السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال مالك بن ينار:
( لو يعلم الخلائق ماذا يستقبلون غداً ما لذوا بعيش أبداً ).
وما خاف مؤمن اليوم إلا أمن غداً بحسن اتعاظه وصلاح عمله، ولكن كثيراً من الناس مع الأسف الشديد يضيع عمره في غير ما خلق له، ثم إذا فاجأه الموت صرخ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99]
ولماذا ترجع وتعود لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100]
وأين أنت عن هذا اليوم أيها الغافل؟
ألا تعمل وأنت في سعة من أمرك وصحة في بدنك، ولم يدن منك ملك الموت بعد.
إن ما نراه في المقابر أعظم وأكبر معتبر، فحامل الجنازة اليوم محمول غداً، ومن يرجع من المقبرة إلى بيته اليوم سيرجع عنه غداً ويُترك وحيداً فريداً في قبره مرتهناً بعمله، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وحيداً فريداً في التراب وإنما *** قرين الفتى في القبر ما كان يعمل
ولكن ما أقل من اتعظ وما أنذر من اجتهد، إن كان من قصر أمله، وجعل الموت أمام ناظريه عمل بلا شك للآخرة واستفاد من كل لحظة من لحظات عمره في طاعة ربه وتحسر على كل وقت أضاعه بدون عمل صالح يقربه إلى الله، وهو لما قدم من عمل فرح مسرور بالانتقال إلى الدار الآخرة وهذا هو المغبوط حقاً.
قال لقمان لابنه:
( يا بني أمرٌ لا تدري متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك ).
وقال بعض السلف:
اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ولا هول ولا عذاب سوى سكرات الموت بمجردها لكان جديراً بأن يتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه سروره ويفارقه سهوه وغفلته، وحقيق بأن يطول فكره ويعظم له استعداده، كيف ونحن نعلم أن وراء الموت القبر وظلمته، والصراط ودقته والحساب وشدته، أهوال وأهوال لا يعلم عظمها إلا بالله.
للموت فاعمل بجد أيها الرجل *** واعلم بأنك من دنياك مرتحل
إلى متى أنت في لهو وفي لعب *** تمسي وتصبح في اللذات مشتغل
اعمل لنفسك يا مسكين في مهل *** ما دام ينفعك التذكار والعمل
القبر
القبر هو أول منازل الآخرة فكيف بنا أهملنا بنيانه وقوضنا أركانه وليس بيننا وبين الانتقال إليه إلا أن يقال: فلان مات. قال : { ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه }
وقال عليه الصلاة والسلام:
{ القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه ومن لم ينج منه فما بعده أشد منه }.
فارقت موضع مرقدي يوماً ففارقني السكون *** القبر أول ليلة بالله قل لي فيه ما يكون
نظرة واحدة بعين البصيرة في هذا القبر والله سوف تعطيك حقيقة هذه الدنيا فبعد العزة وبعد الأموال وبعد الأوامر والنواهي وبعد الخدم والحشم وبعد القصور والدور، أهذه هي نهاية ابن آدم في هذه الحفرة الضيقة المظلمة.
تالله لو عاش الفتى في عمره *** ألفاً من الأعوام مالك أمره متلذذاً فيها بكل نعيم *** متنعماً فيها بنعمى عصرهما كان ذلك كله في أن يفي *** بمبيت أول ليلة في قبره
تعليق