["]الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين ثم أما بعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنقل لكم اخوتي اخواتي هذه القصص المسندة عن أناس تفانوا وصدقوا في طلب العلم فحازوا
لذلك فلنحذوا حذوهم عل الله يوفقنا لننهل من العلوم الربانية مثلهم والله الموفق
1 يطلب العلم في عمر الثمانين بهمّة العشرين :
جاء في ذيل طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب في ترجمة الإمام أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي البغدادي المقرئ الفقيه الأصولي الواعظ المتكلّم ذي العلوم والفنون أحد الأئمّة الأعلام في الإسلام ومن أفاضل العالم وأحد أذكياء بني آدم ( 431/513) رحمه الله: " ... أنّه كان يقول: إنّي لا يحلّ لي أن أضيع ساعة من عمري، حتّى إذا تعطّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا منطرح، فلا أنهض إلاّ وقد خطر لي ما أسطِّره، وإنّي لأجد من حرصي على العلم وأنا في عَشر الثّمانين أشدّ ممّا كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.
و أنا أقصّر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتّى أختار سفَّ الكعك وتحسِّيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفُّراً على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه ... " انظر (صفحات من صبر العلماء ) لـ :عبد الفتاح أبو غدّة .
قال تعليقا الأخ أبو ابراهيم
أمّا هذه فهِمَّةٌ تتلاشى دونها الهمم، ويكفيك من العجب الذي فيها، أن يطيش عقلك حيرةً، إذ تجد نفسك تقول ـ وأنت لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة ـ في أقصى ما ضمّه صدرك من عمق، أيصدّق مثل هذا !؟ فتجيبك همّة القوم في شموخ ـ وهي لم تزل تكفي أهلها الإجابة ـ : أن نعم، وما تعجّب من تعجّب إلاّ لأنّه استصعب، وأنّى يفوز بالظَّفَر من رضي لنفسه العيشَ بين الحفر .
ما تطعَّمتُ لـذّةَ العيش حتّى صرتُ للبيت والكتاب جليسا
ليس شيء أعـزّ من العلـم فـما أبتـغي سـواه أنيسـا
إنّما الذّلّ في مـخالطة النّـا س فدعهم وعش عزيزاً رئيسا
ثمّ من لم يصدِّق ذلك ـ تقولُ الهمّةُ ـ كيف سيكون حاله مع الخبر التَّالي :
2 يطلب علماً برأسه في يوم واحد !!! :
جاء في ترجمة الإمام أبي بكر بن الأنباري النحوي، " أنّ جاريةً له سألته عن تفسير رؤيا، فقال لها : أنا حاقن، ثمّ مضى فلمّا كان الغد عاد وقد صار معبِّراً للرّؤيا، وذاك أنّه مضى من يومه، فدرس كتاب الكرمانيّ ـ في تعبير الرّؤيا ـ وجاء... " .
انظر ترجمته في : تاريخ بغداد ( 3/181)، وإنباه الرّواة على أنباء النّحاة للقفطي ( 3/202)، ووفيات الأعيان لابن خلِّكان ( 1/503)، عن طريق ( صور من صبر العلماء) لـ : صلاح الدين محمود السعيد .
قال تعقيبا الأخ أبو ابراهيم
الخبر لا يحتاج إلى تعليق ألبتّة، ثمّ أيُّ صبرٍ هذا الذي يعيش به القوم، بل الصّبرُ لو مُكِّن لنطق، ولو كان عبداً لأبَق .
صَابَر الصّبرَ فاستغاث به الصّبرُ فقال الصّبور يا صبرُ صبرَا
و كأنّي بلسانك أخيَّ قد انعقد ـ وحُقَّ لك ذلك ـ وأنت ترى نفسك أحياناً تعجز عن حلقةِ علمٍ تحضرها، أو صفحةٍ من كتابٍ تقرؤها، والقوم قد حصّلوا علماً برأسه في مقدارٍ من الزّمن تُمضيه أنت بين نومة صباحٍ وأُكلة ليلٍ، ولكن اسمع معي إلى همّة القوم تقصّ عليك خبرها :
دببت للمجد والسّاعون قد بلغوا جُهدَ النّفوس وألقَوا دونه الأُزُرَا
و كـابدوا المجدَ حتّى ملَّ أكثرُهم وعانقَ المجدَ من أوفى ومن صبرا
ثمّ تنصحك وتقول :
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجدَ حتّى تلعق الصَّبِرا
3 أبو يوسف وتفانيه في طلب العلم
كان الإمام أبو يوسف رحمه الله شديد الملازمة لشيخه أبي حنيفة رحمه الله، لازم مجلسه بين العشرين و الثلاثين سنة،لم تفته فيها صلاة الغداة معه،و لا فارقه في فطر و لا أضحى، إلا من مرض، روى محمد بن قدامة قال: سمعت شجاع بن مخلد قال: سمعت أبا يوسف يقول: مات ابن لي، فلم أحضر جهازه و لا دفنه، و تركته على جيراني و أقربائي مخافة أن يفوتني من أبي حنيفة شيء لا تذهب حسرته عني "
انظر(مناقب أبي حنيفة للإمام الموفق المكي 3/472 نقلا عن قيمة الزمن ص 31).
قال أخي ابو ابراهيم
إنّما يصل إلى هذه المراتب من وطّن نفسه الصبر و أسكنه حبة قلبه و ترك غيره للجوار،حتى صارت اللذات كلها لو جمعت لم تعن له شيئا في مقابل لذة الطلب، و قد قال أحدهم كاشفاً هذا المعنى بأجلى ممّا قلت ، و بأحلى ممّا سبكت :
سهري لتنقيـح العلوم ألـذ لي *** من وصل غانية و طيب عنـاقِ
و صرير أقلامي على صفحـاتها *** أحلـى من الـدوكاء للعشاقِ
وألـذ من نقـر الفتاة لـدفها *** نقري لألقي الرمـل عن أوراقي
وتمايلي طربـا لحـل عـويصة *** في الدرس أشهى من مدامة ساقِ
يا من يحـاول بالأمـاني رتبتـي***كـم بين مستفل وآخـر راقي
أأبيت سهـران الدجى وتبيتـه *** نومـا و تبغي بـعد ذاك لحاقي
4أبو يوسف والعلم حال الاحتضار
روى القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي ـ و كان تلميذا لأبي يوسف ـ قال : " مرض أبو يوسف، فأتيته أعوده، فوجدته مغمى عليه،فلما أفاق قال لي:يا إبراهيم، ما تقول في مسألة؟ قلت: في مثل هذه الحالة؟قال:لابأس بذلك، ندرس لعله ينجو به ناج.
ثم قال: ياإبراهيم؛أيما أفضل في رمي الجمار ـ أي في مناسك الحج ـ أن يرميها راكبا أو ماشيا؟قلت:راكبا. قال: أخطأت،قلت: ماشيا: قال: أخطأت.قلت: قل فيها يرضى الله عنك.
قال: أمّا ما كان يوقف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه ماشيا، وأمّا ما كان لا يوقف عنده؛فالأفضل أن يرميه راكبا. ثم قمت من عنده، فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، و إذا هو قد مات رحمة الله عليه ".
5 ومن تلكم العبر ما روي عن الطبري رحمه الله قبل موته
فلقد روى المعافى بن زكريا عن بعض الثقات أنّه كان بحضرة أبي جعفر الطبري رحمه الله قبل موته،و توفّي بعد ساعة أو أقلّ منها، فذكر له هذا دعاء مأثور عن جعفر بن محمد، فاستدعى محبرة و صحيفة فكتبه، فقيل له: أفي هذه الحال؟ فقال: ينبغي للإنسان أن لا يدع اقتباس العلم حتى الممات"(قيمة الزمن 44)
وليعلم اخوتي أن ما كان من منحى أبي يوسف والطبري كان سبيلا لكثير من العلماء
فيروى عن ابن مالك ـ إمام النحو ـ رحمه الله أنّه بلغ من اعتنائه بالعلم حرصه على حفظ عدّة أبيات ـ حدّها بعضهم بثمانية ـ في يوم موته، لقّنه إياها ابنه(قيمة الزمن71)
أولئك أقوام شيّد الله فخرهم … فما فوقه فخر و إن عظم الفخر
قال الأخ أبو ابراهيم
على المؤمن أن يتيقّن أنّ الأمة لا ينفعها طويل اللسان قصير الرأي، و لكن ينفعها حَضَنة العلم و عصبة الفهم و الحلم، ممّن هِجِّيراه في يومه و ليلته :" ربِّ زدني علما".
والله الموفق والمعين
وهو الهادي الى سواء السبيل
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
تعليق