ﻳﻘﻮﻝ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ : ( ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺍﺗَّﻘُﻮﺍ
ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻭَﻟْﺘَﻨﻈُﺮْ ﻧَﻔْﺲٌ ﻣَّﺎ ﻗَﺪَّﻣَﺖْ ﻟِﻐَﺪٍ ﻭَﺍﺗَّﻘُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ
ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺧَﺒِﻴﺮٌ ﺑِﻤَﺎ ﺗَﻌْﻤَﻠُﻮﻥَ )
ﻳﻘﻮﻝُ ﺍﺑﻦُ ﻛﺜﻴﺮٍ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ – ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮِ
ﻗﻮﻟِﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : } ﻭَﻟْﺘَﻨﻈُﺮْ ﻧَﻔْﺲٌ ﻣَّﺎ ﻗَﺪَّﻣَﺖْ
ﻟِﻐَﺪٍ { : )) ﺃﻱ ﺣﺎﺳﺒﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴَﻜﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ
ﺗﺤﺎﺳﺒﻮﺍ ﻭﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﻣﺎﺫﺍ ﺍﺩﺧﺮﺗُﻢ ﻷﻧﻔﺴِـﻜﻢ
ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝِ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔِ ﻟﻴﻮﻡِ ﻣﻌﺎﺩِﻛﻢ
ﻭﻋﺮﺿِـﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺭﺑِﻜﻢ ، ﻭﺍﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻪ ﻋﺎﻟﻢٌ
ﺑﺠﻤﻴﻊِ ﺃﻋﻤﺎﻟِﻜﻢ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟِﻜﻢ ، ﻻ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪِ
ﻣﻨﻜﻢ ﺧﺎﻓﻴﻪ (( ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻛﻼﻣﻪ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ .
* ﻭﻳﺘﺮﺗﺐُ – ﻛﺬﻟﻚَ – ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻙ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ
ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻣﺮٌ ﻫﺎﻡٌ ﺟﺪﺍً ، ﺃﻻ ﻭﻫﻮ ﻫﻼﻙُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ،
ﻫـﻼﻙُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ! ﻳﻘﻮﻝُ ﺍﺑﻦُ ﺍﻟﻘﻴّﻢ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ
- : " ﻭﻫﻼﻙُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺇﻫﻤﺎﻝِ ﺍﻟﻨﻔﺲِ ﻭﻣﻦ
ﻣﻮﺍﻓﻘﺘﻬﺎ ﻭﺇﺗﺒﺎﻉ ﻫﻮﺍﻫﺎ . "
ﻭﻗﺎﻝَ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺇﻏﺎﺛﺔِ ﺍﻟﻠﻬﻔﺎﻥ : " ﻭﺗﺮﻙُ
ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﺮﺳﺎﻝُ ﻭﺗﺴﻬﻴﻞُ ﺍﻷﻣﻮﺭِ
ﻭﺗﻤﺸﻴﺘُـﻬﺎ ، ﻓﺈﻥَّ ﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﻝُ ﺑﻪِ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻼﻙِ ،
ﻭﻫﺬﻩ ﺣﺎﻝُ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ، ﻳُﻐْﻤﺾُ ﻋﻴﻨﻴﻪِ ﻋﻦ
ﺍﻟﻌﻮﺍﻗﺐِ ﻭﻳُﻤَﺸّﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ ، ﻭﻳﺘﻜﻞُ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻌﻔﻮ ، ﻓﻴﻬﻤﻞُ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﻧﻔﺴﻪِ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ
ﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻓﻌﻞَ ﺫﻟﻚَ ﺳَﻬُﻞَ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻮﺍﻗﻌﺔُ
ﺍﻟﺬﻧﻮﺏِ ﻭﺃﻧِﺲَ ﺑﻬﺎ ﻭﻋَﺴُﺮَ ﻋﻠﻴﻪ ﻓِﻄﺎﻣُﻬﺎ ﻭﻟﻮ
ﺣَﻀَﺮَﻩ ﺭُﺷْﺪَﻩ ﻟﻌﻠِﻢ ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻤﻴﺔَ ﺃﺳﻬﻞُ ﻣﻦ
ﺍﻟﻔِﻄﺎﻡ ﻭﺗﺮﻙُ ﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻑ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ " ﺍﻧﺘﻬﻰ
ﻛﻼﻣﻪ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ . ﻭﻛﺘﺐَ ﻋﻤﺮُ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏِ
ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾِ ﻋﻤُّﺎﻟِﻪِ :
)) ﺣﺎﺳﺐ ﻧﻔﺴﻚَ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺧﺎﺀ ﻗﺒﻞَ ﺣﺴﺎﺏِ
ﺍﻟﺸﺪﺓ ، ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺣﺎﺳﺐَ ﻧﻔﺴﻪُ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺧﺎﺀِ
ﻗﺒﻞَ ﺣﺴﺎﺏ ﺍﻟﺸﺪﺓ ، ﻋﺎﺩَ ﺃﻣﺮُﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺿﺎ
ﻭﺍﻟﻐﺒﻄﺔ ، ﻭﻣﻦ ﺃﻟﻬﺘﻪ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﺷﻐﻠﺘْـﻪُ ﺃﻫﻮﺍﺅﻩ
ﻋﺎﺩَ ﺃﻣﺮُﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺪﺍﻣﺔٍ ﻭﺍﻟﺨﺴﺎﺭﺓ . ((
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻷﺣﻨﻒُ ﺑﻦ ﻗﻴﺲٍ ﻳﺠﻲﺀُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡِ
ﻓﻴﻀﻊُ ﺇﺻﺒَﻌﻪُ ﻓﻴﻪ ﺛﻢ
ﻳﻘﻮﻝ : ﻳﺎ ﺣُﻨﻴﻒ ، ﻣﺎ ﺣﻤَﻠَﻚَ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖَ
ﻳﻮﻡَ ﻛﺬﺍ ؟ ﻣﺎ ﺣﻤَﻠَﻚَ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖَ ﻳﻮﻡَ
ﻛﺬﺍ ؟
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻦ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - : " ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦَ
ﻭﺍﻟﻠﻪِ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩُ ﺇﻻ ﻳﻠﻮﻡُ ﻧﻔﺴﻪُ ﻋﻠﻰ ﻛﻞِّ ﺣﺎﻻﺗﻪ ،
ﻳﺴﺘﻘﺼﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻞ ، ﻓﻴﻨﺪﻡُ ﻭﻳﻠﻮﻡُ
ﻧﻔﺴَﻪُ ، ﻭﺇﻥّ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮَ ﻟﻴﻤﻀﻲ ﻗُﺪُﻣـﺎً ﻻ ﻳﻌﺎﺗﺐُ
ﻧﻔﺴَﻪ . "
ﻓﻴﺠﺐُ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥَ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦُ ﻣﺤﺎﺳﺒﺎً ﻟﻨﻔﺴﻪِ
ﻣﻬﺘﻤﺎً ﺑﻬﺎ ، ﻻﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺼﻴﺮِﻫﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡُ
ﺍﺑﻦُ ﺍﻟﻘﻴﻢِ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : )) ﻭﻣﻦ ﺗﺄﻣﻞَ
ﺃﺣﻮﺍﻝَ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔِ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬُﻢ ﻭﺟﺪَﻫﻢ
ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔِ ﺍﻟﻌﻤﻞِ ﻣﻊَ ﻏﺎﻳﺔِ ﺍﻟﺨﻮﻑ ، ﻭﻧﺤﻦ
ﺟﻤﻌﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ، ﺑﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻂِ
ﻭﺍﻷﻣﻦ . ((
ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻘﻮﻝُ ﺍﻹﻣﺎﻡُ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢِ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ
ﻭﻋﺼﺮﻩ !
ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻧﻘﻮﻝُ ﻧﺤﻦُ ﻋﻦ ﺃﻧﻔﺴِـﻨﺎ ﻭﻋﺼﺮِﻧﺎ !؟
* * *
· ﻭﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔِ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻧﻮﻋـﺎﻥ : ﻧﻮﻉٌ ﻗَﺒﻞَ
ﺍﻟﻌﻤﻞ ، ﻭﻧﻮﻉٌ ﺑﻌﺪَﻩ .
§ ﺍﻟﻨﻮﻉُ ﺍﻷﻭﻝ : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻗﺒﻞ
ﺍﻟﻌﻤﻞ :
ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮَ ﺍﻟﻌﺒﺪُ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ، ﻫﻞ
ﻫﻮَ ﻣﻘﺪﻭﺭٌ ﻋﻠﻴﻪِ ﻓﻴﻌﻤﻠَﻪ ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ
ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ . ﺃﻭ ﻏﻴﺮَ ﻣﻘﺪﻭﺭٍ ﻋﻠﻴﻪِ ﻓﻴﺘﺮﻛَﻪ . ﺛﻢ
ﻳﻨﻈﺮ ﻫﻞ ﻓﻲ ﻓﻌﻠﻪ ﺧﻴﺮٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ
ﻓﻴﻌﻤﻠَﻪ ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﻋﻤﻠِﻪ ﺷﺮٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ
ﻓﻴﺘﺮﻛَﻪ . ﺛﻢ ﻳﻨﻈﺮ ﻫﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻪِ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﺃﻡ ﻫﻮ ﻟﻠﺒﺸﺮ ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﻌﻤﻠُﻪ ﻟﻠﻪ ﻓﻌﻠَﻪ ،
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻴﺘَﻪُ ﻟﻐﻴﺮﻩِ ﺗﺮَﻛﻪ .
§ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻌﺪ
ﺍﻟﻌﻤﻞ : ﻭﻫﻮ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ :
* ﺍﻟﻨﻮﻉُ ﺍﻷﻭﻝ : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ
ﻃﺎﻋﺎﺕٍ ﻗﺼَّﺮﺕْ ﻓﻴﻬﺎ .
ﻛﺘﺮﻛﻬﺎ ﻟﻺﺧﻼﺹِ ﺃﻭ ﻟﻠﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ، ﺃﻭ ﺗﺮﻙِ ﺍﻟﻌﻤﻞ
ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻛﺘﺮﻙ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ ، ﺃﻭ ﺗﺮﻙِ ﻗﺮﺍﺀﺓِ
ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ، ﺃﻭ ﺗﺮﻙِ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﺻﻼﺓِ
ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺴﻨﻦِ ﺍﻟﺮﻭﺍﺗﺐ . ﻭﻣﺤﺎﺳﺒﺔ
ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉِ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺈﻛﻤﺎﻝِ ﺍﻟﻨﻘﺺ
ﻭﺇﺻﻼﺡ ﺍﻟﺨﻄﺄ ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺭﻋﺔِ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ
ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﻨﻮﺍﻫﻲ ﻭﺍﻟﻤﻨﻜﺮﺍﺕ ، ﻭﺍﻟﺘﻮﺑﺔِ ﻣﻨﻬﺎ ،
ﻭﺍﻹﻛﺜﺎﺭُ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ، ﻭﻣﺮﺍﻗﺒﺔُ ﺍﻟﻠﻪِ ﻋﺰ
ﻭﺟﻞ ﻭﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺘِﻪ
ﻭﻣﺤﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻓﻴﻤـﺎ ﻗﺎﻟَﻪ ، ﻭﺇﺷﻐﺎﻟِﻪ ﺇﻣﺎ
ﺑﺎﻟﺨﻴﺮِ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥُ ﺑﻤﺤﺎﺳﺒﺔ
ﺍﻟﻌﻴﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻈﺮﺕ ، ﻓﻴﻄﻠﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻼﻝِ
ﻭﻳَﻐُﻀُّﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ، ﻭﺑﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻷُﺫﻥ ﻣﺎ
ﺍﻟﺬﻱ ﺳَﻤِﻌﺘﻪ ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺟﻤﻴﻊِ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ .
* ﺍﻟﻨﻮﻉُ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻌﺪ
ﺍﻟﻌﻤﻞ :
ﺃﻥ ﻳﺤﺎﺳﺐَ ﻧﻔﺴَﻪُ ﻋﻠﻰ ﻛﻞِّ ﻋﻤﻞٍ ﻛﺎﻥَ ﺗﺮﻛُﻪُ
ﺧﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻓﻌﻠﻪ ؛ ﻷﻧﻪُ ﺃﻃﺎﻉَ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻬﻮﻯ
ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻭﻫﻮ ﻧﺎﻓﺬﺓٌ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ، ﻭﻷﻧﻪُ
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ ،
ﻳﻘﻮﻝُ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ )) : ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻼﻝ
ﺑَﻴِّﻦ ! ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﺑَﻴِّﻦ، ﻭﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺃﻣﻮﺭ
ﻣﺸﺘﺒﻬﺎﺕ ، ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﻦ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻓﻤﻦ
ﺍﺗﻘﻰ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻘﺪ ﺍﺳﺘﺒﺮﺃ ﻟﺪﻳﻨﻪ ﻭﻋﺮﺿﻪ ،
ﻭﻣﻦ ﻭﻗﻊَ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ . ((
ﻭﻳﻘﻮﻝُ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ : )) ﺩﻉ ﻣﺎ
ﻳَﺮﻳﺒُﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳَﺮﻳﺒُﻚ . ((
* ﻭﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :
ﺃﻥ ﻳُﺤﺎﺳﺐَ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﻧﻔﺴَﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮٍ ﻣﺒﺎﺡ ﺃﻭ
ﻣﻌﺘﺎﺩ : ﻟـﻢَ ﻓﻌﻠﻪ ؟ ﻭﻫﻞ ﺃﺭﺍﺩَ ﺑﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺪﺍﺭَ
ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻓﻴﺮﺑﺢ ، ﺃﻡ ﺃﺭﺍﺩَ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱَ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ
ﻓﻴﺨﺴﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺑﺢ ﻭﻳﻔﻮﺗَﻪُ ﺍﻟﻈَﻔَﺮُ ﺑﻪ .
* * *
· ﻭﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻮﺍﺋﺪٌ ﺟﻤّﺔٌ ، ﻣﻨﻬﺎ :
ﺃﻭﻻً : ﺍﻹﻃﻼﻉُ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮﺏِ ﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻭﻣﻦ ﻟﻢ
ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﺐِ ﻧﻔﺴِﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻨﻪُ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘُﻪ
ﻭﺇﺯﺍﻟﺘﻪ .
ﺛﺎﻧﻴـﺎً : ﺍﻟﺘﻮﺑﺔُ ﻭﺍﻟﻨﺪﻡُ ﻭﺗﺪﺍﺭﻙ ﻣﺎ ﻓﺎﺕ ﻓﻲ ﺯﻣﻦِ
ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ .
ﺛﺎﻟﺜـﺎً : ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺣﻖُ ﺍﻟﻠﻪِ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻓﺈﻥ ﺃﺻﻞَ
ﻣﺤﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻫﻮ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘُـﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺮﻳﻄﻬﺎ
ﻓﻲ ﺣﻖِ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﺭﺍﺑﻌـﺎً : ﺍﻧﻜﺴﺎﺭُ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺗﺬﻟُﻠَﻪ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺭﺑﻪ
ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﺧﺎﻣﺴﺎً : ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﻛﺮَﻡِ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻣﺪﻯ
ﻋﻔﻮﻩِ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪِ ﺑﻌﺒﺎﺩﻩِ ﻓﻲ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﻞ ﻟﻬﻢ
ﻋﻘﻮﺑﺘَﻬﻢ ﻣﻊَ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ
ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎﺕ .
ﺳﺎﺩﺳـﺎً : ﺍﻟﺰﻫﺪ ، ﻭﻣﻘﺖُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﺺُ
ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﺒﺮِ ﻭﺍﻟﻌُﺠْﺐ .
ﺳﺎﺑﻌـﺎً : ﺗﺠﺪ ﺃﻥَّ ﻣﻦ ﻳﺤﺎﺳﺐُ ﻧﻔﺴَﻪُ ﻳﺠﺘﻬﺪُ
ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔِ ﻭﻳﺘﺮُﻙُ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺗَﺴﻬُﻞَ
ﻋﻠﻴﻪِ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔُ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ .
ﺛﺎﻣﻨـﺎً : ﺭﺩُ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕِ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠِـﻬﺎ ، ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔُ
ﺗﺼﺤﻴﺢِ ﻣﺎ ﻓﺎﺕ .
ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ .
· ﻭﻫﻨﺎﻙَ ﺃﺳﺒﺎﺏٌ ﺗﻌﻴﻦُ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢَ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔِ
ﻧﻔﺴﻪِ ﻭﺗُﺴﻬِّﻞُ ﻋﻠﻴﻪِ ﺫﻟﻚ ، ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :
.1 ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺃﻧﻚ ﻛﻠﻤﺎ ﺍﺟﺘﻬﺪﺕ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔِ
ﻧﻔﺴﻚَ ﺍﻟﻴﻮﻡ ، ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺖَ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻏﺪﺍً ،
ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺃﻫﻤﻠﺘﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﺷﺘﺪَّ ﻋﻠﻴﻚَ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏُ
ﻏﺪﺍً .
.2 ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺃﻥَّ ﺭﺑﺢَ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻫﻮ
ﺳُﻜْﻨﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩﻭﺱ ، ﻭﺍﻟﻨﻈﺮُ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪِ ﺍﻟﺮﺏِ
ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ، ﻭﺃﻥَّ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻼﻙِ
ﻭﺩﺧﻮﻝِ
ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤﺠﺎﺏِ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺏ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ .
.3 ﺻﺤﺒﺔُ ﺍﻷﺧﻴﺎﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦَ ﻳُﺤﺎﺳﺒﻮﻥَ ﺃﻧﻔﺴَﻬُﻢ ،
ﻭﻳُﻄﻠِﻌﻮﻧَﻚ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮﺏِ ﻧﻔﺴِﻚَ ، ﻭﺗﺮﻙُ ﺻﺤﺒﺔ
ﻣﻦ ﻋﺪﺍﻫﻢ .
.4 ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ ﺃﺧﺒﺎﺭِ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔِ
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ، ﻣﻦ ﺳﻠﻔِﻨﺎ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ .
.5 ﺯﻳﺎﺭﺓُ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭِ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ ﺃﺣﻮﺍﻝِ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ
ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥَ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔَ ﺃﻧﻔﺴِﻬﻢ ﺃﻭ
ﺗﺪﺍﺭُﻙِ ﻣﺎ ﻓﺎﺗَـﻬﻢ .
.6 ﺣﻀﻮﺭُ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﺍﻟﻌﻠﻢِ ﻭﺍﻟﺬﻛﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺪﻋﻮ
ﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ .
.7 ﺍﻟﺒﻌﺪُ ﻋﻦ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻠﻬﻮِ ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ
ﺗُﻨﺴﻴﻚَ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔَ ﻧﻔﺴﻚ .
.8 ﺩﻋﺎﺀُ ﺍﻟﻠﻪِ ﺑﺄﻥ ﻳﺠﻌﻠﻚ ﻣﻦ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ
ﻭﺃﻥ ﻳﻮﻓﻘﻚ ﻟﺬﻟﻚ .
· ﻛﻴﻒَ ﺃﺣﺎﺳﺐُ ﻧﻔﺴﻲ ؟
ﺳﺆﺍﻝٌ ﻳﺘﺮﺩﺩُ ﻓﻲ ﺫِﻫﻦ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪٍ ﺑﻌﺪَ ﻗﺮﺍﺀﺓِ
ﻣﺎ ﻣﻀﻰ .
ﻭﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ :
ﺫﻛﺮَ ﺍﺑﻦُ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺃﻥ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔَ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺗﻜﻮﻥ
ﻛﺎﻟﺘﺎﻟﻲ :
ﺃﻭﻻً : ﺍﻟﺒﺪﺀُ ﺑﺎﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻘﺺٌ
ﺗﺪﺍﺭﻛﻪُ .
ﺛﺎﻧﻴﺎً : ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻲ ، ﻓﺈﺫﺍ ﻋﺮَﻑ ﺃﻧﻪ
ﺍﺭﺗﻜﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﺗﺪﺍﺭﻛﻪ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔِ ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭِ
ﻭﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕِ ﺍﻟﻤﺎﺣﻴﺔ .
ﺛﺎﻟﺜﺎً : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔِ ، ﻭﻳَﺘَﺪَﺍﺭﻙُ
ﺫﻟِﻚ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮِ ﻭﺍﻹﻗﺒﺎﻝِ ﻋﻠﻰ ﺭﺏِ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ
ﻭﺭﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ .
ﺭﺍﺑﻌﺎً : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺎﺕِ
ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ، ﻭﻛﻼﻡِ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ، ﻭﻣﺸﻲِ ﺍﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ،
ﻭﺑﻄﺶِ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ، ﻭﻧﻈﺮِ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ، ﻭﺳﻤﺎﻉِ
ﺍﻷﺫﻧﻴﻦ ، ﻣﺎﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕُ ﺑﻬﺬﺍ ؟ ﻭﻟﻤﻦ ﻓﻌﻠﺘﻪ ؟
ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻭﺟﻪ ﻓﻌﻠﺘﻪ ؟
* * *
ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻭَﻟْﺘَﻨﻈُﺮْ ﻧَﻔْﺲٌ ﻣَّﺎ ﻗَﺪَّﻣَﺖْ ﻟِﻐَﺪٍ ﻭَﺍﺗَّﻘُﻮﺍ ﺍﻟﻠَّﻪَ
ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺧَﺒِﻴﺮٌ ﺑِﻤَﺎ ﺗَﻌْﻤَﻠُﻮﻥَ )
ﻳﻘﻮﻝُ ﺍﺑﻦُ ﻛﺜﻴﺮٍ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ – ﻓﻲ ﺗﻔﺴﻴﺮِ
ﻗﻮﻟِﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : } ﻭَﻟْﺘَﻨﻈُﺮْ ﻧَﻔْﺲٌ ﻣَّﺎ ﻗَﺪَّﻣَﺖْ
ﻟِﻐَﺪٍ { : )) ﺃﻱ ﺣﺎﺳﺒﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴَﻜﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ
ﺗﺤﺎﺳﺒﻮﺍ ﻭﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﻣﺎﺫﺍ ﺍﺩﺧﺮﺗُﻢ ﻷﻧﻔﺴِـﻜﻢ
ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝِ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﺔِ ﻟﻴﻮﻡِ ﻣﻌﺎﺩِﻛﻢ
ﻭﻋﺮﺿِـﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺭﺑِﻜﻢ ، ﻭﺍﻋﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻪ ﻋﺎﻟﻢٌ
ﺑﺠﻤﻴﻊِ ﺃﻋﻤﺎﻟِﻜﻢ ﻭﺃﺣﻮﺍﻟِﻜﻢ ، ﻻ ﺗﺨﻔﻰ ﻋﻠﻴﻪِ
ﻣﻨﻜﻢ ﺧﺎﻓﻴﻪ (( ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻛﻼﻣﻪ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ .
* ﻭﻳﺘﺮﺗﺐُ – ﻛﺬﻟﻚَ – ﻋﻠﻰ ﺗﺮﻙ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ
ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻣﺮٌ ﻫﺎﻡٌ ﺟﺪﺍً ، ﺃﻻ ﻭﻫﻮ ﻫﻼﻙُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ،
ﻫـﻼﻙُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ! ﻳﻘﻮﻝُ ﺍﺑﻦُ ﺍﻟﻘﻴّﻢ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ
- : " ﻭﻫﻼﻙُ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺇﻫﻤﺎﻝِ ﺍﻟﻨﻔﺲِ ﻭﻣﻦ
ﻣﻮﺍﻓﻘﺘﻬﺎ ﻭﺇﺗﺒﺎﻉ ﻫﻮﺍﻫﺎ . "
ﻭﻗﺎﻝَ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺇﻏﺎﺛﺔِ ﺍﻟﻠﻬﻔﺎﻥ : " ﻭﺗﺮﻙُ
ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﺮﺳﺎﻝُ ﻭﺗﺴﻬﻴﻞُ ﺍﻷﻣﻮﺭِ
ﻭﺗﻤﺸﻴﺘُـﻬﺎ ، ﻓﺈﻥَّ ﻫﺬﺍ ﻳﻘﻮﻝُ ﺑﻪِ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻼﻙِ ،
ﻭﻫﺬﻩ ﺣﺎﻝُ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ، ﻳُﻐْﻤﺾُ ﻋﻴﻨﻴﻪِ ﻋﻦ
ﺍﻟﻌﻮﺍﻗﺐِ ﻭﻳُﻤَﺸّﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ ، ﻭﻳﺘﻜﻞُ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﻌﻔﻮ ، ﻓﻴﻬﻤﻞُ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﻧﻔﺴﻪِ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ
ﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻓﻌﻞَ ﺫﻟﻚَ ﺳَﻬُﻞَ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻮﺍﻗﻌﺔُ
ﺍﻟﺬﻧﻮﺏِ ﻭﺃﻧِﺲَ ﺑﻬﺎ ﻭﻋَﺴُﺮَ ﻋﻠﻴﻪ ﻓِﻄﺎﻣُﻬﺎ ﻭﻟﻮ
ﺣَﻀَﺮَﻩ ﺭُﺷْﺪَﻩ ﻟﻌﻠِﻢ ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﻤﻴﺔَ ﺃﺳﻬﻞُ ﻣﻦ
ﺍﻟﻔِﻄﺎﻡ ﻭﺗﺮﻙُ ﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻑ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ " ﺍﻧﺘﻬﻰ
ﻛﻼﻣﻪ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ . ﻭﻛﺘﺐَ ﻋﻤﺮُ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏِ
ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾِ ﻋﻤُّﺎﻟِﻪِ :
)) ﺣﺎﺳﺐ ﻧﻔﺴﻚَ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺧﺎﺀ ﻗﺒﻞَ ﺣﺴﺎﺏِ
ﺍﻟﺸﺪﺓ ، ﻓﺈﻥ ﻣﻦ ﺣﺎﺳﺐَ ﻧﻔﺴﻪُ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺧﺎﺀِ
ﻗﺒﻞَ ﺣﺴﺎﺏ ﺍﻟﺸﺪﺓ ، ﻋﺎﺩَ ﺃﻣﺮُﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﺿﺎ
ﻭﺍﻟﻐﺒﻄﺔ ، ﻭﻣﻦ ﺃﻟﻬﺘﻪ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﺷﻐﻠﺘْـﻪُ ﺃﻫﻮﺍﺅﻩ
ﻋﺎﺩَ ﺃﻣﺮُﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺪﺍﻣﺔٍ ﻭﺍﻟﺨﺴﺎﺭﺓ . ((
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻷﺣﻨﻒُ ﺑﻦ ﻗﻴﺲٍ ﻳﺠﻲﺀُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺼﺒﺎﺡِ
ﻓﻴﻀﻊُ ﺇﺻﺒَﻌﻪُ ﻓﻴﻪ ﺛﻢ
ﻳﻘﻮﻝ : ﻳﺎ ﺣُﻨﻴﻒ ، ﻣﺎ ﺣﻤَﻠَﻚَ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖَ
ﻳﻮﻡَ ﻛﺬﺍ ؟ ﻣﺎ ﺣﻤَﻠَﻚَ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺻﻨﻌﺖَ ﻳﻮﻡَ
ﻛﺬﺍ ؟
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻦ – ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - : " ﺇﻥ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦَ
ﻭﺍﻟﻠﻪِ ﻣﺎ ﺗﺮﺍﻩُ ﺇﻻ ﻳﻠﻮﻡُ ﻧﻔﺴﻪُ ﻋﻠﻰ ﻛﻞِّ ﺣﺎﻻﺗﻪ ،
ﻳﺴﺘﻘﺼﺮﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻞ ، ﻓﻴﻨﺪﻡُ ﻭﻳﻠﻮﻡُ
ﻧﻔﺴَﻪُ ، ﻭﺇﻥّ ﺍﻟﻔﺎﺟﺮَ ﻟﻴﻤﻀﻲ ﻗُﺪُﻣـﺎً ﻻ ﻳﻌﺎﺗﺐُ
ﻧﻔﺴَﻪ . "
ﻓﻴﺠﺐُ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥَ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦُ ﻣﺤﺎﺳﺒﺎً ﻟﻨﻔﺴﻪِ
ﻣﻬﺘﻤﺎً ﺑﻬﺎ ، ﻻﺋﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺼﻴﺮِﻫﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡُ
ﺍﺑﻦُ ﺍﻟﻘﻴﻢِ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : )) ﻭﻣﻦ ﺗﺄﻣﻞَ
ﺃﺣﻮﺍﻝَ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔِ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬُﻢ ﻭﺟﺪَﻫﻢ
ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔِ ﺍﻟﻌﻤﻞِ ﻣﻊَ ﻏﺎﻳﺔِ ﺍﻟﺨﻮﻑ ، ﻭﻧﺤﻦ
ﺟﻤﻌﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻘﺼﻴﺮ ، ﺑﻞ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻂِ
ﻭﺍﻷﻣﻦ . ((
ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻘﻮﻝُ ﺍﻹﻣﺎﻡُ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢِ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻪ
ﻭﻋﺼﺮﻩ !
ﻓﻤﺎﺫﺍ ﻧﻘﻮﻝُ ﻧﺤﻦُ ﻋﻦ ﺃﻧﻔﺴِـﻨﺎ ﻭﻋﺼﺮِﻧﺎ !؟
* * *
· ﻭﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔِ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻧﻮﻋـﺎﻥ : ﻧﻮﻉٌ ﻗَﺒﻞَ
ﺍﻟﻌﻤﻞ ، ﻭﻧﻮﻉٌ ﺑﻌﺪَﻩ .
§ ﺍﻟﻨﻮﻉُ ﺍﻷﻭﻝ : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻗﺒﻞ
ﺍﻟﻌﻤﻞ :
ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮَ ﺍﻟﻌﺒﺪُ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ، ﻫﻞ
ﻫﻮَ ﻣﻘﺪﻭﺭٌ ﻋﻠﻴﻪِ ﻓﻴﻌﻤﻠَﻪ ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ
ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﻡ . ﺃﻭ ﻏﻴﺮَ ﻣﻘﺪﻭﺭٍ ﻋﻠﻴﻪِ ﻓﻴﺘﺮﻛَﻪ . ﺛﻢ
ﻳﻨﻈﺮ ﻫﻞ ﻓﻲ ﻓﻌﻠﻪ ﺧﻴﺮٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ
ﻓﻴﻌﻤﻠَﻪ ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﻋﻤﻠِﻪ ﺷﺮٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ
ﻓﻴﺘﺮﻛَﻪ . ﺛﻢ ﻳﻨﻈﺮ ﻫﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻟﻠﻪِ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﺃﻡ ﻫﻮ ﻟﻠﺒﺸﺮ ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺳﻴﻌﻤﻠُﻪ ﻟﻠﻪ ﻓﻌﻠَﻪ ،
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻴﺘَﻪُ ﻟﻐﻴﺮﻩِ ﺗﺮَﻛﻪ .
§ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻌﺪ
ﺍﻟﻌﻤﻞ : ﻭﻫﻮ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻧﻮﺍﻉ :
* ﺍﻟﻨﻮﻉُ ﺍﻷﻭﻝ : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ
ﻃﺎﻋﺎﺕٍ ﻗﺼَّﺮﺕْ ﻓﻴﻬﺎ .
ﻛﺘﺮﻛﻬﺎ ﻟﻺﺧﻼﺹِ ﺃﻭ ﻟﻠﻤﺘﺎﺑﻌﺔ ، ﺃﻭ ﺗﺮﻙِ ﺍﻟﻌﻤﻞ
ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻛﺘﺮﻙ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ ، ﺃﻭ ﺗﺮﻙِ ﻗﺮﺍﺀﺓِ
ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ، ﺃﻭ ﺗﺮﻙِ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﺻﻼﺓِ
ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺃﻭ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺴﻨﻦِ ﺍﻟﺮﻭﺍﺗﺐ . ﻭﻣﺤﺎﺳﺒﺔ
ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉِ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺈﻛﻤﺎﻝِ ﺍﻟﻨﻘﺺ
ﻭﺇﺻﻼﺡ ﺍﻟﺨﻄﺄ ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﺭﻋﺔِ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺮﺍﺕ
ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﻨﻮﺍﻫﻲ ﻭﺍﻟﻤﻨﻜﺮﺍﺕ ، ﻭﺍﻟﺘﻮﺑﺔِ ﻣﻨﻬﺎ ،
ﻭﺍﻹﻛﺜﺎﺭُ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ، ﻭﻣﺮﺍﻗﺒﺔُ ﺍﻟﻠﻪِ ﻋﺰ
ﻭﺟﻞ ﻭﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺘِﻪ
ﻭﻣﺤﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ﻓﻴﻤـﺎ ﻗﺎﻟَﻪ ، ﻭﺇﺷﻐﺎﻟِﻪ ﺇﻣﺎ
ﺑﺎﻟﺨﻴﺮِ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﺼﻤﺖ ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥُ ﺑﻤﺤﺎﺳﺒﺔ
ﺍﻟﻌﻴﻦ ﻓﻴﻤﺎ ﻧﻈﺮﺕ ، ﻓﻴﻄﻠﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻼﻝِ
ﻭﻳَﻐُﻀُّﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ، ﻭﺑﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻷُﺫﻥ ﻣﺎ
ﺍﻟﺬﻱ ﺳَﻤِﻌﺘﻪ ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺟﻤﻴﻊِ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ .
* ﺍﻟﻨﻮﻉُ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺑﻌﺪ
ﺍﻟﻌﻤﻞ :
ﺃﻥ ﻳﺤﺎﺳﺐَ ﻧﻔﺴَﻪُ ﻋﻠﻰ ﻛﻞِّ ﻋﻤﻞٍ ﻛﺎﻥَ ﺗﺮﻛُﻪُ
ﺧﻴﺮﺍً ﻣﻦ ﻓﻌﻠﻪ ؛ ﻷﻧﻪُ ﺃﻃﺎﻉَ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻬﻮﻯ
ﻭﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻭﻫﻮ ﻧﺎﻓﺬﺓٌ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ، ﻭﻷﻧﻪُ
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺸﺎﺑﻪ ،
ﻳﻘﻮﻝُ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ )) : ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻼﻝ
ﺑَﻴِّﻦ ! ﻭﺇﻥ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﺑَﻴِّﻦ، ﻭﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺃﻣﻮﺭ
ﻣﺸﺘﺒﻬﺎﺕ ، ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﻦ ﻛﺜﻴﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻓﻤﻦ
ﺍﺗﻘﻰ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻘﺪ ﺍﺳﺘﺒﺮﺃ ﻟﺪﻳﻨﻪ ﻭﻋﺮﺿﻪ ،
ﻭﻣﻦ ﻭﻗﻊَ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ . ((
ﻭﻳﻘﻮﻝُ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ : )) ﺩﻉ ﻣﺎ
ﻳَﺮﻳﺒُﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳَﺮﻳﺒُﻚ . ((
* ﻭﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ :
ﺃﻥ ﻳُﺤﺎﺳﺐَ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥُ ﻧﻔﺴَﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮٍ ﻣﺒﺎﺡ ﺃﻭ
ﻣﻌﺘﺎﺩ : ﻟـﻢَ ﻓﻌﻠﻪ ؟ ﻭﻫﻞ ﺃﺭﺍﺩَ ﺑﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻟﺪﺍﺭَ
ﺍﻵﺧﺮﺓ ﻓﻴﺮﺑﺢ ، ﺃﻡ ﺃﺭﺍﺩَ ﺑﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱَ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ
ﻓﻴﺨﺴﺮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺑﺢ ﻭﻳﻔﻮﺗَﻪُ ﺍﻟﻈَﻔَﺮُ ﺑﻪ .
* * *
· ﻭﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻓﻮﺍﺋﺪٌ ﺟﻤّﺔٌ ، ﻣﻨﻬﺎ :
ﺃﻭﻻً : ﺍﻹﻃﻼﻉُ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮﺏِ ﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻭﻣﻦ ﻟﻢ
ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﺐِ ﻧﻔﺴِﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻜﻨﻪُ ﻣﻌﺎﻟﺠﺘُﻪ
ﻭﺇﺯﺍﻟﺘﻪ .
ﺛﺎﻧﻴـﺎً : ﺍﻟﺘﻮﺑﺔُ ﻭﺍﻟﻨﺪﻡُ ﻭﺗﺪﺍﺭﻙ ﻣﺎ ﻓﺎﺕ ﻓﻲ ﺯﻣﻦِ
ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ .
ﺛﺎﻟﺜـﺎً : ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺣﻖُ ﺍﻟﻠﻪِ ﺗﻌﺎﻟﻰ ، ﻓﺈﻥ ﺃﺻﻞَ
ﻣﺤﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻫﻮ ﻣﺤﺎﺳﺒﺘُـﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺮﻳﻄﻬﺎ
ﻓﻲ ﺣﻖِ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﺭﺍﺑﻌـﺎً : ﺍﻧﻜﺴﺎﺭُ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺗﺬﻟُﻠَﻪ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺭﺑﻪ
ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ .
ﺧﺎﻣﺴﺎً : ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﻛﺮَﻡِ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﻣﺪﻯ
ﻋﻔﻮﻩِ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪِ ﺑﻌﺒﺎﺩﻩِ ﻓﻲ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺠﻞ ﻟﻬﻢ
ﻋﻘﻮﺑﺘَﻬﻢ ﻣﻊَ ﻣﺎ ﻫﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ
ﻭﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺎﺕ .
ﺳﺎﺩﺳـﺎً : ﺍﻟﺰﻫﺪ ، ﻭﻣﻘﺖُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ، ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﺺُ
ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻜﺒﺮِ ﻭﺍﻟﻌُﺠْﺐ .
ﺳﺎﺑﻌـﺎً : ﺗﺠﺪ ﺃﻥَّ ﻣﻦ ﻳﺤﺎﺳﺐُ ﻧﻔﺴَﻪُ ﻳﺠﺘﻬﺪُ
ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔِ ﻭﻳﺘﺮُﻙُ ﺍﻟﻤﻌﺼﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺗَﺴﻬُﻞَ
ﻋﻠﻴﻪِ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔُ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ .
ﺛﺎﻣﻨـﺎً : ﺭﺩُ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕِ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﻠِـﻬﺎ ، ﻭﻣﺤﺎﻭﻟﺔُ
ﺗﺼﺤﻴﺢِ ﻣﺎ ﻓﺎﺕ .
ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻮﺍﺋﺪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ .
· ﻭﻫﻨﺎﻙَ ﺃﺳﺒﺎﺏٌ ﺗﻌﻴﻦُ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢَ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔِ
ﻧﻔﺴﻪِ ﻭﺗُﺴﻬِّﻞُ ﻋﻠﻴﻪِ ﺫﻟﻚ ، ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ :
.1 ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺃﻧﻚ ﻛﻠﻤﺎ ﺍﺟﺘﻬﺪﺕ ﻓﻲ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔِ
ﻧﻔﺴﻚَ ﺍﻟﻴﻮﻡ ، ﺍﺳﺘﺮﺍﺣﺖَ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻏﺪﺍً ،
ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺃﻫﻤﻠﺘﻬﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﺷﺘﺪَّ ﻋﻠﻴﻚَ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏُ
ﻏﺪﺍً .
.2 ﻣﻌﺮﻓﺔُ ﺃﻥَّ ﺭﺑﺢَ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻫﻮ
ﺳُﻜْﻨﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩﻭﺱ ، ﻭﺍﻟﻨﻈﺮُ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪِ ﺍﻟﺮﺏِ
ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ، ﻭﺃﻥَّ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻬﻼﻙِ
ﻭﺩﺧﻮﻝِ
ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤﺠﺎﺏِ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺏ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ .
.3 ﺻﺤﺒﺔُ ﺍﻷﺧﻴﺎﺭ ﺍﻟﺬﻳﻦَ ﻳُﺤﺎﺳﺒﻮﻥَ ﺃﻧﻔﺴَﻬُﻢ ،
ﻭﻳُﻄﻠِﻌﻮﻧَﻚ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﻮﺏِ ﻧﻔﺴِﻚَ ، ﻭﺗﺮﻙُ ﺻﺤﺒﺔ
ﻣﻦ ﻋﺪﺍﻫﻢ .
.4 ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ ﺃﺧﺒﺎﺭِ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔِ
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ، ﻣﻦ ﺳﻠﻔِﻨﺎ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ .
.5 ﺯﻳﺎﺭﺓُ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭِ ﻭﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ ﺃﺣﻮﺍﻝِ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ
ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮﻥَ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔَ ﺃﻧﻔﺴِﻬﻢ ﺃﻭ
ﺗﺪﺍﺭُﻙِ ﻣﺎ ﻓﺎﺗَـﻬﻢ .
.6 ﺣﻀﻮﺭُ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﺍﻟﻌﻠﻢِ ﻭﺍﻟﺬﻛﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺪﻋﻮ
ﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺍﻟﻨﻔﺲ .
.7 ﺍﻟﺒﻌﺪُ ﻋﻦ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻠﻬﻮِ ﻭﺍﻟﻐﻔﻠﺔ ﻓﺈﻧﻬﺎ
ﺗُﻨﺴﻴﻚَ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔَ ﻧﻔﺴﻚ .
.8 ﺩﻋﺎﺀُ ﺍﻟﻠﻪِ ﺑﺄﻥ ﻳﺠﻌﻠﻚ ﻣﻦ ﺃﻫﻞِ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ
ﻭﺃﻥ ﻳﻮﻓﻘﻚ ﻟﺬﻟﻚ .
· ﻛﻴﻒَ ﺃﺣﺎﺳﺐُ ﻧﻔﺴﻲ ؟
ﺳﺆﺍﻝٌ ﻳﺘﺮﺩﺩُ ﻓﻲ ﺫِﻫﻦ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪٍ ﺑﻌﺪَ ﻗﺮﺍﺀﺓِ
ﻣﺎ ﻣﻀﻰ .
ﻭﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻝ :
ﺫﻛﺮَ ﺍﺑﻦُ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺃﻥ ﻣﺤﺎﺳﺒﺔَ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺗﻜﻮﻥ
ﻛﺎﻟﺘﺎﻟﻲ :
ﺃﻭﻻً : ﺍﻟﺒﺪﺀُ ﺑﺎﻟﻔﺮﺍﺋﺾ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻘﺺٌ
ﺗﺪﺍﺭﻛﻪُ .
ﺛﺎﻧﻴﺎً : ﺍﻟﻨﻈﺮُ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻲ ، ﻓﺈﺫﺍ ﻋﺮَﻑ ﺃﻧﻪ
ﺍﺭﺗﻜﺐ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻴﺌﺎً ﺗﺪﺍﺭﻛﻪ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔِ ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭِ
ﻭﺍﻟﺤﺴﻨﺎﺕِ ﺍﻟﻤﺎﺣﻴﺔ .
ﺛﺎﻟﺜﺎً : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻐﻔﻠﺔِ ، ﻭﻳَﺘَﺪَﺍﺭﻙُ
ﺫﻟِﻚ ﺑﺎﻟﺬﻛﺮِ ﻭﺍﻹﻗﺒﺎﻝِ ﻋﻠﻰ ﺭﺏِ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ
ﻭﺭﺏ ﺍﻷﺭﺽ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ .
ﺭﺍﺑﻌﺎً : ﻣﺤﺎﺳﺒﺔُ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺣﺮﻛﺎﺕِ
ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ، ﻭﻛﻼﻡِ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ، ﻭﻣﺸﻲِ ﺍﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ،
ﻭﺑﻄﺶِ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ، ﻭﻧﻈﺮِ ﺍﻟﻌﻴﻨﻴﻦ ، ﻭﺳﻤﺎﻉِ
ﺍﻷﺫﻧﻴﻦ ، ﻣﺎﺫﺍ ﺃﺭﺩﺕُ ﺑﻬﺬﺍ ؟ ﻭﻟﻤﻦ ﻓﻌﻠﺘﻪ ؟
ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻭﺟﻪ ﻓﻌﻠﺘﻪ ؟
* * *
تعليق