذهب بما كان لي من أهل
وولد وبعير ومال ، إلا صبياً وبعيراً فنفر البعير والصبي معي ، فوضعته واتَّبعتُ البعير ،
فما جاوزت ابني قليلاً إلا ورأس الذئب في بطنه يفترسه ،
فتركته واتبعت البعير ، فرمحني رمحة حطم بها وجهي ، وأَذهب عيني ، فأصبحت لا
مال عندي ولا ولد ، حتى بصري قد فقدته كما ترى .
فقال الوليد : اذهبوا به الى عروة بن الزبير ، وكان قد أصابه بلاء متتابع ، ليعلم أن في
الناس من هو أعظم بلاءً منه .
مِن الناس مَن إذا أصابته مصيبة أو نابته نائبة أو أَلمَّ به خطب ، جل أو هان ،
أقام الدنيا وأقعدها ، وجعل يسب الزمان ، ويبغض الحياة ، ويكره العيش ،
وهذا لعمري ضعف في الإيمان ويأس من روح الله ،
إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
وكأني بمثل هذا الرجل ، لم يدر أن الله قد يدفع مصيبة عُظمى بغيرها أخفُّ حملاً ،
وألين وقعاً ، وأن في المصائب ما يكون تطهيراً للنفوس ، ومغفرة للذنوب ،
ومحواً للآثام ، وتكفيراً للخطايا ..
فقد رُوي أن رسول الله قال : " ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم
ولا حزن ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه "
فواجب إذاً أن نتلقى ابتلاء الله ، راضين صابرين مؤمنين بالقدر كله خيره وشره ،
وبأن كل مقدور لا محاله واقع ، ولا ينفع حذر من قدر .
قال تعالى : وبشر الصابرين .
وقال جل شأنه : أولئك يُجزون الغرفة بما صبروا .
وقال الرسول الأمين ، فيما يرويه عن ربه : من لم يرض بقضائي وقدري فليطلب رباً
سواي .
وبعد ،
فماذا فعل الوليد ؟
وقد جاءه الرجل يطلب في أغلب الظن غوثه ، ولعله يكون قد أغاثه ،
فيكون قد أرضى ربه ، وأرضى نبيه ، وأرضى دين ،
وأرضى بعد ذلك المروءة .
تعليق