كيف نكون أهلاً لتوفيق الله ؟
الله عز وجل خلق الخلق لطاعته ومحبته ومرضاته، والله سبحانه يحبّ من عبادهأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ولا يرضى لعباده الكفر ، والمسلم يبحث ويتلمّس مرضاة الله وتوفيقه ويتعرّف علاماتِ توفيق الله لعبده، فإن كانت فيهفليحمد الله ولْيَثْبُت ويزدد منها، وإن لم تكن فيه تدارك نفسه وأكثرمنها.
ومما يجعل لطرح مثل هذا الموضوع أهميةً كبرى اختلالُ موازين كثير من الناس، وظنُّهم أن من توفيق الله للعبد هو أن تفتح له الدنيا وإن ضيّع أمر دينه وآخرته، وهذا من الجهل المركّب بدين الله وبكتاب الله وسنة مصطفاه،
يقول صلى الله عليه وسلم(((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا منيحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب)) حديث صحيح رواه الإمام أحمد.
والتوفيق معناه: أن يهيئ له أسباب ما يرضيه سبحانه وتعالى، وما يوافق ما أراده من عبده، وهذا التوفيق أن يكون هوى الإنسان تبعاً لما طلب منه شرعاً، فإذا كان الإنسان لا يرغب فيما حرم الله عليه ويرغب فيما أوجب عليه فهو موفق.
وعليه فإذا أراد العبد أن يكون أهلاً لتوفيق الله فلا بد أن يعرف ما هي علامات توفيق الله للعبد ليحرص أن يكون من أصحابهاوليضرب في كل علامة بسهم ،وليتشبه بأهلها إن التشبه بالكرام فلاحُ.
ومن تأمّل كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وتدبّرهما حقّ التدبر يجد أن من علامات توفيق الله للعبد ما يلي:
أولاً: التوفيق للعمل الصالح :
إن أعظم ما يمكن أن يكون من علامات التوفيق هوالتوفيق للعمل الصالح عمومًا على اختلاف أنواعه بدنيا أو ماليًا أو قوليًا،والله عز وجل بيّن أن الطاعة والتوفيق لها هو الفوز العظيم فقال سبحانه: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71]، وجاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله))قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: ((يوفقه لعمل صالح قبل موته)).
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2142
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وجاء أيضا في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم عن أبي بكرة أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: ((من طال عمره وحسن عمله))قيل: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله)).
الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/205
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
ثانيًا: العلم الشرعي :
من التوفيق أن يوفّق العبدلطلب العلم الشرعي والتفقه في دين الله، ومن سلك طريقَ العلم فإنه على خيركثير، فقد جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)).
ثالثًا: التوفيق لنشر الخير والدعوة إلى الله وإصلاح الناس:
فإن هذه مهمة الأنبياء والرسل، وقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].وإن من توفيق الله للمسلم أن يجعله داعية للخير ونشر العلم.
فالموفق من فتح الله على قلبه في الدعوة إليه والجهادفي سبيله فتحرك قلب الداعية وهزه الشوق والحنين ليسوق العباد إلى ما يرضيرب العباد ، فهو أحسن الناس وأعظمهم أجراً وأشرفهم مهنة وكفى بها فخراًأنها مهنة المرسلين . فهنيئاً لك
أيها الداعية الصادق فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) [رواه أحمد ومسلم ] ..
رابعاً:الاخلاص وصدق النية وصلاحها :
قال تعالى في من يصلحوا بين الزوجين(إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )..قيل الزوجين وقيل الحكمين .عندما أصلحا النية وأخلصا في الصلح وفق الله .
وقال (عز وجل) : [ أَفَمَن شَرَحَ اللَّه ُصَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ] [الزمر : 22]
فالموفق هو ذاك المخلص الذي أخلصه الله إليه فصدق مع ربه يريد مرضاته مكتفياً باطلاع الله عليه ، فلا يلتفت إلى المخلوقين ليُعرِّض بنفسه أو بكلامه أو لحظات طرفه أمامهم ليمدحوه أو ينال إعجابهم ، فهو يحذر من الرياء والسمعة والعجب والإدلال بالعمل وغيرها منمفسدات الأعمال وموهنات القلوب .
والمخلص هو الذي حفظه ربه (تعالى) فسلّمه منشر الالتفات إلى الناس والشكاية إليهم ، والطمع فيما عندهم ، والخوف منهم ومداهنتهم ، والتملق لهم ، وطلب رضاهم على حساب الحق ؛ فالإخلاص هو سرالتوفيق وهو بوابة حيازة الخيرات والقربات وقبولها من الله الذي يحبالمخلصين الذين باعوا أنفسهم وأوقاتهم وكل ما يملكون لربهم قال تعالى : [ قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ][الزمر : 11]
خامساً:التوكل على الله والإنابة إليه :
قال الله (تعالى) عن شعيب (عليه الصلاة والسلام) : [ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ ] (هود : 88)، فالتوفيق منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحب من عباده ، فإذا علم الله من عبده الصدق والإنابة إليه وفّقه الله وهداه ، قال تعالى : [ قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ] [الرعد : 27] ،وإذا وفق الله العبد اجتباه ويسر له أسباب العمل فيما يرضيه ، وشرح صدرهللطاعة ، وحببه إليها ، فيقبل العبد على أبواب الخير يضرب بسهم في كل باب تواقاً منهوماً مستسهلاً للصعاب مطارحاً للعقبات .عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يشبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 7390
خلاصة حكم المحدث: صحيح
سادساً:إرادة الآخرة :
الموفق هو من صرف الله قلبه عن التعلق بالدنياوالطمع في جمعها والظفر بزينتها وشهواتها ، وأنزل الله بقلبه همّ الآخرة ،يعد أيامه وأنفاسه يريد ألا ينفقها إلا فيما يرضي الله والهاتف دائماً فيقلبه : الرحيل .. الرحيل ، قال الله ( تعالى ) :
[بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ] [الأعلى : 16 ، 17]، وهذا بخلاف المغبون الذي صرفته دنياه عن آخرته .يقول صلى الله عليه وسلم: ( من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنياوهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرّق عليه شمله،ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّر له)) وهو في صحيح الجامع (6561).
سابعاً: التوبة من المعاصي:
ومن علامات التوفيق أن يوفق العبد للتوبة من الوقوع في المعاصي حتى لو تكرّرت منه، أو يحال بينه وبين المعاصي فلا يستطيع أن يصل إليها، فإن هذا من علامة التوفيق والسداد وإرادة الله به خيرًا، كما قال جل وعلا: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاًعَظِيمًا) [النساء:27]،والله عز وجل يفرح بتوبة عبده، نسأل الله أن يمنّ علينا وعليكم بقبول توبتنا وأوبتنا إلى ربنا، وأن يحول بيننا وبينالمعاصي وكل ما يبغض ربنا.
والعاصي لا يوفق ، يجد النحس دائماً في وجهه باستمرار،التوفيق مجانب له؛ في كل طريق لا يجد معه توفيقاً من الله عز وجل؛ لأ نالتوفيق هو قرين العمل الصالح والهداية والطاعة، أما المعاصي والذنوب فإن صاحبها غير موفق لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ثامناً:نفع الناس وقضاء حوائجهم:
ومن علامات التوفيق أن يوفّق العبد لنفع الناس وقضاء حوائجهم كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم)).
الموفق هو ذلكم المحسن للآخرين العطوف عليهم الذييقلقه شجون المصابين وأنات المساكين والمشردين والمحرومين والمظلومين ، فهويسعى بكل سبيل ليكفكف عبراتهم ، ويضمد جراحهم ، ويمسح على رؤوسهم ليردإليهم اعتبارهم وينفي كربهم ويدخل السرور عليهم يوم نسيهم المسلمون وانشغلوا بأنفسهم وشهواتهم وكماليات حياتهم .
تاسعاً:حب الطاعة وكره المعصية :
الموفق يفرح بطاعة الله وذكره وشكره ويحب عملالخير والصلاح بل يجد فيه متعته وراحته وكان أبو سليمان الداراني يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
عاشراً: العناية بالقرآن تعلما وتعليما:
ومن علامات التوفيق أن يوفق العبد للعناية بكتاب الله تعلّما وتعليما، يقول صلى الله عليه وسلم:((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).
الراوي: عثمان بن عفان المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5027
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
فهنيئًا لك يا من تدرس كتاب الله وتدرّسه ويا من تقرؤه كلّ يوم. وأنت يامن فرّطت في كتاب الله وتلاوته، تدارك نفسك فإن من علامة التوفيق أن توفّقلتلاوة كتاب الله حتى تحوز على هذه الخيرية والأجر العظيم.
الحادي عشر: القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ومنها أيضا أن يوفق العبد للقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال جل وعلا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]، وقال سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آلعمران:104]، فعلق سبحانه الفلاح والتوفيق على من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وجعل الخيرية في هذه الأمة لمن أمر ونهى، جعلنا الله وإياكممنهم.
الثاني عشر:الصحبة الصالحة :
من التوفيق أن يرزق العبد صحبة صالحة يعينونه علىالطاعة ويحذرونه من المعصية ، ولما للصاحب من أثر بالغ على صاحبه نهى النبيعن صحبة غير المؤمنين فقال: ((لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) أخرجه أبو داود والترمذي بسند لا بأس به.
الثالث عشر:حسن الخلق وسلامة الصدر:
ومنها أيضا أن يوفق العبد لكريم الخصال وحسن الأخلاق وسلامة الصدر ومحبة الخير للمؤمنين كما جاء في الحديث: ((إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا)).
الراوي: مسروق بن الأجدع بن مالك المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2321
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وحسن الخلق أثقل شيء في الميزان، وأما سلامة الصدر من الغلّ والغشّ والحسدفهو من توفيق الله للعبد؛ لأنه من أسبابِ دخول الجنّة كما جاء في الحديث والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 13
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الرابع عشر:الزوجة الصالحة :
ومن علامات التوفيق أن يرزق العبد زوجة صالحة تعينه على أمور دينه ودنياه ، وكم رأينا أناسا كانوا بعيدين عن الله فرزقوا نساءصالحات فغيرن حياتهم يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة))
الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1467
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الخامس عشر: عدم تدخل الإنسان فيما لا يعنيه:
ومن التوفيق وعلاماته عدم تدخل الإنسان فيما لايعنيه كالاشتغال بتتبّع أخبار الناس وما فعلوا وما أكلوا وما شربوا،والتدخّل في الأمور التي لا يحسنها ونحو ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليهوسلم : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))،
الراوي: أبو هريرة المحدث: النووي - المصدر: الأذكار - الصفحة أو الرقم: 502
خلاصة حكم المحدث: حسن
وجاء في سير أعلام النبلاء في ترجمة الصحابي الجليل أبو دجانة المجاهدالبطل أنه دخل عليه بعض أصحابه وهو مريض ووجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لايعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا".
السادس عشر: حسن عِشرة الإنسان لأهله:
فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))،
الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: ابن جرير الطبري - المصدر: مسند عمر - الصفحة أو الرقم: 1/408
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
فالعبد إذا قضى حوائج أهله وقدّمها على الأصدقاء والأصحاب والأقارب كان موفّقًا مسدّدًا، فحقّهم أولى وأوجب من غيرهم، فيجب عليك ـ أخي ـ أن تعطيَ لكلّ ذي حقّ حقه.
السابع عشر: السداد والصواب في الأقوال والأعمال والمواقف:
ومن علامات توفيق الله للعبد أن يلهم السداد والصواب في الأقوال والأعمال والمواقف، وهي الحكمة التي قال الله عنها سبحانه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269].
الثامنة عشرة عشرة:الجهاد في سبيل الله :
ومن علامات التوفيق أن يوفق العبد وييسّر له الجهاد والشهادة في سبيل الله، فإنها من أفضل القربات وأعلى المقامات،(وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:95]،كيف لا والله عز وجل قال عمّن استشهد أنه مصطفى ومختار فقال سبحانه: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) [آل عمران:140]، فاتخذهم الله واصطفاهم وأنعم عليهم بالشهادة في سبيله. فاللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك مقبلين غير مدبرين.
التاسع عشر:الدعاء والتذلل بين يدي الله جل جلاله :
العارفون أجمعوا على أن كل خير أصله من توفيق الله للعبد ، وكل شر فأصله خذلانه لعبده . وأجمعوا أن التوفيق أن لا يكلك اللهإلى نفسك ، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك.
فإذا كان كل خير ، فأصله التوفيق ، وهو بيد الله لا بيد العبد ، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه ،فمتى أعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له ، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجاً دونه .
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : إني لا أحمل همّ الإجابة ، ولكن همّ الدعاء ، فإذا ألهمت الدعاء فإنالإجابة معه .
وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك ، يكون توفيقه سبحانه وإعانته .
فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك .
فالله سبحانه أحكم الحاكمين ، وأعلم العالمين ،يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به ، والخذلان في مواضعه اللائقة به ، وهوالعليم الحكيم .
وما أُتيَ من أُتيَ إلا من قِبَل إضاعة الشكر ، وإهمال الافتقار والدعاء .
ولا ظفِرَ من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر ، وصدق الافتقار والدعاء .
وملاك ذلك الصبر ، فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا قطع الرأس فلا بقاء
للجسد.
العشرون محاسبة النفس:
الموفق هو من قام على نفسه يحاسبها على الدوام ؛ لأن النفس جموحة طموحة منوعة تريد الرفعة والعلو والمديح والتقدم والتعالي علىالآخرين ، فهو معها في جهاد يكبح جماحها ؛ فإن عمل طاعة فهو متلهف مشغوف يحسن الظن بربه أن يقبل تلك الطاعة ، وإن أذنب ثم تاب فهو خائف قلق يخشى أنلا يقبل الله توبته .
الحادي والعشرون:سلامة القلب واللسان:
الموفق حقاً هو الذي نجاه ربه وسلمه من شر كبائر القلوبالخفية كالغل والحسد وسوء الظن بالآخرين واتهام نياتهم والوقوع في أعراضهم والوشاية بهم والسقوط في الغيبة والنميمة والكذب المُبطّن ؛ فما أسوأ حالمن كانت هذه صنعته وما أبعده عن التوفيق ؛ لأنه من شرار الناس ، فعن (عبدالرحمن بن غنم) يبلغ به النبي :
( ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا : بلى ، قال : الذين إذا رؤوا ذكر الله ، أفلا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى ، قال : المشاؤون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون البراء العنت الراوي: أسماء بنت يزيد المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 246
خلاصة حكم المحدث: حسن
الثاني والعشرون:كثرة الذكر:
الموفق من ألهمه الله ذكره فأصبح ذاكراً لربه بقلبهولسانه فقضى العمر بهذه العبادة العظيمة التي رتب الله عليها أعظم الأجور ؛فإنها المنّة الكافية والمنحة الشافية أن يستديم العبد ذكر ربه ويتلذذ بمناجاته ذلك الذكر الذي هو أسهل العبادات وأيسرها ، قال (تعالى) : [ فَاذْكُرُونِي أََذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ]
الثالث والعشرون:انظر فيم اقامك :
وإذا أردت أن تعرف ميزانك عند الله فانظر في همكوشغلك هل هو لله أم لا ؟ وانظر فيم اقامك هل في خدمته ودعوة خلقه إليه وعبادته وقد قيل : (إذا أردت أن تعرف قدرك عند السلطان فانظر في أي الأعمال يوليك) .
الرابع والعشرون :الحزن لألام الأمة وجراحاتها:
والموفق هو الذي تحزنه آلام الأمة ويدمي قلبه ضياعُها وكثرة أعدائها المتربصين ، وهو المحزونحينما يرى أهل الفسق يسقطون في الرذيلة وهم صادّون عن ربهم معرضون عن سنةنبيهم ؛ لأنه يسوؤه أن يُعصى الله وتنتهك حرماته .
الله عز وجل خلق الخلق لطاعته ومحبته ومرضاته، والله سبحانه يحبّ من عبادهأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ولا يرضى لعباده الكفر ، والمسلم يبحث ويتلمّس مرضاة الله وتوفيقه ويتعرّف علاماتِ توفيق الله لعبده، فإن كانت فيهفليحمد الله ولْيَثْبُت ويزدد منها، وإن لم تكن فيه تدارك نفسه وأكثرمنها.
ومما يجعل لطرح مثل هذا الموضوع أهميةً كبرى اختلالُ موازين كثير من الناس، وظنُّهم أن من توفيق الله للعبد هو أن تفتح له الدنيا وإن ضيّع أمر دينه وآخرته، وهذا من الجهل المركّب بدين الله وبكتاب الله وسنة مصطفاه،
يقول صلى الله عليه وسلم(((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا منيحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب)) حديث صحيح رواه الإمام أحمد.
والتوفيق معناه: أن يهيئ له أسباب ما يرضيه سبحانه وتعالى، وما يوافق ما أراده من عبده، وهذا التوفيق أن يكون هوى الإنسان تبعاً لما طلب منه شرعاً، فإذا كان الإنسان لا يرغب فيما حرم الله عليه ويرغب فيما أوجب عليه فهو موفق.
وعليه فإذا أراد العبد أن يكون أهلاً لتوفيق الله فلا بد أن يعرف ما هي علامات توفيق الله للعبد ليحرص أن يكون من أصحابهاوليضرب في كل علامة بسهم ،وليتشبه بأهلها إن التشبه بالكرام فلاحُ.
ومن تأمّل كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وتدبّرهما حقّ التدبر يجد أن من علامات توفيق الله للعبد ما يلي:
أولاً: التوفيق للعمل الصالح :
إن أعظم ما يمكن أن يكون من علامات التوفيق هوالتوفيق للعمل الصالح عمومًا على اختلاف أنواعه بدنيا أو ماليًا أو قوليًا،والله عز وجل بيّن أن الطاعة والتوفيق لها هو الفوز العظيم فقال سبحانه: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71]، وجاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله))قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: ((يوفقه لعمل صالح قبل موته)).
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2142
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وجاء أيضا في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم عن أبي بكرة أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: ((من طال عمره وحسن عمله))قيل: فأي الناس شر؟ قال: ((من طال عمره وساء عمله)).
الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/205
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
ثانيًا: العلم الشرعي :
من التوفيق أن يوفّق العبدلطلب العلم الشرعي والتفقه في دين الله، ومن سلك طريقَ العلم فإنه على خيركثير، فقد جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)).
ثالثًا: التوفيق لنشر الخير والدعوة إلى الله وإصلاح الناس:
فإن هذه مهمة الأنبياء والرسل، وقد قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33].وإن من توفيق الله للمسلم أن يجعله داعية للخير ونشر العلم.
فالموفق من فتح الله على قلبه في الدعوة إليه والجهادفي سبيله فتحرك قلب الداعية وهزه الشوق والحنين ليسوق العباد إلى ما يرضيرب العباد ، فهو أحسن الناس وأعظمهم أجراً وأشرفهم مهنة وكفى بها فخراًأنها مهنة المرسلين . فهنيئاً لك
أيها الداعية الصادق فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) [رواه أحمد ومسلم ] ..
رابعاً:الاخلاص وصدق النية وصلاحها :
قال تعالى في من يصلحوا بين الزوجين(إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما )..قيل الزوجين وقيل الحكمين .عندما أصلحا النية وأخلصا في الصلح وفق الله .
وقال (عز وجل) : [ أَفَمَن شَرَحَ اللَّه ُصَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ] [الزمر : 22]
فالموفق هو ذاك المخلص الذي أخلصه الله إليه فصدق مع ربه يريد مرضاته مكتفياً باطلاع الله عليه ، فلا يلتفت إلى المخلوقين ليُعرِّض بنفسه أو بكلامه أو لحظات طرفه أمامهم ليمدحوه أو ينال إعجابهم ، فهو يحذر من الرياء والسمعة والعجب والإدلال بالعمل وغيرها منمفسدات الأعمال وموهنات القلوب .
والمخلص هو الذي حفظه ربه (تعالى) فسلّمه منشر الالتفات إلى الناس والشكاية إليهم ، والطمع فيما عندهم ، والخوف منهم ومداهنتهم ، والتملق لهم ، وطلب رضاهم على حساب الحق ؛ فالإخلاص هو سرالتوفيق وهو بوابة حيازة الخيرات والقربات وقبولها من الله الذي يحبالمخلصين الذين باعوا أنفسهم وأوقاتهم وكل ما يملكون لربهم قال تعالى : [ قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ ][الزمر : 11]
خامساً:التوكل على الله والإنابة إليه :
قال الله (تعالى) عن شعيب (عليه الصلاة والسلام) : [ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ ] (هود : 88)، فالتوفيق منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحب من عباده ، فإذا علم الله من عبده الصدق والإنابة إليه وفّقه الله وهداه ، قال تعالى : [ قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ] [الرعد : 27] ،وإذا وفق الله العبد اجتباه ويسر له أسباب العمل فيما يرضيه ، وشرح صدرهللطاعة ، وحببه إليها ، فيقبل العبد على أبواب الخير يضرب بسهم في كل باب تواقاً منهوماً مستسهلاً للصعاب مطارحاً للعقبات .عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يشبع المؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 7390
خلاصة حكم المحدث: صحيح
سادساً:إرادة الآخرة :
الموفق هو من صرف الله قلبه عن التعلق بالدنياوالطمع في جمعها والظفر بزينتها وشهواتها ، وأنزل الله بقلبه همّ الآخرة ،يعد أيامه وأنفاسه يريد ألا ينفقها إلا فيما يرضي الله والهاتف دائماً فيقلبه : الرحيل .. الرحيل ، قال الله ( تعالى ) :
[بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ] [الأعلى : 16 ، 17]، وهذا بخلاف المغبون الذي صرفته دنياه عن آخرته .يقول صلى الله عليه وسلم: ( من كانت الآخرة همّه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنياوهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرّق عليه شمله،ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّر له)) وهو في صحيح الجامع (6561).
سابعاً: التوبة من المعاصي:
ومن علامات التوفيق أن يوفق العبد للتوبة من الوقوع في المعاصي حتى لو تكرّرت منه، أو يحال بينه وبين المعاصي فلا يستطيع أن يصل إليها، فإن هذا من علامة التوفيق والسداد وإرادة الله به خيرًا، كما قال جل وعلا: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاًعَظِيمًا) [النساء:27]،والله عز وجل يفرح بتوبة عبده، نسأل الله أن يمنّ علينا وعليكم بقبول توبتنا وأوبتنا إلى ربنا، وأن يحول بيننا وبينالمعاصي وكل ما يبغض ربنا.
والعاصي لا يوفق ، يجد النحس دائماً في وجهه باستمرار،التوفيق مجانب له؛ في كل طريق لا يجد معه توفيقاً من الله عز وجل؛ لأ نالتوفيق هو قرين العمل الصالح والهداية والطاعة، أما المعاصي والذنوب فإن صاحبها غير موفق لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ثامناً:نفع الناس وقضاء حوائجهم:
ومن علامات التوفيق أن يوفّق العبد لنفع الناس وقضاء حوائجهم كما صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم)).
الموفق هو ذلكم المحسن للآخرين العطوف عليهم الذييقلقه شجون المصابين وأنات المساكين والمشردين والمحرومين والمظلومين ، فهويسعى بكل سبيل ليكفكف عبراتهم ، ويضمد جراحهم ، ويمسح على رؤوسهم ليردإليهم اعتبارهم وينفي كربهم ويدخل السرور عليهم يوم نسيهم المسلمون وانشغلوا بأنفسهم وشهواتهم وكماليات حياتهم .
تاسعاً:حب الطاعة وكره المعصية :
الموفق يفرح بطاعة الله وذكره وشكره ويحب عملالخير والصلاح بل يجد فيه متعته وراحته وكان أبو سليمان الداراني يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
عاشراً: العناية بالقرآن تعلما وتعليما:
ومن علامات التوفيق أن يوفق العبد للعناية بكتاب الله تعلّما وتعليما، يقول صلى الله عليه وسلم:((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).
الراوي: عثمان بن عفان المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5027
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
فهنيئًا لك يا من تدرس كتاب الله وتدرّسه ويا من تقرؤه كلّ يوم. وأنت يامن فرّطت في كتاب الله وتلاوته، تدارك نفسك فإن من علامة التوفيق أن توفّقلتلاوة كتاب الله حتى تحوز على هذه الخيرية والأجر العظيم.
الحادي عشر: القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ومنها أيضا أن يوفق العبد للقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال جل وعلا: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]، وقال سبحانه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [آلعمران:104]، فعلق سبحانه الفلاح والتوفيق على من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وجعل الخيرية في هذه الأمة لمن أمر ونهى، جعلنا الله وإياكممنهم.
الثاني عشر:الصحبة الصالحة :
من التوفيق أن يرزق العبد صحبة صالحة يعينونه علىالطاعة ويحذرونه من المعصية ، ولما للصاحب من أثر بالغ على صاحبه نهى النبيعن صحبة غير المؤمنين فقال: ((لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي)) أخرجه أبو داود والترمذي بسند لا بأس به.
الثالث عشر:حسن الخلق وسلامة الصدر:
ومنها أيضا أن يوفق العبد لكريم الخصال وحسن الأخلاق وسلامة الصدر ومحبة الخير للمؤمنين كما جاء في الحديث: ((إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا)).
الراوي: مسروق بن الأجدع بن مالك المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2321
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وحسن الخلق أثقل شيء في الميزان، وأما سلامة الصدر من الغلّ والغشّ والحسدفهو من توفيق الله للعبد؛ لأنه من أسبابِ دخول الجنّة كما جاء في الحديث والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 13
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الرابع عشر:الزوجة الصالحة :
ومن علامات التوفيق أن يرزق العبد زوجة صالحة تعينه على أمور دينه ودنياه ، وكم رأينا أناسا كانوا بعيدين عن الله فرزقوا نساءصالحات فغيرن حياتهم يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة))
الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1467
خلاصة حكم المحدث: صحيح
الخامس عشر: عدم تدخل الإنسان فيما لا يعنيه:
ومن التوفيق وعلاماته عدم تدخل الإنسان فيما لايعنيه كالاشتغال بتتبّع أخبار الناس وما فعلوا وما أكلوا وما شربوا،والتدخّل في الأمور التي لا يحسنها ونحو ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليهوسلم : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))،
الراوي: أبو هريرة المحدث: النووي - المصدر: الأذكار - الصفحة أو الرقم: 502
خلاصة حكم المحدث: حسن
وجاء في سير أعلام النبلاء في ترجمة الصحابي الجليل أبو دجانة المجاهدالبطل أنه دخل عليه بعض أصحابه وهو مريض ووجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لايعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا".
السادس عشر: حسن عِشرة الإنسان لأهله:
فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))،
الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: ابن جرير الطبري - المصدر: مسند عمر - الصفحة أو الرقم: 1/408
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
فالعبد إذا قضى حوائج أهله وقدّمها على الأصدقاء والأصحاب والأقارب كان موفّقًا مسدّدًا، فحقّهم أولى وأوجب من غيرهم، فيجب عليك ـ أخي ـ أن تعطيَ لكلّ ذي حقّ حقه.
السابع عشر: السداد والصواب في الأقوال والأعمال والمواقف:
ومن علامات توفيق الله للعبد أن يلهم السداد والصواب في الأقوال والأعمال والمواقف، وهي الحكمة التي قال الله عنها سبحانه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269].
الثامنة عشرة عشرة:الجهاد في سبيل الله :
ومن علامات التوفيق أن يوفق العبد وييسّر له الجهاد والشهادة في سبيل الله، فإنها من أفضل القربات وأعلى المقامات،(وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:95]،كيف لا والله عز وجل قال عمّن استشهد أنه مصطفى ومختار فقال سبحانه: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) [آل عمران:140]، فاتخذهم الله واصطفاهم وأنعم عليهم بالشهادة في سبيله. فاللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك مقبلين غير مدبرين.
التاسع عشر:الدعاء والتذلل بين يدي الله جل جلاله :
العارفون أجمعوا على أن كل خير أصله من توفيق الله للعبد ، وكل شر فأصله خذلانه لعبده . وأجمعوا أن التوفيق أن لا يكلك اللهإلى نفسك ، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك.
فإذا كان كل خير ، فأصله التوفيق ، وهو بيد الله لا بيد العبد ، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجأ والرغبة والرهبة إليه ،فمتى أعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له ، ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجاً دونه .
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : إني لا أحمل همّ الإجابة ، ولكن همّ الدعاء ، فإذا ألهمت الدعاء فإنالإجابة معه .
وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك ، يكون توفيقه سبحانه وإعانته .
فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك .
فالله سبحانه أحكم الحاكمين ، وأعلم العالمين ،يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به ، والخذلان في مواضعه اللائقة به ، وهوالعليم الحكيم .
وما أُتيَ من أُتيَ إلا من قِبَل إضاعة الشكر ، وإهمال الافتقار والدعاء .
ولا ظفِرَ من ظفر بمشيئة الله وعونه إلا بقيامه بالشكر ، وصدق الافتقار والدعاء .
وملاك ذلك الصبر ، فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا قطع الرأس فلا بقاء
للجسد.
العشرون محاسبة النفس:
الموفق هو من قام على نفسه يحاسبها على الدوام ؛ لأن النفس جموحة طموحة منوعة تريد الرفعة والعلو والمديح والتقدم والتعالي علىالآخرين ، فهو معها في جهاد يكبح جماحها ؛ فإن عمل طاعة فهو متلهف مشغوف يحسن الظن بربه أن يقبل تلك الطاعة ، وإن أذنب ثم تاب فهو خائف قلق يخشى أنلا يقبل الله توبته .
الحادي والعشرون:سلامة القلب واللسان:
الموفق حقاً هو الذي نجاه ربه وسلمه من شر كبائر القلوبالخفية كالغل والحسد وسوء الظن بالآخرين واتهام نياتهم والوقوع في أعراضهم والوشاية بهم والسقوط في الغيبة والنميمة والكذب المُبطّن ؛ فما أسوأ حالمن كانت هذه صنعته وما أبعده عن التوفيق ؛ لأنه من شرار الناس ، فعن (عبدالرحمن بن غنم) يبلغ به النبي :
( ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا : بلى ، قال : الذين إذا رؤوا ذكر الله ، أفلا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى ، قال : المشاؤون بالنميمة ، المفسدون بين الأحبة ، الباغون البراء العنت الراوي: أسماء بنت يزيد المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 246
خلاصة حكم المحدث: حسن
الثاني والعشرون:كثرة الذكر:
الموفق من ألهمه الله ذكره فأصبح ذاكراً لربه بقلبهولسانه فقضى العمر بهذه العبادة العظيمة التي رتب الله عليها أعظم الأجور ؛فإنها المنّة الكافية والمنحة الشافية أن يستديم العبد ذكر ربه ويتلذذ بمناجاته ذلك الذكر الذي هو أسهل العبادات وأيسرها ، قال (تعالى) : [ فَاذْكُرُونِي أََذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ]
الثالث والعشرون:انظر فيم اقامك :
وإذا أردت أن تعرف ميزانك عند الله فانظر في همكوشغلك هل هو لله أم لا ؟ وانظر فيم اقامك هل في خدمته ودعوة خلقه إليه وعبادته وقد قيل : (إذا أردت أن تعرف قدرك عند السلطان فانظر في أي الأعمال يوليك) .
الرابع والعشرون :الحزن لألام الأمة وجراحاتها:
والموفق هو الذي تحزنه آلام الأمة ويدمي قلبه ضياعُها وكثرة أعدائها المتربصين ، وهو المحزونحينما يرى أهل الفسق يسقطون في الرذيلة وهم صادّون عن ربهم معرضون عن سنةنبيهم ؛ لأنه يسوؤه أن يُعصى الله وتنتهك حرماته .
لماذا أغلق باب التوفيق عن بعض الناس
قال شقيق بن إبراهيم:
أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء :
1- اشتغالهم بالنعمة عن شكرها
2- ورغبتهم بالعلم وتركهم العمل .
3- المسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة
4- الاغترار بصحبة الصالحين وترك الاقتداء بأفعالهم.
5- إدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها .
6- إقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
فيا أختي الغالية ،بعد أن تعرّفنا على بعض علامات توفيق الله للعبد علينا أن نتشبه بهاونحاول أن نكون من أهلها، ونلهجَ بالدعاء لربّنا جل جلاه صباحا ومساء بأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يوفقنا لخير الأعمال وأفضلها عنده سبحانه،فاللهم وفقنا لما تحب وترضى يا حي يا قيوم.
تعليق