أحب الكلام
لحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
التذكير بفضل الذكر في هذه الأيام التي صار أكثر الناس يغفلون عنه في كلامهم، بسبب الأحاديث والتحليلات السياسية.
من فضائل الذكر:
ـ أشرف الأعمال وأجل القربات: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أحبُّ الأعْمالِ إِلَى الله أَن تَمُوتَ ولِسانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ الله) (رواه الطبراني وابن حبان، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ). قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ) (رواه مسلم). وقال -تعالى-: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب:35)، وفي الحديث: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني).
ـ أعظم أسباب الثبات عند مواجهة الخصوم والأعداء: قال تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45).
ـ حياة القلوب والأبدان والأرواح: يقول -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ) (متفق عليه).
أحب الكلام:
- عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. لاَ يَضُرُّكَ بَأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) (رواه مسلم).
- نبذة حول معنى الكلمات:
- سبحان الله: تنزيه الله عن كل ما لا يليق به، مما ادعاه الكافرون، أو ظنه المبطلون: (الولد - الفقر - الشريك - صفات المخلوقين).
- الحمد لله: إثبات لأنواع الكمال لله في أسمائه وصفاته وأفعاله، وهو الثناء بالكلام على وجه التعظيم، ومورده اللسان والقلب.
- لا إله إلا الله: الإله: المعبود المطاع. والمقصود: نفي الإلهية عن كل ما سوى الله، وهي دعوة الرسل، وقامت عليها الخصومة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
- الله أكبر: إثبات لعظمة الله -تعالى-، وأنه لا شيء أكبر منه "المال - الولد - النساء - السلطان - السماء والأرض".
مِن فضائل هذه الكلمات:
1- أنها أحب الكلام إلى الله ورسوله:
- عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ. لاَ يَضُرُّكَ بَأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) (رواه مسلم).
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) (رواه مسلم).
2ـ مكفرات للذنوب:
عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِشَجَرَةٍ يَابِسَةِ الْوَرَقِ فَضَرَبَهَا بِعَصَاهُ فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ فَقَالَ: (إِنَّ الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ العَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
3- أنهن من المثقلات في الميزان:
عن أبي سلمى -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (بَخٍ بَخٍ وَأَشَارَ بِيَدِهِ لِخَمْسٍ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فَيَحْتَسِبُهُ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).
4- أنهن غراس الجنة:
عن عبد الله مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). (قِيعَانٌ): الأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الشَّجَرِ.
5- أنهن جُنة لصاحبهن من النار، وهن الباقيات الصالحات:
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خُذُوا جُنَّتَكُمْ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ: (لا، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ قَوْلُوا: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ) (رواه النسائي في السنن الكبرى والحاكم، وحسنه الألباني).
6ـ أنهن ينعطفن حول العرش يذكِّرن بصاحبهن:
(عن النعمان بن بشير مرفوعا في التسبيحة والتحميدة والتهليلة يتعاطفن حول العرش ، لهن دوي كدوي النحل ، يذكرن بصاحبهن ، ألا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الرحمن ما يذكر به ؟
الراوي: النعمان بن بشير المحدث:الألباني - المصدر: مختصر العلو - الصفحة أو الرقم: 32
خلاصة حكم المحدث: صحيح
7- الثواب العظيم ولا سيما مع العجز والكبر:
- عن أم هانئ -رضي الله عنها- أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فمرني بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ. قَالَ: (سبحي اللَّهَ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، واحمدي اللَّهَ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا في سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَبِّرِي اللَّهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ بَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ، وهللي اللَّهَ مِائَةَ تَهْلِيلَةٍ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَلاَ يُرْفَعُ يَوْمَئِذٍ لأَحَدٍ عَمَلٌ إِلاَّ أَنْ يأتي بِمِثْلِ مَا أَتَيْتِ ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).
8- صدقة الفقراء:
عن أبي ذر -رضي الله عنه-: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: (أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ) (رواه مسلم).
9- ليس أحد أفضل عند الله مِن مؤمن يعمَّر في الإسلام يكثر منهن:
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ نَفَرًا مِنْ بني عُذْرَةَ ثَلاَثَةً أَتَوُا النبي -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ يَكْفِنِيهِمْ؟). قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا، قَالَ: فَكَانُوا عِنْدَ طَلْحَةَ، فَبَعَثَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بَعْثًا فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُمْ فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْثًا فَخَرَجَ فِيهِ آخَرُ فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدِي فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَخِيرًا يَلِيهِ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَوَّلَهُمْ آخِرَهُمْ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمِّرُ فِي الإِسْلاَمِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).
10- أنهن يُجْزئن عن القرآن الكريم في حق مَن لا يحسنه:
عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، قَالَ:(قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وحسنه الألباني)(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ذكر بعض أهل العلم أن السر في هذا الفضل العظيم لهذه الكلمات الأربع: أن أسماء الله -تبارك وتعالى- كلها مدرجة في هذه الكلمات الأربع، فسبحان الله تندرج تحتها أسماء التنزيه: كالقدوس والسلام. والحمد لله: مشتملة على إثبات أنواع الكمال لله -تبارك وتعالى- في أسمائه وصفاته. والله أكبر: فيها تكبيره وتعظيمه، وأنه لا يُحصي أحد الثناء عليه، ومَن كان كذلك فلا إله إلا هو، أي لا معبود بحق سواه.
كتبه/ سعيد محمود
تعليق