الحمد لله الكبير المتعال، ذي العظمة والكبرياء والجلال والجمال، له الأسماء الحُسنى والصفات العُلى والعطاء والنوال، أحمده حمد الشاكرين، وأُثْني عليه ثناء الذاكرين، لا أُحصي ثناءً عليه؛ هوكما أَثْنى على نفسه، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ إله الأولين والآخرين، وقَيُّوم السماوات والأرض، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون، عباد الله، اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
ثم اعلموا - رعاكم الله - أن من مقامات الدين العظيمة ومنازله العالية الرفيعة معرفةَ الربِّ العظيم والخالق الجليل؛ بمعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، وما تعرَّف به إلى عباده في كتابه وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل إنَّ هذا - عباد الله - أساس من أُسس الدين العظيمة، وأصل من أصول الإيمان المتينة، وقوام الاعتقاد، وأصلُه وأساسُه معرفة الله - جل وعلا - بمعرفة أسمائه وصفاته، ما أعظمَه من مقام، وما أجلَّها من منزلة، وما أعلاها من رتبة حينما يعرف المخلوق خالقه وربَّه، وسيده وموجده ومولاه؛ فيتعرف على عظمته وجلاله، وجماله وكبريائه، ويتعرَّف على أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى على ضوء ما جاء في كتاب الله وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
وكتاب الله - جل وعلا - فيه آيات متكاثرة، ونصوص متضافرة فيها الدعوة إلى معرفة الله، ومعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، وبيان ما يترتَّب على هذه المعرفة من الآثار الحميدة، والنهايات الرشيدة، والمآلات الطيبة؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، ويقول الله - تعالى -: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110]، ويقول الله - تعالى -: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُولَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، ويقول الله - جل وعلا -: ﴿ هُواللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوعَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُواللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوالْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُواللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22-24].
عباد الله:
بل جاء في القرآن الكريم آيات صريحة ونصوص واضحة فيها الدعوة إلى تعلُّم الأسماء والصفات، ومعرفتها ومعرفة الله - تبارك وتعالى - بها، وفي القرآن الكريم قُرابة الثلاثين آية فيها الدعوة إلى العلم بأسماء الله وصفاته؛ كقوله - جل وعلا -: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 209]، وقوله - تبارك وتعالى-: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 98]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 244]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، وقوله - جل وعلا -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
عباد الله:
إن معرفة الله - عز وجل - ومعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العظيمة باب شريف من العلم له الأثر البالغُ على من اعتنى به وفَهمه؛ يقول - صلى الله عليه وسلم - كما في الصّحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: إنَّ للهِ تسعةً وتسعين اسمًا ، مائةً إلا واحدًا ، من أحصاها دخل الجنةَ الراوي: أبو هريرة المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7392
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
تأمل - رعاك الله - هذا الأثر العظيم والنهاية الطيبة لمن أحصى تسعة وتسعين اسمًا من أسماء الله، فإن مآله - بإذن الله - إلى دخول الجنة، وليس المراد - عباد الله - بإحصاء أسماء الله في هذا الحديث حفظ ألفاظها فقط دون علم بمعرفة معانيها ودلالاتها، ودون قيام بمقتضياتها وموجباتها، بل المطلوب في الإحصاء - عباد الله - العلم بمعاني أسماء الله مع حفظها وفَهْمها، والقيام بما تقتضيه، فهي ثلاثة مراتب؛ المرتبة الأولى حفظها، والمرتبة الثانية فَهْم معانيها، والمرتبة الثالثة القيام بالعبوديات المختصة بها.
ومعنى ذلك - عباد الله - أنَّه ما من اسم من أسماء الله - جل وعلا - إلا وله عبودية مختصة به، وهي من موجبات العلم بذلك الاسم، بل إن لكثير من الأسماء عبوديات كثيرة، فما أعظم - عبادَ الله - أن يُقبل العبد على معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته الواردة في كتابه وسنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ولعلّنا - عباد الله - نضرب بعض الأمثلة على ذلك يتضح بها المقصود، يقول الله - جل وعلا -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
في هذه الآية الكريمة أخبر - جل وعلا - عن نفسه بأنه سميع بصير، وفي آيات كثيرة جاء الإخبار عنه - تبارك وتعالى - بهذين الاسمين العظيمين، فإذا عرفتَ أيُّها المؤمن أن الله - عز وجل - من أسمائه الحُسنى السميع، فعليك أن تعرف الصفة العظيمة التي دل عليها هذا الاسم العظيم، ألا وهي أن الله - عز وجل - سميع لجميع الأصوات - جل وعلا - يسمع جميع الأصوات عاليها وخافضها، لا يخفى عليه - تبارك وتعالى - منها صوت، بل إن العباد - عباد الله - لووقفوا من زمن آدم إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، لووقفوا جميعُهم في صعيد واحد وسألوا الله - عز وجل - في لحظة واحدة، وكلٌّ منهم يذكر مسألةً خاصة به وبلغات مختلفة ولهجات متباينة، لسمع - عز وجل - أصوات الجميع دون أن يختلط عليه صوت بصوت، ولا حاجة بحاجة، ولا لغة بلغة، وانظر ذلك في قوله - سبحانه وتعالى - في الحديث القدسي المخرَّج في صحيح مسلم؛ حيث يقول - تعالى -: "يا عبادي، لوأن أوَّلكم وآخركم، وإنسكم وجنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كلَّ واحد منكم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي"
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4345
خلاصة حكم المحدث: صحيح
، جاءت المرأة المجادِلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته؛ لتشتكي إلى الله وكانت تجادل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت عائشة - رضي الله عنها - في البيت، فتقول عائشة: كنت أسمع بعض كلامها، ويغيب عني بعضه، وما إن انتهت المجادلة من مجادلتها إلا وينزل قول الله - تعالى -: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].
تقول عائشة - رضي الله عنها -: سبحان الذي وسع سمعُه الأصوات.
فإذا آمنت - أيُّها المؤمن - بأن الله - عز وجل - يسمع صوتك، يسمع كلامك، فكيف يليق بك أن تُسْمِع ربَّك - تبارك وتعالى - من الكلام ما لا يليق، ومن الأقوال ما هو باطل؟! كيف لا تنشغل بذكر الله وتلاوة آياته، وتسبيحه وحمده، والثناء عليه - تبارك وتعالى - فلا يسمع منك - جل وعلا - إلا القول السديد والكلام النافع؟! لماذا لا تحفظ الأقوال؟ ولماذا لا تضبط الكلمات؟ أليس الله - جل وعلا - يسمع كلامنا، ويرى مقامنا ويعلم بحالنا؟!
وإذا آمنت - أيها المؤمن - بأن الله - عز وجل - بصير، وأن من أسمائه الحُسنى البصير، فآمن بالصفة التي دل عليها هذا الاسم، وهو أن الله - عز وجل - بصير بجميع المُبْصرات؛ يرى كل شيء - سبحانه وتعالى - يرى جميع المخلوقات، وجميع الكائنات من فوق سبع سماوات، يرى - جل وعلا - مِن فوق سبع سماوات دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظُلمة الليل، بل إنه - عز وجل - يرى جريان الدم في عروقها، ويرى - جل وعلا - كل جزء من أجزائها، يرى ذلك - جل وعلا - من فوق سبع سماوات، ولو دنوت من هذه النملة على هذا الحال والوصف، لَمَا رأيتها، فما أعظم بصرَ الله - جل وعلا.
أيها المؤمن، إذا علمت أن الله بصير بك، ألا تستحي من الله أن يراك وأنت تعيش في نعمة الله وعطيّته ومنته، وفي ملكه - سبحانه وتعالى - ثم تبارزه بالذنوب والمعاصي، والخطايا والآثام، ألست تعلم بأن الله بصير بك يراك، ويطلع عليك ولا تخفى عليه منك خافية؟!
وهكذا - عباد الله - بقية أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ينبغي علينا أن نُعْنَى بها فَهْمًا وتدبُّرًا، ثم من بعد ذلك قيامًا بحقوقها وموجباتها؛ من مراقبة الله - عز وجل - وخوفه وخشيته، والإنابة إليه، والإقبال على طاعته، وقد قال بعض السلف: "من كان بالله أعرف، كان منه أخوف، ولعبادته أطلب، وعن معصيته أبعد"، وهذا المعنى مذكور في القرآن في قول الله - جل وعلا -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] قال ابن عباس - رضي الله عنهما - "أي العلماء بأن الله على كل شيء قدير"، فأنت إذا علمت بأسماء الله وقدرة الله، وعلمت هذا الباب العظيم، أثَّر في حياتك تأثيرًا عظيمًا، وكانت له من الفوائد والآثار والثمار اليانعة ما لا يُحصى، ولا يًعد؛ فنسأل الله - جلّ وعلا - أن يبصرنا وإياكم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفره يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
أيها المؤمنون، عباد الله، اتقوا الله؛ فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
ثم اعلموا - رعاكم الله - أن من مقامات الدين العظيمة ومنازله العالية الرفيعة معرفةَ الربِّ العظيم والخالق الجليل؛ بمعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، وما تعرَّف به إلى عباده في كتابه وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل إنَّ هذا - عباد الله - أساس من أُسس الدين العظيمة، وأصل من أصول الإيمان المتينة، وقوام الاعتقاد، وأصلُه وأساسُه معرفة الله - جل وعلا - بمعرفة أسمائه وصفاته، ما أعظمَه من مقام، وما أجلَّها من منزلة، وما أعلاها من رتبة حينما يعرف المخلوق خالقه وربَّه، وسيده وموجده ومولاه؛ فيتعرف على عظمته وجلاله، وجماله وكبريائه، ويتعرَّف على أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى على ضوء ما جاء في كتاب الله وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
عباد الله:
وكتاب الله - جل وعلا - فيه آيات متكاثرة، ونصوص متضافرة فيها الدعوة إلى معرفة الله، ومعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العُلى، وبيان ما يترتَّب على هذه المعرفة من الآثار الحميدة، والنهايات الرشيدة، والمآلات الطيبة؛ يقول الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180]، ويقول الله - تعالى -: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110]، ويقول الله - تعالى -: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُولَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، ويقول الله - جل وعلا -: ﴿ هُواللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوعَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوالرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُواللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوالْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُواللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22-24].
عباد الله:
بل جاء في القرآن الكريم آيات صريحة ونصوص واضحة فيها الدعوة إلى تعلُّم الأسماء والصفات، ومعرفتها ومعرفة الله - تبارك وتعالى - بها، وفي القرآن الكريم قُرابة الثلاثين آية فيها الدعوة إلى العلم بأسماء الله وصفاته؛ كقوله - جل وعلا -: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 209]، وقوله - تبارك وتعالى-: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 98]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 244]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، وقوله - جل وعلا -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
عباد الله:
إن معرفة الله - عز وجل - ومعرفة أسمائه الحُسنى وصفاته العظيمة باب شريف من العلم له الأثر البالغُ على من اعتنى به وفَهمه؛ يقول - صلى الله عليه وسلم - كما في الصّحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: إنَّ للهِ تسعةً وتسعين اسمًا ، مائةً إلا واحدًا ، من أحصاها دخل الجنةَ الراوي: أبو هريرة المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7392
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
تأمل - رعاك الله - هذا الأثر العظيم والنهاية الطيبة لمن أحصى تسعة وتسعين اسمًا من أسماء الله، فإن مآله - بإذن الله - إلى دخول الجنة، وليس المراد - عباد الله - بإحصاء أسماء الله في هذا الحديث حفظ ألفاظها فقط دون علم بمعرفة معانيها ودلالاتها، ودون قيام بمقتضياتها وموجباتها، بل المطلوب في الإحصاء - عباد الله - العلم بمعاني أسماء الله مع حفظها وفَهْمها، والقيام بما تقتضيه، فهي ثلاثة مراتب؛ المرتبة الأولى حفظها، والمرتبة الثانية فَهْم معانيها، والمرتبة الثالثة القيام بالعبوديات المختصة بها.
ومعنى ذلك - عباد الله - أنَّه ما من اسم من أسماء الله - جل وعلا - إلا وله عبودية مختصة به، وهي من موجبات العلم بذلك الاسم، بل إن لكثير من الأسماء عبوديات كثيرة، فما أعظم - عبادَ الله - أن يُقبل العبد على معرفة الله، ومعرفة أسمائه وصفاته الواردة في كتابه وسنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ولعلّنا - عباد الله - نضرب بعض الأمثلة على ذلك يتضح بها المقصود، يقول الله - جل وعلا -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوالسَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
في هذه الآية الكريمة أخبر - جل وعلا - عن نفسه بأنه سميع بصير، وفي آيات كثيرة جاء الإخبار عنه - تبارك وتعالى - بهذين الاسمين العظيمين، فإذا عرفتَ أيُّها المؤمن أن الله - عز وجل - من أسمائه الحُسنى السميع، فعليك أن تعرف الصفة العظيمة التي دل عليها هذا الاسم العظيم، ألا وهي أن الله - عز وجل - سميع لجميع الأصوات - جل وعلا - يسمع جميع الأصوات عاليها وخافضها، لا يخفى عليه - تبارك وتعالى - منها صوت، بل إن العباد - عباد الله - لووقفوا من زمن آدم إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، لووقفوا جميعُهم في صعيد واحد وسألوا الله - عز وجل - في لحظة واحدة، وكلٌّ منهم يذكر مسألةً خاصة به وبلغات مختلفة ولهجات متباينة، لسمع - عز وجل - أصوات الجميع دون أن يختلط عليه صوت بصوت، ولا حاجة بحاجة، ولا لغة بلغة، وانظر ذلك في قوله - سبحانه وتعالى - في الحديث القدسي المخرَّج في صحيح مسلم؛ حيث يقول - تعالى -: "يا عبادي، لوأن أوَّلكم وآخركم، وإنسكم وجنَّكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كلَّ واحد منكم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي"
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4345
خلاصة حكم المحدث: صحيح
، جاءت المرأة المجادِلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته؛ لتشتكي إلى الله وكانت تجادل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت عائشة - رضي الله عنها - في البيت، فتقول عائشة: كنت أسمع بعض كلامها، ويغيب عني بعضه، وما إن انتهت المجادلة من مجادلتها إلا وينزل قول الله - تعالى -: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1].
تقول عائشة - رضي الله عنها -: سبحان الذي وسع سمعُه الأصوات.
فإذا آمنت - أيُّها المؤمن - بأن الله - عز وجل - يسمع صوتك، يسمع كلامك، فكيف يليق بك أن تُسْمِع ربَّك - تبارك وتعالى - من الكلام ما لا يليق، ومن الأقوال ما هو باطل؟! كيف لا تنشغل بذكر الله وتلاوة آياته، وتسبيحه وحمده، والثناء عليه - تبارك وتعالى - فلا يسمع منك - جل وعلا - إلا القول السديد والكلام النافع؟! لماذا لا تحفظ الأقوال؟ ولماذا لا تضبط الكلمات؟ أليس الله - جل وعلا - يسمع كلامنا، ويرى مقامنا ويعلم بحالنا؟!
وإذا آمنت - أيها المؤمن - بأن الله - عز وجل - بصير، وأن من أسمائه الحُسنى البصير، فآمن بالصفة التي دل عليها هذا الاسم، وهو أن الله - عز وجل - بصير بجميع المُبْصرات؛ يرى كل شيء - سبحانه وتعالى - يرى جميع المخلوقات، وجميع الكائنات من فوق سبع سماوات، يرى - جل وعلا - مِن فوق سبع سماوات دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في ظُلمة الليل، بل إنه - عز وجل - يرى جريان الدم في عروقها، ويرى - جل وعلا - كل جزء من أجزائها، يرى ذلك - جل وعلا - من فوق سبع سماوات، ولو دنوت من هذه النملة على هذا الحال والوصف، لَمَا رأيتها، فما أعظم بصرَ الله - جل وعلا.
أيها المؤمن، إذا علمت أن الله بصير بك، ألا تستحي من الله أن يراك وأنت تعيش في نعمة الله وعطيّته ومنته، وفي ملكه - سبحانه وتعالى - ثم تبارزه بالذنوب والمعاصي، والخطايا والآثام، ألست تعلم بأن الله بصير بك يراك، ويطلع عليك ولا تخفى عليه منك خافية؟!
وهكذا - عباد الله - بقية أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ينبغي علينا أن نُعْنَى بها فَهْمًا وتدبُّرًا، ثم من بعد ذلك قيامًا بحقوقها وموجباتها؛ من مراقبة الله - عز وجل - وخوفه وخشيته، والإنابة إليه، والإقبال على طاعته، وقد قال بعض السلف: "من كان بالله أعرف، كان منه أخوف، ولعبادته أطلب، وعن معصيته أبعد"، وهذا المعنى مذكور في القرآن في قول الله - جل وعلا -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] قال ابن عباس - رضي الله عنهما - "أي العلماء بأن الله على كل شيء قدير"، فأنت إذا علمت بأسماء الله وقدرة الله، وعلمت هذا الباب العظيم، أثَّر في حياتك تأثيرًا عظيمًا، وكانت له من الفوائد والآثار والثمار اليانعة ما لا يُحصى، ولا يًعد؛ فنسأل الله - جلّ وعلا - أن يبصرنا وإياكم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفره يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
تعليق