إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحلة البحث عن اليقين * د / خالد أبو شادي *

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحلة البحث عن اليقين * د / خالد أبو شادي *




    رسالة

    أبعث بها إلى من ظل سنوات عديدة .. يسير بلا هدف .. ويمضي على غير هدى .. لا قيمة لحياته ... أخذت الدنيا منه كل شئ : عقله وروحه ووقته فلم تدع للآخرة شيئا ..



    أخي .. لو علمت علم اليقين ، أو أبصرت غاية النعيم، أو اطلعت على الجنة لحظة ، أو نلت من النار نظرة ، أو تقلبت في ظلمات القبر برهة لكان الحال غير الحال.



    كل مولود يولد على الفطرة غرس الله فيه الشوق إلى الجنة والخوف من النار ، لكن زحف الشيطان على رصيد الفطرة الكامن وسرقته من هذا الكنز أدى إلى اهتزاز صورة الجنة في الأذهان ، وبدلا من التصديق كان التخمين ، وتوارى البذل والإقدام ليتقدم الجبن والخذلان ، وصار الناس بما في أيدي البشر أوثق مما في يد رب البشر ، وانقلبت الدنيا حقيقة لتصبح الآخرة خيالا ، وغدت المواعظ والآيات لا تنتزع من الناس غير كلمات الإعجاب ومصمصة الشفاه ، وأصبح وجود الحساب والجزاء عندهم مسألة فيها نظر ، هم لا ينطقون هذا بلسانهم لكن كفر جوارحهم يشهد ،وميزان سيئاتهم يشهد ، ورائحة ذنوبهم تشهد ، وقلة حسناتهم تشهد .



    أخي …
    المنن توقظ الهمم .... والجوائز تنتظر الفائز
    والله لو كُشِف الحجاب عن الناس لحظة ... ليروا الجنة رأي العين إذا لأفنوا أعمارهم عن عبادة الله لا يفترون وفي مرضاته يتنافسون ، ولو أشرق من ثناياها نور لقلب ليلهم نهارا به يقومون و بأسحاره يستغفرون ولكن شاءت إرادة الله أن يختبر عباده في إيمانهم بالغيب وهذا هو جوهر الإيمان.



    (اليقين) الذي صنع وما يزال يصنع نماذج بذل وتضحية لا يصدقها عقل إذا قاسها بمقياس المادة ، لكن الأمر مع العقيدة يختلف.

  • #2
    رد: رحلة البحث عن اليقين * د / خالد أبو شادي *

    (اليقين)

    الذي إن حل في القلب رأيت الفرق واضحا بين من حازه و من حُرم منه ، كالفارق بين الحرير الطبيعي والحرير الصناعي ، أو بين النائحة الثكلى والنائحة المستأجرة ، و الفارق بين الصوت والصدى ، أو بين الأسد وصورة الأسد.





    (اليقين)

    هو السر الذي سبقنا به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنهم ما سبقونا بكثرة صلاة أو عبادة فحسب ، بل سبقونا بهذا الرصيد الخفي الذي لا يطلع عليه أحد إلا الذي يطلع على خفايا الصدور و مكنونات القلوب

    إنه كنز اليقين




    آه من إنسان ضيّع أوراق هويته ، وتاه عما خلق له ، وُعد بالجنة فنام ، ورضي من الدين بالكلام ، أخي .... متى تنتبه من نومتك ، متى تستيقظ من غفلتك ، متى تفيق من سكرتك ، متى تعمل لمصرعك ، إن كان كل الكدح للدنيا فما الذي تركته للآخرة ؟!





    أخي... لو تجرعت كأس يقين لذهبت وساوسك ، ولو أشرقت شمس الجنة على قلبك لانقشعت عنه سحب الهوى ، ولو عاش إيمانك لمات شيطانك.
    ساعدني بالله عليك .. أعني على نفسك .. أريد أن أخذ بيدك ، وأنقذك من براثن عدوك ، وأنزع عنك وساوسه ، سأحرقها بإذن الله ولن تثبت أمام آيات الرحمن و أحاديث النبي العدنان ، سأرسل كلمات وعظي صواعق تحرق خداعه ونارا تدمر شباكه ، ولن أكتفي بذلك فحسب بل .. سأغزوه في عقر داره حتى لا يجرؤ بعدها على مبارزتك.




    الطريق قد وضح ، والحق قد لاح ، والداعي قد أسمع ، فما التحير بعد كل هذا إلا من العمى.
    فخذ مني وإن قصّرتُ في عملي ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري
    هدفنا أن يصنع الموقن على عين الله ورعايته لتكون أبرز ملامحه أن الدنيا سجنه ، والخلوة مجلسه ، والاعتبار فكرته ، والقرآن حديثه ، والله أنيسه ، والذكر رفيقه ، والزهد قرينه ، والحزن شأنه ، والحياء شعاره ، والجوع إدامه ، والحكمة كلامه ، والتقوى زاده ، والصمت غنيمته ، والصبر معتمده ، والتوكل حسبه ، والعبادة حرفته ، والجنة منتهاه .

    تعليق


    • #3
      رد: رحلة البحث عن اليقين * د / خالد أبو شادي *


      فضل اليقين




      (1) غفران الذنوب :



      عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
      " أسرف رجل على نفسه فلمّا حضر الموت أوصى بنيه فقال : إذا أنا مت فاحرقوني ، ثم اسحقوني ثم ذرّوني في الريح في البحر ، فوا لله لئن قدر عليّ ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً ، قال : ففعلوا به ذلك ، فقال للأرض : أدّي ما أخذت فإذا هو قائم ، فقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ ، قال : خشيتك أو مخافتك يا رب ، فغفر له ذلك "(1).
      ولكن ما علاقة الخوف في هذا الحديث باليقين ؟!





      اعلم أخي أن الخوف لا يكون إلا بعد اليقين ، فمرد الفضل كله إلى اليقين الذي يزرع الخوف في الأفئدة ، وفي آخر طريق الخوف ينتظرك غفران الذنوب على شوق ولهفة ، فمن ثمرات اليقين إذن غفران الذنوب أو حبوط الذنوب كما في لغة صاحب معاذ بن جبل - رضي الله عنه - الذي جاءه رجل ، فقال لمعاذ :
      أخبرني عن رجلين أحدهما مجتهد في العبادة كثير العمل قليل الذنوب إلاّ أنه ضعيف اليقين يعتريه الشك في أموره ؟
      فقال معاذ : ليحبطنّ شكه أعماله .
      قال : فأخبرني عن رجل قليل العمل إلاّ أنه قوي اليقين وهو في ذلك كثير الذنوب ، فسكت معاذ ، فقال الرجل :
      والله لئن أحبط شك الأول أعمال برّه ليحبطنّ يقين هذا ذنوبه كلها . قال : فأخذ معاذ بيده وقام قائماً ثم قال : ما رأيت الذي هو أفقه من هذا (2).







      (2) صلاح هذه الأمّة :


      قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

      " صلاح أول هذه الأمّة بالزهد واليقين ، ويهلك آخرها بالبخل والأمل "(3).




      قال سفيان الثوري : لو أنّ اليقين استقر في القلب كما ينبغي لطار فرحاً وحزناً شوقاً إلى الجنة أو خوفاً من النار .




      والمتأمل في منهج تربية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه يرى أنه ظلّ طوال ثلاثة عشر عاما في مكة يبني هذا الأساس المتين المسمى : اليقين

      والذي بُني عليه صرح الإسلام العظيم ، فكان هو الزاد الذي بلّغ الصحابة أروع درجات البذل والتضحية والفداء ،والذي لولا النقل الصحيح المتواتر لقلنا ذاك ضرب من خيال بل هو الشيء المحال ، هذا المنهج التربوي هو - بلا ريب - أعظم طريقة لتفجير طاقات النفس المؤمنة وتأجيج حماسها ، بل لا سبيل إلى ذلك غيره .





      قامت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بشرح هذا المنهج في إبانة ووضوح فقالت :
      " إنما نزل أول ما نزل منه (القرآن) سورة من الُمفصّل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل :لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا "(4).






      (1) رواه الشيخان وابن ماجة عن أبي هريرة كما في صحيح ابن ماجة رقم (3451).
      (2) قوت القلوب ص(275 , 276) - أبو طالب المكي - ط دار إحياء الكتب العربية.
      (3) رواه أحمد والطبراني في الأوسط ، وحسنه الألباني في ص ج ص رقم(3845).
      (4) رواه البخاري عن يوسف بن ماهك رقم(4609).

      تعليق


      • #4
        رد: رحلة البحث عن اليقين * د / خالد أبو شادي *

        (3) عينان في القلب :

        قال شيخ أهل الشام خالد بن معدان :

        " ما من أدمي إلاّ وله أربع أعين : عينان في رأسه يبصر بهما أمر الدنيا ، وعينان في قلبه يبصر بهنا أمر الآخرة ، فإذا أراد الله بعبده خيراً فتح عينيه التي في قلبه فأبصر بهما ما وعد بالغيب ، فأمن الغيب بالغيب ".





        أين عينا قلبك ؟ آه لو كان في قلبك قنطار يقين .. مثقال يقين .. ذرة يقين .. لبلغت مقام الصالحين ولزاحمت في الجنة المتقين ولما شغلتك دنيا عن آخرة ، ولما ألهتك غانية عن جارية ، لأن عينا قلبك مفتوحتان ليس فيهما عمش أو قصر نظر.





        - عينا رأسك تُريك المال الحرام نعيما و ترفا ، لكن عيني قلبك تريك إياه جمرة من نار تحرق بها نفسك.





        - عينا رأسك تُريك الخلوة غيابا عن الرقيب وفرصة للانفكاك من عيون البشر ، لكن عيني قلبك تريك الله عليك شهيدا و لأعمالك رقيبا فلا فارق عندك بين سر وجهر أو باطن وظاهر.





        - عينا رأسك تُريك الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الهلاك ، وإراقة للدم في غير فائدة ، وفراقا للأهل والزوجة والأبناء دون مقابل ، لكن عيني قلبك تريك الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام وسبيل سكنى الفراديس ومهر الحور العين.





        - عينا رأسك تُريك الفقر مفسدة وقلة المال تهلكة وشظف العيش غضبا من الله ، لكن عيني قلبك تريك إياه اختبار رضا وصيانة لك من مال لا تؤدي حقه ولونا من ألوان الجهاد.





        - عينا رأسك تريك الدنيا هي العليا والآخرة السفلى ، لكن عيني قلبك تريك الدنيا ممرا لا مقرا ، وسرابا لا حقيقة ، ومزرعة تبذر فيها بذور خير تحصدها ثمارا تتدلى من شجر الجنة إن شاء الله .





        موجز القول :

        اليقين هو العين الثاقبة التي تريك الأعمال على حقيقتها ، فما كان لك في الآخرة أمضيته ، وما كان عليك في الآخرة أعرضتَ عنه وطرحته ، كم من عين مبصرة وبصيرتها عمياء ، وقلب ينبض ولا روح فيه ، وأناس يمشون على الأرض وهممهم في القبور منذ زمن.



        تعليق


        • #5
          رد: رحلة البحث عن اليقين * د / خالد أبو شادي *

          بصائر ثاقبة


          - بصيرة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - و قد صاغه الإيمان خلقا آخر فإذا آماله وطموحاته آمال ملَك لا آمال بشر . قال رحمه الله :
          " ما من ليلة يُهدى إليّ فيها عروس أنا لها محب أحبُّ إليّ من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد في سرية أصبِّح فيها العدو ".





          بصيرة سعيد بن عامر - رضي الله عنه - وقد عاتبته امرأته يوما في تصدقه بماله كله قائلة له : إن لأهلك عليك حقا ، وإن لأصهارك عليك حقا ، فيجيبها وقد رضع من اليقين رضعات مشبعات فشَب عليه وبلغ أشده :
          " على رسلك !! إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أُحب أني صُددتُ عنهم وأن لي الدنيا وما فيها ، ولو أن لي خيِّرة من خيِّرات الحسان اطّلعت من السماء لأضاءت لأهل الأرض ، ولقهَرَ ضوء وجهها الشمس والقمر ، ولنصيفها خير من الدنيا و ما فيها ، فلأنت أحرى في نفسي أن أدعك لهن من أن أدعهن لك ".





          - بصيرة أبي مسلم الخولاني وقد غلب يقينه بثواب صبره ألمه بفقد ولده ، فصار يحب موت الولد وفقد الأحبة !! قال رحمه الله :
          " لأن يولد لي ولد يحسن الله بناءه حتى إذا استوى على شبابه وكان أعجب ما يكون إليّ قَبَضَه مني ؛ أحب إليّ من أن يكون لي الدنيا وما فيها ".


          تعليق

          يعمل...
          X