الحمدلله وكفى وصلاة وسلام ع عباده الذين اصطفى
اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله واليك يرجع الامر كله
اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد
ثم أما بعد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أَوصِني ، قال : ( لا تَغضَبْ ) . فردَّد مِرارًا ، قال : ( لا تَغضَبْ ) . رواه البخاري .
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه - الأبيض منها والأسود ، والطيب والرديء ، والقاسي واللين - ، فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع ، مختلفة المشارب، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها ، ومن هذا المنطلق راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وصاياه للناس ، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه ، وما يعينه في تهذيب نفسه وتزكيتها .
وبهذه الكلمة الموجزة ، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم ، فالغضب جماع الشر ، ومصدر كل بليّة ، فكم مُزّقت به من صلات ، وقُطعت به من أرحام ، وأُشعلت به نار العداوات ، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم .
فإنه غليان في القلب ، وهيجان في المشاعر ، يسري في النفس ، فترى صاحبه محمر الوجه ، تقدح عينيه الشرر ، فبعد أن كان هادئا متزنا ، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة ، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد .
ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه ، ما جاء في قوله تعالى : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ( آل عمران : 134 ) ، فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب : فمنهم من يكظم غيظه ، ويوقفه عند حده ، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه ، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه .
فياأيها الغاضب .
يا من ثارت ثائرتك وتشنجت أعصابك . يا من فقدت السيطرة على قولك وفعلك .
يا من دعاك الشيطان إلى الانتقام ممن أغضبك بالسب والشتم أو الاعتداء باليد ونحو ذلك تَذكَّر ما روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ليس الشديد بالصُّرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )) أخرجه البخاري .
وعليك محاولة رد الغضب والتحكم في أقوالك وأفعالك حتى لا تخطئ في حق غيرك أو تتلفظ بلفظٍ لا يليق بك . وأعلم أن من ملك نفسه عند الغضب كان أقوى إرادة وأكثر قدرةً على ضبط أعصابه وانفعالاته .
واعلم أن في ترك الغضب عصمة للإنسان من كيد الشيطان ومكره .
ومعنى هذا على المسلم اجتناب أسباب الغضب ودواعيه لأنه عدو خطير للإنسان المسلم حينما ينقاد لهوى النفس الأمارة بالسوء وقواها الشريرة ، حتى قال بعض السلف : (( أقرب ما يكون العبد من غضب الله عز وجل إذا غضب )) . وفي ذلك يقول أبو العتاهية :
ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم *** عدو العقل أعدى من الغضب
http://www.youtube.com/watch?v=3pnXzXbOtdE
الوسائل التي تحد من الغضب ، وتعين العبد على التحكم بنفسه في تلك الحال ؟
: لقد بينت الشريعة العلاج النافع لذلك من خلال عدة نصوص ، وهو يتلخص فيما يأتي :
أولا : اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ، فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على تزكيتها ، يقول الله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ( غافر : 60 ) .
والوضوء الذي يساعد – بإذن الله – على إطفاء حرارة الغضب وإخماد لهيبه ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خُلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )) رواه أحمد وأبو داود .
خلاصة حكم المحدث: حسن
http://www.youtube.com/watch?v=ZQhLxkVyRK8
رابعا : الإمساك عن الكلام ، ويغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان واقفا ، ويضطجع إذا كان جالسا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا غضبَ أحدُكم وَهوَ قائمٌ فليجلِسْ فإن ذَهبَ عنْهُ الغضبُ وإلَّا فليضطجِعْ الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث:ابن مفلح - المصدر: الآداب الشرعية - الصفحة أو الرقم: 2/260
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
وفى النهاية:
يجب أن نتذكَّر أن الغضب لا يكون محموداً إلا في حالة واحدة تتمثل في غضب الإنسان المسلم متى انتهكت محارم الله سبحانه ، أو اعتدي على أمر من أوامره جل وعلا ، أو عُطل حكم من أحكامه . عندها يكون الغضب محموداً ، وعلى المسلم حينها أن يغضب لله وأن يثور على من انتهك محارم الله أو اعتدى على حرمات الدين اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يكن يغضب لنفسه وإنما كان غضبه لله سبحانه . فقد روى مالك والبخاري : (( ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، إلا أن تنتهك حرمة الله ، فينتقم لله تعالى )) .
وختاماً..أسأل أن يُجنبنا وإياكم أسباب الغضب ودواعيه وأن يكفينا مكر الشيطان ووساوسه ،
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
من تجميعى
تعليق