الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله تُغْفَر الذنوب وتُمْحَى السيئات
وعلي أبوابه تُسْكَب العَبَرَات وبطاعته تُنَال الخيرات والبركات
وبمعصيته تَحِلُّ الأزمات والنكبات
والصلاة والسلام علي خير البريات سيد الخلق وإمام السعداء
وقائد الغر الميامين إلي رب العالمين سيدنا محمد بن عبدالله صلي الله عليه وسلم .
أيها الباحثون المنقِّبون عن السعادة وأسبابِها
يا من تعيشون في حيرة وشتات اقرؤوا معي هذه الكلمات :
نعيش حالة من السعادة والطمأنينة وراحة البال
في مواسم الخير ونفحات الرحمن في رمضان والعشر من ذي الحجة وفي الحج
وعند صلاة الجمعة و الأيام الطيبة هذه ، فنجد صفاء الروح وطمأنينة النفس
وقرة العين وبعد انقضاء هذه الأيام
تتغير الحال فلا نشعر بما كنا نشعر به ، فما السبب في هذه الحال ؟
التي نكون عليها في هذه الأيام ، وما السبب في تغيرها وانتهاء ثمرتها ؟
وكيف الوصول إلي دوام السعادة واستمرار راحة البال ؟
ومقام الرضا والطمأنينة ؟
السر ليس في الأيام والليالي ،
وإنما السر في الأعمال التي نعملها في هذه الأيام ، السر في الطاعة ، في القرآن الذي كنا نقرأه ،
وفي الصيام الذي يرتقي بالروح ويزكِّي النفس وما فيه من مراقبة لله عز وجل
، وفي الصلاة التي هي الصلة بين العبد وربه ، والدعاء والتسامح ، والتزاور ، والتغافر ، وصلة الأرحام ، والتهادي ، وانتشار المودة والمحبة بين الناس .
الطاعة مفتاح السعادة وسبب كل خير:
يقول الله عز وجل
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد :28)
أي: تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره، وترضى به مولى ونصيرًا؛
ولهذا قال:{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } أي: هو حقيق بذلك.
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ}
فذكر الله سبب الراحة والطمأنينة والسعادة ،
وهو الإيمان وعمل الصالحات .فطوبى لهم وفرح لهم وقُرة عين لهم
ونعم مالهم وغبطة لَهُم وخير لهم وحسنى لهم ونعمة لهم وبركة لهم
وسعادة لهم وطمأنينة لهم وكل خير لهم
.لهم وحدهم
وكأن الخير والسعاة واقفة عندهم فلا يَسْعَدُ ولا يُفْلِح ولا يهنأ غيرهم
غير أهل الله وأهل طاعته سبحانه وتعالي .
قال أحمد ابن حنبل في الزهد سمعت وهبا يقول :
« إن الرب تبارك وتعالى قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل : إني إذا أُطِعت رضيت ، وإذا رضيت باركت ، وليس لبركتي نهاية ، وإني إذا عُصِيت غضبت ، وإذا غضبت لعنت ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد »
الزهد لابن حنبل ومحاسن التأويل: محمد جمال الدين القاسمي والدر المنثور في التأويل بالمأثور:السيوطي .في تفسير قوله تعالي {...وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ...} (الكهف:82)
فالطاعة سبب في الرضا والرضا أصل كل سعادة ومع هذه السعادة بركة ، بركة في كل شيء في الرزق وفي العمر وفي الأولاد وفي الزوجة وفي كل شيء وليس لها نهاية أو أنها يأتي عليها يوم فتنفد وتنتهي . فهو سبحانه يملك مفاتيح كل شيء ومنها السعادة والبركة .
ويصدِّق ذلك القرآنُ الكريم إذ يقول ربنا تبارك اسمه
{وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*
مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(النحل:97-96)
لا تشتروا الثمن القليل الذي إذا ما قورن بما عند الله فهو قليل ،
بل لا يُذكر من قلته ، لا تشتروه بعهد الله ، بمخالفتكم لما عاهدتم عليه الله من طاعة وامتثال ،
لا تركنوا إلي المال والثروات والمناصب والدنيا فهي لعاعة لان ما عند الله في الدنيا وفي الآخرة
خير مما عندكم فالسعادة التي يشعر بها القلب المتصل بالله خير من كل كنوز الدنيا
فالمحروم من حرم لذة المناجاة من حرم طعم الإيمان وفي الحديث عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ
« ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِيناً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً » .رواه مسلم .
فللإيمان طعم ولذة , وللصلاة طعم ولذة , وللمناجاة طعم ولذة , وللصيام طعم ولذة وللبكاء من خشية الله طعم ولذة من لم يذق هذا الطعم فهو المحروم الخاسر .
وفي الآخرة ما من لذة يتلذذ بها أهل الجنة خير من لذة النظر إلي وجهه الكريم
فيا أهل الله أنتم الأغنياء، وأهل الدنيا وأرباب المال والثروات هم الفقراء ،
فبارك الله لأهل الدنيا في دنياهم .
ولا مانع بالطبع أن تكون من أهل الله وتكون صاحب مال أو كنوز ولكن تتقي الله فيها فإن الله أراد لنا أن ندخل جنة الدنيا قبل أن ندخل جنة الآخرة .إنما الحديث هنا عمن اشتري الدنيا بعهد الله فخانه .
لا تخطيء الطريق :
طريق السعادة والنعيم والراحة هي طريق الله طريق الطاعة والالتزام بمنهج القرآن هي أن تتعامل بالقرآن فتزرع بالقرآن أي وفق منهج القرآن وتصنع بالقرآن وتتاجر بالقرآن وتمارس كل حياتك بالقرآن فتحيى بالقرآن وتعيش مع القرآن لا طريق غيرها
أما من أخطأ الطريق وظن أن طريق السعادة في جمع المال وقال أن التجارة شطارة فغش ودلس في سبيل المال والربح الكثير ووطأ علي رقاب الضعفاء والمساكين باسم التجارة والاقتصاد وتاجر بالأطعمة الفاسدة واحتكر فقد أخطأ الطريق .
ومن حسب أن طريق السعادة في السلطان والجاه وقال إن السياسة خداع ومراوغة فكذب ودلس وزور وقال بالبهتان وظن أن هذه هي الفطنة والذكاء وانتظر من بعدها السعادة فقد أخطأ الطريق .
ومن حسب أن السعادة في الطعام والشراب والنساء والملذات والشهوات فقد أخطأ الطريق وضل ضلالا مبينا .
إنما السعادة أن تطعم بطونا جائعة وتكسوا أجسادا عارية وتداوي أناسا مرضى وأن تخفف عن آلام المتألمين أو أن تزيح الهم والحزن عن المهمومين هذه هي السعادة الحقيقية
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ « إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ » . رواه أحمد وحسنه الألباني.
فمن حافظ علي المعروف بينه وبين الناس وحافظ علي الخلق الحسن فليشعرن بكل سعادة وكل طيب في الدنيا وله في الآخرة الأجر الجزيل .
قَالَ الْحُطَيْئَةُ :
وَلَسْت أَرَى السَّعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ *** وَلَكِنَّ التَّقِيَّ هُوَ السَّعِيدُ
كَانَ ابْنُ عَطَاءٍ يَقُولُ فِي مُنَاجَاتِهِ:
مَاذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ..لَقَدْ خَابَ مَنْ رَضِيَ بِدُونِكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً.
ولما حضرت معاذا رضي الله عنه الوفاة قال :
اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك
اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا
وطول البقاء فيها لجرى الأنهار ولا لغرس الأشجار
ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب
عند حلق الذكر.
إحياء علوم الدين والثبات عند الممات - ابن الجوزي
ما كان يعجبهم من الدنيا ويسعدهم إلا الساعات التي يخلون فيها مع الله محبوبهم وعلموا أنها طريق الراحة والسعادة والنعيم لذلك كانوا سعداء .
أيها الباحثون علي السعادة وراحة البال
يا من تدخل إلي بيتك.. فتجد هما وغما ونكدا ؛
لا تعتاضوا عن الأيمان بالله عَرَض الحياة الدنيا وزينتها، فإنها قليلة،
ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له،
وجزاء الله وثوابه خير لمن رجاه وآمن به ، وحفظ عهده .
والمؤمن يحمل بين جنبيه وبداخله قلب سعيد لأنه امتلأ إيمانا وثقة بخالقه وبتدبيره
فاستراح قلبه حتى ولو لم ينل من متاع الدنيا شيئا وإن كان في الحقيقة فاز بكل شيء الراحة والسعادة .
تعليق