إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يوسفُ العَفَافِ..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يوسفُ العَفَافِ..



    يوسفُ العَفاف..





    إن أول خلق تميز به يوسف -عليه السلام- و اشتهر به بين الأنام ,حتى سطع نجمه في الآفاق و خَلَدَ ذكرُه في كتاب إلهي رباني عزيز ,لا يأتيه الباطل بين يديه و لا من خلفه ,و استحق بعده أن يُنْقَشَ اسمه على هامة سورة من سوره ,و أن يكون بطل قصة من قصصه ,و أن يدخل في عباد الله المخلصين المحسنين هو بلا شك :خُلُق العفاف!حتى غدت كلمة يوسف مرادفا من مرادفاته بجدارة و استحقاق..

    هذا العفاف الذي أضحى اليوم من الأخلاق المنسية و الخلال المرموسة و المفاخر المطموسة إلا من رحم الله و اصطفى..

    فقد كان -عليه السلام - :عفيف الإزار عفيف اللسان عفيف الجنان عفيف الأفعال عفيف المعتقد,و هو الذي سَفَرَ وجهُه حُسنا و جمالا و اخضرَّ غُصنه شبابا ,و أتته الفتن من بين يديه و من خلفه و توالت عليه المحن من كل حدب و صوب..فما افتتن و ما غير و لا بدل و ما انتقم و ما تزلزل ,و إنما استعصم و عفا..
    فكان جزاؤه ما تقدم ,و كذل علو المنزلة و الشأن عند البشر و عند رب البشر..

    تالله ما قص الله قصته عبثا و ما ذكرشأنه سُدا جل مولانا عن ذلك ,و لكن حتى نقتفي أثره و نتأسى بأمره و نعتبر بِعبره..

    لذا عَنَّ لي أيها الأبرار
    أن نتجول في بستان سورة يوسف الزاهر لنرصد بعض مظاهر عفته -عليه و على نبينا الصلاة و أتم السلام -علنا نحظى بنفحة نقية من نفحاته..

    فتابعونا..

  • #2
    رد: يوسفُ العَفَافِ..


    1-عَفَافَ الإزَارِ


    تجلى عفاف إزاره-و نزاهة عرضه عليه من ربنا صلاة و سلام عدد ما سجع على الأيك حمام- تجلى في مواقف عدة..
    و إني لن أتكلم اليوم عن استنكافه الذي تجلى في إجابته الفورية {مَعَاذَ اللَّهِ..} ,و ذلك حين راودته امرأة العزيز عن نفسه بعد أن أحكمت غلق الأبواب و ما استحيتْ من نظر من لا يحجبه باب قائلة : {هَيْتَ لَكَ},و لا عن فراره بعد ذلك بكليته منها مستبقا الباب.

    لكني سأنيخ المطايا قليلا عند مشهد مدهش عرضته الآية 33 ,تضمن قولته اليوسُفية الشهيرة المفعمة بالصدق الفواحة بعبير الطهر, و التي جاءت بعد تهديد بالسجن و وعيد بالصغار :
    {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}

    الله أكبر!
    السجن أحب إليه من أن يلوث عرضه و أن يدنس شرفه بما لا يحل.
    السجن أحب إليه من أن يفقد طهره و نقاءه مع مولاه.
    السجن أحب إليه من طاعة تؤدي بعد ذلك إلى عصيان يعرضه للسقوط من عين مالك الملك..

    ثم إن هاهنا أيها الأبرار لسؤالا يطرح نفسه هو من الأهمية بمكان مفاده:
    لماذا يا ترى لم تنجح معه الخُطط و الإغراءات,و لمْ تجنح به رياح الهوى لتغرقه في بحر الشهوات ,مع أنه كان في ريعان شبابه و كمال فتوته و ذروة استوائه,ما السر؟
    السر يكمن في قوله بعد ذلك {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}
    الله أكبر !إنه الاستعصام اذن.
    فيا من تستسلمون لنزواتكم ,و إذا ما ذكرتم بصنيع يوسف بنبوته تتحججون ,متناسين أنه أيضا بشر من طين قد يعتريه بعض ما يعتريكم..
    هذا سر الحفظ و قارب النجاة من لجج الفتن.

    و أنتم أيها المعجبون بالمشاهرين التافهين ,و بكل متتبع لشهواته و نزواته ..
    هلا أعجبتم بيوسف و رجولته و بعفته و نزاهته!
    إذ ما أسهل الانغماس في الشهوات و ما أصعب و أشق الصبر عن الملذات.

    ألا ما أجمل أن يحيى المرء في كنف العفة رافلا في أثوابها القشيبة ,فواحا بأريج القداسة!

    تعليق


    • #3
      رد: يوسفُ العَفَافِ..



      2-عفافُ اللسان:


      مما لا شك فيه أن يوسف عليه السلام ضرب أروع الأمثلة أيضا في عفة اللسان و سمو الكلام ,و قد ظهر ذلك بجلاء :
      أولا: في تجنبه لكل لفظ مشين فاضح مستنكر الظاهر,فسمى مراودة النسوة كيدا قائلا{وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِين}[ الآية 33]
      و قال أيضا لرسول الملك{ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّلاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}[ الآية 50].
      و ثانيا :في عدم ذكره للفظ السرقة ترفعا عن الكذب {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ}[ الآية 79].
      و ثالثا :في عتابه اللطيف الخفيف لإخوته و الذي تجنب فيه تجنبا مدهشا ذكر تفاصيل ما فعلوا به {هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ}[الآية89].
      و رابعا :في عفوه المردَف بالدعاء لهم {قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[ الآية 92] .
      و خامسا : في عزوه لكيد إخوته و ظلمهم إلى الشيطان لا لهم {مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}[ الآية 100] .
      و أيضا :في كثرة ذكره لربه كقوله { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ[ الآية 37]
      و كقوله {أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[ الآية 90]...

      و بهذا يتبين أيها الكرام
      أن يوسف عليه السلام لم يك بجرَّاح و لا فضّاح ,و إنما كان لبق الكلام, آخذا بزمام ألفاظه في جميع حالاته حتى في المواقف التي ستدعي الغضب و الحنق و الانتقام ,مؤدب الحديث مع مولاه مستشعرا رقابته و شهوده,فلا وجود للفظة فاحشة و لا عبارة بذيئة في قاموسه اليوسفي عليه السلام.

      و هذا إنما يدل على أن المؤمن الحق و العبد الصالح الموفق من أوصافه أنه: طيب الكلام, طاهر اللفظ ,رطب اللسان بذكر الله عز و جل,جميل العبارة, لبق الحديث ..
      و هذا لأنه يعبد ربا سميعا رقيبا حسيبا!

      فيا سعد من وفق إلى كسو ألفاظه أحسن الألبسة و أنيقها.

      تعليق

      يعمل...
      X