والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى أله وأصحابه أجمعين
أقدم لكم موضوع بعنوان :-
(( لا يعرف خالقه من لا يعرف نفسه ))
وهذا من نفيس كلام شيخنا المبارك (ابن القيم) رحمه الله فى كتابه الماتع (الفـوائـد)
يقول الشيخ :-
من لم يعرف نفسه كيف يعلم خالقه ؟
فاعلم أن الله تعالى خلق فى صدرك بيتا وهو القلب ،،ووضع فى صدره عرشا لمعرفته
يستوى عليه المثل الأعلى ،، فهو مستوٍ على عرشه بذاته ،بائن من خلقه
والمثل الأعلى من معرفته ومحبته وتوحيده مستوٍ على سرير القلب وعلى السرير بساط من الرضا
ووضع عن يمينه وشماله مرافق شرائعه وأوامره ،، وفتح إليه بابا من جنة رحمته والأنس به والشوق إلي لقائه
وأمطره من وابل كلامه ماأنبت فيه أصناف الرياحين والأشجار المثمره من أنواع الطاعات ،والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس
وجعل فى وسط البستان شجرة معرفة ،فهى تؤدى أكلها كل حين بإذن ربها من المحبة والإنابة والخشية والفرح به
وأجرى إلى تلك الشجرة مايسقيها من تدبر كلامه وفهمه والعمل بوصاياه
وعلق فى ذلك البيت قنديلا أسرجه بضياء معرفته والإيمان به وتوحيده
فهو يستمد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيه ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار
ثم أحاط عليه حائطا يمنعه من دخول الأفات والمفسدين ومن يؤذى البستان فلا يلحقه أذاهم
وأقام عليه حرسا من الملائكه يحفظونه فى يقظته ومنامه
ثم اعلم أن صاحب هذا البيت والبستان دائما همه إصلاح السكن (القلب) ولمِّ شعثه ليرضاه الساكن (الله) منزلا ، وإذا أحس بأدنى شعث فى السكن بادر إلى إصلاحه خشية انتقال الساكن منه ،،، فنعم الساكن ونعم المسكن
فسبحان الله رب العالمين
كم بين هذا البيت وبين بيت :---
قد استولى عليه الخراب وصار مأوى للحشرات والهوام ومحلا لإلقاء الأنتان والقاذورات
فالشيطان جالس على سريره
وعلى السرير بساط من الجهل تتحقق فيه الأهواء
وعن يمينه وشماله مرافق الشهوات ، قد فُتِح إليه باب من حقل الخذلان والوحشه والركون إلى الدنيا والطمأنينه بها والزهد فى الأخرة
وأُمْطِرَ من وابل الجهل والهوى والشرك والبدع ماأنبت فيه أصناف الشوك والحنظل والأشجار المثمره بأنواع المعاصى والمخالفات
والنوادر والهزليات والأشعار الغزليات والخمريات
التى تُهيج على ارتكاب المحرمات وتُزَهِد فى الطاعات
وجعل فى وسط الحقل شجرة الجهل به والإعراض عنه فهى تؤتى
أكلها كل حين من الفسوق والمعاصى والمجون والذهاب مع كل ريح
واتباع كل شهوة
وأجرى إلى تلك الشجره مايسقيها من اتباع الهوى وطول الأمل والغرور
ثم ترك ذلك البيت وظلماته وخراب حيطانه
بحيث لايمنع منه مفسد ولامؤذ ولاقذر
فسبحان خالق هذا البيت وذلك البيت
فمن عرف بيته وقدر الساكن فيه
وقدر مايكون فيه من الكنوز والذخائر
انتفع بحياته ونفسه
ومن جهل ذلك جهل نفسه
وأضاع سـعادتـه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ولا تنسونى من صالح دعائكم
تعليق