بين الإخلاص والرياء
كم هو صعب أن نكون بين هذين الأمرين !
بين الإخلاص لله والرياء والعياذ بالله
ولعل أفضل ماأبدأ به همساتي هو قوله تعالى : " يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاْ تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأنتُمْ مُسلِمُونَ "
فلا تنسوا اخوتي كون الإخلاص أساس الدين بل هو حقيقة الدين وأذكركم بحديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : " قال تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معيَ فيه غيري تركته وشركه " رواه مسلم .
وقد تسألون اخوتي وهو من حقكم .. ماهو الإخلاص الذي يتوقف عليه حقيقة الدين ؟ !
نعم .. لا بد من تعريفه لكم كي يكون معكم وقربكم وبين أعينكم ولا تغفلون عنه أبدا فهو : أن يكون قصد الإنسان في سكناته وحركاته وعباداته الظاهرة والباطنة خالصة لوجه الله تعالى لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس .
نعم أخوتي وقد قال أحد العلماء : في تفسير الإخلاص فقال : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا .
إنظروا أخوتي إلى التعريف الدقيق كيف نكون مع الله في السر والعلن بل ربما نكون في السر أكثر بكاءا وإخلاصا لله من العلن وذلك لأنه سر لايعلمه إلا الله .
وهمسة رائعة أقولها عن الرياء الذي يداهمنا في كل مكان ويجعل للنفس حظ في العبادة والله المستعان ، فأقول : وبالرياء وترك الإخلاص لا يعطي الله على الكثير شيئاً ، ورُبَّ درهم سبق مئة ألف درهم ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والنوع الواحد من العمل ... قد يفعله الإنسان على وجه يكمن فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله به كبائر الذنوب ، كما في حديث البطاقة ..
وحديث البطاقة كما أخرجه الترمذي وحسنَّه النسائي وابن حبَّان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة .. فيُنشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجِّلٍ منها مدَّ البصر ، ثم يقال : أتنكر من هذا شيئاً !! أظلمك كتبتي الحافظون !! فيقول : لا يا ربي ، فيُقال : أفَلك عذر أو حسنة فيها ؟! فيقول الرجل : لا يا ربي ، فيُقال : بلى .إنَّ لك عندنا حسنة ..إنَّ لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيُخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فيقول : يا ربّي ما هذه البطاقة !.. ما هذه البطاقة ، وما تصنع مع هذه السجلات من الذنوب ! ، فيُقال : إنك لا تظلم اليوم . فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة ، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة ) صححه االذهبي رحمه الله .
تمعنوا اخوتي في حديث البطاقة ! فمن منّا لا يملك هذه البطاقة ؟!
ولكن السؤال هل وجدنا للإخلاص مكان ونحن نرددها ؟؟؟
نعم اخوتي أنَّ كل واحد منا له مثل هذه البطاقة ولكن من منا يدخل النار بذنوبه لقلة إخلاصه في توحيده لربِّه تبارك وتعالى ؟
نعوذ بالله من ذلك ، ونسأله الإخلاص في كل شيء
تعالواإذا اأخوتي لننظر نتائج عكس الإخلاص ؟
وكيف إن تتحول الطاعة إلى ذنب عظيم تدخل صاحبه النّار والعياذ بالله ؟!!
لنتأمل هذا الحديث :
كما جاء في حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَم يقول : ( إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجلٌ اُستشهد فأُتي به فعرَّفه نعمته فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟! قال : قاتلت فيك حتى اُستشهدت ، قال : كذبت ، ولكنك قاتلت ليقال جرئ و لقد قيل ، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار ..
وآخر تعلَّم العلم وعلَّمه ، وقرأ القرآن . فأُتي به فعرَّفه الله بنعمته عليه فعرفها ، قال : فما عملت ؟! قال : تعلَّمت العلم وعلَّمته وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت .ولكن تعلَّمت ليقال عالم و قارئ و قد قيل ، ثم يؤمر به فيُسحب على وجهه في النار فيُلقى فيها والعياذ بالله.
وآخر وسَّع الله عليه وأعطاه من صنوف المال. فأُتي به فعرَّفه الله نعمه عليه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ، ألا أنفقت فيها ؟!، قال : ما تركت من سبيل تحبُّ أن يُنفق فيها لك إلا أنفقت فيه ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال جواد وقد قيل ، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار )
وآخر الهمس أقول :
إنه الإخلاص الذي يجعل للأعمال قيمة عند الله تبارك وتعالى ، فلا إنفاق، ولا استشهاد ، ولا قراءة قرآن دون إخلاص ... وكلها لا تساوي شيء عند لله ربِّ العالمين إلا بالإخلاص
عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك
لعلي أبدأها بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام
وعظنا رسول الله -- موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع؛ فأوصنا –أو بماذا تعهد إلينا-. فقال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة .
"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، "
فهذه هي همستي الثانية .. كلٌ منا يحتاج بعد إخلاص العمل لله والنية الصالحة التمسك بسنته .
وإنه ليحزنني أن أرى أمة الرسول وهي تفرّط بهذا الأصل العظيم ! فنرى إختلافات وبدع لاتمت للإسلام بصلة كلها جاءت من تركنا التمسك بسنته ..
ومن وصايا الإمام مالك رحمه الله : :" الزم ما قاله رسول الله في حجة الوداع: "أمران تركتهما لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه".(اعلام الموقعين1/256)
فأين تمسكنا بهذه الوصية العظيمة ؟! .. لماذا نسمع كل شيء ونصدقه ؟ ألا يكون الأجدر بنا أن نقول لمن يخبرنا بشيء من الدين من أين لك هذا ؟
نعم اخوتي... هل قالها رسول الله ؟ أم هل هي من الكتاب الكريم ؟ وهل فعلها الخلفاء الراشدين ؟؟
كل هذه الأسئلة ضعها نصب عينيك وأنت تستمع لمن يخبرك بأن هذا حلال .. وهذا حرام
من أجل ذلك يقول ابن قيم الجوزية - رحمه الله - : ( العلم : قال الله ، قال رسوله ، قال الصحابة ليس بالتمويه .
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
بين الرسول وبين رأي فقيهِ
. كلا ولا جحد الصفات ونفيها
حذرًا من التعطيل والتشبيه ) .
فمتى يرقى بنا الحال كما كان الصحابة رضوان الله عليهم عندما يسمعون آية فيها ياآيها الذين آمنوا .. أنصتوا فإذا كانت آية نهي قالوا إنتهينا وإذا كانت آية حل قالوا سمعنا وأطعنا ... ألله أكبر
أين نحن من هؤلاء ..
والكثير الكثير يسمعون آيات النهي ، فيعلل ويجادل ويفتي ويفسر بما يمليه عليه الهوى !!
كيف نكون ؟!! خير أمة أخرجت للناس ؟!!
والله لن نكون هذه الأمة إلا إذا تمسكنا بالكتاب العظيم الذي بين أيدينا وبسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم .
ولعل آخر الهمس أقول : اتسموا بصفات تميزكِم بأنكِم من أمة الحبيب المصطفى بتمسككِم بالكتاب والسنة ، وكونوا خير قدوة لجيل آت
عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك
عندما مسكت أناملي القلم لتخط الهمسة الثالثة ، وقفت برهة وفكرت بم سوف أهمس ؟
فرحت أفتش بين دفاتري وأوراقي فوجدت شعراً رائعاً لشاعر سوداني يحمل معاني عظيمة فلم أجد أحسن منها همسة لكم
تقبلوها مني اخوتي
حيث فيها معانِ وحكم ودلالات رائعة
التوحيد
الكون مشحون بأسرار إذا
حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى
اشافي الأمراض : من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما
عجزت فنون الطب : من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة
من بالمنايا ياصحيح دهاكا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة
هوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام
ا اصطدام : من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا
راع ومرعى : مالذي يرعاكا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء
لدى الولادة : مالذي أبكاكا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه
فاسأله : من ذا بالسموم حشاكا؟
وأسأله كيف تعيش ياثعبان أو
تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت
شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين
دم وفرث مالذي صفاكا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا
ميت فاسأله: من أحياكا؟
وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً
أله : مِنْ أين البياضُ أتاكا؟
وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً
فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟
قل للنبات يجف بعد تعهد
ورعاية : من بالجفاف رماكا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو
وحده فاسأله : من أرباكا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا
أنواره فاسأله : من أسراكا؟
وأسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد
كلّ شيء مالذي أدناكا؟
قل للمرير من الثمار من الذي
بالمر من دون الثمار غذاكا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
فاسأله : من يانخل شق نواكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها
فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟
وإذا ترى الجبل الأشم منا طحاً
قمم السحاب فسله من أرساكا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال
جرى فسله؟ من الذي أجراكا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج
طغى فسله: من الذي أطغاكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا
فاسأله : من ياليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً
فاسأله: من ياصبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها
عيناك وانفتحت بها أذناكا!
والله في كل العجائب ماثل
إن لم تكن لتراه فهو يراكا؟
يا أيها الإنسان مهلا مالذي
بالله جل جلاله أغراكا؟
عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك
همستي الرابعة أردتها أن تكون من همسات الحب والعشق اللامنتهي انه حب الله
أليس حب الله هو رأس الايمان
والحامل والباعث على العمل رغم المشقة الحاصلة منه؛
وهو أس العبودية وأساسها؛
والمُحب لله تعالى مؤثر له على كل شيء في الوجود؛
والمحبون لله تعالى هم القائمون بأوامره الشرعية؛
والمنتهون عن زواجره
- رضي اللَّهُ عنه -
عن النّبيّ - صلّى اللَّهُ عليه وسلّم - قال )
ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان
من كان اللّه ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما
ومن أحبّ عبدا لا يحبّه إلّا للّه
ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اللّه
كما يكره أن يلقى في النّار)(1)
وروى البخاري في صحيحه
عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه؛ )
أنّ رجلا سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم
متى السّاعة يا رسول اللّه؟
قال: ما أعددت لها؟
قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة
ولكنّي أحبّ اللّه ورسوله
قال: أنت مع من أحببت)(2)
قال العلامة ابن القيم رحمه الله
والقرآن والسّنّة مملوءان بذكر من يحبّه اللّه سبحانه
من عباده المؤمنين
وذكر ما يحبّه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم
كقوله تعالى ï´؟ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ï´¾
(آل عمران/ 146)ï´؟ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾
(آل عمران/ 134، 148)
فلو بطلت مسألة المحبّة
لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان
ولتعطّلت منازل السّير إلى اللّه
فإنّها روح كلّ مقام ومنزلة وعمل
فإذا خلا منها فهو ميّت لا روح فيه
ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها
بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام
فإنّه الاستسلام بالذّلّ والحبّ والطّاعة للّه
فمن لا محبّة له لا إسلام له البتّة
بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلّا اللّه
فإنّ «الإله» هو الّذي يألهه العباد حبّا وذلّا
وخوفا ورجاء
وتعظيما وطاعة له، بمعنى «مألوه»
وهو الّذي تألهه القلوب
أي تحبّه وتذلّ له
عامِل الناسَ بِـ جمالِ قَلّبك ، وطيبتِهِ ، ولا تَنتظر رداً جميلاً ، فَـ إن نَسوها لا تَحزن ، فَـ الله لَن ينساك
تعليق