***(( الميــــــــــزان ))***
سؤال: هل ذَكَر الله تعالى الميزان في كتابه؟
الجواب: نعم ... وإن شئت فاقرأ قوله عز وجل في سورة الرحمن: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْـمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْـمِيزَانِ) ..
هذه الآية تتحدَّثُ عن الميزانِ في الدنيا .. فهل جاءت آيات تتحدث عن الميزان يوم القيامة؟
والجواب كذلك: نعم .. وإن شئت فاقرأ قوله عز وجل: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) ..
وهنا اطرَحُ عليك السؤال الثالث فأقول :
هل هناك ارتباطٌ بين ميزانِ الدُنيا وموازين الآخرة؟
والجواب بدون أدنى ريب: نعم .
وهنا تنعكس المسألة فيُصبِحُ السائِلُ هو أنت لتقول لي: حدّثني عن هذا الارتباط؟
فأقول لك: تعالَ معي لأختَصِرَ لك قصةً طويلة بدأت منذُ آدم عليه السلام ........ وستنتهي مع آخر مكلَّف من الجن أو الإنس .
خلق الله الخلق ...
واختار منهم نوعين ليتحمّلا أمانةَ التّكليف وهما الثقلان الجن والإنس ..
أعطاهُمُ الأسماعَ والأبصارَ والأفئدة ..
بيَّن لهما الغاية من خلقهم وهي عبادته وعدم الإشراك به ..
أنزلَ لهم الكُتب ، لتبيِّن لهم مُراد الله منهم ..
وأرسلَ لهم الرُّسُل ليكونوا نماذِجَ حيَّةً في تطبيق مُراد الله تعالى ..
كلُّ هذا من رّحمةِ الله وعدلِهِ وكرمِه ..
ولماذا كلُّ هذا؟ ........ يأتيك الجوابُ بكلِّ وضوحٍ وجلاء:
إنَّهُ من أجلِ أن يقيم حجته على خلقه .... فنهايةُ المطاف جنّة أو نار .. يا الله .. ما أروعها من نهاية أو أفضعها ..
الله العليم الحكيم الرحيم .. لم يترك الناس محتارينَ في تحديدِ معالم الغاية التي خُلِقُوا من أجلها .. فعُقولهم متفاوتة .. وقُدراتهم مختلفة .. و مَشاربهم متنوّعة ..
فلعل ما أراه حسناً .. يمكن أن يكون عندك قبيحاً .. وما أراهُ أنا وأنت حقاً .. يمكن أن يكون عند الثالث باطلاً .. وما أعتقده أنا وأنت ومن حولنا عدلاً .. يمكن أن يراهُ الآخرون ظُلماً وعدواناً .
لعلَّ ما يُعجبنا في هذا العام .. ننفرُ منه في العامِ القادم .. ولعلَّ ما نقرِّرُهُ في هذا العقد من الزمان ننقضُهُ في عقدٍ لاحق .
فكان من رحمته سبحانه وهو العليم الحكيم أن أعطانا ميزاناً عادلاً ثابتاً ..
نَعرِفُ من خِلالِهِ الحلالَ والحرام .. والصواب والخطأ ..
نَعرِفُ من خِلالِهِ من هم أحِبَّاؤُنا؟ ومن هم أعداؤُنا؟
نَعرِفُ من خِلالِهِ حقيقة الفوز والنجاح .. وحقيقة الخسارة والفشل ..
نَعرِفُ من خِلالِهِ متى يكون المرء موفّقاً ومسدداً .. ومتى يكون تائهاً مخذولاً ..
بل نَعرِفُ من خِلالِهِ أن مرتبتنا في موازين الآخرة على حسب مرتبتنا في ميزان الدنيا .
وَثِق تمامَ الثقة أنَّ ما اختاره الله لنا هو الأصحُّ والأنفع ... وإن شئت فقل بعبارةٍ أخرى ... إنه لا يوجد منهج في الحياة يضمن لنا الصلاح والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة إلاّ منهج الله تعالى القائل: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) .. لذلك .. وجب الحكم على الأمور كلها بميزان الله لا بميزان الناس .. وما ذلك إلاّ لأن ميزان الناس ميزان مختلف ومضطرب ومتفاوت وقد قال سبحانه: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ..
فهاهُم أحياناً يرونَ الخلاعةَ والمجون رياضةً وفنّا ..
وهاهُم أحياناً يرونَ التمسُّكَ بالدينِ رجعيةً وتخلفا ..
وهاهُم أحياناً يرونَ الجهادَ والمُقاومة عُدواناً وإرهابا ..
وهاهُم أحياناً يحكمونَ على الأشخاصِ بمجرّد مظاهرهم .. فَربّما ظلموا كثيراً .. وانخدعوا بالكثير .. وإليك هذا الحديث الذي يرويه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال .. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مرَّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حّرِيٌّ إن خَطب أن يُنكحَ وإن شَفَعَ أن يُشفّّع وإن قال أن يُستَمَع ، قال: ثم سكتَ .. فمر رجلٌ من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حّرِيٌّ إن خَطب أن لا يُنكحَ وإن شَفَعَ أن لا يُشفّّع وإن قال أن لا يُستَمَع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من مِلْءِ الأرضِ مثلَ هذا" ..
فإيَّاكَ والانسياق وراء موازين الخلق .. فما أكثر ما يخطئون ..
وإيَّاكَ والاستعجال في الحكم على الباطل بالجمال بسبب كثرة المتبعين له والعاملين به (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ..
وإيَّاكَ أن تُذِلّ من أعّزه الله .. أو أن تعزّ من أذله الله ..
وإيَّاكَ أن تُبعد مَنْ أمَرَ الله بتقريبه.. أو أن تدني من أمر الله بإقصائه..
وإيَّاك أن تجتهد لتكون مشهوراً ومرضيّاً عند الناس .. لكنَّك خامل الذكر ، ممقوت عند الخالق ..
فكن كزاهرٍ رضي الله عنه ..
ومن هو زاهر؟
إنَّه صحابي من أهل البادية .. لم يكن ذا جمالٍ ولا مال ..
بل كان قصير القامة .. ومع ذلك كان محبوباً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وفي ذات مرّة ، رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي يبيع متاعاً له في السوق ، فأحبَّ أن يُمازِحه ، فأمسكَ به من الخلف ، فقال زاهر رضي الله عنه: اتركني ... اتركني ... وهو لا يعلم من هذا الرجل الذي يمازحه، فتركه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فلمّا التفت إذا بالذي يمازحه نبي الله صلى الله عليه وسلم .. فأخذ زاهر يُرجع ظهره إلى صدر النبي صلى الله عليه وسلم وهنا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته ويقول مازحاً: " من يشتري هذا العبد؟ من يشتري هذا العبد؟ "
فقال زاهر: إذن تجدني كاسداً يا رسول الله ... (أي أني بضاعة خاسرة لا أساوي شيئاً ذا بال) ..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهو الذي يربي الناس على ميزان الله لا ميزان الناس) " لكنّك عند الله لست بكاسد " ..وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.خالد الخيلوي
سؤال: هل ذَكَر الله تعالى الميزان في كتابه؟
الجواب: نعم ... وإن شئت فاقرأ قوله عز وجل في سورة الرحمن: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْـمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْـمِيزَانِ) ..
هذه الآية تتحدَّثُ عن الميزانِ في الدنيا .. فهل جاءت آيات تتحدث عن الميزان يوم القيامة؟
والجواب كذلك: نعم .. وإن شئت فاقرأ قوله عز وجل: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) ..
وهنا اطرَحُ عليك السؤال الثالث فأقول :
هل هناك ارتباطٌ بين ميزانِ الدُنيا وموازين الآخرة؟
والجواب بدون أدنى ريب: نعم .
وهنا تنعكس المسألة فيُصبِحُ السائِلُ هو أنت لتقول لي: حدّثني عن هذا الارتباط؟
فأقول لك: تعالَ معي لأختَصِرَ لك قصةً طويلة بدأت منذُ آدم عليه السلام ........ وستنتهي مع آخر مكلَّف من الجن أو الإنس .
خلق الله الخلق ...
واختار منهم نوعين ليتحمّلا أمانةَ التّكليف وهما الثقلان الجن والإنس ..
أعطاهُمُ الأسماعَ والأبصارَ والأفئدة ..
بيَّن لهما الغاية من خلقهم وهي عبادته وعدم الإشراك به ..
أنزلَ لهم الكُتب ، لتبيِّن لهم مُراد الله منهم ..
وأرسلَ لهم الرُّسُل ليكونوا نماذِجَ حيَّةً في تطبيق مُراد الله تعالى ..
كلُّ هذا من رّحمةِ الله وعدلِهِ وكرمِه ..
ولماذا كلُّ هذا؟ ........ يأتيك الجوابُ بكلِّ وضوحٍ وجلاء:
إنَّهُ من أجلِ أن يقيم حجته على خلقه .... فنهايةُ المطاف جنّة أو نار .. يا الله .. ما أروعها من نهاية أو أفضعها ..
الله العليم الحكيم الرحيم .. لم يترك الناس محتارينَ في تحديدِ معالم الغاية التي خُلِقُوا من أجلها .. فعُقولهم متفاوتة .. وقُدراتهم مختلفة .. و مَشاربهم متنوّعة ..
فلعل ما أراه حسناً .. يمكن أن يكون عندك قبيحاً .. وما أراهُ أنا وأنت حقاً .. يمكن أن يكون عند الثالث باطلاً .. وما أعتقده أنا وأنت ومن حولنا عدلاً .. يمكن أن يراهُ الآخرون ظُلماً وعدواناً .
لعلَّ ما يُعجبنا في هذا العام .. ننفرُ منه في العامِ القادم .. ولعلَّ ما نقرِّرُهُ في هذا العقد من الزمان ننقضُهُ في عقدٍ لاحق .
فكان من رحمته سبحانه وهو العليم الحكيم أن أعطانا ميزاناً عادلاً ثابتاً ..
نَعرِفُ من خِلالِهِ الحلالَ والحرام .. والصواب والخطأ ..
نَعرِفُ من خِلالِهِ من هم أحِبَّاؤُنا؟ ومن هم أعداؤُنا؟
نَعرِفُ من خِلالِهِ حقيقة الفوز والنجاح .. وحقيقة الخسارة والفشل ..
نَعرِفُ من خِلالِهِ متى يكون المرء موفّقاً ومسدداً .. ومتى يكون تائهاً مخذولاً ..
بل نَعرِفُ من خِلالِهِ أن مرتبتنا في موازين الآخرة على حسب مرتبتنا في ميزان الدنيا .
وَثِق تمامَ الثقة أنَّ ما اختاره الله لنا هو الأصحُّ والأنفع ... وإن شئت فقل بعبارةٍ أخرى ... إنه لا يوجد منهج في الحياة يضمن لنا الصلاح والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة إلاّ منهج الله تعالى القائل: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) .. لذلك .. وجب الحكم على الأمور كلها بميزان الله لا بميزان الناس .. وما ذلك إلاّ لأن ميزان الناس ميزان مختلف ومضطرب ومتفاوت وقد قال سبحانه: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ..
فهاهُم أحياناً يرونَ الخلاعةَ والمجون رياضةً وفنّا ..
وهاهُم أحياناً يرونَ التمسُّكَ بالدينِ رجعيةً وتخلفا ..
وهاهُم أحياناً يرونَ الجهادَ والمُقاومة عُدواناً وإرهابا ..
وهاهُم أحياناً يحكمونَ على الأشخاصِ بمجرّد مظاهرهم .. فَربّما ظلموا كثيراً .. وانخدعوا بالكثير .. وإليك هذا الحديث الذي يرويه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال .. قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مرَّ رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حّرِيٌّ إن خَطب أن يُنكحَ وإن شَفَعَ أن يُشفّّع وإن قال أن يُستَمَع ، قال: ثم سكتَ .. فمر رجلٌ من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حّرِيٌّ إن خَطب أن لا يُنكحَ وإن شَفَعَ أن لا يُشفّّع وإن قال أن لا يُستَمَع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من مِلْءِ الأرضِ مثلَ هذا" ..
فإيَّاكَ والانسياق وراء موازين الخلق .. فما أكثر ما يخطئون ..
وإيَّاكَ والاستعجال في الحكم على الباطل بالجمال بسبب كثرة المتبعين له والعاملين به (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ..
وإيَّاكَ أن تُذِلّ من أعّزه الله .. أو أن تعزّ من أذله الله ..
وإيَّاكَ أن تُبعد مَنْ أمَرَ الله بتقريبه.. أو أن تدني من أمر الله بإقصائه..
وإيَّاك أن تجتهد لتكون مشهوراً ومرضيّاً عند الناس .. لكنَّك خامل الذكر ، ممقوت عند الخالق ..
فكن كزاهرٍ رضي الله عنه ..
ومن هو زاهر؟
إنَّه صحابي من أهل البادية .. لم يكن ذا جمالٍ ولا مال ..
بل كان قصير القامة .. ومع ذلك كان محبوباً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وفي ذات مرّة ، رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي يبيع متاعاً له في السوق ، فأحبَّ أن يُمازِحه ، فأمسكَ به من الخلف ، فقال زاهر رضي الله عنه: اتركني ... اتركني ... وهو لا يعلم من هذا الرجل الذي يمازحه، فتركه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، فلمّا التفت إذا بالذي يمازحه نبي الله صلى الله عليه وسلم .. فأخذ زاهر يُرجع ظهره إلى صدر النبي صلى الله عليه وسلم وهنا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته ويقول مازحاً: " من يشتري هذا العبد؟ من يشتري هذا العبد؟ "
فقال زاهر: إذن تجدني كاسداً يا رسول الله ... (أي أني بضاعة خاسرة لا أساوي شيئاً ذا بال) ..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهو الذي يربي الناس على ميزان الله لا ميزان الناس) " لكنّك عند الله لست بكاسد " ..وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات
د.خالد الخيلوي
تعليق